بيان الخبير المستقل عن حالة حقوق الإنسان في السودان

أصدر الخبير المستقل عن حالة حقوق الإنسان في السودان القاضي محمد عثمان شاندي البيان التالي في ختام زيارته الثانية للبلاد خلال الفترة من 6-13 مارس 2011م.

هذه الزيارة هي الثانية لي للسودان منذ تعييني كخبير مستقل عن حالة حقوق الإنسان في السودان في شهر نوفمبر 2009م. أود أن أشكر حكومة السودان على دعوتها لي وعلى المساعدة والدعم التي قدمته لي كما أود أن أشكر البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور وبعثة الأمم المتحدة في السودان على التسهيلات التي قدمتاها لي خلال هذه الزيارة.

زرتُ كلاً من الخرطوم ودارفور وجوبا في جنوب السودان ومنطقة أبيي في المنطقة الانتقالية واجتمعت خلالها بتشكيلة واسعة من المتحاورين بمن فيهم وزير العدل ووكيل وزارة العدل وأعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. قابلت كذلك رئيس المحكمة العليا لجمهورية السودان ورئيس وأعضاء مفوضية استفتاء جنوب السودان ومنظمات المجتمع المدني في الخرطوم وأعضاء السلك الدبلوماسي. وفي جوبا، عقدت اجتماعاتٍ مع رئيس المجلس التشريعي لجنوب السودان ورئيس وأعضاء مفوضية حقوق الإنسان في جنوب السودان ورئيس هيئة أركان الجيش الشعبي لتحرير السودان ومنظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان والفريق القطري للأمم المتحدة. زرتُ كذلك منطقة أبيي واجتمعت بزعماء قبيلتي المسيرية ودينكا نغوك ورئيس إدارية منطقة أبيي ونائبه ورئيس المجلس التشريعي للمنطقة ونائبه.  وفي دارفور، اجتمعت بنائب والي الولاية وكبار المسؤولين في الشرطة والجيش والهيئة القضائية وجهاز الأمن الوطني.

هنالك تطورات رئيسة حدثت في السودان منذ زيارتي الأخيرة للبلاد أهمها إجراء الاستفتاء التاريخي على مصير جنوب السودان بنجاح. وأود هنا أن أنتهز هذه الفرصة لأشيد بحكومة السودان وحكومة جنوب السودان على الجهود الكبيرة التي بذلتاها لضمان إجراء عملية استفتاء سلمي وذات مصداقية كما أمتدح قبول حكومة السودان نتائجَ الاستفتاء. وعلى الرغم من أحداث العنف القليلة التي وقعت في المناطق الحدودية وورود تقارير عن وفيات خلال فترة التصويت، فقد اعترف المجتمع الدولي بالعملية في مجملها كعملية حرة وذات مصداقية وبأنها تعكس الإرادة الحقيقية لشعب جنوب السودان. أودُّ كذلك أن أهنئ مفوضية استفتاء جنوب السودان ورئيس المفوضية الذي اجتمعتُ به على الجهود التي بذلتها المفوضية لضمان نجاح عملية الاستفتاء.

وبإنجاز عملية الاستفتاء، تتمثل القضايا الرئيسة المتبقية أمام شريكي اتفاقية السلام الشامل في تطبيق الجوانب المتبقية من الاتفاقية التي تم توقيعها في عام 2005م خاصة استفتاء منطقة أبيي وترسيم الحدود والمواطنة وتقاسم الثروة والأصول والمشورة الشعبية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الزرق. وفي هذا السياق، لا يزال يساورني القلق عن استمرار تدهور الوضع في منطقة أبيي كما أن التوتر بالمنطقة لا يزال مرتفعاً بسبب تأخر إجراء الاستفتاء على مصير منطقة أبيي والقيود المفروضة على حركة الجنوبيين الذين عادوا للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان. وقعت منذ الاستفتاء خمس حوادث رئيسة تمثلت في اشتباكات عنيفة في منطقة أبيي بين الشرطة المحلية وعناصر مسلحة تنتمي لقبيلة المسيرية أودت بحياة مدنيين وسبَّبت في نزوح أعدادكبيرة منهم. تم التوصل لاتفاق بواسطة أممية لنزع سلاح الأطراف المتناحرة  والسماح بحرية حركة العائدين بما في ذلك ضمان استعمال الطرق المؤدية إلى منطقة أبيي علاوة على منح الرعاة من قبيلة المسيرية حقوق الرعي في المنطقة إلا أنه برغم ذلك لم يصمد الاتفاق. لا تزال منطقة أبيي بؤرة اشتعال يمكن أن تؤدي إلى تعطيل عملية السلام بأكملها. أحث شريكي اتفاقية السلام الشامل لاتخاذ إجراءات فورية لتهدئة التوترات في المنطقة والوصول بشكل عاجل لاتفاق حول جميع القضايا العالقة. يجب على السلطات إجراء تحقيق حول جميع التقارير عن حالات القتل والهجمات على المدنيين وإحالة المسؤولين للعدالة.

