بقلم : أحمد ويتشي
منذ مؤتمر الجبهة الثورية السودان الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس بداية شهر أكتوبر المنصرم ،، بدأت تحركات علنية و أخرى خفية وعلي استحياء لإعادة النظر في مستجدات الصراع في إقليم دارفور بعد تخلي النظام عن أحد أبرز حلفائه وهو موسي هلال بمليشياته ،،
عنوان هذه التحركات ،، هما حركتي العدل والمساواة و حركة تحرير السودان بقيادة مني مناوي ،، مع ترحيب وغياب من قبل حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور عن مؤتمر الجبهة ،، وكان الملفت للنظر هو حضور علي مجوك بناني لمؤتمر الجبهة الثورية في باريس وهو أحد قيادات مجلس الصحوة بقيادة موسي هلال زعيم مليشيات الجنحويد صاحبة اليد الطولى في عملية الإبادة الجماعية التي جرت وم
ا زالت تجري في إقليم دارفور منذ عقد ونصف ،، قتل نحو ثمانمائة الف مدني أعزل و تشريد أكثر من ثلاثة ملايين آخرين ،، وما يقارب الخمسة آلاف قرية و بلدة تمت إحراقها و تهجير سكانها الي الخارج و الداخل كلاجئين و نازحين، من ثم جري عملية إحتلال لبعض هذه القري المهجورة المملوكة اصلا للمهجرين منذ الأزل ،، كل هذه الماسي خلفت الكثير من الكراهية في إقليم دارفور بين مكوناتها الداخلية من جانب و بين الخرطوم و أهالي الإقليم من جانب آخر ، لأن من تسببوا في هذه الجرائم هم من أبناء الإقليم الذين التحقوا بما يسمي بمليشيات الجنجويد المكونة حصرا من أبناء قبائل محددة و هي قبائل عرفت نفسها بأنها عربية و بناءا على ذلك قاتلت و نكلت بكل ماهو لا يري نفسه عربيا ،، وهذه تمت برعاية و تخطيط وإدارة من الخرطوم من قبل نظام الرئيس البشير و سلاح طيرانه الذي غطي من الفضاء العمليات الحربية لتغطية الغارات التي تجري علي الأرض ضد المدنيين العزل ،، الملاحظ منذ البداية لم يكن هدف النظام في الخرطوم هو الدفاع عن من يسمون انفسهم عربا بقدر ما سعي الي جعل أهالي الإقليم المظلومين يتقاتلون فيما بينهم ،، لأن بوجدة أهالي الإقليم سوف لن يكون هنالك مستقبل لنظام عنصري للغاية يعيش علي الانبطاح في الخارج وسياسة الفرق تسد في الداخل ،،لقد استغل النظام التناقض الموجود على الأرض اثنيا وقام بتأليب بعض القبائل ضد خصومه السياسين الذين حملوا السلاح من أبناء الإقليم ،،و خوف النظام من حملة السلاح في العادة خوف نابع من حقيقة معروفة وهو ان من حملوا السلاح لقتاله لا يتحدثون عن حماية أعراق أو انفصال أو حرب ضد دين ! فحديثهم كله كان وما تزال منصبا علي إسقاط النظام أو علي الأقل رد المظالم التاريخية والحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية المسلوبة من أهالي الإقليم لبناء دولة التعددية المبني علي المواطنة و حقوق الإنسان والتي بسببها تم تقسيم السودان،، وهذا كان مرفوضا من قبل نظام لا يعترف بشي إسمه المواطنة ،، لقد بني نظام البشير دولة عنصرية جدا و احتفظ باقلية صغيرة من الناس و احتكر السلطة والثروة و السلاح و صادر القرار المصيري ،، ويتضح بأن من جندهم النظام لقتال القوي الحاملة للسلاح لم يكونوا ضمن الأقلية التي تهتم بها النظام ،، ومع ذلك ظلوا يقاتلون ويدافعون عنه بضراوة منقطع النظير،، ولكن يبدو الأمور جرت علي عكس ما يتمناه النظام وكذلك عكس ما يعيش عليه أولئك الذين يقتلون الناس بأسمه في دارفور ،، فتفرقوا سدى و بات الأمر مكشوفا ،، فوجد حلفاء النظام “فقراء المنطق والأخلاق “في دارفور في وضع لا يحسدون عليه ،، فالنظام واضح بأنه يريد فقط حماية نفسه وفي ذلك يستخدم كل الحيل و يسعي بشدة لإبعاد الحرب من الخرطوم و المناطق المحيطة بها وحصره في دارفور و بقية الأقاليم ،، فلذلك لم يكن مستغربا بان يلفظ النظام موسي هلال في ظل تزايد طموحات هلال و تفكيره في شؤون أكبر من حماية النظام في الخرطوم ،، فبالتالي فكر النظام في تكاليف أقل وهي الإستعانة بالانتهازية المتوحشة من خونة الدماء والحقوق أمثال بخيت دبجو و آخرون ،، هل فهم الجميع الدرس ؟ لا أعتقد ،،
فبعد هذه المسيرة الدامية وجد موسي هلال نفسه في ورطة حقيقية ،، فهو منذ بداية الثورة المطلبية هذه ظل يردد هو و مليشياته بأنهم يدافعون عن وجودهم التي يهددها الحركات المسلحة ” حسب زعمهم ” ولكن انكشف المستور وبات عاريا من أي غطاء فبالتالي يحاول العودة إلى إخوته الذي قاتلهم لسنوات ،، طبعا بعد أن تخلي عنه النظام وليس لأنه اعترف بخطأ طريقه القديم وهذه لابد من توضيحه ،، وفي شأن هذه العودة هل سيجد هلال ترحيبا ،، فلنكتشف ذلك ومدي قابلية الثوار في التعاطي معه أو الترحيب به و بمليشيات ،، مبدئيا أعلن عبدالواحد نور عن ترحيبه بخطوة هلال و أعتبره صحوة ضمير ،، وصرح مناوي بتصريح مبهم عندما قال ” نحن نتعامل مع الشيطان ومع هلال لطالما هم موجودين في الجغرافيا السودانية !! أما الدكتور جبريل إبراهيم فقال ” موسي هلال لم يعد حليفا مفضلا للنظام ،، وهذه كانت في بداية فورة هلال وهذه التصريحات الصادرة من قادة الحركات المسلحة وجدت صداها لدى مواطني الإقليم وخصوصا الضحايا من جماهير هذه الحركات ،، فانقسموا الي معارض بشدة لأي تقارب مع هلال وبعضهم صمت مراقبا والبعض الآخر طرح شروطه لقبوله في صف المقاومة،،
الرافضين لتحالف هلال مع الحركات مبرراتهم منطقية أكثر من أي طرف ،، فهم يعتبرون هلال مجرم حرب أسوأ من البشير نفسه بحيث هو من نفذ الجرائم الوحشية من قتل وسرقة ونهب و إحتلال بكامل مسؤوليته و إرادته ولم يجبره أحد ولم يتخلى عن هذا الطريق الي أن لفظه النظام ،، وهولاء يرون حتي اعتذار موسي هلال لن يعفيه لقبوله وهذه الفئة هم من أبناء الإقليم المنضوين تحت لواء الأحزاب السياسية ويسعون لمحاسبة هلال جنبا الي جنب مع مجرمي الحرب بعد إسقاط النظام ،، أما الساكتين فهم البراغماتيين الذين ينتظرون أي فرصة لإسقاط النظام بأي شكل كان ومع أي تحالف ،،ويريدون تأجيل محاسبة هلال الي ما بعد إسقاط النظام ولو شاركهم هلال في اسقاطه ،، أما الفئة الثالثة فهم ينظرون الي الأمر لأبعد من ذلك بكثير،، فرايهم مبني من عدة زوايا،، أولها أن أهالي الإقليم بحاجة ملحة الي وحدة كل مكوناته بغض النظر عن الماسي الماثلة ويتعبرون عدم وحدتهم له علاقة بما يجري ضدهم ، ثمانية ملايين نسمة هم سكان الإقليم وهم أكثر الناس تهميشا ومظلومية في تاريخ السودان فبالتالي لا مانع لديهم من تجاوز ما حدث في الماضي ،، كما أن تقديراتهم تقول بأن مليشيات هلال التي اجرمت بحق المدنيين في الإقليم هم في ذاتهم ضحايا ،، لكونهم تم إستغلال جهلهم وفقرهم ولا يمكن التخلي عنهم بسبب هلال أو قادته الكبار ،، مع كل هذا هنالك كارثة أخري تخص هلال شخصيا وهو أنه مطارد دوليا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا الذين يتعبرونه مجرم حرب فبالتالي جمدوا ارصدته الشخصية ومنعه من السفر إلى كل الدول الغربية ،، رغم استهزاء موسي هلال بهذه الإجراءات عندما سئل ذات مرة وهو يقول ” أنا ليس لدي لا أموال ولا حسابات بنكية ” ،وفق تقديري إن كان يدري او لا يدري ، هذه الإجراءات تماما مقيدة ومحاصرة له ولن تسمح له بأن يتحول إلى ثوري حتي لو أراد ،، بإختصار لن يجد إعتراف دولي حتي لو وصل الى السلطة وتستمر مطاردته الي الأبد ،، وهذا قد فطن اليه بعد أن تخلي عنه النظام وبات مكشوف الظهر ،، ففي العام 2006م في فترة سطوته عرض عليه الأمريكان التخلي عن النظام مقابل فك ارصدته ولكنه رد بالعبارات المستهزئه تلك ،،فقبل يومين من كتابة هذا المقال ،، أوردت الصحف خبر تقول ” بريطانيا تجدد تجميد أرصدة موسي هلال “، ما بين هذا وذاك ينتظر الكثيرين نهاية ما يجري له ،، أما قادة الحركات المسلحة فهم لا يخسرون الكثير لأن ثورتهم ليس مربوطا بزمن محدد،، ولكنهم أيضا يتحملون مسؤولية توحيد أهالي الإقليم أن أرادوا تحقيق نصر و رد الحقوق ،، وهذا ربما يدفعهم الي القبول بالجميع من أبناء الإقليم ،،ولكن المشكلة تكمن في آراء الجماهير، و السؤال هو هل سيغامر قادة الحركات في تكوين تحالف ليس مضمونا استمراريته أم أنهم يتركون هلال ومليشياته لقمة سهلة للنظام ليواجهوا مصيرهم بالعيش في فقر وجوع وجهل؟ مع تحملهم لعنات الضحايا من أهلهم!