قمت في الأسبوع الماضي بإجراء حلقة نقاش حول تركيا تحت قيادة أردوغان. وفي اليوم الذي سبق الحدث ، تم تنبيهنا إلى أن العديد من بلطجية أردوغان سوف ينتظروننا لعرقلة الحدث وخشينا من إندلاع العنف. وفي وقت مبكر من صباح اليوم تلقت جامعة نيويورك رسالة من أحد النشطاء المتشددين من طرف الديكتاتور التركي محذرة من أن جامعة نيويورك لا ينبغي أن تعقد مثل هذا الحدث. لقد انتهى الأمر بتوظيف حراس أمن لضمان سلامتنا هنا في نيويورك من البلطجية الأتراك الذين يعملون بناء على طلب من المستبد الذي يقود أتباعه العميان مثل الأغنام.
ما هو شائن حول هذه الحادثة هو أننا هنا في الولايات المتحدة حيث يضمن الدستور حرية التعبير والتجمع مهددون من قبل مواطنين أتراك حصلوا على إمتياز العيش في بلدنا. إنهم الآن يمارسون التنمر علينا كي لا نشارك في نقاش خوفا من أن ينقلب إلى نقد ٍ لأردوغان.
تألف فريقي من ثلاثة متحدثين هم: البروفيسور أحمد يايلا وأربانا شهارا والدكتور ي. ألب آسلاندوغان.كان يايلا 20 عاما من قدامى قسم مكافحة الإرهاب والعمليات في الشرطة الوطنية التركية وشغل منصب رئيس مكافحة الإرهاب في سانليورفا بتركيا. لقد تحدث عن بعض التفاصيل المؤلمة عن لقاءاته الشخصية مع كبار المسؤولين الأتراك الذين أمروه بالسماح للمتطوعين بعبور الحدود التركية بحرية للإنضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش) في سوريا والعراق.
لقد كان شاهدا ً بالدرجة الأولى كيف اشترت الحكومة التركية سرّا ً النفط من داعش ، وكيف تم تحويل الرشاوى من العائدات للوصول إلى كبار المسؤولين الأتراك. وروى عن الإعتقال التعسفي لكل من يشتبه في أنه ناشط سياسيا ضد أردوغان وحزب العدالة والتنمية وتحدث عن أكثر من 200 صحفي تم اعتقالهم وسجنهم وعشرات الآلاف من الأوساط الأكاديمية والتجارية والعسكرية والقضائية الذين تمّ إتهامهم زورا ً وبهتانا ً بالتآمر ضد الدولة.
تم طرده من منصبه لأنه اعترض على سياسة الحكومة المتعمدة للسماح للمتطوعين بالانضمام إلى داعش وتمّ تحذيره بألا يكشف أبدا ً عمّا شاهده. غادر تركيا إلى الولايات المتحدة وطُلب منه الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس حول تجاربه الشخصية. وفور علم الأتراك بشهادته تم اعتقال ابنه في تركيا وقضى في السجن عاما ً كاملا ً دون أي تهم. وبعد الإفراج عنه هرب إلى أوروبا ولا يُسمح له أبدا ً أن يطأ بقدميه مرة أخرى تركيا.
أربانا شهارا هي صحفية إستقصائية من كوسوفو. لقد كتبت على نطاق واسع عن التطرف الديني وأجندة أردوغان الإسلامية في البلقان. وتعرضت للهجوم جسديًا بسبب تقاريرها النقدية وتم إدخالها المستشفى. حصلت في عام 2015 على جائزة المرأة الشجاعة الدولية من وزارة الخارجية الأمريكية. وقد فاجأ تقرير ما يفعله أردوغان في البلقان الكثير ممن لم يستطيعوا تصديق جهود أردوغان المكثفة لجذب هذه الدول في مداره.
وتحدثت أربانا شهارا بالتفصيل عن استثمار أردوغان في بناء المساجد في البلقان والتي تم تخصيصها صراحة لنشر الإسلام السني، وكذلك تعيينه للأئمة الأتراك لضمان تدريس الإسلام للتأثير على الشباب. وكشفت السيدة شهارا عن كيفية تلاعب أردوغان بزعماء البلقان وكيف أنه يستثمر بشكل انتقائي في هذه البلدان لزيادة نفوذه باستخدام الإسلام كأداة.
وقالت إن “تيكا” و “ديانت” هما من أهم عربات أردوغان في البلقان حيث قامتا ببناء المئات من المؤسسات الدينية. علاوة على ذلك ، تأكد أردوغان من أن الأصول المهمة جدا ً – مثل المطارات ، البنية التحتية ، المناجم ، توزيع الطاقة – تمولها وتديرها تركيا إلى حد كبير.
ووصفت السيدة أربانا شهارا كيف اختطفت مخابرات أردوغان السرية أوائل هذا العام ستة من الرعايا الأتراك في كوسوفو إشتبه بهم أن لهم صلات مع غولن وألقوا بهم في سجن تركي. وقالت إن ديانت ، رغم مشاركتها رسميا في الترويج لأجندة أردوغان الإسلامية ، تعمل أيضا على التجسس على المواطنين الأتراك الذين فروا من تركيا وعلى مواطني كوسوفو الذين أعربوا عن أية معارضة لتدخل أردوغان في الشؤون الداخلية لكوسوفو.
د. آسلاندوغان مواطن تركي هرب أيضاً من تركيا خوفاً من اعتقاله بسبب ارتباطه بمنظمة غولن. وهو المدير التنفيذي للتحالف من أجل القيم المشتركة (AFSV) الذي يشجع المواطنين من مختلف الخلفيات على التجمّع حول القيم المشتركة للإنسانية.
شرح الدكتور آسلاندوغان كيف إحتضن أردوغان الديمقراطية في البداية وشرع في إصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية مثيرة للإعجاب مما جعله الزعيم التركي الأكثر احترامًا في تركيا وخارجها منذ أتاتورك. لكن بالنسبة لأردوغان، الديمقراطية تشبه “الحافلة التي تنزل منها بمجرد وصولك إلى وجهتك.”
أوضح د. أسلاندوغان من البداية أن تركيز اردوغان على التنمية الإقتصادية وفّر له قاعدة شعبية قوية يمكن الإعتماد عليها للحصول على الدعم السياسي، مما سمح له بتنسيق الإنقلاب العسكري الفاشل في يوليو 2016 من أجل تطهير جميع خصومه السياسيين.
ومع ذلك ، ما زال آسلاندوغان متفائلاً بأن الديمقراطية قد تعود ثانية إلى تركيا شريطة استيفاء أربعة شروط مسبقة هي: قادة جدد ملتزمون بالحرية والديمقراطية، التركيز على التعليم وتقديم منهج أكثر تحرراً، وتطوير المجتمع المدني والتركيز على بناء المؤسسات الديمقراطية. وأخيراً ، السعي إلى المشاركة الغربية وزيادة توسيع الروابط الثقافية.
وأردف د. آسلاندوغان يقول بأن “استعادة الديمقراطية للأسف في ظل قيادة أردوغان أمر غير ممكن لأن أردوغان لم يذهب بعيداً في الترويج لجدول أعماله الإسلامي فحسب ، بل إنه أيضاً لن يتخلى طواعية عن سلطته المطلقة الآن بعد أن أمّنها من خلال التعديلات الدستورية.
لم يكن أعضاء حلقتي من رواة القصص ، بل كانوا شهود عيان على وحشية وفساد ديكتاتور خان شعبه. لا أحد منهم يمكن أن يعود إلى تركيا خوفا من الإعتقال الفوري واتهامه بالقيام بجرائم فظيعة ضد الدولة بحيث يواجه محكمة الكنغر ويُحكم عليه بسنوات في السجن. وتحدثت سيدة من الجمهور حول ذلك قائلة ً والدموع تنهمر من عينيها بأن زوجها ، وهو عسكري تركي قد تدرب على يد حلف شمال الأطلسي، ألقي القبض عليه دون سبب ولا يزال يقبع في السجن.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يتجاهل المسؤولون الغربيون قسوة أردوغان ولماذا يعاملونه بمثل هذا الإحترام الدبلوماسي،وهم يستشهدون بثلاثة أسباب هي: أنّ تركيا عضو في حلف شمال الأطلنطي ، وحليف استراتيجي ، وجسر بين الشرق والغرب وقوة إقليمية.
والردّ على ذلك هو:لا ينبغي أن يغازل عضو “ناتو” مهمّ أقوىّ أعداء الغرب، ألا وهي روسيا، التي يشتري منها أردوغان نظام الدفاع الجوي S-400 الذي لا يتعارض فقط مع الدفاع الجوي الغربي بل يمكن أن يضر بالتكنولوجيا الحساسة عند نشرها كجزء متكامل من أنظمة دفاعات الناتو.
ولكن حليف إستراتيجي للغرب لا يسمح لمتطوعين بعبور حدوده بحرية للإنضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق ولا يشتري النفط الخام في السوق السوداء سامحا ً بذلك لداعش بشراء الأسلحة من السوق السوداء. وحليف إستراتيجي لا يحارب حليف للولايات المتحدة – الأكراد السوريين – ولا يتواطأ مع روسيا وإيران لاستبعاد الولايات المتحدة من أن يكون لها دور فيما يتعلّق بمستقبل سوريا.
وتركيا كجسر بين الشرق والغرب كانت ولا تزال مشكلة أكثر من كونها أحد الأصول. لقد هددت بإغراق دول أوروبا الغربية باللاجئين السوريين إذا لم تفي هذه الدول بمطالبها. وباعتبارها مركزا ً رئيسيّا ً للنفط والغاز، فإنها تمدّ أوروبا بجزء كبير من إحتياجاتها للطاقة من الشرق الأوسط عبر شبكة من الأنابيب في الأراضي التركية. وهذا يجعل الإتحاد الأوروبي ضعيفًا إذ أنه يخشى أن يقوم أردوغان بتعطيل التدفّق في أيّ وقت. وكقوة إقليمية، قام أردوغان بإثارة المشاكل الخارجية بدلا ً من لعب دور قوة بناء وعامل على الإستقرار.
والسؤال المطروح الآن هو: إلى أيّ مدى سيظل الغرب يتحمّل مستبدًا يستمرّ في إرتكاب مخالفات جسيمة ضدّ حقوق الإنسان بدون حتّى إدانات علنية ؟ وإلى أي مدى سيضحّي الغرب بقيمه الأخلاقية فقط لكي يستوعب طاغية؟
كيف يمكن أن نتسامح مع مستبد أجنبي يرسل بلطجيته إلى بلدنا ويتحدى حقنا في حرية الكلام والتجمع؟ وما زلنا نتذكر كيف هاجمت آخر مجموعة أمن تأتمر بأردوغان في شهر مايو الماضي بعنف مظاهرة سلمية صغيرة تحتج على معاملته القاسية لشعبه – في واشنطن العاصمة.
لقد حان الأوان بأن تطالب الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أردوغان بأن يتوقف عن عملياته التطهيرية والقمعيّة ضدّ شعبه وأن ينهي دعمه الفاضح والصارخ للمتطرفين الإسلاميين ووقف تدخّله في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وأن يتوقف عن محاربة الأكراد السوريين وإلغاء صفقات الأسلحة مع روسيا ووقف التآمر مع إيران التي تقوّض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
يجب على الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أن يدركوا بأن أردوغان ليس حليفًا. هو خصم ويجب معاملته على هذا النحو.