إغتالت شرطة النظام العام في الساعات الأولى من صباح أمس الثلاثاء المواطنة عوضية عجبنا جبريل شرنوف بالديوم الشرقية (الخرطوم) في إطلاق نار غير مبرر على مدنيين عزل، ودفنت صباح أمس الثلاثاء في موكب غاضب. وتتالت التظاهرات في الديوم طيلة يوم أمس الثلاثاء واشتعلت نيران الإطارات في شوارع المنطقة ولم تنطفيء حتى آخر الليل.
وفي جولة لـ(حريات) حول المنطقة أمس شهدت الحشود المكثفة لقوات القمع طيلة اليوم، والاحتجاجات التي يقودها شباب الحي فتهجم عليهم قوات القمع بالضرب المبرح والاعتقالات المكثفة وإطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع، وقد علمت (حريات) أن هناك عدد كبير من المعتقلين بالقسم الأوسط بالخرطوم ولكن العدد غير معروف تحديدا، كما هناك عدد من الإصابات جراء الضرب بأعقاب البنادق والعصي والذي يتم بوحشية بالغة. وهناك إصابات سببها إلقاء عبوات الغاز المسيل للدموع على المواطنين، وعلمت (حريات) أن إحدى المواطنات وهي أمنية عباس قد أصيبت بعبوة في وجهها ولا زالت تعاني من الإصابة البالغة.
أما الدخول لبيت العزاء الكائن في حلة السجانة الجديدة غرب بحي الديوم الشرقية بالخرطوم (مربع 1 منزل رقم 31) فعبارة عن تراجيديا مؤلمة. غرف المنزل مبخّرة برائحة الغاز المسيل للدموع النفاذة مما يجعل الداخل يكحّ أولا بشدة، ووالدة القتيلة محروقة الحشا مكسورة اليد بوجه متورم وضمادة على الجبين، كل ذلك جراء الضرب المبرّح الذي تلقته الأم الأرملة التي يبدو أنها في نهايات العقد السادس من العمر، وقد توفي زوجها قبل حوالي أربعة سنوات، وتتولى إعالتها (عوضية) ابنتها البكر وهي تبلغ من العمر 39 عاما، وقد راحت في لحظة نزق لشرطة صارت تنتهك القانون بدلا عن حمايته.
وروى وليد عجبنا القصة لـ (حريات) مؤكدا أنه كان في طريقه للدكان وقابل أمام المنزل أحد الجيران فسلم عليه ومضى في طريقه بدون حديث لأن الجار كان مشغولا بالحديث في هاتفه، وفجأة قفز عليه اثنان من عربة دورية الشرطة واتهموه بالسكر وانهالوا عليه بالضرب إذ قال لهما إني لا أشرب ابدا، وجراء ذلك خرج عدد من أفراد الحي وأثنوا العسكريين عن أخذي بالعنوة وقالوا لهما إن هذا الرجل لا علاقة له بالشراب، ففضضت الجمهرة. وقلت لهما إني أريد أن أتحدث للضابط المسئول وذهبت إليه وقلت له إن هذا أسلوب غير كريم “نفرين ينظوا في رقبتك بدون سبب، هذا لا يرضي الله ولا رسوله” واعتذرت له عن تجمهر الناس وقد شهد أنني فضضت الجمهرة. بعد ذلك دخلت البيت وغيرت قميصي الممزق وخرجت أقصد الدكان مرة أخرى، وفي هذا الحين اتضح أن الضابط بيّت النية على الرجوع وفي نحو ثلث ساعة عاد بقوة مسلحة يحملون العصي والذخيرة، كنت حينها خارج البيت وحينما عدت وجدت المشهد حيث الشرطة أوقفت عربيتها وقفزت قوتها من العربية وبدأوا في ضرب الرصاص وأصابوا أختي. وأكد وليد أن البلبلة وسط الناس والاشتباك من جانبهم بدأ فقط بعد مقتل عوضية فلم يبادروا بهجوم والشرطة هي التي بادرت بكل تلك العدائيات.
وقال وليد إن محمدا أخاه كان مريضا “بعافية شوية يا دوب صحى” وأضاف: “الموضوع مؤسف. ربنا حرم الظلم على نفسه، وأنا زعلان جدا مما نزل في الجرايد من أكاذيب” مشيرا لبيان الشرطة الذي أصدرته حول الحادث. وأكد أنه تعرض لضرب مبرح بالعصي وأعقاب البنادق ومصاب في عينه الشمال وأن هناك عدد كبير من المصابين “لكننا نقبل ما يأتي من رب العالمين”. مؤكدا أنه لا يشرب الخمر أبدا. كما أكد معلومة أن اخته كانت تعول المنزل بعملها في طبخ الطعام.
وردا على سؤال (حريات) حول ما أشيع من زيارة معتمد الخرطوم لهم مساء أمس، نفى وليد أن يكون المعتمد زارهم ولكن جاء عبد الإله الزبير وعدد من أفراد مكتب المعتمد وقالوا بأن القضية ستأخذ حيزها القانوني.
وعلمت (حريات) كذلك إن عوضية كانت مرشحة حزب العمال الوطني الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة.
وفي تسجيل فيديو أجرته الأستاذة نجلاء سيد أحمد أدلى محمد شقيق الشهيدة بالإفادة التالية: تصحيحا لكل ما ورد من أخبار عن الأحداث التي أسفرت عن مقتل شقيقتي عوضية، فقد بدأت المسألة بأن وليد كان يتكلم بتلفون في الشارع وبعد ذلك تهجمت عليه قوة من الشرطة معهم ضابط برتبة ملازم قالوا له انت سكران وشارب وقال لهم لست سكرانا، وبدأت المناقشات بدأوا يضربونه ومزقوا قميصه تدخل اجاويد أن الرجل- أي وليد- لا يشرب ولا علاقة له بالسكر وبعد ذلك انصرفت عربة الشرطة. كنت نائما وأختي الصغيرة جاءت أوقظتني وقد كنت أشعر بالتعب، وقمت فوجدت أخي وقميصه ممزقا وحكى لي بأنه اشتبك مع شرطة النظام العام وأنهم ذهبوا الآن، وبينما نحن نتحدث جاءت عربة الشرطة من جديد وكنت حينها اتحدث بالتلفون جاءت نفس عربية الشرطة ونزل ثلاثة أفراد منها تهجموا علينا أحدهم أمسك بـ”كمر البنطلون” وآخر بـ”الفنلة” وقالوا لي امش معنا فسألتهم إلى أين؟ وسألوني: من أنت؟ فقلت لهم أنا أسكن في هذا البيت، بعد ذلك بدأ الضرب العشوائي، ومع الضجة جاءت الأخوات واشتبكن مع العساكر لإثنائهم عن ضربي وقلن لهم بأني مريض فلا يضربوني وليسوقوني معهم ويعاملوني بالقانون وقالت لهم المرحومة هذا الرجل عيان فلا تضربوه وليمش معكم، بعد ذلك تحولت الاشتباكات مني للأخوات وفي تلك اللحظة نزل الضابط برتبة ملازم وهو يحمل “كلاش” وقال: “يعني عايزين تورونا القانون”؟ قلت له إذا كان هذا قانونكم فانتم لا تعرفون القانون أصلا، تضرب شخصا وجدته في الشارع بدون أن تعرف حتى من هو أو تخبره ما هي مشكلته؟ بقي معي عسكري برتبه رقيب ممسكا بملابسي وقال لي إنه لن يتركني وتحول الضابط من موقعه في اتجاه موقع الأخوات وبدأ يضرب النار، فانزعجت تماما من ذلك وانفككت من النقيب وخاطبت الضابط وقلت له لا تضرب ذخيرة هنا لكيلا تصيب شخصا فبدأ ينسحب للوراء ويضرب بالذخيرة مرة فوق ومرة تحت، وكنت أقول للأخوات أن يرجعن للبيت، ثم تحركت العربية مسافة 15 مترا عكس الشارع، وارتكزت العربية في اتجاه الشمال والجنوب وكنت أتحادث مع المرحومة تقول لي ارجع وانا اقول لها ارجعي البيت وفي تلك اللحظة اكتشفت أن وليد معهم في العربية، وكانت عملية ضرب الرصاص مستمرة، العربية اتجهت للاتجاه الغربي مسافة سبعة أمتار، ومشيت للضابط قلت له لا تضرب رصاص فقال لي ابعد عني، وكانت المسافة بيني والمرحومة والضابط قريبة إذ كانت هي بالقرب من العمود (عمود الكهرباء) ولكني وقد كنت أخاطبه لم أكن منتبها لموقعها حتى سقطت جراء طلقتين أصابتاها سقطت قرب العمود، الرصاصتان أصابتاها في الرأس فهرعت إليها ووجدت دمائها سائلة، بعد ذلك حاول الضابط أن يركب العربية التي تحركت. الوالدة كانت قريبة وقد شهدت كل منظر مقتل بنتها وقالت لأحد العساكر انت قتلت بنتي إلى أين تمشي؟ في هذه اللحظة جاءت العربية بسرعة كبيرة جدا جدا نحوها ووقفت قربها واحدهم ضربها ب”دبشك” السلاح –أي عقب السلاح- في جبهتها وفي يدها فكسرت، وبعد ذلك استمر الضابط في ضرب الذخيرة حتى انسحبوا من الموقع وبعدها بدأنا نسعف المصابين الوالدة مشت المستشفى الأكاديمي ووليد وأنا ذهبنا للحوادث. وليد مضروب في عينه ورجليه ووجهه وانا مضروب في يدي اليمين والكتف والصدر والرأس، وكذلك نبيل من الجيران معتقل أخذوه من الشارع وهو مصاب أيضا بضرب مبرح وقد أحالوه للمستشفى، وكذلك عصام جارنا رجله كسرت. وخالد ابن عمي مضروب في رجله الشمال، فهذه عملية استهداف واضحة ليس في ذلك مغالطة. هذا استهداف لا يمكن أن يكون عشوائيا وهم لا يحمون القانون بل هم الذين ينتهكونه، هذه قمة العشوائية والبلطجة ولا كلام أبلغ من هذا. وأضاف: ليأخذ القانون مجراه والقضاء يقول كلمته على ما جرى من أحداث. هذه الأحداث بدأت في الساعة 12 ليلا، وكل ردود الأفعال هذه نتيجة للظلم المتراكم والضغوط على الناس يحاسبون الشريف ويدعون الـ.. (يقصد المجرم)، لقد ماتت غدرا.
الجدير بالذكر أن عوضية تنتمي إلى أسرة السلطان عجبنا البطل التاريخي في جبال النوبة الذي قاد قبيلة الأما (المعروفة بنيمانج) في وجه الاحتلال الثنائي اعتراضا على الضرائب والدقنية الباهظة المفروضة من الإدارة البريطانية بدون تقديم أية خدمات للقبيلة وللمنطقة، وفي النهاية سلم السلطان نفسه للمحتل طواعية ليحفظ دماء قبيلته، وصار بطلا مجدته قبيلته والسودان.
ويعد اغتيالها بهذه الطريقة والأحداث التي تلت مثارا لغضب وفتن لا أول لها ولا آخر. قالت إحدى قريباتها في بيت العزاء: النار ولعت! وروت لـ(حريات) ما جرى وهي تؤكد أن الضابط ينتمي إلى قبائل الشمال النيلية، وحذرت من أنه إذا لم يعدم ذلك الضابط القاتل فإن النار لن يطفئها شيء.
وكانت الجموع الثائرة في الديوم تهتف أمس: شهيدة شهيدة يا عوضية، القصاص للأنجاس.
وفي المقابل أصدرت الشرطة بيانا ملؤه أكاذيب حول الحادثة في تبرير أجوف لجريمة لا يمكن تبريرها. وقد أكد وليد لـ(حريات) أن هذا مجرد بهتان فليست له أية علاقة بالسكر أبدا.
وقال ضياء الدين بلال رئيس تحرير صحيفة السوداني، برغم مواقفه السابقة المبررة لسيئات النظام: ماحدث من قبل قوة شرطة النظام العام بالديوم يكفي لحل هذه الشرطة التي لا تأتي الا بالكوارث اذا لم يعدم هذا الضابط فعلى العدل السلام وبيان الشرطة لا يغطي عورة الموقف بل يفضح الرغبة في التستر، الى متى تظل الدولة تضيف فواتير أخطاء الصغار والكبار الى حسابها العام من العسكري قدوقدو الى هذا الضابط عديم القلب والاحساس!
(نص بيان الشرطة أدناه):
شرطة أمن المجتمع تتعرض لمحاولة تهجم بالديم
الثلاثاء, 06 مارس 2012
المكتب الصحفي
تعرضت دورية تتبع لشرطة أمن المجتمع لمحاولة تهجم من قبل بعض المواطنين أثناء طواف روتيني بمنطقة الديم عند الساعة الثانية عشرة ليلاً وذلك عقب القبض على اثنين من المواطنين وهم في حالة سكر حيث قام بعض المواطنين بالتهجم على القوة مستخدمين العصي والسيخ والمواسير والحجارة الأمر الذي حدا بقائد القوة لإطلاق اعيرة نارية في الهواء ادت الى إصابة احدى المواطنات والتى تم نقلها للمستشفي وتوفيت بعد ذلك .
وحسب المكتب الصحفي للشرطة ان الحادث وقع اثر مرور دورية شرطة أمن المجتمع بالشارع العام بمنطقة الديم وبعد القبض على اثنين من المخمورين صاح احدهم بصوت عالي خرج على اثره مواطنون من ثلاثة بيوت تحديداً بالحي ، علماً بانه كان قد صدر قرار من المحكمة بتاريخ (7/1/2012) بإنزار بالمصادرة ضد أحد هذه البيوت لتعامله في بيع الخمور وقاموا بالتهجم على الشرطة محاولين الاستيلاء على سلاح القوة واصيب جراء هذا الإعتداء خمسة من رجال الشرطة إصابات مختلفة وقام قائد المجموعة بسحب القوة خوفا من تصاعد الأحداث واعمال الفوضي إلا ان اصرار المتهجمين على الاستيلاء على السلاح اجبر قائد القوة بإطلاق ثلاثة أعيرة نارية في الهواء اصيبت على اثرها احدي المواطنات التي تم اسعافها ووافتها المنية بالمستشفي ، فيما قامت قوات الشرطة بفتح بلاغ تحت المادة (51) إجراءات وتشكيل مجلس تحقيق جنائي وإداري لمعرفة ملابسات الحادث.