تصريحات الرئيس البشير

تصريحات الرئيس البشير 

طيفور مكى
طيفور مكى

 تحليل: ميرغنى مكى طيفور

 تأتى تصريحات البشير مباشرة بعد تصريحات ويكى ليكس وظهورصور لجلد فتاة سودانية بواسطة رجال أمن النظام فى ساحة عامة أمام الجمهور وكذلك بعد اجتماع الرئيس البشير بالرئيس المصرى والليبى وهذا أمر أدهش السودانيين والعالم أجمع .

وفى تقييمى ان تصريحات البشير التى أقر فيها أن السودان الشمالى سوف يطبق فيه الشريعة الاسلامية ولن  يعترف بالتعدد الدينى والعرقى وعدم السماح بنشاط الحركة الشعبية بالشمال بعد انفصال الجنوب ! هذا كلام غير مسئول وغير دقيق ولايشبه كلام رئيس لأنه ببساطة يثير الوجدان السودانى ويستفزه أقصى درجة الاستفزاز الذى يدفع الى الثورة والعنفوان الدامى.

فاذا سلمنا الى أن الجنوب قد انفصل فهل المتبقى من السودانيين كلهم مسلمون ليحكموا بالشريعة الاسلامية؟

رغم أن خطاب البشير جاء وجيزاً ومختصراً الا أن له مدلولات خطيرة ويحمل فى جعبته جوانب سياسية وعسكرية واجتماعية واعلامية واضحة المعالم .

* الجانب السياسى

أصبحت  حكومة المؤتمر الوطنى فى موقف حرج أمام الشعب السودانى الذى انتظر السلام طويلاً ودفع دمه وروحه وفلذة كبده وماله من أجل أن يحل واقعاً ملموساً، لقد انتظر الشعب السودانى السلام وهو تحت وطأة معاناة وتراجع تنموى شملت كافة أوجه الحياة فى السودان فلم يتوفر للمواطن الخدمات الأساسية بالشكل المطلوب ونمت راسمالية طفيلية عمقت الطبقية فى المجتمع. وأصبح المستفيدين من ثروات السودان قلة من الناس هم أصحاب السلطة والثروة  واتسعت دائرة الفقر والتشرد والتفكك الأسرى . وأصبح العلاج بالخارج هو الوسيلة الوحيدة لانقاذ مريض الكلى والقلب . أصبح رئيس البلاد وبعض من أعضاء حزبه مطالبون للمثول أمام المحكمة الدولية لاتهامهم بارتكاب جرائم حرب بدارفور. والجنوب فى طريقه الى الانفصال فى 9يناير2011م. وتأتى تصريحات البشير تعبيراً عن الضغوط المريرة فى مرحلة حرجة تمر بها البلاد والحكومة لاتملك عصا موسى لايجاد المخرج من هذه (الورطة)

 لقد تنفس النظام بفم زعيمهم الكبير بما يثلج صدورهم ويكسبهم نشوة وراحة ضمير ولكن ماهو السبيل لتطبيق الشريعة فى ظل التمييز العنصرى؟.

ان الحركة الشعبية كقوى سياسية لاتستطيع الاستغناء عن أنصارها الذين سيبقون بالشمال بعد انفصال الجنوب وكذلك المؤتمر الوطنى لم يستغنى عن كوادره وجمهوره بالجنوب بعد الانفصال ولايستطيع أى حزب أن يستغنى عن كوادره أياً كانت الظروف. فعندما تصرح الحكومة بعدم السماح بنشاط الحركة الشعبية فى الشمال بعد الانفصال فهذا يفسر ضيق صدر الحكومة وجنوحها للاقصائية ورفض الآخر ويوضح بجلاء تمويت قضية جبال النوبة والنيل الأزرق وهما شريكا الحركة الشعبية لكنهما يتبعان للشمال كما تقول افاقية السلام الشامل ومن الطبيعى أن يمارسا نشاطهما السياسى على أرضهم ووسط جماهيرهم واذا أوقفت الحكومة نشاطها فهذا يعتبر مصادرة للحريات العامة وهذه رسالة واضحة من خلال التصريحات .

* الجانب العسكرى

ان التصريحات النارية التى أطلقها البشيرلايخلو من التلويح باستخدام القوة الأمنية رغم أن الجيش وكافة القوات الأمنية الأخرى هى من والى الشعب وليس الحكومة وينبغى أن تحافظ على النظام فى الشارع العام وحماية ممتلكات الشعب ومؤسساته الوطنية وتدافع عن أرضه عند العدوان ولكن ليس بأى حال من الأحوال من مهام القوات التى تستمد شرعيتها واستمراريتها من الشعب أن تقمع الشعب وتردع المواطنين الذين يختلفون فى الرأى مع الحكومة أو ترهبهم  فحكومة البشير بقوتها التى يمكن أن تردع بها كل من يخرج عن طوعها. فصقور البشير كما شاع تسميتها مستعدة لخطف أى سودانى يخالف قوانين النظام وشريعتها القادمة وتفعل فيه ماتريد فهى تملك قوة للردع مجهزة ومدربة .

 أما بالنسبة لموقفها بالجنوب وماتبقى من اتفاقية السلام  فقد أرسلت الحكومة قوات مسلحة بعتاد حربى الى مناطق جبال النوبة مخترقة بذلك اتفاق السلام الذى ينص بتخفيض القوات. وكل هذا استعداداً لسيناريو الحرب القادمة الذى يراد له أن تدور رحاه بجبال النوبة وأبيى، وبما أن هناك مسائل عالقة بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية لم تحل بعد مثل: (برتكولى جبال النوبة والنيل الأزرق – أبيى – ترسيم الحدود – الديون – وغيرها) مما يعنى أن اتفاق السلام لم ينتهى بانفصال الجنوب ولم تكتمل الا بعد حل هذه القضايا العالقة والشعب السودانى يعلم ويشهد على ذلك وينتظر المعنيون بهذه القضايا بفارق الصبر أن تجد الحلول المرتقبة العادلة. فاذا ارتضينا بطرح البشير فان جهات عديدة  ستطالب بتقرير المصير وتلحق بالجنوبين مثل جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفورنسبة لأن شعوبه مكونة من نسيج مجتمعى يتميز بالتعدد الدينى والعرقى والثقافى ولايمكن أن يرتضوا بالعيش فى كنف دولة لاتعترف بالآخر ديناً وعرقاً وثقافتاً

 فالحكومة تبرز من عضلاتها لترهيب الشعب وبصفة خاصة فى مناطق المشورة الشعبية.

* الجانب الاجتماعى

ان عدم الاعتراف بالآخر كما يقول الرئيس يكرس التفرقة والعنصرية والتمييز بين الشعب الواحد. وحكومة البشير ستنهج هذا التوجه الجديد لشمال السودان بعد انفصال جنوبه. وهذا التوجه الذى ينادى له البشير هو امتداد لتوجه قديم منذ دخول العرب الى السودان واعتدل هذا التوجه فى فترة المهدية فى السودان والآن جاء البشير ليضيف لمساته فى التوجه الذى مؤداه أسلمة السودان مع عدم مراعاة التنوع الدينى الموجود فيه (والتنوع الدينى يعنى تنوع عرقى وثقافى) فاذا لم يعترف الحاكم بتعدد الأديان فهو بالتالى لايعترف بتنوع عرقى ولاثقافى. وفى هذا الحال تصبح الحكومة أحادية التوجه متطرفة. فان التوجه (الاسلامو عروبى) عبرت عنه السيدة/ وصال المهدى بشكل أوضح فى قولها (ان العنصر الزنجى لايمكن أن يشكل الهوية السودانية للشمال) ونقرأ من بين هذه السطورالدعوة الصريحة لالغاء الآخر مادون الجنس العربى الموجود فى شمال السودان بعد 9/ يناير2011م ،حتى ان وجدوا فهم سكان درجة ثانية وثالثة عليهم أن يقبلوا بالعيش تحت أوضاع مهينة مليئة بالكراهية والعنصرية وضياع للحقوق والمساواة. كما يمكن أن يطالهم يد السلطان بتشريعات تهدر دمائهم وتهدد بفنائهم وقد يتسبب مثل هذا الوضع الكئيب فى نشوب حرب عنصرية وهذه هى الصورة القاتمة التى ستكون عليها الأوضاع فى السودان بعد الانفصال الوشيك ويريد المخططون لتأجيج الأزمة السياسية السودانية شغل الرأى العام بمواضيع تثير المشاعر وتخلق عدم الاستقرار فى أوساط المجتمع المختلفة

* الجانب الاعلامى

جاءت تصريحات الرئيس البشير لتلعب دوراً اعلامياً محلياً ودوليا للتغطية على كمية الاخفاقات التى صاحبت الحكومة وباتت تشكل مهددات بالنسبة لاستمراريتها فى الحكم فى الفترة العصيبة القادمة فنظام البشير يواجه ضغوط داخلية وخارجية تخيفه فبالداخل نجد هناك مشاكل عالقة وخلافات فى المحيط السياسى بالسودان بين الحكومة والحركة الشعبية وبينها وبين قوى سياسية أخرى، فأحزاب التجمع تطالب بحكومة وحدوية دستورية انتقالية والغاء مشروعية بقاء حكومة البشير فى السلطة بعد انفصال الجنوب بحجة أنها غير حريصة على وحدة السودان .  أما فى مشكلة دارفورفقد فشل الوفد الحكومى فى التوصل الى اتفاق مع أبناء دارفورما أدى الى انسحاب الوفد الحكومى من مفاوضات الدوحة . كما لم تنجح الحكومة فى ايجاد حلول سليمة ومرضية للخروج من الأزمة التى  وأصبحت تصريحات البشير مادة دسمة على موائد المجالس بأنواعها بالاضافة الى موضوع امتلاك البشير لثروة تبلغ 9مليار دولار فى بنك فى الخارج حسب ماتناولته منشورات (ويكى ليكس) الشهيرة بفضح الزعماء العرب. وخارجياً ينتظر السيد/ موريس لويس أوكامبو المدعى العام للمحكمة الدولية الجنائية الذى يوجه اتهامه الصريح  للبشير بتهمة ارتكابه جرائم حرب فى دارفور للقبض عليه وتقديمه للمحاكمة فى محكمة العدل الدولية بلاهاى. توفرت هذه التداعيات فى صالح تعرية النظام الحاكم وفضحه وقجاد ءت هذه التصريحات  كمحاولة لصرف الأنظار عما يجرى بساحة المؤتمر الوطنى من أمورعظيمة تهدد البلاد بالتشطر والتجزؤ الى دويلات ويتوعد شعبه بالمزيد من التشرد والبعد عن الأرض والمزيد من المعاناة والضنك . وصدق القائل المناضل د/ منصور خالد بادمان النخبة السودانية للفشل ومايجرى اليوم على الساحة السياسية السودانية يؤكد بجلاء فشل النخبة السياسية السودانية فى الحفاظ على السلام والوحدة التى أطلت من أطلت وودع

 طيفور مكى

 [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *