بِدع وممارسات إنقاذيه .. استمرأتها الانتقالية
ناهيك عن الوثيقة المرجعية، وبعيداً عن تشريعات تفكيك نظام الإنقاذ البائد وإزالة التمكين، هنالك تكليف غير مكتوب من الشعب السوداني، للحكومة الانتقالية (السيادي والتنفيذي وقحت) بمراجعة شاملة لممارسات ومناهج النظام البائد، في السياسة والخدمة المدنية، والشروع في تنقيتها من الشوائب وإعادة الأمور إلى نصابها الذي إعتاده الشعب السوداني، وجبلت عليها فطرته السليمة.
ونعتقد أنّ الصحافة كسلطة رابطة، يجب أن يكون رأس الرمح في تصحيح مسار الحياة العامة والممارسة السياسة، من خلال النقد البناء، ورسم خارطة طريق العبور، في ظل تيهان الحكومة الانتقالية، وضبابية الموجهات العامة. ولا يتأّتى هذا إلاّ في ظلال إعلام حر ومستقبل ومسئول، لذا يجب التشهير بالمؤسسات الإعلامية المملوكة سراً وعلانياً لشخصيات دستورية نافذة.
الكثير من هذه الممارسات الإنقاذية القميئة، لا تجدِ معها سن التشريعات الرادعة وحدها، إذ يمكن محاصرتها بالتشنيع الإعلامي، من منطلق “من يَنقُد الزَّمّار يفرض عليه اللّحن”. بعض هذه الممارسات السالبة، تسلكها المؤسسات الدستورية، ومن أمثلتها الاستمرار في توسيع الكتلة السيادية والوزارية للترضية، وتفادي غضب الكيانات والجهويات، والإبقاء على التقسيمات الإدارية الاعتباطية للولايات والمحافظات، وافتقاد الجرأة السياسية لاختصارها كما وعد السيد رئيس الوزراء سابقاً. ومنها سلوك فردي للدستوريين، تجاري رجالات الإنقاذ دون وجل.
قال ابن عربي القاضي: (شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة، وأراد أن يتقيأهم فما استطاع) ويمكننا القول، أنّ بعض رجالات “الإنتقالية” قد بلعوا ممارسات نظام الإنقاذ البائد والفاسد، وحاولوا أن تقيئوها فما استطاعوا، إذ يلاحظ المراقب لسلوكيات الرموز الانتقالية، أنّ بعضهم قد بزّ الإنقاذين في الشوفينية و”الفشخرة” السياسية، والنفخة “الكضّابة”.
من أمثلة الممارسات، تكرار المبالغة في تنصيب حاكم إقليم دارفور، الذي تذّوق طعم السطلة والصولجان في موائد النظام البائد، ولا شك أن الطعم الشهي قد راق له، وطفق يكرر طبخه بنفسه، كلما سنحت له الفرصة، من لدن حكومة انتقالية مهيضة الجناح، لا حول لها ولا قوة. فالفعالية الضخمة التي نظمت مؤخراً بالفاشر، لا تعنِ مواطن دارفور المغلوب على أمره في كثير، وهي الثانية من نوعها من ذات الحاكم فرحاً وابتهاجاً بمنصب أقل من عادي بمعايير الصلاحيات وكفاءة الحاكم المتكئ على البندقية ولا شيء غيرها.
فقد أقيمت فعالية محضورة بقاعة الصداقة بالخرطوم، يوم 15 من شهر يونيو الماضي، حُشد له وجهاء الساحة السياسية، ورموز المجتمع المدني، نُصبت لها مكبرات الصوت العملاقة، ثم تكرر مرة أخرى حفلاً ملوكياً في العاشر من هذا الشهر، بذات الأجندة الاحتفالية، ضُربت لها أكباد الطائرات الرئاسية، وحُشد لها طلاب المدارس، وأُحضرت لمراسيمها الإدارات الأهلية قسراً، وكأن المرسوم السيادي الذي نصّبه حاكماً للإقليم ليس كافياً للاعتراف به، أجدنا نرى أن السيد مني، يكرر نفسه قائلاً “شوفوني” نُصبت حاكماً بجهد بندقيتي! كل هذا “النطيط” السياسي قبل أن يعرف صلاحياته الدستورية!
الشيء ذاته كنا نتابع بدهشة واستهجان، كيف أنّ رجالات نظام الإنقاذ، ينصبون السرادق، ينحرون الإبل، يضربون الدفوف، ويهزون الأرداف طرباً بتولي الوزارات الهامشية، وفتات المناسب الدستورية، ومنهم من خضّب أكفه بالحناء، وأُكملت له مراسيم “الجرتق”، رُبطت له الحريرة وعصب رأسه بالضريرة، أي والله!! وما ظننا أننا سنشهد دراما سياسية مماثلة حتى بعد استشهاد الآلاف من الشباب الغر، فداءً للانعتاق من ربق نظام الاستبداد والدجل السياسي!!
نتمنى لحاكم الإقليم التوفيق والسداد، ونتساءل ماذا بعد البهرجة السياسية؟ من الأجدر به التركيز على جوهر اتفاق جوبا للسلام، وترك المظاهر الإنقاذية والقشور الزائفة، وإن كان هذا التتويج الملوكي رسالة موجه لرفقاء نضال، أو كيانات ثورية أخرى، فلا شك أنها غير مسئولة.
رغم التضحيات الشبابية الحالمة بالتغيير، والطامحة في الرشد السياسي، قد بزّت وزيرة خارجية الحكومية الإنتقالية الدكتورة مريم المهدي، وزراء نظام الإنقاذ في الشوفينية السياسية، حيث سمحت لمحسوبيها و”حرّضت” مقرّبيها على تنظيم تظاهرة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد يوم 17 من شهر يونيو الماضي، حيث علت الزغاريد، وتعالت التحميد والتكبير “الأنصاري” داخل صالة كبار الزوار بمطار الخرطوم، احتفاءً، بمقدمها الميمون من نيويورك، رغم أنها عادت مكسوفة مدحورة من أعتى قوتين في العالم، أمريكيا والاتحاد السوفيتي، بخصوص شكواها المندفع لمجلس الأمن بشأن سد النهضة الأثيوبي. مثل ذلكم التصرف الغوغائي، لم يصدر حتى من ناس الإنقاذ، ولا يمكن أن يصدر من “رجل” دولة، ناهيك عن حزب دولة، ولم نسمع أنّ رئيس الوزراء قد أنّفها، أو أنّ وزير شئون الرئاسة قد أنّف سلطات مطار الخرطوم على ذلك التجاوز المراسيمي، والتهريج غير اللائق بحكومة ثورية انتقالية.
نأمل أن تتعلم وزيرة الخارجية الدكتورة مريم التواضع؛ فمن تواضع لله رفعه.
نكتفي بهذين المشهدين من الاستمراء الانتقالي لبدع وتصرفات انقاذية قبيحة، على أن نعود مجدداً لتسليط الأضواء على ممارسات أخرى مستهجنة شعبياً لا يزال يمارسها دستوريو الحكومة الانتقالية، إذا أمدّ الله في الآجال.
أقلام متّحدة
15 أغسطس 2021م