وفي جنوب السودان فإن ما يقلقني هو المدّ المتزايد لفقدان الأرواح ونزوح السكان المدنيين جراء الإجرام، والغارات على المواشي، والعنف القبلي، والقتال بين الجيش الشعبي ومجموعات المليشيات. وسيؤثر غياب المساءلة والإفلات من العقوبة الملازمين لهذه الأحداث سلبًا في السلام والاستقرار والأمن في المنطقة. وقد أبلغت أنه ومنذ انتهاء عملية الاستفتاء وقعت على الأقل 16 حادثة عنف في جنوب السودان، كان آخرها ذلكم القتال الضاري الذي جرى بين الجيش الشعبي والقوات الموالية للقائد المنشق، الفريق جورج أتور، والذي أفادت التقارير أنه أودى بحياة أكثر من 200 شخص بمن فيهم نساء وأطفال، كما أدى لنزوح حوالي 20,000 شخص. على حكومة جنوب السودان تقع المسؤولية الأساسية في توفير الحماية لمواطنيها حتى وإن كانت تتصدى لمعالجة انعدام الأمن في أراضيها. وإنني أدعو حكومة جنوب السودان وجميع المجموعات الأخرى المشاركة في هذا القتال أن تحترم حقوق المدنيين، وأن تنأى بنفسها عن التصرفات التي يمكن أن تنتهك هذه الحقوق، وأن توفر الممرات الآمنة لإيصال المساعدات الإنسانية.

وفي شمال السودان ما تزال الحقوق الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع وتكوين التنظيمات، تنتهك من قبل سلطات فرض القانون، ولا سيما جهاز الأمن والمخابرات. كذلك فإن الحكومة ما تزال تحتجز عدداً من قادة المعارضة السياسية والطلاب وناشطي المجتمع المدني دون توجيه أية اتهام إليهم ودون منحهم حق الطعن في قانونية احتجازهم أمام المحاكم. ومما يؤسفني أن طلبي لمقابلة رئيس جهاز الأمن والمخابرات لمناقشته في هذه الأمور قد قوبل بالرفض. وأودُّ لفت الانتباه مرة أخرى إلى أن ضمانات حرية التعبير وعدم التعرض للاحتجاز أو الاعتقال بصورةٍ عشوائيةٍ موجودةٌ في صلب الدستور السوداني وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من قبل السودان. وكنت في تقريري الأخير لمجلس حقوق الإنسان قد أشرت للحاجة للمزيد من الإصلاح في جهاز الأمن الوطني والأطر القانونية التي يعمل بموجبها لتكون متوافقة وبشكل كامل مع مبادئ حقوق الإنسان وأن تحترم سيادة حكم القانون. و أهيب بالحكومة أن تطلق سراح كافة المعتقلين، بمن فيهم المعتقلون السياسيون أو أن توجه لهم اتهامات محددة لمحاكمتهم وفقاً للقانون.

ومرة أخرى توجهت لدارفور التي ما يزال وضع حقوق الإنسان فيها مقلقاً بشكل كبير، لا سيما وأنه يؤثر بصفة خاصة في المدنيين والنازحين. وقد اشتد القتال بين القوات الحكومية والحركات المسلحة منذ ديسمبر الماضي مع إخفاق المجموعات المتقاتلة في احترام تعهداتها تحت القانون الدولي الإنساني. إن استمرار أثر هذه العدائيات في المدنيين أمر غير مقبول على الإطلاق. وقد قمت بزيارة لمعسكر زمزم بالقرب من الفاشر حيث رأيت بأم عيني البؤسَ الذي يعيشه بعض الناس الذين نزحوا بسبب القتال. وأقل ما يمكن أن يوصف به الوضع هو أنه يبعث على الأسى والحزن. وما يقلقني أكثر هو أنه ما لم توفَّر مساعدات إنسانية عاجلة لهؤلاء الناس، الذين تشرد بعضهم ونزح للمرة الثانية أو الثالثة، فإن أوضاعهم ستصل لمستويات كارثية. وفي منطقة شنقلي طوباية بولاية شمال دارفور نتجت عن القتال الذي دار مؤخراً حالة من انعدام الأمن في معسكرات النازحين مع وجود حالات إطلاق للنار، والتخويف، ووضع قيود على الحصول على الخدمات، وعنف قبلي. وقد تفاقم الوضع من خلال الوجود المتزايد للأسلحة والعناصر المسلحة داخل هذه المعسكرات. وقد التقيت بمجموعة من قادة المجتمع الذين اشتكوا من انعدام الحماية وانتقدوا المساعدات التي توفرها لهم الأمم المتحدة. وقد أفادت بعثة اليوناميد أنها قد كثفت من وجودها وزادات دورياتها بالمنطقة لخلق جو آمن لتوزيع المساعدات الإنسانية.

نعود ثانية إلى  موضوع دارفور، فقد ناقشت قضية الإفلات من العقوبة والمساءلة عن الجرائم التي ارتكبت في دارفور مع وكيل وزارة العدل والذي يُعَدّ أيضا المدّعي الخاص لدارفور. وقد كشف عن تحقيقات يجريها مكتبه حالياً، وأنه بصدد البدء في إقامة دعاوى في العديد من الحوادث التي وقعت في دارفور، بما فيها الهجوم على المدنيين الأبرياء في قرية تبارا الواقعة في شمال دارفور واختطاف موظفي حفظ السلام في منطقة زالنجي بالإضافة إلى حادثة  نهب البنك في جنوب دارفور. ومما شجعني تجديد الحكومة جهودَها من أجل حلّ هذه القضايا. مع ذلك، علينا أن نتذكّر أن تلك الجرائم يعود ارتكابها إلى ثمان سنوات خلت عند بداية اندلاع الصراع في دارفور. وإنني أخشى أن يتواصل انتهاك حقوق الإنسان في دارفور مالم تعالج قضايا العدل والمساءلة بفعالية. يجب إجراء تحقيق فوري وشفّاف في واقعة قرية تبارا ومثيلاتها من الدعاوى التي وردت حول حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. وإنني أحث الحكومة من جديد أن تنشر نتائج هذه التحقيقات على الملأ، وأن تقدم الجناة إلى العدالة حتى لا ينفلتوا من العقوبة ومن أجل تعزيز سيادة القانون.

أخيراً، فإنّ لدي القليل لأقوله بخصوص الآليات القومية التي تعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان. فقد كان ينبغي،  تعزيزاً لتفويضي وبناء على توجيهات مجلس حقوق الإنسان، أن ألتقي في أثناء زيارتي هذه  مع  منابر حقوق الإنسان في السودان، إلاّ أنني بكل أسف لم أتمكن من ذلك.  وقد فهمت أن تلك المنابر لم تجتمع خلال الثمانية أشهرٍ الفائتة. ولعلكم سوف تتذكرون أن هذه المنابر برئاسة المجلس الاستشاري للحكومة الخاص بحقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة في السودان (يونميس) وبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في دارفور (يوناميد)، وبمشاركة المجتمع الديبلوماسي والمنظمات غير الحكومية كمراقبين، قد وفّرت منصةً للحوار وتبادل المعلومات المتعلقة بهموم حقوق الإنسان. وكنت قد حضرت، وفقا للتفويض الممنوح لي أثناء زيارتي السابقة إلى السودان، العديد من الاجتماعات التي عقدتها هذه المنابر وانتهزت الفرصة حينها لحثّ المجتمع الدولي على تقديم مزيد من الدعم لتلك المنابر. لقد أخبرتُ أنّ حكومة السودان تقوم حاليا بتقييم هذه المنابر كوسيلة للحوار البنّاء والتعاون مع الأمم المتحدة وغيرها من الشركاء. إنّني أدعو الحومة بشدة إلى إتاحة الفرصة لجميع الشركاء للانخراط في أي تقييم حول فعالية هذه المنابر أو غير ذلك من النواحي المتعلقعة بها.

خلاصة القول، أنني أود التأكيد على عظم التحدّيات التي لا تزال أمامنا في سبيل تحقيق التنفيذ الناجح لاتفاقية السلام الشامل وإحداث التحول الديمقراطي في السودان. تحديات تتعلق بتعميق مفهوم الديمقراطية وخلق بيئة مواتية للسلام والأمن واحترام حقوق الانسان وسيادة القانون. إن الأشهر الأربعة المتبقية من الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام الشامل سوف تكون فترة حرجة للغاية. لذلك فإنني أدعو شريكي الاتفاق وجميع الشركاء لتعزيز المكاسب التي أحرزت خلال الأعوام الخمسة الماضية، وذلك بإيجاد إطار ذي فائدةٍ مشتركةٍ للعمل على حلّ المسائل العالقة المتبقية من اتفاقية السلام الشامل.

وبينما ينصبّ اهتمام العالم على جنوب السودان، يجب ألاّ ننسى دارفور، حيث لايزال المدنيون يرزحون تحت وطأة القتال الدائر بين المجموعات المسلحة وقوات الحكومة. بهذا الخصوص، أدعو  المجتمعَ الدولي للمساعدة في التوصّل إلى حلٍّ شاملٍ للصراع في دارفور عبر عملية سلام شاملة تعالج  الجذور الأساسية للمشكلة، بما في ذلك مسألة التهميش الاقتصادي للإقليم.

سوف يعج الطريق أمامنا بالتحديات والصعاب، ولكنّي على أمل ويقين بأنّ الشعب السوداني سوف يتمكن من تذليلها.

شكراً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *