الفاضل التجاني بشير خريف
جاء الخطاب كاعلان سياسي جديد يحمل مؤشرات لاستراتيجات الجبهة الثورية ورؤيتها للتعامل مع الحراك السياسي السوداني في المرحلة القادمة وعكس الخطاب مفاهيم جديدة عن قناعات الجبهة الثورية ومبرراتها للتوقيع علي اعلان باريس مع حزب الامة رغم الانتقادات من قبل مجموعات كبيرة للخطوة ومنطلقاته السياسية الا ان الخطاب اشار الي نقاط نعتبرها جوهرية ويجب التعليق عليها لتبادل وجهات النظر حول تلك التحالفات والتي نستعرضها في النقاط التي ركز عليه الخطاب لتبرير توقيع الجبهة الثورية علي اعلان باريس مع حزب الامة بزعامة الصادق المهدي .
ان التجارب السياسية للاحزاب السياسية السودانية مكنت معظم المهتميين بالهم الوطني معرفة مكامن الخلل والضعف في البنية السياسية السودانية للاحزاب التقليدية وكيفية تفاقم الازمة حتي وصلت مرحلة الغليان الثوري والتفكك ، وبروز حركات التحرر الوطني كان نتاج لتلك الاخفاقات التاريخية لقوى النادي السياسي القديم منذ الاستقلال حتي اليوم والتي ظلت علي الدوام تغلب مصالحها الحزبية علي مصالح الوطن وسعت في كافة الحقب السياسية لضرب حركات المقاومة وقطع الطريق امام محاولات التغيير المتكررة وأن الامر ليس مرتبط بمبادرات لم تجد حظها من النجاح او رؤي اصطدمت باشكالات سياسية عقيمة او رغبات صادقة ضلت طريقها في اتون الصراع السياسي من اجل اقتسام السلطة ، الامر في حقيقته ان قوى السودان القديم فهمت ان القوى الحديثة و حركات التحرر الثورية تسعي لتغيير المفاهيم القديمة والتي تعني عاجلاً ام اجلاً تفكيك تلك المؤسسات القديمة لصالح رؤي جديدة تواكب متطلبات المرحلة وتسعي لاحداث التوازن في مجمل اختلالات الدولة السودانية بعيداً عن مفاهيم السيطرة وعدم القبول واحتكار السلطة والثروة . ولتوضيح المواقف نبدي ملاحظاتنا حول المبررات التي وردت في خطاب رئيس حركة العدل والمساوة حول تعليقه علي اعلان باريس :
•محاربة الاقصاء
ان محاربة الاقصاء يتطلب النظر لدوافعه واسبابه وتلك الادوات التي استخدمت من قبل قوى السودان القديم متمثلة في الدين والجهة واللون والثقافة ، كل تلك العوامل كانت جزء من سياسات الدولة لتقسيم المواطن السوداني واقصاءه سياسياً واجتماعياً وثقافياً ساهمت فيها كافة القوى التقليدية وكانت النتيجة هوية مشوهة واختلال في معايير تقاسم السلطة والثروة وانهيار كامل للدولة السودانية وتراجع السودان وتحلله الي مكوناته الاولية وبروز حركات المقاومة الثورية المطالبة باعادة بناء السودان علي اسس ومفاهيم جديدة وعقد اجتماعي جديد وان تلك المفاهيم كانت الاساس لمؤتمر اسمراء للقضايا المصيرة التي اتفقت عليها كافة مكونات التجمع الوطني الديمقراطي والتي كانت حزب الامة من ضمن الفصائل الرئيسية التي وقعت علي تلك الوثيقة التاريخية والتي كانت يمكن ان تشكل المخرج الامن للازمة السودانية والترياق الواقي لوقف انتشار حمي حق تقرير مصير الاقاليم السودانية ، ولكن عمد الصادق المهدي علي التراجع عن الاتفاق وتوقيع اعلان جيبوتي مع الجبهة الاسلامية والتي كانت السبب الرئيسي في تفكيك التجمع الوطني الديمقراطي مما اجبر قرنق للرضوخ لمبادرة الايقاد وتوقيع اتفاقية السلام الشامل والتي تضمنت حق تقرير المصير التي قادت لانفصال جنوب السودان اذن حزب الامة بزعامة الصادق المهدي هو السبب في دعم برامج الاقصاء عن قناعات ولخدمة اهداف لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية ويؤكد ان حزب الامة اختار الاصطفاف مع القوى الرافضة لتغيير عقلية المركز الاقصائي المهيمن واي محاولة للمقاربة بينها والقوى الحديثة لا يتسق مع منطق الاشياء وتكون محاولة لتكرار تجارب فاشلة نتائجها معروفة مسبقا ولو ان الثورة السودانية فشلت في التعلم من اخطاء الماضي والاستفادة من التاريخ فانها تسعي برجليها الي اعادة انتاج الفشل وفتح الباب للقوى التقليدية لاعادة انتاج نفسها بشكل جديد مع الاحتفاظ ببرامجها وتحت لافتة
وشعارات الثورة نفسها وهذا ما لا يمكن السماح بتكراره بعد كل تلك التضحيات الكبيرة للشعب السوداني .
•البديل القادم
ان البديل القادم التي تسعي اليه القوى الثورية الحديثة وطالبي التغيير في السودان هو بديل شامل في اهدافه وبرامجه يسعي لاحداث التحول الديمقراطي عبر عقد اجتماعي جديد يحقق العدالة الاجتماعية والحكم الراشد ويعالج قضية الهوية السودانية ويضع معايير عادلة لتقاسم السلطة والثروة ، اذن شمول هذا البديل لا يرتبط باحزاب او قوى او حركات بقدر ما يتعلق ببرامج واهداف ورؤي ومفاهيم جديدة حتي تكون معبراً عن الكل وشاملاً لاشواق وتطلعات شعبنا ، ويجب الانتباه ان السعي لتشكيل هذه الكتلة التاريخية التي تؤمن وترغب في التغيير لا تصنع تحالفاتها كرد فعل للخطاب الاعلامي التضليلي للمركز بقدر ما يسعي لبناء تحالفات استراتيجية علي اساس البرامج والقناعات السياسية التي تخدم اجندة التغيير وتدعم برامج الثورة السودانية .
•الحل السلمي الشامل
ان الحل السلمي الشامل امر مطلوب اذا وجد لما اضطر احد في السودان لحمل السلاح ولكن تعنت انظمة الدولة السودانية المتعاقبة بما فيها الحكومات الديمقراطية التي قادها الصادق المهدي رفضت الاستماع الي مطالب السودانيين مما سبب كل تلك الحروبات والدمار الذي لحق بالبلاد والعباد وظلت تلك العقلية المتحجرة حتي اليوم ترفض اي شكل من اشكال التسويات السياسية او المساومات لايجاد مخرج حقيقي للازمة التي تتطلب رغبة حقيقية وصادقة لمخاطبة جذورالمشكلة السودانية ومعالجتها جذرياً وهذا الامر يتطلب تفكيك دولة المركز القابض لصالح دولة المواطنة والتي عبر التجارب (نيفاشا) (ابوجا) (الدوحة) لا يمكن الوصول اليه في ظل سيطرة عقلية لا تؤمن ولا تعترف بحق الاخر سياسيا وثقافيا واجتماعيا بل تسعي للحلول العسكرية او توقيع اتفاقات صورية تخاطب قشريات الاشياء وتسكن الالام فقط ، عليه عمليا لايمكن التوصل لحل سلمي في ظل الحكومة الحالية وما كل تلك المبادرات (الوثبة) الحوار الوطني الا محاولات لكسب الوقت والبحث عن طرق جديدة لقمع الثورة او تفكيك المعارضة في ظل استمرار معاناة المواطن السوداني يومياً.
•تحالفات القوى الحديثة
تحالفات القوى الحديثة الهادفة للتغيير تشكلت علي اسس ومرتكزات الثورة السودانية ومؤمنة بمشروع التغيير المفاهيمي وراغبة في تحقيقها لذا فعندما تنتقد او تتوجس من القوى الرجعية وترفض التحالف معها تاتي لقناعات تتعلق باهداف تلك القوى وبرامجها المناقض والمضاد لبرنامج الثورة ورغبتها في تعطيل تمددها السياسي لانها تفهم ان القوى الحديثة تعمل علي اعادة صياغة العقلية السودانية علي مفاهيم جديدة ، لذا فاي محاولة للدخول في تحالفات برغماتية علي اسس غير صحيحة لا تدعم عمليات التغير بل تعطل الثورة وتناقض رؤاها وتضر بمفاهيم التغيير وان تعبيد الطريق يتطلب الالتزام بخط الثورة وعدم المساومة بمرتكزاته من اجل تحالفات تكتيكية وغالبا ما يتنصل عنها الاطراف قبل ان يجف حبر التوقيع عليها ومبدئيا فصائل الثورة لا تحتاج الي فرقعات اعلامية شكلية لدعم برامجها او احداث حراك سياسي مرحلي فقط الامر يتطلب العمل علي رفع درجات الوعي بمخاطر التقارب واستصحاب القوى التقليدية والعمل الجاد علي تبصير الشعب بالاعيبهم ومحاولاتهم للالتفاف علي برنامج الثورة وليس العكس كما حدث ويحدث الان وان التغيير حسب ما اشرتم اليه يتطلب عمليات ديناميكية ومراحل ولا اعتقد قد يلتقي في اي مرحلة بتلك القوى الرجعية التي تسعي الي تغبيش وعي الجماهير واستغلال الجهل وعدم الوعي والعاطفة لتحقيق مصالحها والتي دوما لا علاقة لها بالقضايا الوطنية .
•علاقة الدين بالدولة
ان علاقة الدين بالدولة هي من المرتكزات الاسياسية لبرنامج الثورة وتشكل المدخل الصحيح لعمليات التغيير ، ان اقحام الدين في الحياة السياسية ساهم في تقسيم السودان الي دولتين بعد حرب استغلت فيها الشعارات الدينية لتبرير القتل والقمع وهضم حقوق الاخرين وهي في الاساس كانت ثورة مطلبية تسعي لانتزاع حقوق عادلة لشعوب ظلت تعاني من الظلم لفترات طويلة وناضلت من اجل دولة تكون فيه المواطنة هي الاساس لنيل الحقوق واداء الواجبات بغض النظر عن الدين او العرق او اللغة .لذا فان دولة المواطنة التي تهدف القوى الحديثة الي تحقيقها يجب ان يتم فيها الفصل الكامل بين المؤسسات السياسية والمؤسسات الدينية وهي من القضايا الاساسية التي اتفق عليها في مقررات مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية واقرتها حتي الاحزاب السياسية في قوى الاجماع الوطني ومن ضمن برامج معظم الحركات التحررية ، ان محاولة حزب الامة او اي قوى لفتح ملف الدين والدولة ما هي الا محاولة للابتزاز السياسي ودعم خط ذهنية الاسلاموعروبية الساعي دوما لتصنيف الصراع السياسي الي تيار علماني يستهدف الدين وتيار اسلامي يحمي المعتقدات من التدنييس وفي حقيقة الامر ان فصل الدين عن الدولة هو الضامن لحماية قدسية الدين من دنس الاسلام السياسي .ان مجرد الاشارة الي قضية الدين والدولة في حوارات الجبهة مع قوى المركز يفضح نوايا تلك الذهنية ومحاولتها للتشكيك في مجمل برامج الثورة ورضوخ الجبهة الثورية ومحاولتها ترتيب القضية في سلم الثانويات يعتبر تراجع مخل ومعيب يهدد كافة المرتكزات ويوحي ببرغماتية سياسية لا تتسق مع الخطاب الثوري ويعتبر انحراف عن خط التغيير ويفهم ان الجبهة تساوم بمبادئها من اجل اقتسام السلطة وان مرتكزاتها السياسية ومفاهيمها فقط شعارات ولافتات ترفعها وقت الحوجة ومستعدة للتنازل عنها من اجل تحقيق مكاسب سلطوية او حتي انجاز تحالفات مرحلية مع القوى الرجعية .
•الخطاب الاعلامي المضاد
ان خطاب النظام العنصري ومحاولة تصويره لقوى الثورة او الجبهة الثورية وحلفائها بانها تخدم اجندة عنصرية او مصالح غير وطنية هي في الاساس خطاب متفق عليه بين كافة مكونات المركز وللصادق المهدي تاريخ طويل في تبنيه لمثل هذاالخطابات وقت ما برزت تهديدات لدولة القهر والتسلط كما حدث بعد دخول حركة العدل والمساواة امدرمان وموقفه من تسليم البشير للجنائية واتهامه لتحالف كاودا بالعنصرية والجهوية ، ان عقلية المركز ظلت علي مدي التاريخ يغير الياته في التعامل مع المستجدات السياسية ولكنه يحتفظ دوما ببرنامجه واهدافه يستخدم تكتيكات مرحلية عندما يصطدم بتحديات تهدد مستقبله والصادق مهدي تاريخياً هو ذلك (المنقذ)الذي يعمل علي اعادة ترميم دولة المركز مستفيدا من وضعه التكتيكي داخل المعارضة ونفوذه داخل حزب الامة و كيان الانصار،كان الاحري بالجبهة الثورية ان تعمل علي تشكيل تحالفات استراتيجية اولا لتشكيل كتلة تاريخية تؤمن بالتغيير وتستوعب برامجها واهدافها بالتنسيق بين القوى الحديثة والحركات الشبابية والمستنيرين والناشطين السياسين ومنظمات المجتمع المدني (قوى السودان الجديد) ، وعندها يمكن الترتيب لمثل هذه التحالفات التكتيكية والتي يمكن التنسيق فيها بين الوسائل المدنية والعسكرية في التغيير دون الحوجة الي النقاش او حتي اعلان رؤي سياسية مشتركة يكفي فقط ان يكون الهدف اسقاط النظام واقرار التحول الديمقراطي اي العمل علي تكامل الوسائل العسكرية والسياسية والمدنية لتغيير النظام وبعدها علي اي حزب او تحالف ان يسوق بضاعته للشعب السوداني في سباق ديمقراطي حر والشعب هو الذي يقرر اي برنامج يختار لخدمة المصلحة الوطنية .
لندن ١٧/٨/٢٠١٤
[email protected]