من الصعوبة بمكان التنبؤ بما ستفعله الإدارة الأمريكية بشأن العقوبات
القضية ليست متعلقة فقط بالعقوبات الصادرة عن الإدارة الأمريكية، ولكنها مرتبطة بشدة بعقوبات الكونغرس، وبقائمة وزارة الخارجية التي تضم الدول “الراعية للإرهاب”
بابكر فيصل بابكر
[email protected]
بدعوة من رئيسها النائب الجمهوري عن الدائرة الرابعة نيوجيرسي “كريس سميث”، عقدت لجنة إفريقيا والصحة العالمية وحقوق الإنسان الدولية والمنظمات الدولية المتفرعة عن لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي جلسة استماع يوم الأربعاء 26 أبريل 2017 تحت عنوان “تخفيف العقوبات عن السودان: قضية مُحاطة بالشكوك”.
في البدء : ماهى العقوبات المفروضة على السودان ؟
قبل الدخول في مناقشة وتحليل الإفادات التي تم الاستماع إليها في الكونغرس، يجب أن نوضح طبيعة العقوبات التي فُرضت على السودان، ماهى العقوبات المفروضة من السلطة التنفيذية “الرئيس” والأخرى الصادرة عن الكونغرس ؟ :
في 3 نوفمبر 1997 أصدر الرئيس “بيل كلينتون” قراراً تنفيذياً بفرض عقوبات مالية وتجارية على السودان، تم بموجبها تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأميركية له، وألزمت الشركات الأمريكية، والمواطنين الأميركيين، بعدم الإستثمار والتعاون الاقتصادي مع هذا البلد.
في عام 2006 أصدر الكونغرس “قانون سلام السودان” الذي ربط العقوبات الأميركية ب
تقدم المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وفي عام 2006 فرض الكونغرس عقوبات إضافية ضد “الأشخاص المسؤولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”.
قبل ذلك، وفي 12 أغسطس 1993 أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب رداً على إستضافته زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
ما الذي فعلته إدارة أوباما في يناير 2017 ؟
أعلنت إدارة أوباما في 13 يناير 2017 رفعاً جزئياً للعقوبات الصادرة من قبل الرئيس بيل كلينتون في 1997، وبررَّت قرارها بأنَّ تطوراُ إيجابياً قد طرأ على تعاون الحكومة السودانية في خمس قضايا “مسارات” أنبنى عليها الحوار بين أمريكا والسودان، وقد شملت هذه المسارات التالي : وقف الأعمال العدائية في دارفور والمنطقتين، تحسين وصول المساعدات الإنسانية، إنهاء التدخل السلبي في جنوب السودان، التصدي لتهديد جيش الرب للمقاومة، وتعزيز التعاون بشأن مكافحة الإرهاب.
على ماذا أجمع الأشخاص الذين أدلوا بشهادتهم في الكونغرس ؟
شارك في جلسة الإستماع كلاً من المبعوث الأمريكي الأسبق للسودان والمستشار الحالي بمعهد السلام “برنستون ليمان”، و مدير العمليات في صندوق الإغاثة السودانية “ديفيد بيتوني”، و مدير السياسات في مشروع “سنتري” و منظمة “كفاية” براد بروكس-روبين، بالإضافة إلى رئيس مشروع قيادة أفريقيا والشرق الأوسط “محمد أبو بكر”.
إتفق جميع المتحدثين، بمن فيهم رئيس اللجنة كريس سميث، على أنَّ “المسارات” الخمسة التي أنبنى عليها قرار إدارة أوباما بتخفيف العقوبات على السودان في يناير الماضي “لا تكفي لاتخاذ قرار برفع العقوبات بصفة دائمة” في أو قبل الثاني عشر من يوليو، واقترحوا جميعاً إضافة مسار إضافي يتعلق بإلزام الحكومة السودانية بإجراء “إصلاح ديمقراطي” يسمح بتوفير الحريات العامة وتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
في بيانه الافتتاحي لجلسة الإستماع قال كريس سميث، ( في إعلانها الخاص بتخفيف العقوبات، قالت الإدارة السابقة أن الحكومة السودانية إتخذت إجراءات إيجابية في خمس قضايا هامة، ولكن هذه التطورات الإيجابية لم تتضَّمن التحسن في الوضع العام لحقوق الإنسان في السودان )، وأضاف إنه ( يتوجب على الحكومة الأمريكية النظر بصدق فى الشروط التى بموجبها يتم تبرير تخفيف العقوبات ). وأضاف : ( على الرغم من أن تحسين وضع حقوق الإنسان ليس من ضمن المتطلبات التي وردت في الأمر التنفيذي (للرئيس أوباما) إلا اننا كحكومة يجب أن لا نتجاهل هذا الجانب. لقد عملت الإدارات المتعاقبة والكونغرس بجد لضمان تناول المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان في السودان). وقال أيضا ً( الآن ليس هو الوقت المناسب للتخلي عن العمل الذي قام به رجال ونساء من أصحاب نوايا حسنة في حكومتنا إضافة للعديد من المواطنين الأمريكيين الذين دعموا جهودنا، وعلينا أيضاً ألا نتخلى عن رفاهية شعب السودان الذي بذلنا جهودنا طوال هذا الوقت من أجله ).
أمَّا برنستون ليمان فقد قال في شهادته أنّ مبادرة الخمسة مسارات التي إبتدعتها إدارة أوباما في حوارها مع السودان تشكل ( بداية لحوار جاد ومكثف مع حكومة السودان بخصوص السلام والديمقراطية والتنمية )، وأكد أن العقوبات تمنح أمريكا ( وسيلة للضغط، ومن المهم إستخدامها بشكل إستراتيجي )، ولكنه أشار إلى أنّ هناك نقداً كبيراً قد تم توجيهه لهذه المبادرة، وأضاف : ( نقاط النقد الرئيسية لهذه المبادرة هي أنها تغفل أي متطلبات من حكومة السودان بخصوص حرية التعبير والتجمع، والصحافة، وإطلاق السجناء السياسيين، وغيرها من الخطوات التي تتيح الفرصة لحوار سياسي حقيقي ولمشاركة سياسية واسعة، ويجب أن تكون تلك النقاط جزءاً من المرحلة القادمة من الحوار ومن أي رفع إضافي للعقوبات، وتمثل تلك النقاط التحدي الأكبر للقيادة السودانية بخصوص ما إذا كانت مستعدة لبدء تحول جوهري في النظام السياسي ).
براد بروكس، من ناحيته، دعى إدارة الرئيس ترامب لتصحيح مبادرة سلفه أوباما التي بنى عليها قراره بتخفيف العقوبات المفروضة على السودان، وقال : ( ونحن نعتقد أنه يتوجب على الكونغرس وإدارة ترامب تصحيح هذا الإتجاه الآن، ويمكن تحقيق هذا التصحيح على أفضل وجه من خلال إضافة مسار مستقل يتعلق بحقوق الإنسان والسلام مع حكومة السودان، هذا المسار من شأنه أن يُكمل ولكنه سيبقى مستقلاً عن الخمسة مسارات الأخرى، ومن شأن هذا المسار الدبلوماسي أن يعالج قضايا الإصلاح الأكثر أهمية في السودان، وينبغي ربطه مباشرة بأدوات الضغط المالي المركزة والمستحدثة، فضلاً عن الحوافز الجديدة، التي من شأنها تعظيم فرص تحقيق أهداف السياسة الخارجة الأمريكية في السودان ).
من جانبه قال محمد أبوبكر أنَّ ( الشروط المرتبطة بتخفيف العقوبات، والتي لم يكن من ضمنها مطالبة الحكومة بمعالجة الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان، وقمع الصحافة، والإعتقال والتعذيب غير القانوني للناشطين والصحفيين، هذا التخفيف للعقوبات دون المطالبة بإصلاحات في مقابله سيضر بالشعب الذي فرضت العقوبات من أجل حمايته ).
إذن، ماذا يجب أن نتوقع من الكونغرس ؟
يعرف جميع المراقبين لمسار العلاقة الأمريكية السودانية طوال فترة حكم الإنقاذ أن الكونغرس ظل على الدوام يتخذ مواقفاً أكثر تشدداً من الحكومة “الإدارة” تجاه السودان، وقد تجلى ذلك في القوانين والتشريعات العديدة التي أصدرها لعقاب الحكومة السودانية، وبالتالي فإنَّ من المرَّجح أن تجد شهادات هؤلاء الخبراء في جلسة الإستماع وتركيزهم على ضرورة إحداث إصلاحات في الحكم أذناً صاغية من أعضاء الكونغرس.
واذا كان الامر كذلك، فإنّ إلغاء قانون “سلام السودان” والعقوبات الإضافية التي صدرت في العام 2006، سيبقى أمراً مرتبطاً بضمان وقوع إصلاح ديمقراطي كبير وتحسن واضح في أوضاع الحريات و حقوق الإنسان في السودان، وهو الأمر الذي لن تستطيع الإدارة الأمريكية تجاوزه إلا بإتفاق مع الكونغرس لأن العقوبات الصادرة من الأخير لا يمكن رفعها إلا بتشريع منه، وليس في استطاعة الرئيس إلغائها بأمر تنفيذي.
ولكن من ناحية أخرى فإنَّ آليات صنع القرار في أمريكا ترتبط كذلك بعمليات “مساومات” معروفة يُمكن أن تحدث بين الإدارة والكونغرس بحيث يمكن أن يقدّم أحد الطرفين تنازلات في قضية معينة مقابل تنازلات من الطرف الآخر في قضية أخرى، وهذا هو الأمر الذي قد يُساعد الإدارة في رفع عقوبات الكونغرس المفروضة على السودان، إن هى أرادت ذلك.
ولكن هل حقاً ترغب إدارة “ترامب” في رفع العقوبات ؟
من الصعوبة بمكان التنبؤ بما ستفعله الإدارة الأمريكية بشأن العقوبات، وذلك من واقع سلوكها، وسلوك الرئيس ترامب في المائة يوم الأولى من وصوله للبيت الأبيض، حيث أبدى إرتباكاً واضحاً في قراراته وسياساته، فهو يقولُ شيئاُ ويفعلُ نقيضهُ، وهو كذلك يُقدِّم وعداً ولا يفي به، والأهم من ذلك أنه – ولإنشغاله بقضايا دولية هامة أخرى – لم يُطوِّر حتى الآن سياسة واضحة تجاه السودان.
ولكن الأمر المعروف عن العديد من أفراد الإدارة الحالية، وفي مقدمتهم وزير الخارجية “ريكس تاليرسون” وقد كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة “إكسون موبيل” أنهم لا يُحبذون سياسة العقوبات ويعتقدون في عدم جدواها، خصوصاً وأنَّ هؤلاء قد تضررت شركاتهم من العقوبات المفروضة على دول مثل روسيا.
حتى الآن ما يزال ملف السودان يُدار بواسطة الدبلوماسيين والموظفين في الحكومة الأمريكية ولم يتم تعيين مبعوث خاص جديد خلفاً ل”دونالد يوث”، وبالتالي فلا توجد رؤية أو مؤشرات توضح الكيفية التي سيتعامل بها الرئيس ترامب مع هذا الملف، وقد رأينا كيف أنه وضع إسم السودان ضمن قائمة الدول التي إستهدف تضييق حصول مواطنيها على تأشيرات لدخول أمريكا، وهى القرارات التي أبطلها القضاء الأمريكي.
وماذا عن تفاؤل حكومة الخرطوم ؟
أحدث قرار الرئيس أوباما بالرفع الجزئي للعقوبات التجارية والإقتصادية موجة عارمة من التفاؤل لدى الحكومة السودانية التي وجدت فيه طوق نجاة يُخرجها من العزلة الطويلة ويساعد في إدماجها في المجتمع الدولي من جديد ويضاعف من فرص تحسين الوضع الإقتصادي المتدهور.
وتكاثرت تصريحات المسؤولين حول انفتاح البلاد على الإستثمارات الأمريكية، وذهبت العديد من الوفود الحكومية لواشنطون مصحوبة بممثلين عن شركات القطاع الخاص لشرح فرص الإستثمار في السودان، كما أبدى الكثيرين تفاؤلاً باسترداد العملة الوطنية لعافيتها أمام الدولار بعد سنوات من التراجعات الكبيرة.
غير أنَّ فقرة وردت في شهادة المبعوث الأسبق “برنستون ليمان” أمام جلسة الإستماع يُمكن أن تضع هذا الأمر في نصابه الصحيح، وتحدُّ من الإندفاع التفاؤلي في أوساط المسؤولين الحكوميين، قال ليمان : ( بالنسبة للعقوبات، والتي تم تجميدها وقد يتم إنهاؤها في يوليو، فإنها أقل مما يبدو، ورغم أنها ستفتح الطريق للتجارة وتنعش الاهتمام بالاستثمار، إلا أنه في ظل وجود عقوبات أخرى مطبقة، وبالنظر إلى استمرار وجود السودان على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، فإنَّ من غير المُرجَّح أن تحدث إستثمارات طويلة الأجل، وستظل المؤسسات المالية تنظر بتحفظ، بينما يحتاج المستثمرين إلى ضمانات طويلة الأمد، كما أن إعفاء الديون لن يتم النظر فيه ).
مربط الفرس : (قائمة الإرهاب وعقوبات الكونغرس) !
إذن، القضية ليست متعلقة فقط بالعقوبات الصادرة عن الإدارة الأمريكية، ولكنها مرتبطة بشدة بعقوبات الكونغرس، وبقائمة وزارة الخارجية التي تضم الدول “الراعية للإرهاب” من وجهة نظر أمريكا، وهذه الأخيرة – كما قال ليمان – لها إسقاطات هامة جداً على موضوعات الإقتصاد وفي مقدمتها قضية الإستثمارات و الدين الخارجي.
لشرح هذه القضية، نقول أنَّ ثلاثة أرباع ديون السودان الخارجية ديون السودان الخارجية والتي تبلغ حوالى 51 مليار دولار، تخصُّ دول نادي باريس، وفي أبريل عام 2013 صرَّح رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للسودان إدوارد جميل أبان زيارته للخرطوم بأنه : ( سيكون من شبه المستحيل بالنسبة للسودان إعفاء ديونه حتى إذا أوفى بكافة المتطلبات الفنية والإقتصادية، والسبب في ذلك هو أنَّ الأمر مرتبط بقضايا سياسية تتطلبُ جهوداً في العلاقات العامة مع الدول الأعضاء في نادي باريس)، وأكد جميل في تصريحاته تلك أنَّ : ( أية صفقة لإعفاء ديون السودان تتطلب الموافقة بالإجماع من قبل ال 55 بلداً الأعضاء في نادي باريس وهو أمر غير وارد الحدوث ).
وكما أشرت في مناسبة سابقة فإنه حتى إذا نجح السُّودان في إقناع 54 دولة من دول نادي باريس بالتصويت لصالح إعفاء ديونه فإنَّ وجود أمريكا ضمن تلك الدول سيحول دون ذلك لأن “قرارات الكونغرس” التي أشرنا إليها تمنع ممثلي أمريكا لدى المؤسسات المالية الدولية من التصويت لصالح أية دولة مُدرجة في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ولكن من ناحية أخرى، فقد ظهرت في الآونة الأخيرة مؤشرات توحي بأنَّ تطوراً إيجابياً في صالح الحكومة السودانية يلوحُ في الأفق بخصوص وضع إسمها في قائمة الإرهاب، وفي مقدمتها مشاركة رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش السوداني عماد الدين عدوي في إجتماعات القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم” بألمانيا لأول مرة منذ تكوين تلك القيادة التي أنشئت خصيصاً ل “مكافحة الإرهاب”.
وأقول أنه مؤشر في صالح الحكومة لأنَّ من غير المعقول أن تسعى أمريكا لإشراك السودان في جهود مكافحة الإرهاب بينما تستمر في نفس الوقت في وضع أسمه ضمن قائمة الدول الراعية لذلك الإرهاب !
وكما هو معروف فإنَّ الرئيس الأمريكي يُمكنه إزالة أسم أية دولة من تلك القائمة دون حاجة للرجوع للكونغرس ذلك لأنَّ وضع إسم البلد المُعيَّن في القائمة لا يصدر بتشريع وإنما تقوم به وزارة الخارجية.
المساعدات الإنسانية (للمعارضة المسلحة نصيب)
غطى الجزء المتعلق بتوصل المساعدات الإنسانية لمناطق الحرب الجانب الأكبر من شهادة “ديفيد بيتوني”، وكما ذكرنا آنفاً فإنَّ قضية “تحسين وصول المساعدات” تمثل أحد المسارات في الحوار الذي إفترعته إدارة الرئيس أوباما مع الحكومة السودانية، وأنَّ التقدم في هذا الإطار يمثل أحد مطلوبات الرفع الكامل للعقوبات.
سارت شهادة بيتوني في اتجاه تحميل الحكومة المسؤولية الكاملة في تعطيل وصول المساعدات للمتأثرين في جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث قال ( منذ انهيار اتفاق السلام الشامل، النوع الوحيد من “المساعدة” الذي جلبته الخرطوم إلى جبال النوبة والنيل الأزرق هو البنادق والدبابات والصواريخ والقصف الجوي الذي لا يهدف إلى تطوير أو تنمية السكان، ولكن لتشويههم ،و تدميرهم، و قتلهم ).
ولكن ليمان، من ناحيته حمَّل المعارضة المسلحة (الحركة الشعبية) مسؤولية كبيرة في هذا الخصوص، وقال : ( الحركة الشعبية عارضت إتفاقية للدخول الإنساني إلى المنطقتين بذات القدر الذي كانت عليه حكومة السودان، وكان أحد شروطها أن يأتي جزء من العون من خارج السودان أي عبر إثيوبيا. من العسير النظر إلى ذلك باعتباره أهم من وصول المساعدة الإنسانية فائقة الضرورة إلى السكان الذين يعانون ست سنوات من الحرب.
