تاريخ الإبادة الجماعيّة إبتداءً من إبادة اليهود والغجر ومرورًا بإبادة الأرمن وإنتهاءً بإبادة قبائل الزغاوة – المساليت والفور, وغيرها من القبائل الإفريقيّة فى إقليم دارفور المنكوب
حماد وادى سند لكرتى
المحامى والباحث القانونى
[email protected]
من الملاحظ أن مصطلح الإبادة الجماعيّة , لم يكن متداولاً بين أوساط فقهاء القانون الدولى قبل العام 1944م , وبعد العام 1944 بدأ مصطلح الإبادة الجماعيّة فى الظهور , حيث يشير إلى عمليات القتل الجماعى المنظم والممنهج التى ترتكب ضد مجموعات عرقية معينة من البشر – سواء كانت هذه المجموعات عرقية , أم دينية , اوإثنية .
,وفى العام 1939 م إند لعت الحرب العالميّة الثانيّة , إثر قيام القوات الألمانيّة بقيادة ( أدولف هتلر ) بإحتلال – بولندا – حيث أرتكبت القوات الألمانيّة فظاعات لاتوصف ضد المدنيين العزل, وفى العام 1941 م غزت القوات الالمانيّة الاتحاد السوفيتى , وإرتكبت تلك القوات بقيادة – النازى- أدولف هتلر – أعمالاً وحشيّة مما دفع وزير بريطانيا فى ذلك الوقت السيد – تشرشل – إلى القول ( نحن أمام جريمة لا أجد لها تسمية ) , وفى العام 1944 إتبعت القيادة النازية سياسة تهدف إلى إعادة بناء التكوين العرقى لأوربا( كما الأن فى إقليم دارفور – المنطقة الواقعة فى غرب السودان الذى يشهد أكبركارثة إنسانية على مستوى العالم فى الوقت الراهن) , وذلك بإستخدام القوة العسكرية , حيث إرتكب( هتلر) عمليات قتل جماعيّة واسعة النطاق ضد مجموعات عرقيّة معينة , حيث قصد – قتل جميع اليهود الأوربيين , وهو ما يطلق عليه فى الوقت الراهن بمصطلح ( الهولوكست ) , وهذا المصطلح مستنبط من التلمود الذى يقرأه اليهود , وهو يشير إلى معنى الإبادة الجماعيّة فى اللغة العبريّة, كما يشير أيضاً إلى معنى المحرقة فى اللغة اليونانيّة , كما سعى هتلر جاهدا إلى قتل جميع طائفة الغجر , والمعاقيين , والسود . ومن هذا المنطلق صاغ المحامى ( رافائيل ليكمن ) مصلح الإبادة الجماعيّة . ورافائيل ليكمن – هو من مواطنى بولندا شهد عمليات القتل الجماعى والمنظم والممنهج, الواسع النطاق ضد طائفة اليهود فى أوربا , ومن المؤكد أن السيد – ليكمن – هو أول من صاغ المعنى القانونى لعمليات القتل الجماعى المنظم الواسع النطاق ضد طائفة معينة من الناس , ووصفها بالإبادة الجماعيّة , وهو يشير الى عمل من الاعمال الاتية يهدف منه الابادة الكليّة , أو الجزئية لجماعة معينة على أساس القوميّة , أو العرق , أو الجنس , أو الدين . والاعمال التى تركتب ضد أى من المجموعات سالفة الذكر يتمثل فى الاتى:
قتل أعضاء الجماعة . -1
2- إلحاق الاذى الجسدى , أو النفسى الخطير بأعضاء الجماعة .
3- فرض إجراءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة .
4- إلحاق الاضرار بالأوضاع المعيشيّة للجماعة بشكل متعمد بقصد التدمير الكلى , أو الجزئى لمجموعة عرقيّة معينة .
5- نقل الاطفال بالاكراه من جماعة الى أخرى .
جرائم الابادة الجماعية فى تاريخ الانسانية :
بإستقراء تاريخ البشريّة إتضح لنا جليا ان أفة الإبادة الجماعيّة كانت تقع من حين الى اخر , ولم تفلح الالة السياسيّة , ولا القوة العسكرية فى وضع حد لهذه الجريمة الرهيبة , وسوف نستدل ببعض الأحداث التى وقعت فى الماضى , والتى تمثل جرائم الإبادة الجماعيّة , وذلك حسب التعريف الحديث لجريمة الإبادة الجماعية فى الإتفاقية المتعلقة بمنع جريمة الإبادة الجماعيّة والمعاقبة عليها الصادرة فى 12/يناير من العام 1951 م , وإستناداً الى تعريف الابادة الجماعية الوارد فى النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية 1998 م, وفقا للمادة(6) من نظام روما , وذلك على هذا النحو :
أولا :
الهولوكست :
إن مصطلح الهولوكست يونانيّة الأصل وتعنى (الحرق تضحية من أجل الله ) أى حرق اليهود فى أوربا تضحية من أجل الرب , وفى اللغة العربيّة تعنى كلمة ( هولوكست ) الحرق , ومحرقة . وهنا يجب أن نقف برهة لنتمعن أولئك الذين يحكمون الناس بإسم الدين , حيث يتمتعون بسلطة مطلقة لاتحدها حدود , يقتلون مايشأون ويحيون من يشأؤون , وهم يتشدقون بأنهم يحكمون البشر إنطلاقا من معتقداتهم الدينيّة , سواء أكان هذا الدين , ( مسيحى – إسلامى – يهودى ) , هكذا دائما عندما يقفز المتدينون الى السلطة , ويخلطون الدين بالسياسة , حيث يذيقون الشعوب ودولهم طعم الدم , ورائحة القتل والتشريد والتدمير , بل كل صنوف المؤمؤات والفتن , حتى المسيحية , ذاقت الشعوب الأوربية صنوفا من العذاب ,وصل الى حد إغتصاب القساوسة فى الأديرة والمجازر , ونستدل على قولنا هذا بالمجازر الرهيبة التى وقعت بين الكاثوليك والبروتسانت , أماى اذا اردنا ان نتحدث عن الجرائم التى وقعت أثناء تولى المتأسلمون السلطة فحدث ولا حرج, ولايسعنا المجال فى هذا المقام ولكن يمكن أن نستدل ببعض الأحداث العظام ( قتل الأمويين لإال البيت فى معركة كربلاء , التى كانت كرب وبلاء بلاشك – المعارك التى دارت اثناء الدولة الأموية والعباسية والفاطمية – قتل الأكراد على يد الدموى – صدام حسين وزبانيته – مذبحة الرمن على يد الدولة الثمانية الصاعدة فى تركيا , قتل أفراد قبائل الزغاوة – المساليت والفور على يد عصابة المؤتمر الوطنى فى السودان الذين يمثلون الإخوان المسلمون …الخ , وإن شئت فالتاريخ الإسلامى مليىء بالدماء .
أما المعنى القانونى الإصطلاحى فإن مصطلح الهولوكست يشير إلى عمليات القتل المنظم , والإضطهاد البيروقراطى , والتى تمثل سياسة الدولة بأكملها ضد مجموعة أو مجموعات عرقيّة بعينها , وفى فترة الهولوكست , إستهدف (هتلر ) فئات عرقية ودينية معينة بسبب دونيتهم العرقية كما يعتقد النازيون , وذلك مثل – روما – جبيسيس , أى الغجر – والمعاقين , والسود , والروس , وبعض العرقيات فى بولندا , وهناك مجموعات معينة أرتكبت ضدهم أعمال قتل منظمة وممنهجة وعلى نطاق واسع , وذلك بسبب إنتمائهم السياسى أو السلوكى الأخلاقى .
بالنسبة للإنتماء السياسى , فإن ( هتلر ) كان يستهدف الشيوعيين , والإشتراكيين .
أما بالنسبة للمجموعات المستهدفة بسبب سلوكهم الأخلاقى , فإن (أدولف هتلر) كان يستهدف اللواطيين – بصورة مباشرة وممنهجة وعلى نطاق واسع , وهذا شىء يحمد لهتلر كونه كان يستهدف أحفاد قوم لوط .
إن النازيون بقيادة ( أدولف هتلر ) كانو قد إتبعو سياسة معينة , ويستخدمون لغة مهذبة فى إخفاء حقيقة جرائمهم البشعة , فمثلاً فى العام 1939م , أنشأ ( هتلر ) سجون ليجمع فيها اليهود , والغجر , والمعارضين لسياساته العنصريّة , وغيرهم من ضحايا الحقد العرقى , العنصرى البغيض , وفى ذات السياق أنشأ النازيون بعض المساكن لترحيل الأقليات المستهدفة فى تلك المساكن قسراً . بعد ذلك مباشرة قام النازيون بغزو الإتحاد السوفيتى فى العام 1941 م , ومن خلال غزو الإتحاد السوفيتى إرتكب النازيون عمليات قتل منظمة ضد طائفة اليهود والغجر , حيث قتل أكثر من مليون يهودى معظمهم من النساء والأطفال , وبين الأعوام 1941- 1942م قام هتلر بترحيل أعداد ضخمة من اليهود إلى بعض السجون فى ألمانيا بقصد قتلهم جميعا , وبالرغم من أن اليهود كانوا هم المستهدفين بصورة مباشرة إلا أن مجموعات معينة عرقية معينة كانوا من ضمن الضحايا .
ثانيا :
الإبادة الجماعية فى يوغسلافيا السابقة : – 1991 -1995 م :
يعتبر الحرب التى إندلعت فى يوغسلافيا السابقة من أسوأ الحروب التى وقعت فى أوربا منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية , حيث أدى النزاع إلى إرتكاب جرائم ضد الإنسانيّة , وجرائم الإبادة الجماعيّة , وجرائم الحرب ضد مسلمى البوسنة , وكان النزاع يتسم بإستهداف مجموعات معينة على أساس الدين , حيث قتل فى مدينة ( سيربيرنتشا ) أكثر من (10,000 ) مدنى من مسلمى البوسنة معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ , على يد القوات الصربية الغازية , مما دفع مجلس الأمن الى إصدار القرار رقم ( 827 – فى العام 1993 م ) , والذى يقضى بإنشاء لجنة دوليّة للتحقيق , وإنشاء ( المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة ) وذلك لمحاكمة مجرمى الحرب فى لاهاى بهولندا , وتعتبر هذه المحكمة هى أول محكمة جنائية دولية منذ محكمة (نورمبرج ) .
ثالثا :
الإبادة الجماعية فى روندا – 1994 م :
مابين شهرى إبريل , ويوليو من العام 1994 م قتل أكثرمن مليون شخص , إثر إندلاع الحرب الأهلية فى روندا بين قبيلتى الهوتو , والتوتسى , ويلاحظ أن الضحايا كان معظمهم من قبيلة التوتسى , لأنها تمثل الأقلية بالنسبة لقبيلة الهوتو مما دفع مجلس الأمن إلى تشكيل لجنة دولية لتقصى الحقائق فى روندا حول جرائم الإبادة الجماعية , وجرائم الحرب , والجرائم ضد الإنسانيّة , وتحديد الأشخاص المسئولين عن تلك الفظاعات , وفى ذات الوقت , مد مجلس الأمن صلاحيات المحكمة الجنائيّة الدولية ليوغسلافيا السابقة , لتتفرع عنها محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأشخاص الذين إرتكبوا جرائم الإبادة الجماعية فى روندا , ويلاحظ أن مقر المحكمة فى مدينة (أورشا ) بدولة تنزانيا .
رابعا :
مزاعم الابادة الجماعية فى إقليم دارفور – 2003 -2008 م :
فى ظل صمت دولى رهيب , وتخاذل عربى وإسلامى فاضح , إرتكب اطراف النزاع فى إقليم دارفور إنتهاكات جسيمة ضد المدنيين العزل فى الاقليم – المنطقة الواقعة فى غرب السودان – الذى يشهد أكبر كارثة إنسانية على مستوى العالم فى الوقت الراهن . حيث أرتكب أطراف النزاع عمليات قتل جماعية ضد المدنيين العزل , حيث قتل المدنيين فى الإقليم كالذباب , فضلاً عن التشريد القسرى , وعمليات الاغتصاب ضد الفتيات الصغيرات والنساء , والقتل خارج نطاق القضاء, وتم إبعاد السكان فى دارفور قسراً عن ديارهم , والتعذيب , والإضطهاد , والإستعباد الجنسى أو الإكراه على البغاء , أو الحمل القسرى , والإختفاء القسرى , وأفعال أخرى لا إنسانية , وتعمد توجيه الهجمات ضد السكان المدنيين العزل , والحاق تدمير واسع النطاق بالقطاطى , والممتلكات بل والاستيلاء عليها , كما أن أطراف النزاع فى إقليم دارفور كانوا ومازالوا يقومون بأعمال لا أخلاقية , وذلك مثل دفن أبار المياه , وتدمير وسائل العيش للمدنيين فى إقليم دارفور – إنه الفساد فى الأرض – نعم لقد دمر وسائل العيش الخاصة بالمدنيين حتى يموتوا جوعا , وعطشا , حيث ترك المدنيين فى ظروف معيشية صعبة حتى يلاقوا حتفهم جميعا رويدا رويدا – ظلم تاريخى لم يسبق له مثيل فى تاريخ البشرية …الخ .
فى خضم أزمة إقليم دارفور , أرسلت الجامعة العربية بعثة لتقصى الحقائق حول مزاعم الإبادة الجماعيّة فى الاقليم , وكانت البعثة برئاسة – السيد السفير – سمير حسنى , مدير إدارة إفريقيا والتعاون العربى الإفريقى بجامعة الدول العربية , وعضوية أخرين . حيث خلصت اللجنة الى : ( أنه تم إرتكاب جرائم جسيمة ضد الإنسانية فى إقليم دارفور , إلا أن البعثة إستبعدت وقوع جرائم الابادة الجماعية .
وفى العام 2004 م كلف مجلس الامن السيد – كوفى عنان – الامين العام للامم المتحدة فى ذلك الوقت , بضرورة تكوين لجنة دولية لتقصى الحقائق حول مزاعم الإبادة الجماعية فى الاقليم , وكانت البعثة برئاسة القاضى ( إنطونيو ) , وفى العام 2005 م , أصدرت البعثة تقريرها , حيث خلصت البعثة الى , الاتى :
( إرتكب أطراف النزاع فى الإقليم جرائم ضد الإنسانية , وجرائم الحرب , ضد المدنيين , إلا أن البعثة لم تذكر صراحة وقوع جريمة الإبادة الجماعية , إلا ان تقرير البعثة ذكرت ( أن هناك جرائم أرتكبت فى الاقليم لاتقل خطورة عن جرائم الابادة الجماعية , وأن هناك أفراد كانوا يقومون بعمليات إجرامية بقصد الابادة الجماعية ضد مجموعات عرقية معينة ) .
فى العام 2004 م قام وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية- السيد – كولن باول – بزيارة تاريخية الى إقليم دارفور للوقوف على طبيعة الاوضاع بنفسه فى الاقليم , وأمام لجنة العلاقات الدولية التابع لمجلس الشيوخ أدلى باول بتصريحات مفادها ( وقوع جرائم الابادة الجماعية فى أقليم دارفور ضد مجموعات عرقية معينة ,وحمل الحكومة السودانية( عصابة المؤتمر الوطنى) , ومليشيات عربية المسئولية التامة عن عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقى ضد قبائل الزغاوة – المساليت والفور , وبعض العرقيات الإفريقية الأخرى ) .
أما بالنسبة للمنظمة الدولية للدفاع عن حقوق الانسان فى العالم , فقد صرحت منذ وقت بعيد , إلى أن العمليات التى تجرى فى الاقليم يمثل جريمة إبادة جماعية .
فى 14- يوليو من العام 2008 م , طلب السيد – لويس مورينو أكامبو – ( مدعى عام المحكمة الجنائية الدولية ) طلب من الدائرة التمهيدية إصدار أمر قبض ضد الرئيس السودانى – ( عمر حسن احمد البشير ) , وذلك إعتقادا من المدعى العام بأنه يملك أدلة دامغة تثبت إرتكاب ( البشير ) جرائم الابادة الجماعية ضد قبائل ( الزغاوة – المساليت – والزغاوة ) . إلا أن الدائرة التمهيدية أصدرت أمر قبض بحق المتهم – عمر حسن احمد البشير , وذلك إعتقادا من الدائرة التمهيدية التابعة للمحكمة الجنائية الدولية أن المواطن السودانى – عمر البشير – يتحمل المسئولية الفردية المباشرة عن جرائم دولية خطيرة وقعت فى حق قبائل الزغاوة – المساليت – والفور , وتتمثل تلك الجرائم فى – الجرائم ضد الإنسانية – جرائم الحرب وإستبعدت الدائرة التمهيدية جرائم الإبادة الجماعية , إلا أن المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية – السيد – لويس مورينوا أكامبو – أكد مؤخرا أنه سيدعم الأدلة المتعلقة بالمتهم – عمر البشير – وذلك فيما يتعلق بجرائم الإبادة الجماعية ضد قبائل الزغاوة – المساليت – والفور .
ونحن من جانبنا نؤكد من الأن فصاعدا وقوع جرائم الإبادة الجماعية بكامل عناصرها فى اقليم دارفور , ضد قبائل الزغاوة – المساليت – والفور .
نواصل فى الحلقات القادمة
حَمّادْ وَادِى سَندْ الكرْتِى
محامى وباحث قانونى