نداء التغيير
الحكومة الإنتقالية بشقيها، السيادي والتنفيذي، تبدو كلحم رأس، غير منسجمة المكونات، على مستوى الأفراد والمؤسسات الدستورية، وقد تنامى هذا التنافر، في ظل التغيب القسري للمجلس التشريعي الإنتقالي، الذي يرتجى منه الإضطلاع بالدور الرقابي ومسائلة الذين يغردون خارج السرب الإنتقالي.
إزدراء البرهان للولاة المدنيين (1)
- رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يبدو قد أستمرأ الدكتاتورية المبكرة، منذ مقابلته المستفزة لنتنياهو منفرداً في عين تيبي، مستغلا قلة حيلة رئيس الجهاز التنفيذي، وتشرذم مرجعيته السياسية (قحت) فتطفق البرهان، يزدري الولاة المدنيين ولا يقيم لهم وزنا، دون أن يتجاسر أحد من زملائه بالمجلس السيادي أن يقول له تلت التلاتة كم؟
- فقد زار سيادته مشروع زادي (1) جنوب مدنية بربر بولاية نهر النيل في مطلع شهر أبريل الجاري، وكان في استقباله بمدينة بربر اللواء ركن عبد المحمود حماد حسين مدير عام شركة زادنا العالمية واللواء ركن ربيع موسى محمد ،قائد سلاح المدفعية، في تجاهل متعمد ودون إخطار والية الولاية د. آمنة أحمد المكي.
- كرر سيادته ذات المسلك خلال الأسبوع الثاني من هذا الشهر حيث زار البرهان مدنية الجنينة، وحسب هيئة محامي دارفور أنّ زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحالي، عبد الفتاح البرهان، لغرب دارفور دون تنسيق مع الوالي، محمد عبد الله الدومة، رسالة سالبة تكرِّس للانقسام والاحتقان المجتمعي بولاية غرب دارفور.
يتكرر هذه الإهانات الدستورية من رمز السيادة، دون أنّ يسجل أي والي همام صوت إعتراض، ناهيك عن الإستقالة صوناً لهيبة الدولة المدنية.
في ظل تغييب المجلس التشريعي الإنتقالي، يتعاظم دور الصحافة “الحرة” في تشنيع مثل هذه الممارسات، ومحاصرتها، بدلاً من التعايش معها، سيما مع الإدراك التام بمحصلة تواتر مثل هذا السلوك الإستبدادي.
تقاعس حمدوك على مهامه الدستورية (2)
- بينما كان الشعب السوداني بأكمله، يضعون أيدهم فوق رؤوسهم، إشفاقاً وحسرة على الدم الحرام المسفوح في شوارع ووديان الجنينة، بأي أهل المنطقة، كان رئيس الحكومة الإنتقالية الدكتور عبدالله حمدوك، يستمتع بزيارة إستثنائية لمسقط رأسه مدنية الدبيبات، ويستقبل إستقبال الفاتحين بالزغاريد والرياحين، وبينما يجرى العزل بمعسكرات النازحين جرى “ام حجلجل” للنجاة بأرواحهم من قذائف الآر بي جي، يستمتع السيد حمدوك بنقاش على الهواء الطلق مع شباب مدنية الابيض على سماحة الممارسة الديمقراطية، وبينما سيادته يحك رأسه في إقالة والي شمال كردفان القيادي بمجموعة الإصلاح الإنقاذية، يساوم رمز السيادة الفريق البرهان في الدوحة، بخصوص مصير أراضي السودان المحتلة من الأحباش في الفشقة ومن المصريين في حلايب.
يبدو لنا أنّ السيد حمدوك، إرتضى لنفسه أن يكون مجرد موظف وديع في حكومة البرهان، وبلا شك لقد فات الأوان، لأن يكون سيادته بحجم الكرسي الثوري الذي يجلس عليه.
دعم السياديون والتلفزيون القومي للقبلية (3)
- الوطن الذي نحلم به يوماتي، لا يمكن أنّ يكون بلد القبلية والجهوية والعصبية العشائرية، والتي كادت أن تندثر في معظم بقاع البلاد، وظلت محصورة في أقاليم محدودة، إلى أن نفج فيها نظام الإنقاذ اللعين روح الحياة، هذه النزعة النتنة، يجب أن تقبر مع النظام البائد في جبّانة التاريخ، لكن بكل حسرة، لا يكاد يمر أسبوع، وإلاّ كانت هنالك فعالية قبلية محضورة من أحد الدستوريين، سيما أعضاء المجلس السيادي، ويبدو أنهم في تنافس محموم بخصوص تشريف مثل هذه الفعاليات، وتلفزيون “السيد لقمان” لم ولن يتردد في إتحاف المشاهد الكريم بحفاوة وحماسة التداول في هذه المناسبات، من خلال الحرص على بث وإعادة البث لمثل لهذه الفعاليات القبلية.
في دولة المواطنة التي نحلم ببنائها، يجب الإنتماء للجغرافية، بكافة مكوناتها، ومناهضة القبلية والتصدي لتسيسها، ومحاصرتها بحزم، وإلاّ فأشروا بحدة التمّزق والتناحر والفُرقة الخلاّقة.
وحسناً فعلت وزيرة الحكم الإتحادي الأستاذة بثينة دينار، حيث أوقفت تعيين إدارات أهلية إلى إشعار آخر.
ليت الدستوريون يتحثون بلغة واحدة (4)
- بعد أيام قلائل من إجازة مجلس الوزراء السوداني مشروع قانون بإلغاء “قانون مقاطعة إسرائيل لعام 1958 صرّح د. جبريل إبراهيم وزير المالية والإقتصاد الوطني من الدوحة بأن التطبيع مع إسرائيل قرار الشعب السوداني وليس قراراً حكومياً. الواقع يكذب هذا، لذا يعتبر تصريح د. جبريل مجرد أشواق وردية، عاجز عن تحقيقها.
- في مطلع شهر أبريل الجاري، أصدر رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان مرسوماً دستورياً بإنشاء الحكم الإقليمي (الفدرالي) في البلاد، ولا ندرِ ماذا ينتظر أن يحسم في مؤتمر نظام الحكم المزمع عقده بإلحاح توطئة لتفعيل هذا المرسوم؟ ولماذا العجلة في إصدار هذا المرسوم، ولماذا لم يحسم هذا الأمر خلال مفاوضات سلام جوبا، طالما إختلقت مسارات تفاوضية لتغطي ترضيةً كافة أقاليم السودان؟ وقبل أن يحسم موعد عقد مؤتمر نظام الحكم، برزت ضرورة عقد مؤتمر مسار الشرق، وربما مؤتمر مسار الشمال والأوسط كذلك، رغم أنّ المرسوم السيادي، حسم خلاصة هذه المؤتمرات. أرأيتكم كيف أنّ الموضوع “هردبيس”!! هذه الخطوة، تعتبر رتق غير مباشر لإتفاق جوبا للسلام.
- وبينما رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان يتفاكر مع الإماراتيين (وكلاء نتنياهو) حول بند استثمار الأراضي السودانية لصالح إثيوبيا والواردة في مبادرتهم بشأن النزاع في الفشقة، يطلق السيد مالك عقار عضو المجلس السيادي تصريحاُ نارياً مدوياً يرفض فيه رفضا قاطعا مجر التفاوض في أمر تقاسم أي شبر من أرض الوطن.
هذه غيض من فيض الأدلة على أنّ دستوريّ الفترة الإنتقالية، تحسبهم جميعاً وقلبوهم شتى، وهواهم لحم رأس، يحتاج لوعاء جامع، وغطاء محكم، نار هادئة لكي تنعتق طبختهم الإنتقالية. هذا الوعاء يجب أن يكون الغيرة الوطنية، وغطاؤه أشواق الثوار، وناره معاناة المواطن المغلوب على أمره.
//إبراهيم سليمان//
16 أبريل 2021م