“انقسامات في الحزب الحاكم في السودان والتهديد لمستقبل الاستقرار في البلاد”: آخر تقارير مجموعة الأزمات الدولية، يحذر من أن حزب المؤتمر الوطني لم يعالج الأسباب الجذرية للصراعات المزمنة في البلاد، وبدلا من ذلك فقد فاقم الانقسامات العرقية والإقليمية وقام بتعميق تناقضاتها. فاقداً للقبول الشعبي، يواجه المؤتمر الوطني عدة تحديات أمنية وسياسية واجتماعية واقتصادية، ومنقسم بشدة بشأن الطريق إلى الأمام. ولكن حشد الحزب أجهزته الأمنية لكبح أي تغيير داخلي محتمل أو انتفاضة، وخنق النقاش الدائر حول مسألتي التنوع والهوية في السودان، كما لا يزال مصمما على فرض الهوية العربية الإسلامية على جميع السودانيين ومواصلة سوء استخدامه للشريعة الإسلامية، ومازال على استعداد إلى تقسيم ولايات رئيسية لإرضاء البارونات السياسية.
“يخشى الرئيس البشير وأعوانه المقربين من تفكك حزبهم. ولخشيتهم من انقلاب محتمل، فقد أصبحوا يعتمدون بشكل متزايد على الولاء الشخصي والقبلي للبقاء في سدة الحكم”، يقول فؤاد حكمت، كبير مستشاري مجموعة الأزمات لشؤون الاتحاد الإفريقي والسودان. “تتركز السلطة الآن وعلى نحو متزايد في أيدي عصبة ضيقة حول الرئيس”.
أنهى اتفاق السلام الشامل عام 2005 الحرب الأهلية الطويلة بين الشمال والجنوب ولكنه فشل في حل القضايا التي لا تزال تحرك الصراعات العديدة الأخرى في البلاد. خلال فترة السنوات الستة لاتفاقية السلام الشاملة (والتي تنتهي رسميا في تموز/ يوليو)، أهدر حزب المؤتمر الوطني الفرصة للحفاظ على الوحدة الوطنية وإقامة دولة مستقرة وديمقراطية. كما قاوم التنفيذ الجدي لكثير من مواد اتفاقية السلام لأن من شأن ذلك إضعاف قبضته على السلطة على نحو كبير. وكانت النتيجة تصاعد الصراع في دارفور واختيار الجنوبيون الانفصال عندما صوتوا في يناير 2011 على استفتاء تقرير المصير.
وفي مناطق الهامش المعسكرة والمسلحة والتي لا تقتصر على دارفور فحسب، بل تشمل جنوب كردفان والنيل الأزرق وشرقي البلاد والمناطق المهمشة الأخرى، بدأ يتشكل قطاع جديد مستاء من هيمنة الحزب مماثل لسخط جنوب السودان. تستمر المعارضة السياسية والعسكرية، ويطالب الكثير من السودانيين بترتيبات دستورية واسعة من شأنها توزيع السلطة والموارد والتنمية بصورة عادلة بين المناطق. يتعين معالجة هذه القضايا من خلال حوار وطني حقيقي تديره حكومة تعددية شاملة ومقبولة إذا أراد السودان تجنب المزيد من العنف والانقسام.
وينبغي على المجتمع الدولي موحداً، وبالتعاون في الطليعة مع كل من الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة، الضغط على حزب المؤتمر الوطني لإشراك المعارضة في مثل هذا الحوار الوطني من أجل تعزيز الأساس لبرنامج وطني لإرساء الاستقرار يتضمن مبادئ واضحة لإنشاء عقد دستوري شامل متفق عليه من قبل كل القوى السياسية.
“مع اقتراب انفصال الجنوب المقرر بعض بضعة أشهر فقط، يتطلب الوضع في بقية البلاد إعادة ترتيب بشكل كامل”، تقول كمفرت ايرو، مديرة برنامج أفريقيا لدى مجموعة الأزمات الدولية. “يعتزم حزب المؤتمر الوطني مواصلة الوضع الراهن — للحفاظ على النظام السياسي كما هو، ولعقد صفقات سلام منفصلة مع كل من يرفع السلاح ويحشد الإسلاميين ضد إخوانهم المواطنين. وهذا بمثابة وصفة لمزيد من المشاكل في بلد طالت معاناته”. ما لم تعالج المظالم في السودان من قبل حكومة شاملة، ستتعرض البلاد للمزيد من العنف والتفكك حتى بعد استقلال الجنوب رسميا في تموز/ يوليو القادم.