بعض ما لا يعرفه أهل الوسط!
مقال الحاج وراق
* اطلق تشرشل (رئيس الوزراء البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية) وصف (الستار الحديدي) على اوضاع تقييد الحريات, خصوصاَ حرية تدفق المعلومات، التي فرضها النظام الستاليني على الاتحاد السوفيتي وشرق اوروبا. ومن حينها، ظل هذا المصطلح- لصدقه في وصف الأوضاع القائمة في ذلك الجانب، ولطابعه الأدبي- أحد أهم مصطلحات وأسلحة الحرب الباردة بين المعسكرين – الغربي والشرقي. ولاحقا، بعد انتصار الشيوعية الستالينية في عدد من البلدان الآسيوية، وعلى ذات منوال تشرشل، صك أحد المختصين مصطلح (ستار الخيزران) ليصف اوضاع تلك البلدان.
وفي بلادنا، حيث يسود نظام شمولي شبيه، ومنذ انفجار الأوضاع في دارفور عام2001م, وخصوصاً بعد تفاقمها منذ فبراير 2003، فرضت الأجهزة الأمنية رقابة مشددة على كل ما ينشر عن دارفور، وآخذين في الاعتبار الطبيعة الايديولوجية للنظام، يمكن القول بأن الانقاذ قد ضربت منذ ذاك الحين (نقاباً)- ستاراً من النقاب- للتغطية على الأزمة الإنسانية هناك، وعلى حرب من أسوأ الحروب فظاعة ووحشية، حيث القتل العشوائي، وحرق القرى، والقاء الاطفال في النيران المشتعلة، واغتصاب النساء- بما في ذلك العجزة والفتيات الصغيرات، وقطع الاشجار ودفن الآبار وتسميمها، اي التغطية على ما اصطلح على تسميته بحرب الجنجويد- او العفاريت المنفلتة، عن اي عقال، سواء دينياً او انسانياً او اخلاقياً او قانونياً.
وفي حين تصدرت اخبار الفظائع في دارفور شاشات التلفزيون وصحف العالم المختلفة، فإن الرأي العام في البلاد، خصوصاً في الوسط، ظل جاهلاً بما يجري هناك، مما اتاح للإنقاذ، حتى بعد ازدياد الإهتمام الدولي وصدور قرارات من مجلس الأمن الدولي، مما جعل من المستحيل استمرار التغطية بالكامل على ما يجري في دارفور، الا ان عدم المعرفة الملموسة والحية بوقائع ماجرى لدى الرأي العام في الوسط، اتاح للإنقاذ مواصلة نهجها في التغطية والتبرير، ولكن بأسلوب جديد، فطورت ما اسمته بالمؤامرة الصليبية الصهيونية، كنقاب ايديولوجي، ينكر ما جري او يهوّن من حجمه ودلالاته، وبالتالي يعفي الانقاذ من أية مسئولية اخلاقية او انسانية او قانونية تجاه الضحايا، بل وبالركون الى تفسير (المؤامرة) فأن ضحايا دارفور يتحولون الى مجرمين,و بدلاً من التعاطف, يجدون الإدانة والتشنيع!!
* وقد تأكدت شخصياً، بتجربة مباشرة، من كذب الدعاية الحكومية، حين زرت، ضمن وفد ملتقى منظمات المجتمع المدن ي، معسكرات النازحين في عام2005م، وقد حاول عدد من الرسميين الذين يتولون ادارة العون الانساني، كما يفعلون عادة مع الوفود الزائرة من الداخل والخارج، ان يقيدوا مصادر معلوماتنا وحصرها في سماع الروايات المرغوبة لدى الحكومة، بعزلنا عن الضحايا، او اعطائنا تبريرات زائفة, كمثل الادعاء بأن الضحايا لايفهمون معنى كلمة (اغتصاب) ويقصدون بها (غصب)- أي القسر والإكراه! ولكن شاءت الاقدار ان يتمكن الوفد من لقاء النازحين في معسكري (كُلما) و(عطاش)، وسماع مآسيهم التى تقطع نياط القلب. ولا أزال اذكر احد النازحين من منطقة شطايا، يحكي والدموع تطفر من عينيه، ان الجنجويد بعد ان احرقوا قريتهم، اسروا الرجال وقيدوهم جميعا- بمن فيهم هو-، ثم بدأوا في اغتصاب النساء, فاغتصبوا ابنته امام عينيه! وبعد ان اكملوا فعلتهم الدنيئة قذفوا نحوه بعملة معدنية، قائلينخذ لأننا وجدناها فتاة)- يعنون بأنها عذراء!! وللدقة فقد استخدم الرجل لفظة (ركبوا) بدلا من (اغتصبوا)، فألجم الكذابين الذين يريدون انكار الفظائع بالتلاعب بالمفردات.
* ومن الوقائع الصلدة التي لا يمكن التغطية عليها او انكارها، حجم المتأثرين بكارثة دارفور، حيث تشرد 1.65 (مليون وستمائة وخمسون الف نازح داخليا) و203 آلاف لاجئ في معسكرات تشاد، اضافة الى 627 ألف متأثر بالصراع بطرق أخرى, أي أن المجموع يصل الى 2.6 مليون شخص، يشكلون ثلث سكان دارفور! (لاحظ ان الارقام تعود الى عام2006م، ومن حينها ازدادت اعداد المتأثرين!) واذا كان مجموع سكان السودان40 مليوناً فإن الكارثة الانسانية في دارفور – بالارقام المتواضعة لعام2006- قد طالت شخصاً واحداً على الاقل من بين كل عشرين سودانياً!!
* وكذلك من الحقائق الصلدة التي لايتطرق اليها الشك تدمير600 قرية-على الاقل- تدميراً كاملاً! وتؤكد ذلك صور الأقمار الصناعية! بينما دُمّر جزئياً عدد اضافي يتراوح بين100-200قرية! وحصلت لجنة التحقيق الدولية على معلومات مفادها ان الشرطة السودانية قد وضعت تقديراً للدمار وسجلت عدد القرى المدمرة فبلغ اكثر من2000 قرية! وتفيد مصادر الحركات المسلحة بأن عدد القرى المدمرة- كلياً او جزئياً- يصل الى 4000قرية!!
* وكذلك من الحقائق فقد آلاف الارواح, وقد صرح وزير الخارجية حينها- د.مصطفي عثمان اسماعيل- بأن القتلى حوالي5 آلاف شخص، بينما صرح لاحقا المشير البشير بأنهم حوالي1 0آلاف قتيل! هذا بينما تقدرهم لجنة التحقيق الدولية بـ70 ألف شخص- وقتها كانت العمليات لاتزال على حدتها، مما يشير الى وقوع ضحايا آخرين بعد ذلك، وتقدر منظمات حقوق الانسان القتلي بـ200ألف بينما تقدرهم حركات دارفور بـ500ألف. وعلى كلٍّ, في الحدود الدنيا، أي 10آلاف شخص، فان ضحايا مجزرة دارفور يفوقون ضحايا الاجتياح الاسرائيلي لقطاع غزة، بما يزيد عن اربعة اضعاف!
*وبالإنطلاق من الحقائق الصلدة، التي لايتطرق اليها الشك، اي حقائق مثل تشريد ثلث سكان دارفور، يمكن استنتاج حجم الفظائع التي دفعت بملايين الناس الى ترك قراهم والبحث عن الامان في معسكرات النازحين واللاجئين! فإما أن هؤلاء قد تعرضوا لعمليات ترويع واسعة- كما تؤكد شهادات الضحايا والوقائع على الارض (كحرق القرة) والتقارير المستقلة، او الاحتمال الثاني-كما تزعم الانقاذ- ان هؤلاء الملايين – دون أي اسباب عقلانية- قد قرروا الهروب بشكل جماعي من سكناهم، تاركين اراضيهم وممتلكاتهم ومستعيضين عنها بمذلة النزوح واللجوء!! مما يعني ان التفسير الوحيد المقبول لمثل هذا السلوك ان هؤلاء جميعا ً من المجانين! ولنفترض ذلك جدلاً، فيظل السؤال، ما الذي يدفع ملايين الناس الى الجنون؟! مما يحيل من جديد الى طبيعة النظام الذي يدفع واحداً من كل عشرين سودانياً الى الجنون!! وهكذا فان المغالطات والإنكار، لا يُجديان، والحقيقة التي تحاول الانقاذ ضرب (النقاب) عليها، ان ملايين الناس في دارفور قد واجهوا حرباً من نوع جديد – حرباً بلا تمييز، اي بلا عقل، فلا تمييز بين المقاتل والمدني، ولا بين المقاتلين وبين العجزة والنساء والأطفال، ولا تمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، ولا تمييز بين الوسائل ولا مع تناسبها مع الغايات- كل شئ مباح!
حرب بلا عقل،وكذلك بلا قلب، فلا تحدها أية قيم أو اعراف او اخلاق او اعتبارات دينية او قانونية – حرب الجنجويد- حرب اظلام العقل والوجدان!
* وقد توفرت لجنة التحقيق الدولية على دراسة ماجرى في دارفور، فقابلت الشهود، وحققت بواسطة خبراء واطباء شرعيين، وقابلت المسؤولين الحكوميين ووزنت شهاداتهم، ثم خلصت الى تقريرها، الذي يثبت الكثير من الوقائع التي تخزّ وجدان كل شريف، وأذكر أدناه بعضاً منها، حتى يكون الرأي العام في الوسط، على بينة من حقيقة ما جرى هنالك.
* (… ارتكب الجنجويد خلال الهجمات عمليات قتل متعددة، وقد تحققت اللجنة من حوادث عديدة من هذا النوع، فقد ادى هجوم وقع في موللي بغرب دارف ور في ابريل 2003م الى وفاة 63 شخصاً، من بينهم طفلة في السابعة من عمرها. وقد دفن الموتي في ثماني مقابر جماعية بمنطقة سوق القرية. ولاحظت اللجنة أمراً هاماً، هو ان الحادث قد ابلغ الى الشرطة وان سبعة اشخاص قد اعتقلوا واحتجزوا ثم اطلق سراحهم بعد ذلك بثلاثة اشهر..)!
*(… وهاجم الجنجويد والقوات الحكومية في ديسمبر2003م قرية نوري القريبة من بلدة مواني بغرب دارفور وهذا الهجوم سانده غطاء بطائرات الهيلكوبتر وقد قتل67 مدنياً عندما اطلق المهاجمون النيران عليهم عمداً وبصورة عشوائية… ودخلوا المنازل وقتلوا الرجال ثم جمعوا النساء في المسجد، وكان هناك نحو10رجال مختبئين مع النساء. وقد وجد الجنجويد هؤلاء الرجال وقتلوهم داخل المسجد. ثم ارغموا النساء على خلع المكسي (وهو ثوب سابغ يغطي اجسادهن بأكملها) فاذا وجدوهن يخفين اولادهن الصغار تحت تلك الثياب, قاموا بقتل الصبية..)!
*(…. واستطاعت اللجنة ان تجد عناصر مختلفة تثبت روايات الشهود وتؤكد حدوث عمليات القتل الجماعي للمدنيين على أيدي القوات الحكومية والمليشيات، وعلى سبيل المثال، زارت اللجنة قرية كيلك في جنوب دارفور، التي يسكنها أساسا أناس ينتمون الى قبيلة الفور، وتأكدت مما قاله شهود العيان للجنة. وهذه الحالة لا تصور فحسب حدوث عمليات قتل المدنيين بأعداد كبيرة، بل تصور أيضا عمليات الاحتجاز المخالف للقانون والمصحوبة بعمليات الاعدام العاجلة والاغتصاب وغير ذلك من التجاوزات .. وخلال الهجوم الاول المبين في الفرع السابق، دمرت تسع قرى حول بلدة شطايا، وقتل85 شخصاً، من بينهم خمس نساء وثلاثة اطفال، وبعد الهجوم توجه سكان المنطقة بأكملهم الى كيلك وكان الجنجويد لا يزالون موجودين في القرى المحيطة، وكل من حاول العودة الى هذه القريى تعرض للهجوم، وقتل البعض منهم. وعثرت اللجنة على عناصر تؤكد صحة التقارير القائلة بان 28 رجلأ أعزل حاولوا الإستسلام في مركز كيلك قد قتلوا باطلاق الرصاص عليهم جميعا- ولم ينج منهم سوى رجل واحد…
ووقع هجوم ثاني في مارس2004م… وقد اطلقت النيران على كل الناس عندما اضطروا وقد عانوا من العطش الى مغادرة مخابئهم للذهاب الى نقاط المياه، وهناك تقارير متسقة تفيد بان بعض الذين ألقي القبض عليهم وبعض الذين استسلموا للجنجويد قد اطلق عليهم الرصاص فوراً وقتلوا . وزعمت امرأة انها فقدت17 شخصاً من افراد اسرتها في الجبل، وقد اطلق الجنجويد نيرانهم على شقيقتها وطفلها من مسافة قريبة. اما من استسلموا او عادوا الى كيلك فقد احتجزوا في ساحة صغيرة مكشوفة رغم ارادتهم لفترة طويلة (ربما لاكثر من خمسين يوما). وتعرض كثيرون لأفظع صور المعاملة، وأعدم الكثيرون منهم بصورة عاجلة. فنودي على الرجال الذين احتجزوا في كيلك واطلق الرصاص عليهم امام اعين الجميع او نقلوا بعيدا حيث اطلق الرصاص عليهم… وهناك تقارير تفيد بأن أناساً قد ألقي بهم في النار ليموتوا حرقاً. وهناك تقارير تفيد بأن أناسا قد سلخت جلودهم سلخا جزئياً، او أًحدثت بهم اصابات بطرق أخرى وتركوا ليموتوا.)!!
وأواصل بإذنه تعالى..
الحاج وراق
مقال الحاج وراق
* اطلق تشرشل (رئيس الوزراء البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية) وصف (الستار الحديدي) على اوضاع تقييد الحريات, خصوصاَ حرية تدفق المعلومات، التي فرضها النظام الستاليني على الاتحاد السوفيتي وشرق اوروبا. ومن حينها، ظل هذا المصطلح- لصدقه في وصف الأوضاع القائمة في ذلك الجانب، ولطابعه الأدبي- أحد أهم مصطلحات وأسلحة الحرب الباردة بين المعسكرين – الغربي والشرقي. ولاحقا، بعد انتصار الشيوعية الستالينية في عدد من البلدان الآسيوية، وعلى ذات منوال تشرشل، صك أحد المختصين مصطلح (ستار الخيزران) ليصف اوضاع تلك البلدان.
وفي بلادنا، حيث يسود نظام شمولي شبيه، ومنذ انفجار الأوضاع في دارفور عام2001م, وخصوصاً بعد تفاقمها منذ فبراير 2003، فرضت الأجهزة الأمنية رقابة مشددة على كل ما ينشر عن دارفور، وآخذين في الاعتبار الطبيعة الايديولوجية للنظام، يمكن القول بأن الانقاذ قد ضربت منذ ذاك الحين (نقاباً)- ستاراً من النقاب- للتغطية على الأزمة الإنسانية هناك، وعلى حرب من أسوأ الحروب فظاعة ووحشية، حيث القتل العشوائي، وحرق القرى، والقاء الاطفال في النيران المشتعلة، واغتصاب النساء- بما في ذلك العجزة والفتيات الصغيرات، وقطع الاشجار ودفن الآبار وتسميمها، اي التغطية على ما اصطلح على تسميته بحرب الجنجويد- او العفاريت المنفلتة، عن اي عقال، سواء دينياً او انسانياً او اخلاقياً او قانونياً.
