في مقالة نشرت بجريدة ” القدس اللندنية” رئيس حركة التحرير و العدالة السودانية:-
بعد حدوث النكبة لا شرعية و لا قداسة علي إستقلال أو وحدة السودان دون ترتيبات جديدة
النكبة’ السودانية وشرعية ‘رفع القداسة’ عن استقلال ووحدة السودان
محجوب حسين / رئيس حركة التحرير و العدالة السودانية/ لندن
مدة زمنية يجوز قياسها، بالساعات، دقائق أو حتى ثوان إن أردتها هي التي تفصلنا عن بلوغ المنتهى السوداني الأول، وهي حصيلة لحراك تاريخي وفكري وثقافي سوداني جنوبي، أتى هو الآخر نتيجة لتراكم الفعل التاريخي لمستنقعات مركزية
دولة ‘غردون’ السودانية بأسسها وأدواتها ورمزياتها وتابواتها العديدة والمتعددة طوال تاريخ السودان الحديث، إن الأمر هنا لا يتعلق بتاريخ الاستفتاء كإجراء، بقدر ما يتعلق الأمر بممارسة حق شعب الجنوب السوداني ‘الزنجي/الأفريقي……إلخ ‘ تقرير مصير جنوبه السوداني – بالضرورة – عن الاستعمار الشمالي كتكييف قانوني لماهية تقرير مصير الجنوب السوداني من مِنْ وعن ماذا؟ وذلك في التاسع من الشهر الحالي العام 2011.، وهو المعطى الذي يفتح معه استفهامات جدلية مهمة، وأهمها على الإطلاق ما مدى شرعية رفع ‘القداسة’ عن وحدة واستقلال السوداني الشمالي؟
يلزمنا وإياكم الصبر والسلوان
الحدث يأتي في تزامن مع ذاكرة للشعوب السودانية هذه المرة، وليست ذكرى على
الدولة الخاضعة لحق تقرير المصير، فيها السلطة المركزية الغردونية ‘الطاهرة’
احتفلت بها قبل أيام وعرفتها حينئذ ‘استقلالا’ ووصفتها ‘بالعيد الخامس والخمسين’ لخروج المستعمر الخارجي، وهو التاج البريطاني في منتصف القرن العشرين، لترفع الأعلام وتسلم النياشين والأوسمة وفقا للدور الطلائعي في خدمة البلاط البشيري، التي تساوي رياضيا الوطن السوداني، فيما احتفل الشعب المعني، وهو ما نسميه تجاوزا ‘الشعب السوداني’ على شاكلته وإحساسه، حيث نكس العلم السوداني هذه المرة ليبرهن على وقوع الحزن على انهيار معاني وقيم دولة الاستقلال السودانية الأولى، بحدودها وجغرافيتها وديمغرافيتها غير المتفق عليها، ليبدأ استفهام الأسئلة المفتوحة في دولة ‘المشروع السودانية’، التي تتطور إلى استحقاق المساءلة المفتوحة والتي تحمل معها تداعيات ومآلات في ما بعد وقوع يوم النكبة السودانية، وهو اليوم التاسع من الشهر الأول، يوم المفاصلة التاريخية، حيث ميعاد النعي السوداني الأول، وما علينا إلا القول فيها، بسم الله الرحمن الرحيم ‘وبشر الصابرين الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون’ صدق الله العظيم، من دون تحديد دقيق- لمن هو الصابر ومن الذي أصابته المصبية، لأنها نسبية في حال كهذا – إلى ذلك، ‘الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب محمودا’، الفقد جلل والفقيد واحد، ربنا يلزمنا وإياكم الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون. وهذه حال الاوطان – على وزن حال الحياة الدنيا – التي تدار فيها مؤسسات الدولة بمفاهيم العرق والدين والجهة، كمحددات لإدارة الدولة السودانية وأحد اهم أسباب سريان الطوفان فيها تشرذما أو انفصالا أو اقتتالا أو تحقيقا لمصائر كحالة الشعوب السودانية، التي تقابلها أوطان سودانية بالطبع.
اعود للقول وفي مسحة تاريخية سريعة إن جدل التاريخ وتحولاته وحراكه ومراجعته وتناقضاته في الشأن السوداني دفع بحتمية وقوع الانفصال السوداني، ومرده كما أشرنا إلى فعل المستنقعات السياسية العاملة في دولاب الفعل السياسي السوداني، من دون غوص في بنيات التفكيك والتشريح والتحليل لأنها واضحة لصانع الفعل ومستهلكيه عبر الحياتي واليومي، لذا لا اتحدث عن صراعات النفوذ وتقاطع المصالح والإجراءات التي اتخذها أو يتخذها ما عرف في الادب السياسي بمؤسسة ‘الشريكين المقدسين’ اللذين يقرران في كل شيء سوداني بمعزل عن الآخرين، ومرجعيتهما تقول ان الحالة السودانية تعيش حالة استثنائية، وبالتالي يجوز فيها وفقا لنظريات الفقه السياسي وقياسا عليه أن ‘تتزوج المرأة رجلين وعلى سبيل الحصر، وكل شيء يتم فيها وفق قانون المحاصصة أو الحوار أو الاتفاق، وفي حالة الخلاف استدعاء الخارجي ليقوم بالمهام المطلوبة، مع تحديد مدة القران وهي ست سنوات غير قابلة للتجديد’.
في هذه الحالة التي وصفتها بالاستثنائية ما زال شريكا الحكم في مشروع الدولتين المرتقبتين يعملان على اتخاذ حزم من التدابير ومنذ فترة، في شكل ترتيبات بعيدة عن ايديولوجيا الخلافات المعلنة في السطح للاستهلاك، وأغلبها هي تفاهمات أمنية وسياسية واقتصادية، تؤمن سلامة السلطتين الحاكمتين في دولة الشمال السودانية التي توازيها دولة الجنوب السودانية، حيث السلطة الأولى، المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال، فيما الثانية الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب هذا من جانب، ومن جانب ثان تؤمن على وقوع الحقيقة الواقعة والدالة، وهي استقلال الجنوب عن الشمال السوداني، وهو العنوان الأبرز الذي عليه أن يطرح ما ننعته بـ’سؤال المساءلة الكبرى’ لماهية المشروع الشمالي، وما مدى مشروعيته بناء على ما تبقى من أرض وسيادة وشعب، كعناصر مكونة للدولة في القانون الدولي، وما مدى شرعيتها في البقاء، وهل من شروط تضمن الاستمرارية، وفقا لمنطق التجريب والواقع القائم ماضيا وما هو مبشر به الآن.
لا شرعية للوحدة أو الاستقلال السوداني
مما سبق ومنخلال مراجعات نقدية يمكن القول إن ما يجري اليوم كحدث وتحول واستحاق تاريخي لشعب الجنوب من جراء نشاط واشتغال منظومة عقلية الاحتكار ذات النسق الثالوثي والمتحكمة في البلاد، هو تصحيح للتاريخ والجغرافيا السودانية
جنوبا، وبالتالي هذه النتيجة والمحصلة تضعنا أمام أسئلة جوهرية تتعلق بالكيان
المتبقى والقائم، الذي يحوي داخله خصومات هي ذات الخصومات البنيوية التي
دفعت إلى استقلال الجنوب عن الشمال، لذا وفق هذا المعنى نجد هناك شرعية للحديث والبحث عن ثقافة أوطان جديدة في الشمال تحتاج للتحرير أو بناء عقد اجتماعي دستوري ثقافي جديد، لان ما تبقى من شمال لا يمكن القول انه دولة تحمل ذات السيادة، وتلك الشرعية التي انتهت أو تنهتي بالانقسام التاريخي واستمرارية نمط إنتاج الدولة الأحادية ذات الحراسة الفوقية ما زالت مستمرة في الشمال، وفي هذا الإطار هل يكفي أن يذهب الرئيس السوداني إلى دولة الجنوب السودانية فقط من أجل تسويات تتعلق بعدم استغلال المقاومة في دارفور أرض الجنوب، إنها مفارقة حيث لم تتمكن النخبة المتحكمة من قراءة الواقع، أو قل تمت قراءته والعمل يتم على إعادة إنتاج سيناريو التعقيل على نفس النهج الجنوبي، الذي أفرز معه حقيقته الدالة وهي الدولة والهوية والتاريخ.
الجدير بالانتباه والأكثر جدارة في الاشتغال عليه هو أن واقع التحول السوداني
اليوم فتح المجال أمام سانحة لتشكل الامم والثقافات السودانية من جديد ولو عبر استدعاء الفكر ‘الممالكي’، ابتداء من مملكة ‘نبتة ‘ إلى ‘المسبعات’، إننا أمام مرحلة ترتبط ارتباطا عضويا بتصحيح التاريخ والجغرافيا السودانية شمالا هذه المرة، أو إنهاء التاريخ السائد والحاضر في السودان، لأن سقوط وانهيار الاستقلال السوداني باستقلال الجنوب السوداني، معناه أيضا انتهاء صلاحية مكينزمات دولة الاستقلال الأولى والعقد الاجتماعي السوداني السابق، وكذا مفهوم الوحدة السودانية، أما سيناريوهات ثقافة الدساتير والشرعة والقوانين الممنوحة هي الآن ضمن سلة منتجات الخردة في دولة سودانية شمالية في بداية التشكل والتركيب، والبحث عن عقد سياسي ـ اجتماعي جديد، وعدم الاعتراف والتعاطي مع هذه الدلالة معناه شرعية بحث الشعوب السودانية الشمالية عن حقها في الأوطان، ليس عبر شرعة حق تقرير المصائر، وإنما يمكن فرضها فرضا تحت حمولات التاريخ والثقافة واستغلال نفس أدوات التحكم في الدولة السودانية المنقرضة، وهو الثالوث المشار إليه في متن المقال، وهذا يفيد في عدم أهلية مفاهيم المشاركة كخطاب في هذه المرحلة الدقيقية من معاني الفرز السوداني، لأن لا شيء متفق عليه شماليا للمشاركة حوله..
تجب الإشارة إلى أن الـــــتاريخ وفتوحاته واستــــقراره شماليا، إن سلمنا جدلا أن هناك ســــودانا شــــماليا، بعد سقوط ايديولوجيا الشــــمال ضد الجــنوب أو العكس لإدارةالصراع، يبدأ من دارفور السودانية هذه المرة، واحتواء دارفور وصراعها مع مركز غردون لا يمكن أن يتم من دون شراكة حقيقية مع دارفور، ووفقا لحمولتها التاريخية في القرن التاسع عشر، وهذا معناه على صعيد آخر سوف يتم تطوير خطاب المقاومة السودانية في دارفور في صراعها مع مركزية دولة غردون في الخرطوم، مع استحضار الأول لتاريخ تكونه وتشكله ضد الثاني المفتقر لأدوات الشرعية، غيرشرعية القهر التي تقابلها شرعية المقاومة، وهذا ما يتطلب طرح مفهوم جديد للصراع قائم على مفهوم الكتلة التاريخية للتحرير والعدالة السودانية، فيما تبقى و تجاه ما تبقى من الديمغرافيا والجغرافيا السودانية باعتبارها عديمة الهوية القانونية والدستورية ويتوجب رفع القداسة عنها وحدة أو استقلالا أو حتى كيانا سياسيا.
نقلا عن القدس اللندنية