تجربة التجمع الوطني وأثرها في نجاح تحالف الجبهة الثورية (كاودا)
معتصم بابكر
بيرمنغهام
اختياري لموضوع تجربة العمل المسلح والمقارنة بين الجبهتيين أو التحالفيين (( التجمع الوطني في أوائل التسعينيات والجبهة الثورية )) أختياري لهما لم يأتي اعتباطآ مني وانما حكتمه عدة أسباب موضوعية .
ان تجربة العمل المسلح في مواجهة نظام الأنقاذ ليست هي الأولى في تاريخ السودان المعاصر بل سبقتها تجارب سابقة قبل الأستغلال وبعده, فأكثرها ضراوة تلك التي جاءت بعد وصول الانقاذ والتي أخذت أشكالآ مختلفة الملاحظ أنها غالبآ ما تبدأ بمجهودات مناطقية أو جهوية ( جنوب السودان , شرق السودان , دار فور ) فتتواصل وتنتهي بتحالفات قوى سياسية أو حركات لتتبنى قضايا قومية, ففي تجربة التجمع الوطني كأول تجربة تحالف عمل سياسي عسكري مسلح في العام 1990 م بعد مجئ الأنقاذ بعام عندما وقع حزب الأمة اتفاق مع الحركة الشعبية ينص على توحيد الجهود ضد النظام ووقف الأقتتال بين القبائل الموالية للطرفيين في مناطق التماس وتوجيه بنادقهم صوب العدوا المشترك , كما شهد أيضآ نفس العام تدشيين القوات الشرعية للقوات النظامية والتي كانت تشمل قيادات الجيش المبعديين من قبل النظام وعناصر أخرى من القوات النظامية لتنضم عليها بعد ذلك العناصر المدنية فأحدثت أنضمام تلك المجموعات ضجيجآ خلال العاميين الأوليين من عمر الأنقاذ .
أصبح التجمع واقعآ ملموسآ ومؤثرآ بتبنيها خيار العمل العسكري في ميثاقه المعدل والذي توج بانضمام الحركة الشعبية والجيش الشعبي الى صفوف التجمع فأدى ذلك الى واقع عملي جديد نتج عنه محاولات العمل المسلح لحركة ابريل 1990م وحركة أغسطس 1990 وتسلل بعض العناصر المسلحة داخل السودان في مهمات مختلفة ((محاولات التفجيرات )) وغيرها من المحاولات فأستمرت تلك الجهود الى أن تم رسميآ أعلان قوات التحالف بنهاية العام 1994 لتدخل الى الساحة السياسية بقوة عسكرية تطرح تكتيك العمل المسلح, ان قوات التحالف أثبتت جديتها عندما أطلقت الرصاصة الأولى في مديسيسة في أبريل 1996 التي جاءت كنتيجة لموتمر أسمرا 1995 الذي عزز من مواقع القوى الراديكالية وذلك بانضمام موتمر البجا والتحالف الفدرالي وقوات التحالف رسميآ للتجمع فأستمرت النشاطات في الشرق حيث تم الأستيلاء على همشكوريب الأولى في نهاية 1996 بمجهودات القوات الثلاثة ووصلت قمتها في العام 1997 حيث تم في العام نفسه تحرير جنوب النيل الأزرق بمجهودات مشتركة من قبل التحالف والحركة الشعبية وتحرير طوقان بايدي التحالف وتحرير قارورا من قبل التحالف والبجا والجيش الشعبي, أدت كل هذه النشاطات بتأسيس اعلان جيش الأمة (حزب الأمة) وقوات الفتح (الأتحادي الديمقراطي) ومقاتلي الجبهة الديمقراطية ( الحزب الشيوعي) وقد أصابت هذه الوثبة نظام الأنقاذ بهلع كادت أن تفكك عصبته لو لا بعض الظواهر التي بدت تلوح والمتمثلة في التنافس الشديد بين القوى المعارضة , وعدم التنسيق بين جهودها خصوصآ من طرف جيش تحرير الأمة الذي ما لبثت قيادتها السياسية الا وبدأت في تلميع الحزب وتبني الأنتصارات المشتركة واستغلالها لمكاسب سياسية حزبية واختزلت العمل المسلح برمته في مسيرة قيادتها وهنا بدأت تجربة التجمع تأخذ طريقها للفشل .
من الملاحظ في المسرح السياسي السوداني ومن خلال أدبيات العمل السياسي في السودان أننا قليلآ ما نقف لنقييم تجاربنا السابقة ودراسة أسباب الفشل بصورة علمية دقيقة أو حتى دراسة سبل تطوير تجاربنا الناجحة فالفشل عندنا يقف عند حد الفشل والنجاح عند حد النجاح وكثيرآ ما تأتي نجاحاتنا عن طريق الصدفة والدليل على ذلك كل الأزمات التي مرت على السودان منذ فجر الأستغلال وحتى اللحظة وطرق التعامل معها, فنجد أن هذا الأسلوب هو السائد حتى في نمط حياتنا اليومية عند الكثير من أفراد الشعب السوداني كما وأن الأخطاء في حياتنا تمر مرور الكرام أما النجاح لدينا فهو نهاية الطموح بغض النظر عن نسبة ذلك النجاح وقد يرجع ذلك الى الثقافة التربوية في مجتمعنا فمثلآ عندما تخطأ تعاقب فقط لأن والدك قد غضب منك بسبب ذلك التصرف الخاطئ وليس لأخذ العبرة من الخطأ وعندما تحسن تمر تلك الحسنة مرور الكرام ولا تحفز لتعرف قيمة ما فعلته .
لا شك أن تجربة الجبهة الثورية أو تحالف كاودا يختلف شكلآ وليس مضمونآ عن تجربة التجمع الوطني ففي أعتقادي أن كاودا قد يكون أكثر نضوجآ في الجانب العسكري نسبة لأن القوى المكونة لها كلها سبق لها وأن قادت تجارب عسكرية في مناطق مختلفة الا أنها أقل وعيآ في الجانب السياسي من التجمع الوطني بدليل أننا لا حظنا أخطاء جوهرية بدأت تظهر منذ البداية خصوصآ في خطابها السياسي وهي ما جعلت بقية القوى السياسية المعارضة تتحفظ بعض الشئ وهي نفس البداية التي بدأت بها حركات دار فور في العام 2003 ولكنها أدركت خطورتها بعد حين وسرعان ما أخذت في تغير ذلك الخطاب , الضبط الأعلامي ان صح التعبير أيضآ في أول أنتصار للتحالف لاحظنا أخطاء خطيرة وهي نفس الاخطاء التي أدت الى أنهيار وتفكك التجمع الوطني على سبيل المثال وليس الحصر عند ما تم الأستيلاء على منطقتي جاوا والابيض في يوم26/02/2012 سارعت كل القوى المكونة للجبهة عبر مكاتبها السياسية بوابل من البيانات المختلفة كل فيها يلمع حركته ومحاولة استغلال واضح لتلك الانتصارات لغرض مكاسب سياسية حركية ,اذا أستمر هذا الأمر لا يستغرب المرء أن يأدي ذلك الى خلافات عميقة في وقت لا يحتمل أي خلاف, غياب العمل الأعلامي الميداني لاحظنا أن هنالك مغالطات بين الناطق الرسمي بأسم القوات المسلحة السودانية والناطق الرسمي للتحالف أحدهما قال بأن الهجوم قد تم بأيدي قوات دولة جنوب السودان وقد تم دحرها وأن المناطق الآ ن بأيدي القوات المسلحة السودانية, والآخر أو الناطق الرسمي بأسم الجبهة يقول أن الهجوم قد نفذ بأيدي قوات التحالف وأنها أستولت على عتاد عسكري, كان بامكان التحالف أن تقطع الشك بنشر صور فيديو أو صور فتغرافية تأكد ملكية تلك الأنتصارات للتحالف والغنائم التي استحوزوا اليها وحتى خسارات العدوا لأن هذا بمثابة حرب من نوع آخر وهو من أهم الحروب لا يقل شأنآ عن الحرب الميداني وذلك لكسب الروح المعنوية في أوساط المعارضة وقد يكون نوع من الأستقطاب للعمل الميداني وكسر الروح المعنوية للعدوا , ومن الأخطاء أيضآ كان يجب أن يكون هنالك عمل سياسي بجانب العمل العسكري بحيث يتم التوافق مع القوى السياسية الأخرى في البحث عن خيار آخر لتنفيذ الهدف وأيضآ ليتم التوافق في سياغة مسودة دستور انتقالي يتوافق عليها الجميع لأننا قد تعلمنا من تجارنا السابقة وما أكثرها في السودان أن بذرة الثورة يزعها الأبطال ويحصدها الأنتهازيين فهذه الملاحظات التي تم سردها على سبيل المثال وليس الحصر يجب أن يأخذها التحالف بعين الأعتبار لأن في اعتقادي هذه هي الفرصة الأخيرة حيث لا يوجد هنالك أي سيناريو لمستقبل السودان بعد هذا الوضع سوى الأنشطار وقد يكون هو الأسوأ.
[email protected]