محمد يوسف
عادت «مارى أنطوانيت» بشكل آخر، وفى مكان آخر، انها الملكة الفرنسية، زوجة آخر “لويس”، نطقت هذه المرة بلسان عربى، ولكنه سودانية،
وغيرت بعضاً من التفاصيل لاعتبارات الثقافة الحديثة، يومها خرج جياع فرنسا يطالبون بالخبز، فاستغربت الملكة قائلة عبارتها المشهورة “لماذا لا يأكلون البسكويت؟”، وضربت مثلاً، لأنها كانت تأكل “البسكويت” فى قصرها، تظن أن هذا هو أكل الشعب، ولأنها تجلس فى المكان الذى يحلو لها وتمد أمامها الموائد تعتقد أن الشعب ايضاً تفرش له الموائد، ولأنها تشير بأصبعها فيتراكض الخدم والحشم ليلبوا مطالبها، كانت تتخيل ان عدالة زوجها أوصلت نفس الخدمة إلى العامة، فهى مفصولة ومنفصلة عن حياة وطنها، وهى مغيبة فى حضن القصور والملذات، ولا تعرف شيئاً عن المعاناة، لا تعرف أن لقمة العيش توفرها الدولة لمواطنيها بعد ان توفر لهم أسباب الحياة الأخرى، من مسكن وطريق وأمن وعمل، ولا تعرف أن المواطن يشترى احتياجاته من دخله، وأن الدخل لا يسرق عبر الضرائب والمكوس والغرامات والتضييق.
ظهر “الهوت دوج” فى السودان، وأصبحت “البيتزا” بديلاً للخبز و”البسكويت”، ولا ندرى لماذا نسى أولئك الذين اطلقوا “النكتة” المحسنة والمقتبسة بتصرف من ملكة فرنسا الغابرة “الهامبرجر” و”كنتاكى” و”الفراولة”، وخدمة التوصيل إلى المنازل، ربما نسوا وسط زخم الأحداث، وربما تركوها إلى مناسبة أخرى لمسئول كبير يصرخ احتجاجاً واعتراضاً ورفضاً وتنديداً باحتجاجات الشعب السودانى المغلوب على أمره منذ ربع قرن، ويتبجح بالخدمات الجليلة التى قدمت فى “زمن الرفاهية” كما قال وزير المالية، ففى السودان اليوم “بيوت”، هل سمعتم ذلك؟ وفى السودان “سيارات”، هل تصدقون ؟ وفى السودان “هوت دوج” و”بيتزا ” بعدة أنواع، هل أنتم مستوعبون؟!!!
السودان لا يستحق ان يكون بهذا الحال، وكل بقعة عربية لا تستحق ان تعيش المعاناة ونحن فى القرن الحادى والعشرين، وشعوبنا لا تعير بانجازات تافهة، ولا يملك أى شخص ان يمن عليها، وعندما تختنق نتيجة القهر والاستبداد والعنجهية والتكبر يكون من حقها ان تصرخ، وأن ترفض واقعاً فاسداً فرض عليها، ولا يستحق شعب السودان الذى يدافع عن كرامته وحياته ان يقتل ويهدر دمه فى الشوراع، ولا يستهزئ به أحد ويقول له انه وفر له “الهوت دوج”، فالعيش الكريم لم ولن يقوم على مبدأ الفوقية من فئة والعبودية للفئات الأخرى، والحكم له ركائز أساسها العدل والكرامة الإنسانية، وياليت المتشبهين بمارى انطوانيت يتعلمون من دروس 2011 ويتعظون.