تطورات الاحداث بالجبهة الثورية واثرها على مستقبل السلام في السودان

حسن ابراهيم فضل
[email protected]
يعد تحالف الجبهة الثورية السودانية , من أهم تحالفات القوى السودانية المعارضة المسلحة منها والمدنية , وهي واحدة من الكيانات التي وحدت قوى المعارضة السودانية المسلحة بعد التجمع الوطني الديمقراطي في تسعينيات القرن الماضي.
تشكّلت الجبهة الثورية في اواخر العام 2011 بتوقيع عدد من حركات الكفاح المسلحة على ما عرف بوثيقة كاودا (معقل الحركة الشعبية )وهو الاعلان الذي تواضعت عليه القوى الموقعة على الاعلان وهي الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال ( الموحدة ) بقيادة مالك عقار وحركة تحرير السودان عبد الواحد نور وحركة العدل والمساواة السودانية وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي .
ووفقا للنظام الاساسي للجبهة والذي صدر في العام 2012 عرف الجبهة الثورية السودانية على انه ,تحالف سياسي ثوري يعمل لتحقيق المبادئ والأهداف المنصوص عليها في الإعلان السياسي والنظام الاساسي ,وبهذا التعريف الذي جعل العضوية مفتوحة للقوى المعارضة المسلحة منها والمدنية والذي فتح الباب واسعا لانضمام عدد من الفصائل المدنية المعارضة للتحالف.
وتواثقت الحركات الموقعة على وثيقة كاودا ,على إسقاط نظام المؤتمر الوطني بالقوة العسكرية المسلحة, واستطاعت الجبهة في زمن وجيز من تحقيق انتصارات كبيرة على النظام وتقدمت قواتها من جنوب كردفان حتى وصلت مناطق ابو كرشولا وابو زبد, فضلا ان الجبهة انجزت واحدة من اهم محطات الاصطفاف السياسي الوطني المعارض فيما عرف بميثاق الفجر الجديد مع قوى الاجماع الوطني.
غير ان الجبهة وكحال كثير من التحالفات السياسية السودانية تعرضت لتطورات كبيرة وتصدعات خلال مسيرتها , أولها التطور الذي عرف وقتها بأزمة انتقال الرئاسة والذي ادى الى انقسام الجبهة الى جبهتين ,ورغم ان النظام الاساسي للجبهة حدد بشكل واضح كيفية انتخاب رئيس الجبهة ونوابه ومسؤولي القطاعات والذي نص النظام على ان ينتخب رئيس الجبهة بواسطة المجلس الرئاسي (جميع رؤساء المكونات اعضاء فيه )و بتوافق الآراء، وكذا نواب الرئيس وحدد ايضا فترة الرئاسة وعدد دوراته.
وعلى الرغم من ان الجبهة توحدت فيما بعد الا ان اثر ذلك الانقسام كان كبيرا بان ادى لاحقا الى انقسام احدى أكبر فصائلها وهي الحركة الشعبية شمال والتي اصبحت حركتين شعبيتين.
لكن التطورات الاخيرة التي اصابت الجبهة بإعلان حركة جيش تحرير السودان (مناوي)عن خروجها من الجبهة طرحت أسئلة واستفهامات كثيرة حول مستقبل الجبهة الثورية واثر هذا التطور على عملية السلام وهل يعتبر تحالف الجبهة الثورية تحالفا استراتيجيا ام تحالفا مرحليا ؟ وما هي الاسباب الحقيقية التي دفعت حركة تحرير السودان بقيادة مناوي على الخروج من الجبهة الثورية؟
اعتقد من المجحف جدا توصيف خلافات الجبهة الثورية على انها خلافات ايدلوجية , ببساطة شديدة هذه التباينات لم تكن وليدة اللحظة , بل منذ اجتماعات منتجع العين السخنة المصري في سبتمبر 2019وما صاحب تلك الاجتماعات وما تلي تكتيكات اجتماعات نداء السودان هي مواقف معلومة لدى المتابعين لأنشطة الجبهة الثورية.
لكن الحقيقة الناصعة ان مبررات خروج السيد مناوي من الجبهة ووصفه محاولات البعض أدلجة الجبهة ,هي مبررات لا تثبت امام أي وقائع موضوعية وهي احيانا حتى تقدح في السيد مناوي وعدد من قادة تنظيمه, ان كان الامر يتعلق بخلفيات من يخالفونه الرأي, لم نسمع له أي حديث عن اعضاء حركته الذين ظلوا اعضاء في الحركة الاسلامية و مع النظام حتى اواخر 2007م لذلك كما ذكرت هي مبررات واهية لا يسندها دليل مادي مقنع , بل السيد مني نفسه وقع ضحية لتصرفاته التي لم تكن مبنية على وعي سياسي ناضج وهذا مفهوم وفقا لمقتضيات المذكرة الاصلاحية التي يستند اليها ويدعي انه من كتبها وتقدم بها , (انا احجم عن تفاصيل من يقف وراء تلك المذكرة )و رغم انها معلومة لدى كثيرين , فضلا عن ان خلافات الجبهة الثورية ومبررات الخلاف لم تكن محل اجماع لدى قادة وعضوية تلك التنظيمات بل ان الاصرار على تبني معطيات غير موضوعية ادت لاحقا لانشقاقات داخل تلك التنظيمات ولعل خلافات الجبهة حول انتقال الرئاسة واصرار الحركة الشعبية على خرق النظام الاساسي للجبهة ادى لاحقا لانشقاق الحركة الشعبية وكذا حركة جيش تحرير السودان قرار السيد مناوي رفض من قاعدة عريضة داخل الحركة وادى الى انشقاق حقيقي وهو تطور اخطر على الحركة من وضعه بتحالف الجبهة الثورية فضلا عن فقدان السيد مناوي تكليفه كأمين عام بتحالف قوى نداء السودان, وهنا يجدر بنا ان نثمن عاليا المساعي الجادة التي يقوم بها عدد من قادة الجبهة الثورية وعلى المستوى الرئاسي للجفاظ على لحمة ووحدة حركة جيش تحرير السودان في تسامي عال عن مواقف رئيس الحركة السيد مناوي.
كما ان الاصطفاف حول المحاور ليست حكرا علي تنظيم سياسي مدني او عسكري , خاصة عقب سقوط النظام وبشهادة الامم المتحدة ووفقا لتقريره الاخير حول الوضع في السودان ودارفور اوضح بشكل جلي من هي المجموعات التي تقاتل بالوكالة عن محاور محددة واين.
ما يهمنا في هذا المنعطف والحقيقة المرة والتي يجب ان نواجهه بشجاعة ان الجبهة الثورية بوضعها الحالي ليس مؤهلا لان يكون تحالفا استراتيجيا لخوض انتخابات يرجى منه التغيير المنشود ,ولكن كذلك ما يجب ان يعيه قادة الجبهة الثورية وقواعدها والناس ,ان الجبهة الثورية تحالف يجب ان يبقى ,وهناك حاجة ماسة لان تبقى الجبهة الثورية موحدة لإنجاز عملية السلام وتنفيذه ,واي تصدع او خلاف ستضع الجبهة الثورية امام مواجهة مباشرة وحقيقية مع قواعدها والتي انتظرت هذا الاتفاق طويلا وكانت تأمل في حياة افضل للخروج من ضنك النزوح واللجوء والتشرد والحرمان.
لست قلقا على العملية السلمية التي تجري في جوبا , سيتم التوقيع على الاتفاق لكن تظل الوعي السياسي عماد الحفاظ عليه وعلى تنفيذه, لكن من المهم جدا ان يعي بعض القادة في قوى الكفاح المسلح ان النضال خلف ستار البندقية ليس كالنضال المدني السلمي ولكل ادواته , والادوات المدنية يتطلب معايير مهمة بل وقدرات سياسية معينة ودرجة من الوعي لا مكان للارتجال والخطابات الثورية الفارغة المحتوى والتغريدات الطائشة التي ضررها اكبر بكثير من ان نطلقها بلا وعي,يجب ان يعترف بعض قادة الكفاح المسلح بقدراتهم , وليس عيبا ان يعترف الشخص بقدراته وتقدمك في شيء ما لا يعني نجاحك في التالي ,( ورحم الله امرء عرف قدر نفسه).
وتظل انجاز عملية السلام وتنفيذه مرهون بإرادة قوية موحدة لدى قوى الكفاح المسلح والذي يعتبر الحارس الحقيقي للاتفاق في ظل وجود قوى رافضة لعملية السلام وظلت تناهضه وتنصب العراقيل امام عملية التفاوض والعملية السلمية برمتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *