بعد الإنسحابات المتوالية للأحزاب الذهول والدهشة يسيطران علي الشارع السوداني والإنتخابات تحولت إلي 'كوميديا سوداء'

الخرطوم- أفريقيا اليوم/ صباح موسى

حالة من الذهول والدهشة تسيطر علي الشارع السوداني وتلقي بظلالهاعلي كافة التجمعات والأحاديث التي تجمع مواطنين سودانيين وهم يتابعون بين لحظة وأخري تغير مواقف الأحزاب والقوي السياسية والصعود والهبوط في المؤشر السياسي مع كل قرار جديد يصدر هنا وهناك ، ما جعل حالة من الغموض تحيط بمصير الإنتخابات المقرر اجراؤها في البلاد في 11من الشهر الجاري .

وفي الوقت الذي سيطرت فيه مشاعر التفاؤل بشأن تلك الإنتخابات وظن الجميع أنه سيشاهد منافسة انتخابية ساخنة للغاية خاصة مع توالي اعلان أسماء المرشحين علي المقعد الرئاسي ، اذ بالحركة الشعبية لتحرير السودان وهي الشريك الثاني في حكم البلاد تعلن سحب مرشحها من السباق  الإنتخابي  نحو القصر الرئاسي بالعاصمة الخرطوم ، كما أعلنت الحركة مقاطعتها الإنتخابات في إقليم دارفور, هذا القرار أصاب الجميع  من مؤيد ومعارض للحركة بحالة من الذهول, لأن الشعبية قبل إصدار القرار بساعات, كانت تتوعد المؤتمر الوطني شريكها بالحكم, بضرورة تأجيل الإنتخابات, وعندما رد عليها الوطني بأنه إذا تأجلت الإنتخابات, سيتم تأجيل الإستفتاء, الأمر الذي أشعل حرب التصريحات بين شريكي الحكم في السودان, مما جعل الحركة تزيد من تهديداتها بأنها ستقاطع إنتخابات الشمال, ودخلت الأحزاب الشمالية المعارضة علي الخط مهللة للشعبية, ومراهنة عليها, على إعتبار أنها الفاصل الأعظم في النهاية ، وفي ظل هذا الجو من التصريحات الملتهبة, عاش السودانيون حالة من الترقب والخوف على مستقبل وطنهم, قلقا من إنتخابات قد تؤدي به إلى أحداث عنف وفوضى, قدلا يمكن السيطرة عليها.

موقف الحركة الشعبية الذي فاجأت به الجميع تمثل في سحب مرشحها للرئاسة, و الإعلان أنها ستشارك في الإنتخابات على جميع مستوياتها ودوائرها, ماعدا إقليم دارفور, والذي ترى أنه مازال غير مجهز لخوض العملية الإنتخابية, وخرج” ياسر عرمان” مرشح الشعبية للرئاسة ليقول أنه عندما كان بدارفور فإن الجماهير طالبته بعدم اجراء الإنتخابات, فمازالو في حالة حرب ، وذلك على الرغم من أن ” عرمان” عندما ذهب إلى دارفور, كان حديثه منصبا على الهجوم على المؤتمر الوطني.

قرار الحركة الشعبية جاء مدويا على الساحة الحزبية السودانية, فالحركة أخذت القرار وأعلنته منفرده, دون الإنتظار ليخرج من إجتماع تحالف جوبا, كما أنها لم تقاطع كل الشمال كما هددت قبل ساعات من القرار, وقاطعت دارفور فقط, الأمر الذي فسره البعض بأن الشعبية أرادت أن تحقق موقفا, يحفظ صورتها بعض الشئ, ولكنها في ذات الوقت لم تخسر شيئا, فهي ليس لها أي تواجد في دارفور, ودخولها للإنتخابات في الإقليم لن يفيدها بشئ.

الأحزاب السياسية الكبيرة عاشت ليلة من عدم التوازن عشية قرار الحركة, ودخلت قياداتها في اجتماعات مطولة, لم تنتهي حتى كتابة هذا التقرير, وخرجوا من جزء منها بقرارات مبهمة بأن جزءا منهم سيقاطع الإنتخابات, ولم يوضحوا للرأي العام هل قاطعوا الإنتخابات نهائيا, أم على مستوى الرئاسة فقط, وجاءت أكثر الأحزاب تخبطا الأمه القومي بزعامة الصادق المهدي, والذي يراه المراقبون أكثر الخاسرين في العملية الإنتخابية, حيث أنه جازف, ودخل الإنتخابات كمرشح للرئاسة, في حين تجنبت معظم الأحزاب السودانية هذا الأمر, وقدمت أحد كوادرها, ربما لأنها كانت تخشى المنافسة مع المؤتمر الوطني, فنأت بنفسها من الهزيمة, وبعدما ظهر حزب الأمة معلنا مقاطعة الإنتخابات مع من قاطعوا, إلا أنه لم يحدد موقفه بشكل قاطع إلى الآن, فهناك من يرى أن المهدي سينسحب من الرئاسية فقط, وهناك من يؤكد أنه لن يقاطع على كافة المستويات, وسوف يخوض الإنتخابات جميعها للنهاية.

“محمد زكي” مدير مكتب ” الصادق المهدي” قال لـ ” أفريقيا اليوم” أن حزب الأمه سيمهل الحكومة إلى يوم 6 أبريل الجاري, وإذا لم تتحقق مطالبهم, والتي منها ضرورة التأجيل, وتشكيل مفوضية إنتخابات جديدة, والحد من الخروقات التي تؤدي للتزوير, وإذا لم تستجب الحكومة سيقاطع الحزب الانتخابات بكافة مستوياتها, “وإذا استجابت سنخوضها بكافة مستوياتها “.

الإتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة مولانا ” محمد عثمان الميرغني” لم يحدد موقفه منذ البداية, إلا أن مصادر داخل الحزب رجحت لـ ” أفريقيا اليوم” أن يسحب الميرغني مرشحه للرئاسة, وأنه سيخوض باقي مستويات الإنتخابات على كافة الدوائر بالبلاد ، وكان حزب الميرغني أكثر الأحزاب وعيا, لأنه –وفق مراقبين- أراد ألا يغضب الوطني ولم يرشح نفسه أمام البشير, وفي نفس الوقت أراد أن يحافظ على شعرة العلاقة مع الأحزاب, فكان الجميع يتوقع في بداية الإنتخابات أن الميرغني لن يرشح أحدا من حزبه للرئاسة, ولكن فاجأ الأحزاب بترشيحه لحاتم السر.

حزب المؤتمر الشعبي بزعامة ” الترابي” قرر خوض الإنتخابات منذ البداية على كافة مستوياتها, وإختلف مع الأحزاب حول هذا الأمر, وكان مبرره في ذلك أن الإنتخابات رغم التزوير والخروقات, هي حراك جماهيري مهم للسودان, وهذا الموقف فسرته الأحزاب وبعض الجماهير السودانية, بأنه مهما حدث فالشعبي والوطني وجهان لعملة واحدة, وأنه رغم هذا الخصام الشديد الظاهر, فإن سياسة الحزبين واحدة, وأن مايفعلونه مجرد لعبة، فيما يري المؤتمر الوطني في موقف الشعبي توزيع أدوار بينه وبين حركة العدل والمساواة, والتي يعتبرها الوطني الجناح العسكري للشعبي, “مهما نفى الترابي ذلك ” وذلك بحسب تعبيرات لقيادات بالمؤتمر الوطني .

الحزب الشيوعي السوداني قرر عدم خوض الإنتخابات على كافة مستوياتها, وقال محللون سياسيون لـ ” أفريقيا اليوم” أن الشيوعي منذ البداية وهو يقرر الإنسحاب في أي لحظة, وكان يرى في العملية الإنتخابية مجرد فرصة للتواصل مع جماهيره بحرية.

المؤتمر الوطني بدا منتصرا بعد قرار الشعبية, وأكد الرئيس البشير أن الأحزاب أرادت أن توقع بين الشريكين ( المؤتمر- الحركة), ولكنها لم تستطيع, مشيرا إلى أن المجتمع الدولي وأمريكا تقف مع الإنتخابات, وأنها خذلت الأحزاب، ومضى بعض قادة الوطني مؤكدين أن الأحزاب تخشي الإنتخابات, و أن إتهاماتهم لمفوضية الإنتخابات وإجراءاتها مجرد تعبير عن ذعر من المنافسة.

سلفاكير رئيس الحركة الشعبية خرج على جماهير الجنوب بتصريح من العيار الثقيل بأنهم سحبوا مرشح الشعبية لصالح الوطني ولصالح السلام, ودعا جماهير الجنوب للتصويت للبشير ، فيما  أكدت مصادر من داخل الحركة الشعبية لـ ” أفريقيا اليوم” أن ” عرمان” مرشح الحركة المسحوب يعيش حالة نفسية صعبة بعد هذا القرار, رغم أنه يبدو أمام الناس أنه موافق عليه, ومشارك فيه, وقالت المصادر أن عرمان يعيش حالة شديدة من الغضب مع رئيس الحركة ” سلفاكير ميارديت”.

وعندما طرحنا سؤالا على بعض المحللين والمراقبين بشأن  قراءة موقف الحركة بعد سحب عرمان وما اذا كان ذلك يعني أنها تريد الإنفصال بنسبة 100%, وهل هي صفقة منذ البداية بأن تترك الحركة الرئاسة للبشير وحزبه, وفي المقابل يترك المؤتمر الوطني الجنوب للحركة الشعبية؟

  البعض من المحللين يتفق تماما على هذه القراءة, فيما يعترض البعض الآخر عليها, ويرجع البعض الأخير موقفه ذلك إلي أن الحركة ليست جميعها مع الإنفصال, وأن بها أصوات متباينه حول هذا الأمر, الذي لم يحسم داخل الحركة حتى الآن ، ويري مراقبون أن مستقبل ” عرمان” داخل الحركة أصبح غير واضح الآن, وأن الرجل ربما قد حرقته الحركة تماما بعد ترشيحه للرئاسة, ثم سحبه منها.

على مستوى الشارع السوداني إستطلعت ” أفريقيا اليوم” شرائح كبيرة من المجتمع حول ماحدث, وكانت هناك ثلاث مواقف ختلفة الأولى منها  لمواطنين في حالة من الذهول مما حدث, فيما يعبر البعض – وهم من مؤيدي أحزاب مختلفة – عن الحسرة و الإحباط الشديدة, وهؤلاء يرون أن أحزابهم أخذتهم إلى عنان السماء, وتخيلوا أنهم قاب قوسين أو أدنى من حكم البلاد, حتي جاءت الأحزاب لتضرب في ساعات قليلة بإنسحاباتها المتتالية كل آمالهم .

فريق ثالث من الجماهير السودانية ويضم فئة كبيرة ظهرت منتصرة فرحه بماحدث فبعض هذه المجموعة من مؤيدي المؤتمر الوطني والذين بدا لهم الأمر طبيعيا فرئيسهم وحزبهم يمارسون السياسة منذ سنين, ويمتلكون الضربة القاضية في أي وقت, وهذا ماحدث مع الأحزاب, وبعض آخر من هذه المجموعة رغم أنهم غير منتميين لأحزاب إلا أنهم يرون أن البشير وحزبه أفضل السيئين بالسودان, وأنهم جربوا من قبل معظم الأحزاب, والسودان لم يرى معهم أي نور.

المجتمع الدولي ظهر في الأزمة على عكس مايتوقع البعض فجاءت أمريكا وبريطانيا والنرويج تنادي بإنتخابات حرة نزيهة في السودان, وذلك بعد سحب الشعبية لعرمان مباشرة, وفي ذلك إشارة تأييد لإجراء الإنتخابات, وتأكدت هذه الإشارة بإرسال الولايات المتحدة على الفور مبعوثها للسودان ” غرايشن” ليجتمع بالأحزاب وحثهم على عدم المقاطعة.

ويبقى أن الإنتخابات السودانية أصبحت كوميديا سوداء يعيشها المواطن السوداني, وأي توقع لما ستسفر عليه هذه الإنتخابات غير معلوم وغير مقروء, ففي ظل هذه المعطيات من المفروض أن يفوز المؤتمر الوطني والبشير, وأن تتوارى الأحزاب مرة أخرى, ولكن السودان دائما مسرحا للامعقول, فبين ضحية وعشاها يمكننا أن نرى مالا يتوقعه عقل. فقط أيام تفصلنا عن صناديق الإقتراع والتي ستحدد مستقبل بلد مصيره مجهول!!
 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *