بين المحاولة الانقلابية للبعثيين في 1990و الاسلاميين في 2012 حبات المسبحة تكر
بين المحاولة الانقلابية المنسوبة لحزب البعث في 23 ابريل 1990 (حركة الخلاص الوطني) والمحاولة الانقلابية للاسلاميين في 22 نوفمبر 2012 (الحركة التصحيحية) الكثير من الفروق والمفارقات ، وكانت تصديقاً لما قاله اللواء الركن مهندس احمد النميري للقائد العام الفريق عمر البشير ولم يتقبله انذاك ( كان اللواء احمد النميري قد واجه الفريق عمر حسن في اجتماع تنويري لقادة القوات المسلحة موضوعه حركة اللواء محمد علي حامد التوم – وهي محاولة انقلابية تم الكشف عنها في فبراير 1990 في طورها الاخير لم يكتب لها النجاح وتم اعتقال مجموعة من الضباط تراوحت بين 30-50 واحالة ضعفي ذلك العدد للمعاش- قال اللواء احمد النميري للبشير : ان القوات المسلحة قوات عريقة ذات تقاليد ومعروف عنها الانضباط العالي ولن تقبل بالواقع الذي جاءت به الانقاذ . ثانيا : ان الحكم العسكري لم ينجح في السودان ولن ينجح في المستقبل ولابد من تبني صيغة تعيد الحكم المدني وان ما قمتم به هو عبارة عن انقلاب لمصلحة حزب معين بينما كان ينبغي ان تتبنى القوات المسلحة حلاً قومياً يرضي كل اهل السودان ، ثالثا: ماجرى من تحرك (اي تحرك اللواء على حامد) سيتكرر ولن يتوقف مالم تحدث تعديلات جذرية تقتلع اسباب التحرك )
اخذت المحاولة الانقلابية في 27 رمضان 1990 الانقاذ على حين غرة و برغم تحوطاتهم الكثيرة كادت ان تنجح تم اعتقال الذين خططوا او الذين شاركوا في التنفيذ ولم ينج منهم حتى اولئك الذين كانوا معتقلين داخل السجون بحجة انهم كانوا في رئاسة التنظيم ، جرى معهم تحقيق بواسطة ادارة الاستخبارات العسكرية وتحت اشراف وادارة اللواء الركن محمد احمد مصطفى الدابي مدير الاستخبارات العسكرية والعميد الركن كمال علي مختار نائب مدير ادارة الاستخبارات العسكرية وعدد من مساعديهم ومن كانوا مسؤولين عن القيادة العامة من الضباط الصغار ، وبعض الضباط الذين كان يطلق عليهم ضباط امن الثورة . تم نقل المعتقلين اولاً الى مدرسة الاستخبارات العسكرية وموضعها بالقرب من ادارة المستودعات العامة في مقابل سلاح الاسلحة والذخيرة (منطقة بري) ثم نقلوا الى السجن الحربي بمنطقة خور عمر في طريق وادي سيدنا حيث اجريت لهم محاكمات قيل انها ميدانية ، وهي اقرب ما تكون الى محاكم القرون الوسطى ، ثم تم اعدامهم رمياً بالرصاص فجر يوم 28 رمضان ودفنوا في مقبرة جماعية لا احد يعرف اين هي سوى اولئك الذين نفذوا تلك الفعلة الشنيعة !!!
لم يستغرق الوقت منذ لحظة الاعتقال وحتى الاعدام اكثر من 8-16 ساعة تمت فيها التحقيقات ثم اجراء المحااكمة ثم تنفيذ الحكم.
كانت كل حيثيات المحاكمة عبارة عن كلمة : مذنب ام غير مذنب وبعدها النطق بالحكم ودون الانتظار لاجابة ولم يكن هناك معنى للسؤال .
تعرض المعتقلون لاقذع الشتائم واتعس الاستفزاز ، ويكفي ان المقدم بشير عامر ابوديك والذي اصيب بطلق ناري من سائق الرائد حينها ابراهيم شمس الدين ، ترك ينزف منذ الصباح وحتى لحظة اعدامه .تم اعدام ضباط صغار برتبة الرائد والنقيب على صغر الادوار التي لعبوها ، جنبا الى جنب مع ضباط كبار برتبة اللواء كانوا في المعاش لبسوا رتبهم العسكرية ونفذوا .كما رفضوا لبعض من اراد ان يكتب وصيته ان يكتبها .
تم دفنهم في مقبرة جماعية واحدة ، لا احد يعرف مكانها سوى الذين نفذوا تلك المذبحة ويروى ان من بينهم من كان حياً وتم دفنه وهو حي !!!
لقد كان ذلك تجاوزاً لكل الحدود والمعايير والمقاييس .. باعتبار انه حتى بعد ان فشل التنفيذ لم يعمد منفذو العملية الى قتل او جرح شخص ، وكان كل الذنب الذي اقترفوه انهم ارادوا الاستيلاء على السلطة بنفس الاسلوب الذي استولى به انقلابيو الانقاذ على السلطة من الحكومة المدنية الشرعية المنتخبة مع اعطاء اعتبار إلى ان الانقاذيين ليسوا منتخبين وليسوا شرعيين.
يضيف العميد أ.ح (م) السر أحمد سعيد في كتابه (السيف والطغاة دراسة نقدية للقوات المسلحة من 1970- 1995) : ان القصص التي رويت عن اسلوب الاعدام واسلوب الدفن دون اخطار ذوي الضحايا لاستلام الجثث او تحديد اماكنهم ومنع الضحايا من كتابة وصاياهم .. امر لا يثير الغضب فقط ، ولكن يثير الشفقة على مصير امة تلد مثل هؤلاء ، ومستقبل شعب أهم خصائصه التي عرف بها التسامح والعدل .
ويتساءل العميد أ.ح (م) السر أحمد سعيد ( اين كانت هيئة القيادة ؟ هل كانت بعيدة عما حدث ، ولماذا لم تتدخل وتقنع القائد العام بالتريث وضرورة اتباع الاجراءات السليمة المعروفة وتشكيل المحاكم العسكرية بالاسلوب العسكري المعروف ، ذلك الاسلوب الذي سبق ان جرت به محاكمات شبيهة مثل محاكمة حسن حسين التي جرت في العام 1975-1976 واستغرقت اكثر من ستة اشهر واعدم بعدها المقدم حسن حسين والنقيب عبد الرحمن شامي وآخرين . فيم ستتدخل هيئة القيادة ان لم تتدخل في هذا ؟ حتى وان لم يتم اخطارهم ، الم يكن من الاوفق لهم تقديم استقالاتهم والابتعاد ، وليسجلوا بذلك موقفاً للآخرين ؟؟؟ .. ألم يسجل الفريق عبد الماجد حامد خليل القائد العام سنة 1981 وهيئة قيادته التي من ضمنها الفريق عز الدين علي مالك ومن معه موقفاً تاريخياً حينما واجهوا الرئيس النميري بالحقائق ثم مضوا ورؤوسهم مرفوعة ، ان التاريخ لن يرحم فالمناصب ليست كلها حللاً وبيارق وسلامات رفيعة وجمهورية بالموسيقى .. واسفار)
ان دور الاستخبارات العسكرية هو تامين القوات ومنع الاختراق وينصب مجال العمل قبل وقوع الحدث لمنعه بجمع المعلومات وحينما تأتي اللحظة المناسبة قبل وقوع الحدث بوقت كاف تقدم المعلومات امام هيئة القيادة التي تقوم باصدار اوامر ايقاف الضباط والحجز على ضباط الصف والحبس للافراد بما يعرف بالتحفظ العسكري الذي تقوم به الشرطة العسكرية وتتولى التحقيقات مجموعة من فرع القضاء العسكري بالتنسيق مع ضباط الاستخبارات ثم وفقا لنتائج التحقيقات تشكل المحاكم العسكرية . ان كل ذلك يستغرق شهور حتى تصدر الاحكام ويصادق عليها القائد العام . اما ان تقوم الاستخبارات العسكرية بالاعتقال والقبض على الضباط والافراد ثم التحقيق معهم واستجوابهم ثم نقلهم لمحاكمتهم تحت اشرافها وبإيعاز منها ، فهذا يعني أنها تجاوزت كل السلطات واللوائح
لقد ظن القادة الجدد أن ذلك سيخيف الآخرين ويمنعهم عن المحاولات ، وان سياسة الترويع ستجني ثمارها ، والمرصود ان المحاولات زادت وتعددت وبلغت ارقاماً قياسية .
والمفارقة انه بعد 23 عاماً من انقلاب البشير وبدء سياسة التمكين التي عملت على احلال الضباط الغير موالين للحركة الاسلامية بآخرين من الدفعات 40 و41 التي وصفها احد الضباط الكبار برتبة الفريق في احتفال تخرجهم : “ان تاريخ الجيش السوداني الحقيقي بدأ بالدفعة 40 !!” ذات الدفعات التي بدأ بها جيش الانقاذ قام عدد من منسوبيها بتقديم مذكرة للقائد العام في العام 2010 تطالب باصلاحات واسعة في الجيش وذات مطالب سياسية صدرت ديباجتها( ان القوات المسلحة لم تكن يوما معزولة من قضايا الامة والشعب ولا تستطيع ان تقيم لنفسها مجتمعا معزولا داخل الوطن الذي تعيش فيه لذلك تتأثر بما يجري وتتفاعل مع مؤسساته القائمة الخدمية والتعليمية والصحية) ومضت المذكرة الى المطالبة بضرورة جعل مسافة كافية بين الحزب والدولة والحفاظ علي مسافة واحدة لجهاز الدولة ومؤسسات الخدمة المدنية من بقية المشهد السياسي !! (علامات التعجب من عندنا) بحيث لا تدخل الدولة طرف في صراع حزبي خاصة بعد حل مشكلة الجنوب بصورة جذرية وضمان حل القضايا العالقة (مثل الحدود وحقوق ما بعد الانفصال) ونادت بضرورة السعي لايجاد شكل من التوافق الوطني السياسي والاجتماعي بشمال السودان يوفر ضمانة اساسية للحيلولة دون تفكك اجزاء اخري او منعا لالتهاب الاطراف خاصة تلك المشتعلة بصراع مسلح مثل دارفور او الشرق .وفيما يتعلق بالازمة بدارفور قالت المذكرة : “ان الاستراتيجية المتبعة حاليا من القيادة لكل الاجهزة النظامية (قوات مسلحة، الشرطة، جهاز الامن)تعمل علي وفق استراتيجية اغراق الاقليم بالقوات وهذه السياسة لها تبعات خطيرة وعالية التكلفة، كما انها تفقدنا الفاعلية.كما ان الحلول السياسية الجزئية من الواضح انها لن تؤدي الي نتيجة حاسمة للصراع مع اعتراف الدولة بان هناك مطالب سياسية لم تحل.
المذكرة التي قام بتقديمها اكثر من 700 ضابط للقائد العام اشبة بمذكرة الجيش في فبراير 89 التي هيات كل الظروف والشروط لنجاح عملية الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب البشير لذلك كان من الطبيعي ان يعقبها محاولة انقلابية رأى منفذوها ان مطالبهم لم يستجاب لها وكانت تصديقاً لنبوءة اللواء الركن احمد النميري( المحاولات ستتكرر ولن تتوقف مالم تحدث تعديلات جذرية تقتلع اسباب التحرك )
اما الفارق هنا ان المتهمين في المحاولة الانقلابية الاخيرة لم يتم اعدامهم في اقل من 16 ساعة بل ان ضغوط مجموعات المجاهدين او ما يعرف ب(السائحون) سمحت لذوي المعتقلين بزيارتهم (وفي انقلاب البعث لم تعرف الاسر اين دفنت جثث ابنائها حتى هذه اللحظة )كما ان الدولة تبحث عن سيناريو لاطلاق سراحهم عبر محاكمتهم محاكمات صورية قد تقضي باحكام بالاعدام بحق البعض وسجن مؤبد للآخرين مراعاة لمشاعر الجيش لكن سيتم لاحقاً اطلاق سراحهم بعفو رئاسي كما قال بذلك الدكتور نافع لاحد اعضاء مبادرة المجاهدين (السائحون) رغم ان الحكومة منذ اعلانها عن الكشف عن المحاولة الانقلابية في نوفمبر الماضي جزمت بأنها ستتعامل بقسوة وشدة مع أية محاولة لإسقاط النظام. والدكتور نافع نفسه هو الذي توعدهم قائلا : (ما في زول عندو فضل على الحزب أو التنظيم ومن فعلوا ذلك – اي محاولة الانقلاب – فقدوا حقهم وحرقوا أنفسهم وقامت قيامتهم). واضاف: (من يفعل ذلك سيضر رقبتو وسيصبح مثل الكلب التائه وسط الصحراء)،ولا ادري ماذا يقصد بذلك الوصف فهو شبيه بالوصف الذي كان يطلقه القذافي على الاسلاميين عندما كان يلقي القبض عليهم فيسميهم الكلاب الضالة ويجد مبررا ان يطلق عليهم الرصاص ويعلقهم في مشانق على الطرقات ، ربما هنا الامر يبدو صعباً فالذين قاموا بمحاولة الانقلاب على حكم نافع والبشير هم الذين ساهموا في تثبيت دعائم حكمهم طوال العشرين عاماً الماضية قطعاً لن يتم اعدامهم رميا بالرصاص وان تم طردهم من الجيش وحرمانهم من جنة الانقاذ وامتيازاتها ورميهم في صحراء التيه فحالهم افضل بكثير ممن لم يمنحوا الوقت لكتابة وصاياهم بل سينعموا بدفء اسرهم والرازق هو الله.
النتيجة المستخلصة من كل هذا كما يقول السر أحمد سعيد ان القوات المسلحة بلا شك قد أصبحت بؤراً للسياسة قابلة للتمدد كل ذلك بسبب الانقلاب الذي جاء لانقاذ البلاد في 30 يونيو 89 وبسبب السياسات الحزبية الضيقة التي مارسها القائد العام الفريق عمر البشير وبسبب تلك الفعلة البشعة (مذبحة رمضان) والتي ادت في نهاية الامر الى أن تتحول التنظيمات الى جيوش موازية لذلك الجيش الذي تقوده الجبهة الاسلامية من الخرطوم .
[email protected]