تقرير أميركي عن السودان: أوباما أعطى دارفور للبشير مقابل الجنوب
قال إن استغلال تحول الاهتمام العالمي نحو الجنوب سيزيد «التحرشات» في الإقليم الغربي
واشنطن: محمد علي صالح
قال تقرير أميركي إن الرئيس باراك أوباما أعطى نظيره السوداني عمر البشير «الضوء الأخضر» في دارفور، مقابل التزام الحكومة السودانية بإتمام الاستفتاء في جنوب السودان في يناير (كانون الثاني)، والالتزام بنتيجته. وقال التقرير إن السيناتور الأميركي جون كيري، عندما زار السودان آخر مرة، «قال عبارات دبلوماسية معناها أن واشنطن تريد فصل مشكلة دارفور عن مشكلة الجنوب. وأن اتصالات الحكومة الأميركية مع حكومة البشير ستفصل بين المشكلتين».
وقال التقرير الذي نشرته دورية «فورين بوليسي» (السياسة الخارجية) في واشنطن: «لسوء الحظ، هناك منطق وراء رغبة البشير في أن يحل مشكلة، ويركز على مشكلة أخرى.. في الحقيقة، ظلت هذه استراتيجية الشماليين منذ عقود من السنين». واتهم التقرير الحكومات المتعاقبة في الخرطوم بأنها ظلت تهمش المناطق البعيدة، وتحرشها بعضها ضد بعض. واتهم حكومة البشير بأنها «أثرت من ناحيتين: النفط، وإعلان الحروب هنا وهناك. وقال إنه، إذا انفصل الجنوب، سيقل دخل النفط، لكن ستستمر الحروب».
وحذر التقرير من أن الرئيس البشير سيستغل تحول الاهتمام العالمي من دارفور إلى جنوب السودان، وسيزيد من «التحرش والتهديد الخفي» في الإقليم الغربي. لكن التقرير أشار إلى أنه و«على المدى البعيد، إذا استمر البشير في الحرب الخافتة في دارفور بعد الاستفتاء في الجنوب، ستكون هناك نتائج قبيحة في دارفور، وفي كل البلاد».
وأشار التقرير إلى الهجوم الجوي الذي قامت به القوات السودانية المسلحة في دارفور في منتصف هذا الشهر. وأن طائرتين من طراز «أنتونوف» قصفتا منطقة الحدود المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، وسقطت القنابل في المنطقة المتنازع عليها التي يسيطر عليها جيش الحركة الشعبية، مشيرا إلى أن هذا كان «الاستفزاز العلني الأول منذ توقيع اتفاق السلام السوداني 2005». وأنه ينذر ببداية «مرحلة جديدة من الصراع المستمر منذ عقود بين الشمال والجنوب. والعودة إلى الحرب التي تلوح في الأفق، وتثير كثيرا من الفزع في المجتمع الدولي».
لكن، التقرير أضاف أنه، بعد يوم واحد فقط بعد الهجوم، «بدا كل من الشمال والجنوب على استعداد لشطب الهجوم على اعتبار أنه حادث عابر». وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن التفاصيل الدقيقة لما حدث لا تزال غامضة بالنسبة للمسؤولين والخبراء ومراكز البحث في واشنطن. وقالت القوات المسلحة السودانية إنهم كانوا يضربون حركة العدل والمساواة، إحدى المجموعات المتمردة الرئيسية في دارفور، التي تقع في منطقة حدودية غامضة بين الشمال والجنوب. وأكد تقرير للأمم المتحدة هذا التفسير. وقال: «ليس من المرجح أن يؤدي الحادث إلى اشتباك بين جيش الحركة الشعبية والقوات المسلحة السودانية». وأضاف تقرير الأمم المتحدة: «القوات المسلحة السودانية اعتذرت عن الحادث».
لكن، تقرير «فورين بوليسي» وهي مركز باحث يتبع للشركة التي تمتلك صحيفة «واشنطن بوست»، أشار إلى أن قصف المناطق الحدودية السودانية «يبدو وكأنه استعراض للقوة من جانب حكومة الخرطوم وكأنها تقول للجنوبيين: انظروا ما سيحدث لكم إذا أثرتم غضبنا». وأضاف التقرير «هذا موضوع يعرفه الجنوبيون، بالتأكيد. ولن ينسوا إثارته في المفاوضات التي ستعقب الاستفتاء». في الجانب الآخر، قال التقرير إن الهجوم يسبب حرجا للجيش الجنوبي، الذي كان «نشر قواته إلى الشمال من الحدود».
وقال التقرير إن الحادث، حتى إذا كان غير متعمد وعرض، يشير إلى إمكانية حدوث «تدهور عسكري كبير» بين القوات الشمالية والجنوبية. خاصة إذا حدث ما سماه التقرير «أكبر طلاق في أفريقيا»، إشارة إلى احتمال تصويت الجنوبيين مع الانفصال.
ونصح التقرير الجانبين الشمالي والجنوبي بأن «هذا ليس وقت الاستعجال بالمشكلات». ودعا إلى «تنازلات سياسية، وصفقات وراء أبواب مغلقة بما يخدم مصلحة الجانبين». وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن السيناتور كيري كان زار السودان مرتين خلال أسبوعين فقط، وهو يحمل رسائل متبادلة بين أوباما وحكومة البشير. وفي ذلك الوقت، عبرت صحيفة «كريستيان سيانس مونيتور» عن رسالة أوباما للبشير بالآتي: «إذا أتاح البشير الاستفتاء سلميا في يناير، فإن الولايات المتحدة سوف تزيل السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في أقرب وقت منتصف العام المقبل». وأن مسؤولين في الخارجية الأميركية كانوا قالوا بأن اسم السودان سيرفع من قائمة الإرهاب إذا وافق الرئيس البشير على إجراء استفتاء الجنوب، وعلى الاعتراف بنتائجه. ولم يركزوا على موضوع دارفور، ولا على قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال البشير بسبب اتهامات الإبادة وجرائم الحرب في دارفور.
وأشار المراقبون إلى أن الحوافز التي أعلنها أوباما في سبتمبر (أيلول) شملت: السماح بتصدير المنتجات والخدمات الزراعية الأميركية، والأدوية والخدمات الطبية الأميركية، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، والسماح للبنك الدولي وصندوق النقد العالمي بتقديم مساعدات إلى السودان. لكن، لا تشمل الحوافز، القديمة أو الجديدة، باقي العقوبات الخاصة بالتبادل الاقتصادي والتجاري والحكومي. ويعتقد أن هذه ستكون لها صلة بحل مشكلة دارفور، بعد حل مشكلة الجنوب حسب استفتاء يناير. هذا بالإضافة إلى أن هذه العقوبات صدرت في عهد الرئيس الأسبق كلينتون بسبب سياسات حكومة البشير في ذلك الوقت، والتي اعتبرها كلينتون تهديدا للأمن الوطني الأميركي. هذا بالإضافة إلى أن العقوبات الأساسية أصدرها الكونغرس، ولا بد أن يوافق الكونغرس على رفعها. بينما قائمة الإرهاب تصدرها وزارة الخارجية، وتقدر على إضافة أو حذف أي اسم في أي وقت تراه مناسبا.