جريمة الإخْتفاءْ القسرى فى إطار القانُون الدولى

جريمة الإخْتفاءْ القسرى فى إطار القانُون الدولى
إنّها وسيلة غير مشروعة تلجأ إليها بعض الحكومات لتهديد خصوصمهم السياسيين

حمّاد وادى سندْ الكرتى
المحامى والباحث القانُونى
[email protected]

فى كثير من الأحيان , تلجأْ بعض حكُومات دول العالم الثالث , إلى وسائل غير مشروعة , بهدف تهديد خصومهم السياسيين , أو الناشطين فى مجال حقُوق الإنسان ( خاصّةً أولئك العاملين فى منظمات المجتمع المدنى –  منظمات غير حكوميّة ) .
وعندما تلجأ السُلطات الأمنيّة , إلى هذا الأسلوب غير المشروع , فإنّها أيضا تسارع فى الإنكار , بل وترفض الإفصاح عن مكان وجود الشخص أو الأشخاص المختفين أو المختطفين بصورة قسريّة , وفى أغلب الأحيان فإن ضحايا الإختفاءْ القسرى , يصبحون عُرضة للتعذيب , والمعاملة اللاإنسانيّة او المعاملة الحاطة بالكرامة الأدميّة , وفى كثير من الأحيان ينتهى بهم المطاف إلى الإختفاءْ بصورة أبديّة .
ونسبةًً لتزايد أعمال الإختفاءْ القسرى فى كثير من الدول , حول العالم, خاصة دول العالم الثالث التى تحكم شعوبها بقوانين الظلم والإستبداد  , فإننى سوف أتناول , قضية الإختفاءْ القسرى بصورة علميّة ( فى إطار القانون الدولى العام) , ومن غير التعرض , لأى نظام يشتبه فيه , إنتهاج أسلوب الإختفاءْ القسرى لإسكات وإخافة معارضيه .
ماهية جريمة الإختفاءْ القسرى : إن الإختفاءْ القسرى , هو عملية القبض على الشخص أو الأشخاص , بصورة قسريّة وحرمانهم من الحريّة , مع رفض الكشف عن مكان تواجدهم .
وبلا أدنى شكْ , فإنّ جريمة الإختفاءْ القسرى , يمثل إنتهاكا خطيرا لحقُوق الإنسان , لأن الجريمة تمس حياة الناس وكرامتهم , بل وتحرمهم من التمتع بالحقْ فى الحريّة التى كفلها القانُون الدولى , فضلا عما يُصاحب عملية الإختفاءْ القسرى , عمليات تعذيب وسُوءْ معاملة , بل ويحرم الأشخاص المختفين قسراً من الإتصال بذويهم او محامى الدفاع , بل والإنقطاع عن الإتصال بالعالم الخارجى كليا.
لذا فإن الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة , أصدرت العديد من الوثائق والصكوك والإعلانات الدوليّة , التى تحث السُلطات الحكوميّة الى الإمتناع من اللجوءْ , الى هذه الوسيلة غير المشروعة , لتهديد خصومهم السياسيين , وإخافة المواطنيين .
ومن أبرز تلك النصوص , ماجاء فى الإعلان العالمى لحقُوق الإنسان 1948م , خاصّة نص المادة رقم (3) , الذى أكد على حق كل فرد فى الحياة والحريّة والأمان على شخصه . والمادة رقم (5) , الذى ينص على أنّه لا يجوز تعريض أحد للتعذيب ولا المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة او تلك المعاملة الحاطة بكرامة الإنسان , ونصّت المادة (9), من الإعْلان العالمى لحقوق الإنسان , على الإمتناع من إعتقال اى إنسان او حجزه او نفيه تعسفا .
وهناك العديد من النصوص التى تضمنها  العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة , الصادرة عن الأُمم المُتحدة فى العام 1966م , تلك النصوص تحث الدول بشدّة على عدم اللجوء الى الإختفاء او الإختطاف القسرى للأفراد , فى سبيل إخافة الخصوم او تهديدهم بتلك الوسيلة غير المشروعة .
غير أن المجتمع الدولى , لم يكتفى بذلك , بل أصدر العديد من الإعلانات , وذلك فى ظل تزايد حالات الإختفاء القسرى , خاصة فى دول العالم الثالث , كما أن خطورة الجريمة , وما يتركه من أثار مدمرة فى حياة أقرباء الشخص او الأشخاص المختفيين قسرا ( الترويع وفجاعة القلوب وعدم الإطمئنان على حياتهم…الخ).
لذا فإن الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة , أصدرت إعلانا دوليا , بهدف حماية الأفراد من الإختفاء القسرى 1992م , وقد أخذت الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة فى إعتبارها , الكرامة الأصيلة للإنسان , بغض النظر عن اللون – الجنس – الأصل الوطنى – الرأى السياسى او غير السياسى , بل وأخذت فى إعتبارها القلق العميق الذى يساور المجتمع الدولى جراء تزايد حالات الإختفاء القسرى للأفراد , أو إختطافهم مع رفض الكشف عن مصير هؤلاء الأشخاص المختفيين قسريا .
بل وإعتبر الإعلان 1992م , أن الإختفاء القسرى , يمثل جريمة ضد الكرامة الإنسانيّة , فضلا عن مايمثله الجريمة من إنكار خطير وصارخا , لميثاق الأمم المتحدة , بل وإنتهاكا  واضحا لكافة المواثيق الدوليّة المتعلقة بحقُوق الإنسان .
وليس بعيدا عن مسرح الصكوك الدوليّة , ذات الصلة بجريمة الإختفاء القسرى , فإن الجريمة , يمكن أن تشكل جريمة من الجرائم المرتكبة ضد الإنسانيّة التى تندرج تحت إختصاص المحكمة الجنائيّة الدوليّة , وذلك بموجبْ المادة (7) , من نظام روما1998م الذى يحمل عنوان ( الجرائم ضد الإنسانيّة ) , خاصّة نص الفقرة (ط) الذى عرّف جريمة الإختفاء القسرى , بأنه عملية إلقاء القبض على أى شخص , أو إحتجازه , أو إختطافه من قبل دولة او منظمة سياسيّة , أو بإذن او دعما منها , لهذا الفعل او السكوت عليه , ثم رفضها الإقرار , بحرمان هؤلاء الأشخاص من حرياتهم , والإمتناع عن إعطاء اى معلومات عن مصير الأشخاص او عن مكان تواجدهم , وذلك بهدف حرمانهم من حماية القانون لأطول فترة زمنيّة مُمكنة ,او حرمانهم من الظهور مرة أُخرى والى الأبد .
ونستخلص من نص الفقرة (ط) المادة(7) من نظام روما 1998م , أن المحكمة الجنائيّة الدوليّة مختصة فى النظر والتحقيق فى جرائم  الإختفاء القسرى , إذا مالجأت إليها السلطات , بصورة منهجية ومنظمة .
خلاصة القول : إن المجتمع الدولى , والناشطين فى مجال حقوق الإنسان ( منظمات المجمتع المدنى – المنظمات غير الحكوميّة ) , يساورهم بالغ القلق جراء لجوء بعض حكومات الدول الى وسيلة الإختفاء او الإختطاف القسرى , كوسيلة غير مشروعة لمواجهة الخصوم او المعارضيين للسياسات الإقتصاديّة او الأمنيّة, أو المطالبين بمزيد من حرية الرأى والتعبير , والديمقراطية  …الخ .
لذا فإنه من الأهمية بمكان , أن لاتلجأ حكومات الدول الى هذه الوسيلة غير المشروعة , وعلى المجتمع الدولى ان يتعاون بشكل تام للحد من هذه الظاهرة الإجراميّة شديدة الخطورة .

حمّاد وادى سندْ الكرتى
المحامى والباحث القانُونى
[email protected]

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *