تفاقم الخلاف في واشنطن حول السودان: هل يشكو غرايشن هيلاري.. إلى أوباما ؟

بعد التصريح الذي أدلى به، أول من أمس، الجنرال المتقاعد سكوت غرايشن، مبعوث الرئيس أوباما الخاص إلى السودان، باحتمال رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، ارتفعت مؤشرات الاختلاف بينه وبين هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، وأعضاء في الكونغرس، ومنظمات أميركية تريد استمرار التشدد مع حكومة الرئيس عمر البشير.

وقال مسؤول في البيت الأبيض لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يعرف شيئا عن شكوى من غرايشن إلى الرئيس أوباما ضد هيلاري كلينتون. وكان غرايشن ألمح إلى ذلك أول من أمس عندما تحدث أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس. ولم يشر إلى الرئيس أوباما، ولكن، أشار إلى «جهات عليا». وقال مسؤول في البيت الأبيض إنه لا يعرف أي شيء، أيضا، عن اجتماع بين غرايشن وأوباما. وقال إن غرايشن «يجتمع عادة، ومن وقت لآخر» مع الجنرال المتقاعد جيمس جونز، مستشار الرئيس أوباما للأمن القومي.

وكان غرايشن قال للجنة الكونغرس إن وزارة الخارجية رفضت زيادة الاعتمادات المالية واللوجيستية لدعم وساطته بين السودانيين. وقال إن المقاطعة الأميركية لحكومة البشير «تعرقل دور أميركا في إحلال السلام في السودان»، مشيرا إلى الحرب في دارفور وتوتر العلاقات مع الجنوب. وأيضا، إلى الحاجة إلى إرسال معدات ثقيلة لتطوير الجنوب، وصعوبة ذلك مع استمرار المقاطعة.

وزادت تصريحات غرايشن النقاش في واشنطن عن استمرار أو عدم استمرار «الإبادة» في دارفور. وكان الرئيس السابق بوش أعلن، سنة 2003، أن ما يجري في دارفور «إبادة»، وأيده الكونغرس ومنظمات مسيحية ويهودية متطرفة. وكتبت جريدة «واشنطن تايمز» اليمينية أمس أنه «لا بد من عدم مكافأة حكومة الخرطوم بدون ضمانات واضحة ومقبولة وموثقة بأنها تعمل لوقف الحرب في دارفور، وإعادة اللاجئين، وتحقيق السلام هناك. وأيضا، بدون ضمانات لتنفيذ اتفاقية السلام تنفيذا كاملا. وأيضا، توقف حكومة الخرطوم عن دعم الإرهاب».

وقال مراقبون وصحافيون إنه صار واضحا أن الجنرال المتقاعد غرايشن يريد كسب الكونغرس، أو جزء من الكونغرس، إلى جانبه في الاختلاف الذي صار علنا منذ شهور مع سوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة. لكن، أخيرا، صار واضحا أيضا أن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، تميل نحو سوزان في مواجهة الجنرال المتقاعد. ولم يعد سرا أن هيلاري غير مرتاحة لما تراه إحاطة من أوباما لنفسه بجنرالات متقاعدين، إشارة إلى غرايشن وجونز. وحتى بدون الجنرالات، قالت أخبار في بداية هذا الأسبوع إن هيلاري تعتقد أن أوباما يسيطر على جزء كبير من السياسة الخارجية.

وبدا الخلاف علنا بين غرايشن وسوزان رايس قبل شهر، عندما قال الأول إن ما يجري في دارفور لم يعد إبادة، وليس «حملة تقتيل منسقة». وبعد يومين، قالت الثانية إنها إبادة. وأول من أمس، في الكونغرس، قال غرايشن إن هناك «فرقا كبيرا» بين ما حدث في دارفور سنة 2003، «والذي وصفناه بالإبادة»، وبين ما يحدث الآن. لكن، أول من أمس، وزع متحف «هولوكوست» اليهودي في واشنطن صورا التقطتها أقمار فضائية، قال إنها توضح أن «الإبادة» سببت خسائر أكثر مما نشر سابقا، خاصة عدد القرى التي دمرت أو أحرقت. وإن الأرقام التي نشرت بين عامي 2003 و2005 هي نصف الأرقام الجديدة.

وفي خطابه أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، قال غرايشن، إنه بدأ تنفيذ «استراتيجية تشمل كل القوى الوطنية، وهي استراتيجية شاملة ومكتملة وتقوم على الحوار والارتباط». وقال إن جهوده لتحقيق السلام في السودان «حققت تقدما خلال الشهور الماضية. لكن، لا تزال أمامنا جهود أكثر». وقال إن السياسة الأميركية الجديدة لا تعني «غياب ضغوط وغياب إغراءات. بالعكس، تعنى العمل لتغيير الظروف الواقعية، وتعني حوارات صريحة».

وعن مستقبل السودان، قال: «نريد دولة تحكم حكما مسؤولا، وعادلا، وديمقراطيا، في سلام مع نفسها ومع جاراتها، وتعمل مع الولايات المتحدة في مجالات المصالح المشتركة». وعن مفاوضات السلام في دارفور، قال «نؤمن نحن بأن المفاوضات السلمية بين الحكومة وكل أطراف النزاع هي الحل الوحيد. ونحن نريد اتفاقية تسمح للناس بأن يعودوا إلى قراهم ومدنهم أو أي مكان يختارونه ليعيشوا فيه في سلام». وعما أسماه «الحركات المتناثرة في دارفور»، قال: «نساعدهم لتوحيد كلمتهم، وللجلوس حول مائدة المفاوضات كصوت واحد».

وقال إن الاشتباكات بين قوات سودانية وقوات تشادية على حدود البلدين نتيجة جديدة لحرب دارفور، توضح أنه لا بد من احتواء الحرب حتى لا تتوسع. وقال إن الولايات المتحدة «تعمل مع ليبيا ومصر لإنهاء الحرب غير المباشرة بين السودان وتشاد». وعن الاستفتاء المتوقع في جنوب السودان، بعد سنتين تقريبا، ليختار الجنوب الانفصال أو الوحدة، رفض غرايشن تحديد إذا كانت الحكومة الأميركية تميل نحو الانفصال أو الوحدة، وقال إن «شعب جنوب السودان سيكون صاحب القرار». وقال: «نريد فترة استقرار بعد الاستفتاء مهما جاءت نتيجته: سودان واحد ومستقر وموحد، أو سودان مقسم تقسيما سلميا إلى دولتين مستقلتين». وأضاف: «نريد ما هو خير للشعب السوداني». وعن اتصالاته في السودان، قال إنها تشمل حزب المؤتمر الحاكم، والحركة الشعبية الشريكة في الحكم، و«أحزاب وحركات أخرى ومنظمات المجتمع الوطني». وقال إنه سافر حتى إلى الصين، بالإضافة إلى مصر، وتشاد، وإثيوبيا، وفرنسا، وقطر، وبريطانيا، «بحثا عن حلول سلمية لمشاكل السودان».

وقال: «نريد أن نرى إما سودانا موحدا سلميا، أو سودانا مقسما إلى دولتين تعيشان في سلام». وأضاف: نريد «حكومة سودانية مستقرة وفعالة. مع حكومة قادرة في جنوب السودان، أو، في حالة الانفصال، مع جنوب سودان مستقل». وعن المشاكل الحالية التي يواجهها جنوب السودان، وعن تقارير منظمات أميركية ودولية عن صعوبة تحقيق الأمن واستقرار اللاجئين العائدين هناك، قال: «نريد مساعدة الجنوب، ليتحسن الوضع الأمني، وليكون الجنوب فعالا سياسيا واقتصاديا».

وحول وضع السودان في لائحة الدول الداعمة للإرهاب قال موفد أوباما «لا دليل» يدفع إلى إبقاء السودان على اللائحة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب والتي يفترض بموجبها عقوبات اقتصادية. وقال غرايشن أمام أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ إن مثل هذه الإجراءات الهادفة إلى معاقبة حكومة الخرطوم «تضر في الواقع بعملية التنمية» التي يحتاجها السودان من أجل الحفاظ على السلام الهش في هذا البلد وإعطاء الأمل للنازحين.

وأضاف أن «أجهزة استخباراتنا لم تقدم على الإطلاق أي دليل ملموس يشير إلى أن السودان دولة داعمة للإرهاب». وأضاف «إنه قرار سياسي». وتابع أن «نتائج العقوبات الناجمة عن ذلك وعن عقوبات أخرى تمنعنا من تشجيع التنمية التي نحن بحاجة مطلقة للقيام بها». وأشار على سبيل المثال إلى الحظر المفروض على المعدات الثقيلة لتشييد الطرقات أو أجهزة الكومبيوتر المفيدة لغايات التعليم قائلا «يجب أن نخفف في مرحلة ما هذه العقوبات». وأضاف «سيتعين علينا في مرحلة ما أن نزيل بعضا من هذه العقوبات حتى نستطيع أن نفعل الأشياء التي يجب أن نفعلها لضمان انتقال سلمي وإقامة دولة تتوافر لها مقومات البقاء في الجنوب إذا اختاروا ذلك».

وردا على سؤال ما إذا كانت الصين التي تستورد نحو ستة بالمائة من نفطها من السودان تلعب دورا إيجابيا قال غرايشن إن بكين وواشنطن «لديهما جدول الأعمال نفسه» في هذا البلد. وأضاف «نريد الأمن والاستقرار. وهم يريدونه من أجل حماية استثماراتهم. ونريد ذلك من أجل الشعب ومستقبل تلك المنطقة والأمن والازدهار في تلك المنطقة».

وأثنى غرايشن على السيناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، «لالتزامكم بالبحث عن حلول للمشاكل الكثيرة التي تواجه شعب السودان». وقبل خطاب غرايشن، تحدث السيناتور كيري، وأشار إلى زيارته الأخيرة إلى السودان. وبينما رفض الدخول في الجدل حول «الإبادة»، أثنى على جهود غرايشن، وقال إن الولايات المتحدة تريد تحقيق السلام في السودان، وتريد تنفيذ اتفاقية السلام في الجنوب، وبالنسبة لدارفور، تريد إعادة اللاجئين واستتباب الأمن.

لكن السيناتور الديمقراطي راسل فاينغولد دعا إلى سياسة مشددة أكثر تجاه الخرطوم، وقلل من أهمية المعلومات حول المساعدة السودانية ضد المتشددين. وفي حين رحب السودان بتصريحات المبعوث الأميركي، لاقت دعوة غرايشن لتخفيف العقوبات ردا متفاوتا لدى مجموعات الناشطين. فقد قال البعض إنهم يدعمون إعفاء جنوب السودان، فيما رأت مجموعات أن الحكومة السودانية لم تبذل جهودا كافية لكي تنال تخفيف العقوبات. وقال السفير السوداني لدى الأمم المتحدة عبد المحمود عبد الحليم كما نقلت عنه وكالة الأنباء السودانية إن «السودان يثمن الإشارات الإيجابية». وأضاف أن «السودان ضحية للإرهاب وتضرر من العقوبات الأميركية غير المبررة» ودعا إلى «إقامة علاقات وصولا إلى علاقات سوية بين البلدين تحترم خيارات السودان وتراعي مصلحة الشعبين». من جهة أخرى، قال جون نوريس المدير التنفيذي لمجموعة «إيناف بروجيكت»: «ماذا فعلت الخرطوم لكي تستحق تحفيزات؟ لا أعتقد أننا شهدنا تصرفا يستحق مثل هذه المكافأة الكبرى». وعبر فاينغولد عن قلق مماثل موجها السؤال لغرايشن «أي دليل ملموس تحديدا لحظته يشير إلى أن الخرطوم تعمل فعلا بنية جيدة؟».

واشنطن: محمد علي صالح
الشرق الاوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *