من البديهي لكل شخص ولكل جهة اعتبارية حساباتها الخاصة، وهنالك من يحتكم للمصلحة المباشرة دون اعتبارات لأي شيء، قديماً عرف هذا السلوك السياسي بالميكافيلية، وتبلورت حديثاً حول مصطلح البراغماتية السياسية، طبقت على الاقتصاد والدين والأخلاق والأدب والفن كذلك. أثبت التجارب أن هذه المدرسة ولدت بأفق ضيق لا يتسع للأخلاق ولا تعرف العاطفة، وأحياناً تخرج معتنقوها عن دائرة المعقولية ولا حتى الواقعية.
مفهوم البراغماتية في بداياتها كمعنى يتلخص في أنّ الحقائق قائمة على النتائج ممّا يعني عدم ثباتها، ويتجذر إلى الفلسفة اليونانية، وأنّه لا شيء ثابت والحقائق تتغيّر، والحقائق المطلقة ليست موجودة على أرض الواقع، فكل شيء في صيرورة، وقد انتشرت البراغماتية كمذهب فلسفيّ له أصوله في الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ بدايات القرن العشرين، وتعدّ من أسس النظام الرأسمالي القائم على المنافَسة الفرديّة. بيد انه في وقتنا الحاضر، أصبحت البراغماتية، على مرمى حجر من الانتهازية والحربائية.
أسوء و”أكعب” ما في هذه المدرسة، أنها لا تعترف بالمبادئ، ولا تعرف الأخلاق، سياسياً كانت أم إجتماعية ودينية.
من يرصد ممارسات الجبهة الثورية كمظلة عريضة لحركات الكفاح المسلح، ويتابع تحولاتها الدراماتيكية، يدرك بسهولة خسارتها المبينة لقواعدها الشعبية، بين عشية وضحاها، تحوّلت من نصيرة الغلابا والمهمشين إلى خانة أعداء الشعب، متنكرة لشعارات ثورة ديسمبر المجيدة، مناهضة لمسيرة التحول الديمقراطية والمفضي إلى الحكم المدني. وضعت الجبهة الثورية يدها في أيدي الجلادين والقتلة، من أجل إعادة الحكم الشمولي القمعي عبر انتخابات “مخجوجة” على عينك يا تاجر.
تسارعت الجبهة الثورية، إلى التمترس ضد إرادة الشعب، عندنا أيقنت أن الاستحقاق الانتخابي، قد تخرجها من دائرة الفعل السياسي، بسبب تخطبها في طروحاتها، وتخليها عن شعاراتها، وخذلانها لأصحاب المصلحة من النازحين اللاجئين، وانكفائها العشائري في هياكلها التنظيمية، ومخازي أخرى يطول رصدها.
وبدلاً عن مراجعة نفسها، ومحاولة تدارك أخطائها، وتنقية ملفاتها من الشوائب الثورية، استعداداً للاستحقاق الانتخابي المرتقب بنهاية الفترة الانتقالية، هربت الجبهة الثورية إلى الإمام، فحّرضت، وساندت على الانقلاب على الوثيقة الدستورية، وأيدت إنقلاب ال 25 من اكتوبر 2021م على مضد، متبنية المدرسة البراغماتية، آملين الخلاص من الاستحقاق الانتخابي على ظهور مجنزرات العسكر.
أثبتت الأيام أنّ تشّدق قيادات الجبهة الثورية بشعارات الديمقراطية، والمناداة بالتحول المدني ما هو إلاّ ضرب من النفاق السياسي المفضوح، فقد أثبتوا قولاً وفعلاً أنهم شموليو الهوى، انقلابيو المزاج، يحتكمون لفوهة البندقية، براغماتيو التوجه، ويهابون فوهات الصناديق الانتخابية، مهابة تارك الصلاة للموت.
مما لا شك فيه، أنّ الجبهة الثورية، مخطئة في تقديراتها هذه، وأن بحر ثورة ديسمبر العاتي سيكّذب غطّاسها طال الزمن أم قصر، ويفضح تقديراتها اللأخلاقية، بدحر انقلاب البرهان، وتعرية أعوانه من انتهازيو الثورية، حينئذ، لا ندرِ أي منقلب سينقلبون، حين سيضع شباب ثورة ديسمبر الأشاوس، مكان الطلقة عصفورة سلام، تحّلق حول نافورة محبة، يتحّلق حولها، الثوار الصناديد، عبدالواحد وعبدالعزيز مع ثوار ديسمبر الأماجد، لوضع أساس الدولة المدينة، دولة الحلم.
//إبراهيم سليمان//