تقرير للأمم المتحدة: الحركة الشعبية لم تنزع سلاحها.. و400 من مائة ألف تحولوا إلى مدنيين
واشنطن متفائلة بقيام استفتاء السودان في موعده.. وأن الخرطوم ستعترف بنتائجه
واشنطن: محمد علي صالح
كشفت مصادر أميركية عن أن الحركة الشعبية، التي قادت الحرب الأهلية ضد الشمال لأكثر من عشرين سنة، والتي تحكم الجنوب الآن، ويتوقع أن تحكم دولة الجنوب المستقلة في السنة القادمة، لم تنزع سلاح جنودها كما نصت اتفاقية السلام سنة 2005، وأن من بين 100 ألف جندي، بدأ 30 ألف فقط نزع سلاحهم والتدريب للعودة للحياة المدنية، لكن حتى هؤلاء لم يتحولوا فعلا إلى الحياة المدنية، ويعتقد أن 400 جندي فقط تحولوا إلى الحياة المدنية.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن تقرير سري للأمم المتحدة، حمل مسؤولية التقصير لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية (يو إن دي بي) الذي يتولى نزع سلاح الجنود وتدريبهم ليعودوا إلى الحياة المدنية، ويعتمد البرنامج على تبرعات أجنبية بدأت منذ التوقيع على اتفاقية السلام عام 2005، وقال التقرير إن «جزءا كبيرا من الاعتمادات صرف على مبان ومكاتب ورواتب وأجهزة كومبيوتر»، وإن تقرير «يو إن دي بي» في السنة الماضية لم يشر إلى أن جنديا جنوبيا واحدا ألقى سلاحه وصار مدنيا، وإن تبرعات الدول المانحة والاعتمادات للسنة الجديدة ليست متوافرة، مما يهدد بتوقف البرنامج تماما.
غبر أن ستيفن دوجاريك، المتحدث باسم «يو إن دي بي» في نيويورك، قال: «نعم، يبدو واضحا أن البرنامج يواجه تحديات كثيرة». وأضاف: «يعمل البرنامج في منطقة خرجت لتوها من حرب أهلية طويلة.. ويؤثر هذا كثيرا على جهود نزع السلاح وتأهيل الجنود». وقال وولف كريستين بايز، مندوب في جوبا لمركز سويسري يعمل في مجال نزع السلاح وتأهيل الجنود: «عندي 3 أسئلة: من المسؤول؟ أين الميزانية؟ كيف ننقذ الموقف؟».
ومع اقتراب الاستفتاء وتوقع إعلان دولة جديدة في جنوب السودان، تبقى مشكلة كبيرة حسب المراقبين، وهي أن الجنود الذين حاربوا لم يلقوا سلاحهم ولم يتحولوا إلى الحياة المدنية. وأضاف تقرير الأمم المتحدة: «بعض هؤلاء الجنود ولد في ساحة الحرب وتربى فيها ولا يعرف غيرها». وقال وليام دينق، المنسق الجنوبي للبرنامج، إن «400 جندي فقط، من جملة 100 ألف جندي تقريبا، فعلا انتقلوا إلى الحياة المدنية، وإن هذه أقل من نسبة 1 في المائة». وأضاف دينق: «توجد مخاوف من أن البرنامج قد فشل». ووصف مسؤول في البرنامج، طلب عدم نشر اسمه أو وظيفته، البرنامج بأنه «نكتة».
وكانت صحيفة ألمانية نشرت في الأسبوع الماضي نقلا عن تقرير سري للأمم المتحدة كشف عن فساد كبير في عمليات الأمم المتحدة في جنوب السودان، وخاصة برنامج «يو إن دي بي». وقالت الصحيفة إن 50 خبيرا من الأمم المتحدة في جنوب السودان حصلوا خلال العام الحالي على رواتب عالية بلغت جملتها 14 مليون دولار، وإن هذا يعني متوسط أكثر من 300 ألف دولار للخبير في السنة (تقريبا 30 ألفا في الشهر)، وإن بعضهم يعمل في وظائف «خيالية» ولا توجد في البرنامج الأصلي.
وقالت الصحيفة: «كان مفترضا أن يحصل كل جندي سابق على 1500 دولار لتنفيذ مشروع يبدأ به حياته، لكن لم يتم سوى منح 600 دولار فقط للفرد الواحد، في الوقت الذي حصل فيه الخبراء الدوليون على عشرات الآلاف من الدولارات كرواتب شهرية». وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن الأمم المتحدة رصدت ميزانية 430 مليون دولار لنزع سلاح الجنود الجنوبيين وتأهيلهم للعمل المدني، وأن تقارير سابقة للأمم المتحدة أوضحت أن البرنامج لم يبدأ مباشرة بعد اتفاقية السلام سنة 2005.
إلى ذلك، قال مسؤولون وخبراء أميركيون إن الإدارة الأميركية باتت متفائلة نسبيا بأن عملية استفتاء تقرير مصير جنوب السودان ستتم في موعدها، وأن حكومة الرئيس السوداني عمر البشير ستعترف بنتيجته.
وفي تصريحات نقلتها صحيفة «واشنطن بوست» قال مسؤول في الخارجية الأميركية، مشترطا عدم نشر اسمه: «نحن متفائلون اليوم أكثر مما قبل 6 أسابيع». وأشار إلى تصريحات الرئيس البشير التي أكد فيها حرص حكومته على إجراء الاستفتاء في موعده في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأنه سيعترف بنتيجته سواء كانت لصالح الانفصال أو الوحدة، وأنه إذا اختار الجنوب أن يكون دولة مستقلة، فسيكون أول معترف به.
من جانبه، قال جون تانين، من معهد السلام في واشنطن، وهو خبير في موضوع السودان: «نجحت عملية التسجيل بصورة لم يتوقعها أحد، وصار واضحا أن تجهيزات لوجستية واستعدادات مبكرة ساهمت في طمأنة الذين كانوا غير مطمئنين». غير أن تانين أبدى قلقه مما سيحدث في منطقة أبيي، وقال: «إذا بدأ قتال محلي هناك، فربما سيتطور ليكون قتالا على نطاق واسع».