تزامن احتفال هذا العام بكشف الشعب السوداني المحصلة النهائية لحكم الإسلامويين القائم على ثالوث الفساد والتعذيب والكذب الموثق، عبر العديد من الأدلة والمستندات والوثائق،
■ «أيها المواطنون الكرام»، هي العبارة التي يفتتح بها رئيس قوم «الأبالسة»- وهو الوصف الشائع في الشارع السوداني خلال هذه الأيام، ويشير إلى المحاكمة الشعبية للرئيس السوداني وسنوات حكمه – خطابه الذي يوجهه إلى الشعب في الثلاثين من يونيو/ حزيران كل عام.
آخر خطاب قدمه بحلول المناسبة كان في العام الماضي ويحمل الرقم 24 منذ تربعه على عرش أل»كافوري» الميامين دون أدني شرعية ومشروعية تؤهله لهذا التربع إلا شرعية السطو المسلح، في هذا التاريخ، أي مقفلة الشهر الماضي كان الرئيس السوداني قد أكمل عامه الخامس والعشرين على هذا العرش، ولكن من دون أي خطاب ولا احتفال ولا صيغة «يا أيها المواطنون».
هذا اليوم، وعلى غير العادة مر مرور الكرام من دون أثر، لا ذكرى ولا ذاكرة، فيما يقال همسا أن أمرا خطيرا يجري في الخرطوم، كما أشرنا في مقال سابق، وفيه احتمال ان الرئيس- وفق شائعات الشارع – وقع حقيقة رهن الإقامة الجبرية، من دون تأكيد أو نفي، في ظل سياق أحداث سلطة تعيش صراعا عنيفا حول بديل مرتقب، ودور للرئيس فيه غائب أو مغيب، ويُفرض عليه القيام بمهام محددة من دون معرفة الجهة التي تقوم بذلك، كما تشير ذات مصادر المجالس والدوائر المراقبة.
الملاحظ بعد مضي أكثر من أسبوع لم تبرر سلطة الحزب الحاكم السوداني ورئيس الحزب والدولة معا عدم احتفائهم بهذا اليوم وتقديم خطاب العرش، في هذه الزاوية المسوغات عديدة وتجري وفق ادوات تحليل كل فريق، ليست بالضرورة أن تتوافق مع تبريرات السلطة المسكوت عنها أو الاجتهادات الأخرى التي عزته إلى مرض الرئيس وعجزه عن قراءة خطاب العرش. ولكن تبقى المساءلة ما بين هذا وذاك ماذا هم قائلون فيه، إن قدموه او لم يفعلوا؟ الإجابة ببساطة لا شيء، لأن الرئيس وآله الكافوريين حالهم كحال «حمار الشيخ الذي وقف في العقبة»، ويأتي هذا بعدما تزامن احتفال هذا العام بكشف الشعب السوداني المحصلة النهائية لحكم الإسلامويين القائم على ثالوث الفساد والتعذيب والكذب الموثق، عبر العديد من الأدلة والمستندات والوثائق، والأدهى في ما بينهم وبين أجنحتهم في مشروع الفضيحة السوداني الذي ليس لديهم فيه ما يقولونه أو يقدمونه للشعب السوداني، وفي هذا فان الرئيس السوداني باعتباره المسؤول عن مشروع الحكم السوداني قد اكمل كُتابه كل الإنشاءات السياسية في الكذب وإعادة إنتاجه كما أكملوا تسويق الفشل وإعادته، بل توقف عقلهم عن إبداعاته وإنتاجاته التي وصلت لدرجة الملهاة، بعــــدما تبـــين لكل الـــناس أن المشروع الإصلاحي النهضوي الإسلاموي تحت حكم عسكر الإنقاذ الملتحين في الخرطوم، كان مشروعا لنهضة وإصلاح الجيوب، عبر بنية لنظام يؤمن ويرتكز على التعذيب وصناعة الفساد، فيـــه لم يعـــرف الشعب السوداني طوال خمسة وعشرين عاما أن مسؤولا إسلامويا سودانيا تمت محاكمته بالفساد، رغم ثبوت كل الحالات، بل يتم تمجيده ودعمه واحترامه في خارطة ســـياسية لا تعرف غير الفساد منهجا، ولكنه بالمقابل عرف أبريــاءً كثُرا تمت قطـــع أيديـــهم وإعدامهم أو تعذيبــهم، ولا ندري في هذه الثقـــافة السياسية كيف يوقع الرئيس بنفسه أحكام الإعدام لعدد من السودانيين، وما هي شرعيته القانونية لذلك، ولماذا يخضـــع الشعب السوداني للقانون الذي تسنه وتنفذه دولة البشير.
هناك شيء واحد كان يمكن لدولة البشير أن تتقدم به في خطابها هذه السنة، ضمن هذه «الذاكرة» السيئة، وليست الذكرى رغم ضعف القائمين على الـــــدولة في مواجهة الشعب السوداني بسبب عدم الثقة في النفس جراء جريمة القرن التي تم ارتكابها في السودان وبموجـــبها كان التهرب بســبب الخوف لضعف موقفهم السياسي والأخلاقي والإنساني.
الاقتراح في هذا الإطار يكمن في ضرورة تقديم خطاب الإنقاذ لهذا العام، ولو أن يأتي بأثر رجعي، لأن هناك حاجة مجتمعية وجماهيرية له، هذه الحاجة تنبع من حاجة الشعب الى مقارنة ما يراد قوله وأوراق إدانته المسبقة للإنقاذ، بعدما تم كشف جميع اوراق الإنقاذ في المزاد العلني.
أما أهم بنود الخطاب فبالضرورة أن يتقدم الرئيس السوداني باسمه واسم تنظيم الجبهة الإسلإموية التي دفعت به للحكم، والتي تم حلها لصالح تنظيم «المؤتمر الوطني» الحاكم، وباسم التيارات التي انشقت عنه من شعبي والإصلاح الآن والسائحون والدبابين وكل الملل الاخرى التي لا يمكن إحصاؤها، بسبب شهوات المال والصراع حول السلطة المنتجة لهذا المال، مع تسجيل حقيقة ثابتة تقول ان ليست هناك حركة إسلامية بالسودان الآن، وأن هناك عصابات ومافيات للحكم، وباسمهم جميعا «أيها المواطنون… نتقدم باعــــتذارنا للشـــعب الســـوداني، لسبب بسيط ومن دون تفصيل أننا عديمي الأخــــلاق، فــــيه قسمنا الوطن وسرقنا الشعب وما رسنا أسوأ عملية تعـــذيب في ما بيننا، وتجاه الشعب، كما ارتكبنا جرائم الإبادة ضــد الإنســـانية وجـــرائم الحرب، وعهدنا كان بالجملة عبـــارة عن خدعة كبري وتفضلوا باستلام دولتكم ونحن جاهزون لحكم الشعب….»، أما التهنئة للرئيس في إطار الواجب طبعا، «التهاني له بمناسبة كشفه للشعب كذبة حكم إسلامويي السودان وتيار الإسلام السياسي الذي سقط في السودان، وبهذا نجزم قطعا أن خلافة داعش وكل الأشكال الإسلاموية قد لا تطال الأرض السودانية في المستقبل وتلك هي نعمة من نعم الله» .
٭ كاتب سوداني مقيم في لندن
محجوب حسين
القدس العربي