إنني أعتقد بأن هذه النقطة ليست إلا خدعة، وبأن قيادة الحركة الشعبية ليست على استعداد حتى الآن للمشاركة في هذا النوع من الحوارات والعمليات السياسية التي تقدمها خريطة الطريق للتغيير التي يتبناها الاتحاد الإفريقي، والتي يترأسها ثابو أمبيكي. ثمة عمل كثير ينبغي القيام به مع الحركة الشعبية ومع حكومة السودان أيضاً.
كل ذلك لا يعفي حكومة السودان، فإن هجماتها العسكرية قد أدت إلى معظم الضعف الذي حدث للمجموعات المعارضة الدارفورية، ويمكنها بكل يسر أن توافق على وصول جزء من الدعم عبر إثيوبيا لإنهاء حالة الجمود. لكن النقطة المهمة هي أن استخدام تلك العقوبات ضد حكومة السودان بغرض حل النزاعات المعقدة لن يكون كافياً دون إعتبار دور المعارضة ).
الاتجاه العام لإفادات الخبراء (مواصلة الإرتباط)
بدا جلياً من شهادات الخبراء أمام الكونغرس أنَّ الجميع لا يتحدث عن سياسة “تغيير النظام”، وأنهم يسيرون في ذات الإتجاه الذي تبنتهُ إدارتا الرئيس باراك أوباما وسلفه “جورج بوش” الإبن، وهى سياسة “الإرتباط” مع حكومة السودان من أجل إحداث “هبوط ناعم” وتغيير تدريجي في تركيبة الحكم.
وقد كان المبعوث الأسبق “برنستون ليمان” هو أكثر المتحدثين وضوحاً في رفض خيار “إسقاط النظام” وقال : ( ورغم جهود المقاتلين للإطاحة بها، إلا أن الحكومة الحالية لم تسقط، وما زال مستقبل السودان متعلقاً بها بشكل كبير. أرى أن سقوط الحكومة أو إسقاطها بالقوة لن يحقق الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة الأمريكية، وأكاد أجزم أنه لن يحقق السلام والديمقراطية والرخاء الذي يستحقه الشعب).
ثم ماذا بعد
على الرغم من إشارتنا السالفة لصعوبة التنبؤ بما ستقررهُ الإدارة الأمريكية في خصوص العقوبات، إلا أنه يُمكننا أن نُرجِّح إحتمال تمديد قرار الرئيس أوباما بتخفيف العقوبات لفترة أخرى، وهذا الترجيح ينبني من ناحية على الإجماع الذي أشرنا إليه في شهادة هؤلاء الخبراء حول ضرورة إلزام الحكومة السودانية بتبني مسار حول الإصلاح الديمقراطي يضمن حماية حقوق الإنسان وإتاحة الحريات، وكذلك على الدور التاريخي الذي ظل يلعبه الكونغرس، والذي قد يرى الرئيس “ترامب” ضرورة التعاون معه في هذا الإطار.
كذلك فإنَّ الرفع الكامل للعقوبات من قبل الإدارة الأمريكية، مع استمرار الحرب وعدم الاستجابة لمطلوبات الإصلاح، سيفُقد الإدارة أكبر وسائلها للضغط على الخرطوم، وبالتالي فإنها لن تضمن استمرار الأخيرة في الإلتزام بتطبيق مسارات الحوار المتفق حولها بين الطرفين.
أما إذا قررت واشنطون رفع العقوبات التجارية والإقتصادية بالكامل بعد إنقضاء مهلة الستة أشهر في يوليو القادم دون الإتفاق مع الكونغرس – وهو أمرٌ وارد الحدوث كما ذكرنا – فإنَّ إستمرار عقوبات الكونغرس، والإبقاء على إسم السودان في قائمة الإرهاب سيحول دون تحقيق الخرطوم للعديد من الأهداف الإقتصادية.
ومن ناحيةٍ أخرى فإنه يُستبعد أن تقوم إدارة ترامب بالعودة لفرض العقوبات مرة أخرى، سيما وأنَّ الحكومة قد بدأت في التقدم تدريجياً في تطبيق مسارات الحوار بين البلدين، خصوصاً فيما يتعلق بمسار التعاون في مكافحة الإرهاب وهو المسار الذي يلقى إهتماماً خاصاً من قبل واشنطون.