وفي حين تصدرت اخبار الفظائع في دارفور شاشات التلفزيون وصحف العالم المختلفة، فإن الرأي العام في البلاد، خصوصاً في الوسط، ظل جاهلاً بما يجري هناك، مما اتاح للإنقاذ، حتى بعد ازدياد الإهتمام الدولي وصدور قرارات من مجلس الأمن الدولي، مما جعل من المستحيل استمرار التغطية بالكامل على ما يجري في دارفور، الا ان عدم المعرفة الملموسة والحية بوقائع ماجرى لدى الرأي العام في الوسط، اتاح للإنقاذ مواصلة نهجها في التغطية والتبرير، ولكن بأسلوب جديد، فطورت ما اسمته بالمؤامرة الصليبية الصهيونية، كنقاب ايديولوجي، ينكر ما جري او يهوّن من حجمه ودلالاته، وبالتالي يعفي الانقاذ من أية مسئولية اخلاقية او انسانية او قانونية تجاه الضحايا، بل وبالركون الى تفسير (المؤامرة) فأن ضحايا دارفور يتحولون الى مجرمين,و بدلاً من التعاطف, يجدون الإدانة والتشنيع!!
* وقد تأكدت شخصياً، بتجربة مباشرة، من كذب الدعاية الحكومية، حين زرت، ضمن وفد ملتقى منظمات المجتمع المدن ي، معسكرات النازحين في عام2005م، وقد حاول عدد من الرسميين الذين يتولون ادارة العون الانساني، كما يفعلون عادة مع الوفود الزائرة من الداخل والخارج، ان يقيدوا مصادر معلوماتنا وحصرها في سماع الروايات المرغوبة لدى الحكومة، بعزلنا عن الضحايا، او اعطائنا تبريرات زائفة, كمثل الادعاء بأن الضحايا لايفهمون معنى كلمة (اغتصاب) ويقصدون بها (غصب)- أي القسر والإكراه! ولكن شاءت الاقدار ان يتمكن الوفد من لقاء النازحين في معسكري (كُلما) و(عطاش)، وسماع مآسيهم التى تقطع نياط القلب. ولا أزال اذكر احد النازحين من منطقة شطايا، يحكي والدموع تطفر من عينيه، ان الجنجويد بعد ان احرقوا قريتهم، اسروا الرجال وقيدوهم جميعا- بمن فيهم هو-، ثم بدأوا في اغتصاب النساء, فاغتصبوا ابنته امام عينيه! وبعد ان اكملوا فعلتهم الدنيئة قذفوا نحوه بعملة معدنية، قائلينخذ لأننا وجدناها فتاة)- يعنون بأنها عذراء!! وللدقة فقد استخدم الرجل لفظة (ركبوا) بدلا من (اغتصبوا)، فألجم الكذابين الذين يريدون انكار الفظائع بالتلاعب بالمفردات.
* ومن الوقائع الصلدة التي لا يمكن التغطية عليها او انكارها، حجم المتأثرين بكارثة دارفور، حيث تشرد 1.65 (مليون وستمائة وخمسون الف نازح داخليا) و203 آلاف لاجئ في معسكرات تشاد، اضافة الى 627 ألف متأثر بالصراع بطرق أخرى, أي أن المجموع يصل الى 2.6 مليون شخص، يشكلون ثلث سكان دارفور! (لاحظ ان الارقام تعود الى عام2006م، ومن حينها ازدادت اعداد المتأثرين!) واذا كان مجموع سكان السودان40 مليوناً فإن الكارثة الانسانية في دارفور – بالارقام المتواضعة لعام2006- قد طالت شخصاً واحداً على الاقل من بين كل عشرين سودانياً!!
* وكذلك من الحقائق الصلدة التي لايتطرق اليها الشك تدمير600 قرية-على الاقل- تدميراً كاملاً! وتؤكد ذلك صور الأقمار الصناعية! بينما دُمّر جزئياً عدد اضافي يتراوح بين100-200قرية! وحصلت لجنة التحقيق الدولية على معلومات مفادها ان الشرطة السودانية قد وضعت تقديراً للدمار وسجلت عدد القرى المدمرة فبلغ اكثر من2000 قرية! وتفيد مصادر الحركات المسلحة بأن عدد القرى المدمرة- كلياً او جزئياً- يصل الى 4000قرية!!
* وكذلك من الحقائق فقد آلاف الارواح, وقد صرح وزير الخارجية حينها- د.مصطفي عثمان اسماعيل- بأن القتلى حوالي5 آلاف شخص، بينما صرح لاحقا المشير البشير بأنهم حوالي1 0آلاف قتيل! هذا بينما تقدرهم لجنة التحقيق الدولية بـ70 ألف شخص- وقتها كانت العمليات لاتزال على حدتها، مما يشير الى وقوع ضحايا آخرين بعد ذلك، وتقدر منظمات حقوق الانسان القتلي بـ200ألف بينما تقدرهم حركات دارفور بـ500ألف. وعلى كلٍّ, في الحدود الدنيا، أي 10آلاف شخص، فان ضحايا مجزرة دارفور يفوقون ضحايا الاجتياح الاسرائيلي لقطاع غزة، بما يزيد عن اربعة اضعاف!
*وبالإنطلاق من الحقائق الصلدة، التي لايتطرق اليها الشك، اي حقائق مثل تشريد ثلث سكان دارفور، يمكن استنتاج حجم الفظائع التي دفعت بملايين الناس الى ترك قراهم والبحث عن الامان في معسكرات النازحين واللاجئين! فإما أن هؤلاء قد تعرضوا لعمليات ترويع واسعة- كما تؤكد شهادات الضحايا والوقائع على الارض (كحرق القرة) والتقارير المستقلة، او الاحتمال الثاني-كما تزعم الانقاذ- ان هؤلاء الملايين – دون أي اسباب عقلانية- قد قرروا الهروب بشكل جماعي من سكناهم، تاركين اراضيهم وممتلكاتهم ومستعيضين عنها بمذلة النزوح واللجوء!! مما يعني ان التفسير الوحيد المقبول لمثل هذا السلوك ان هؤلاء جميعا ً من المجانين! ولنفترض ذلك جدلاً، فيظل السؤال، ما الذي يدفع ملايين الناس الى الجنون؟! مما يحيل من جديد الى طبيعة النظام الذي يدفع واحداً من كل عشرين سودانياً الى الجنون!! وهكذا فان المغالطات والإنكار، لا يُجديان، والحقيقة التي تحاول الانقاذ ضرب (النقاب) عليها، ان ملايين الناس في دارفور قد واجهوا حرباً من نوع جديد – حرباً بلا تمييز، اي بلا عقل، فلا تمييز بين المقاتل والمدني، ولا بين المقاتلين وبين العجزة والنساء والأطفال، ولا تمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، ولا تمييز بين الوسائل ولا مع تناسبها مع الغايات- كل شئ مباح!
حرب بلا عقل،وكذلك بلا قلب، فلا تحدها أية قيم أو اعراف او اخلاق او اعتبارات دينية او قانونية – حرب الجنجويد- حرب اظلام العقل والوجدان!
* وقد توفرت لجنة التحقيق الدولية على دراسة ماجرى في دارفور، فقابلت الشهود، وحققت بواسطة خبراء واطباء شرعيين، وقابلت المسؤولين الحكوميين ووزنت شهاداتهم، ثم خلصت الى تقريرها، الذي يثبت الكثير من الوقائع التي تخزّ وجدان كل شريف، وأذكر أدناه بعضاً منها، حتى يكون الرأي العام في الوسط، على بينة من حقيقة ما جرى هنالك.
* (… ارتكب الجنجويد خلال الهجمات عمليات قتل متعددة، وقد تحققت اللجنة من حوادث عديدة من هذا النوع، فقد ادى هجوم وقع في موللي بغرب دارف ور في ابريل 2003م الى وفاة 63 شخصاً، من بينهم طفلة في السابعة من عمرها. وقد دفن الموتي في ثماني مقابر جماعية بمنطقة سوق القرية. ولاحظت اللجنة أمراً هاماً، هو ان الحادث قد ابلغ الى الشرطة وان سبعة اشخاص قد اعتقلوا واحتجزوا ثم اطلق سراحهم بعد ذلك بثلاثة اشهر..)!
*(… وهاجم الجنجويد والقوات الحكومية في ديسمبر2003م قرية نوري القريبة من بلدة مواني بغرب دارفور وهذا الهجوم سانده غطاء بطائرات الهيلكوبتر وقد قتل67 مدنياً عندما اطلق المهاجمون النيران عليهم عمداً وبصورة عشوائية… ودخلوا المنازل وقتلوا الرجال ثم جمعوا النساء في المسجد، وكان هناك نحو10رجال مختبئين مع النساء. وقد وجد الجنجويد هؤلاء الرجال وقتلوهم داخل المسجد. ثم ارغموا النساء على خلع المكسي (وهو ثوب سابغ يغطي اجسادهن بأكملها) فاذا وجدوهن يخفين اولادهن الصغار تحت تلك الثياب, قاموا بقتل الصبية..)!
*(…. واستطاعت اللجنة ان تجد عناصر مختلفة تثبت روايات الشهود وتؤكد حدوث عمليات القتل الجماعي للمدنيين على أيدي القوات الحكومية والمليشيات، وعلى سبيل المثال، زارت اللجنة قرية كيلك في جنوب دارفور، التي يسكنها أساسا أناس ينتمون الى قبيلة الفور، وتأكدت مما قاله شهود العيان للجنة. وهذه الحالة لا تصور فحسب حدوث عمليات قتل المدنيين بأعداد كبيرة، بل تصور أيضا عمليات الاحتجاز المخالف للقانون والمصحوبة بعمليات الاعدام العاجلة والاغتصاب وغير ذلك من التجاوزات .. وخلال الهجوم الاول المبين في الفرع السابق، دمرت تسع قرى حول بلدة شطايا، وقتل85 شخصاً، من بينهم خمس نساء وثلاثة اطفال، وبعد الهجوم توجه سكان المنطقة بأكملهم الى كيلك وكان الجنجويد لا يزالون موجودين في القرى المحيطة، وكل من حاول العودة الى هذه القريى تعرض للهجوم، وقتل البعض منهم. وعثرت اللجنة على عناصر تؤكد صحة التقارير القائلة بان 28 رجلأ أعزل حاولوا الإستسلام في مركز كيلك قد قتلوا باطلاق الرصاص عليهم جميعا- ولم ينج منهم سوى رجل واحد…
ووقع هجوم ثاني في مارس2004م… وقد اطلقت النيران على كل الناس عندما اضطروا وقد عانوا من العطش الى مغادرة مخابئهم للذهاب الى نقاط المياه، وهناك تقارير متسقة تفيد بان بعض الذين ألقي القبض عليهم وبعض الذين استسلموا للجنجويد قد اطلق عليهم الرصاص فوراً وقتلوا . وزعمت امرأة انها فقدت17 شخصاً من افراد اسرتها في الجبل، وقد اطلق الجنجويد نيرانهم على شقيقتها وطفلها من مسافة قريبة. اما من استسلموا او عادوا الى كيلك فقد احتجزوا في ساحة صغيرة مكشوفة رغم ارادتهم لفترة طويلة (ربما لاكثر من خمسين يوما). وتعرض كثيرون لأفظع صور المعاملة، وأعدم الكثيرون منهم بصورة عاجلة. فنودي على الرجال الذين احتجزوا في كيلك واطلق الرصاص عليهم امام اعين الجميع او نقلوا بعيدا حيث اطلق الرصاص عليهم… وهناك تقارير تفيد بأن أناساً قد ألقي بهم في النار ليموتوا حرقاً. وهناك تقارير تفيد بأن أناسا قد سلخت جلودهم سلخا جزئياً، او أًحدثت بهم اصابات بطرق أخرى وتركوا ليموتوا.)!!
وأواصل بإذنه تعالى..
الحاج وراق