انشقاق في حزب البشير .. بالتزامن مع تصفية العاملين في أكبر مشروع زراعي

مجموعة من قيادات الحزب تسعى لتسجيل كيان جديد باسم -الحرية والعدالة- ومسؤول يعترف بوجود خلافات غير حميدة

وقع انشقاق في حزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير، ويحضر المنشقون، بشكل مكثف، لإعلان حزب جديد باسم «الحرية والعدالة»، ويتزامن ذلك مع إعلان بتصفية العاملين في مشروع الجزيرة، وهو أكبر مشروع زراعي في السودان وأفريقيا.. في إطار خصخصة المشروع الذي كان يعتبر أحد أعمدة الاقتصاد السوداني لنحو قرن من الزمان. وتقول الأنباء في الخرطوم إن الانشقاق عن المؤتمر الوطني قد يكون له علاقة بتصفية مشروع الجزيرة، باعتبار أن قادته من ولاية الجزيرة. وقال عبد الباقي علي عوض الكريم زعيم المنشقين لـ«الشرق الأوسط» إن الترتيبات تمضي الآن لإعلان الحزب الجديد في احتفال كبير، وسيتم تسجيله خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي لدى مسجل الأحزاب السودانية. وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت المجموعة المنشقة ستعود إلى حزب المؤتمر الوطني عبر مساومات قال: «لا يمكن». فيما أقر قيادي في حزب المؤتمر الوطني في حديث لـ«الشرق الأوسط» بوجود خلافات داخل حزبه في بعض الولايات، ووصفها بأنها «ليست حميدة»، قبل أن يقول إن المسألة تحتاج إلى «اعتبار واهتمام» من الحزب. ويعتبر هذا الانشقاق هو الثاني من نوعه داخل حزب المؤتمر الوطني، بعد الانشقاق الموصوف بالكبير بين البشير والترابي عام 2000، فيما عرف بـ«المفاصلة» بين الرجلين، حيث كون الترابي حزب المؤتمر الشعبي المعارض فيما ظل البشير يقود حزب المؤتمر الوطني. وظل حزب المؤتمر الوطني ينفي بشدة أن يكون معرضا للانشقاق، ويصف المسؤولون في الحزب أي حديث من هذا النوع بأنه «تخرصات» سياسية.
 
وتأتي الخطوة في تزامن مع قرار صدر أمس، ووصف بأنه مدوّ، بالاستغناء عن كل العاملين في مشروع الجزيرة الذي تأسس عام 1925 في إطار مشروع للخصخصة تتبناه الحكومة ويبلغ عدد العاملين في المشروع نحو 2500 عامل. ورحب رئيس نقابة العاملين في مشروع الجزيرة كمال النقر بقرار الفصل الجماعي للعاملين في المشروع، في احتفال أقيم لتسليم العاملين مستحقاتهم جراء الفصل. وتبلغ جملة استحقاقات العاملين نحو 105 ملايين جنيه سوداني (60 مليون دولار). وكان المشروع ينتج نحو 500 ألف طن من القطن سنويا، في فترة ما قبل حكومة الإنقاذ الوطني، وتدنى ليصل حاليا إلى 30 ألف طن، أي بنسبة تدن تبلغ 94%.
 
وأعلن عبد الباقي علي عوض الكريم، وهو قيادي ولائي في حزب المؤتمر الوطني، الرئيس السابق للمجلس التشريعي «برلمان محلي» لمحلية منطقة المناقل بالجزيرة، وسط السودان، وعضو المكتب القيادي للحزب في ولاية الجزيرة، أعلن لـ«الشرق الأوسط» أنه ومجموعة من القيادات في المنطقة وغيرها، بصدد إعلان قيام حزب جديد باسم حزب «الحرية والتنمية»، وقال إن الحزب يضم قيادات متنوعة وشخصيات بارزة من حزب المؤتمر الوطني، وسيتم الإعلان عنه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي في احتفال كبير، كما تجري الترتيبات لتسجيله، وذكر أن الحزب الجديد شعاره «الحرية والتنمية».
 
وكان حزب المؤتمر الوطني في «ولاية الجزيرة» وسد السودان، قرر تجميد نشاط عبد الباقي علي رئيس المجلس التشريعي بالمناقل وعضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني بولاية الجزيرة، على خلفية صراعات وصلت إلى حد الصدامات (ضرب وحرق) بين عناصر حزب المؤتمر الوطني في محلية المناقل، وينظر إليه على أنه صراع مع والي الولاية البروفسور الزبير بشير طه. وردا على سؤال حول ما إذا كانت الخطوة التي سيقدمون عليها بمثابة انشقاق عن حزب المؤتمر الوطني، قال عوض الكريم، وهو ظل لعقدين من الزمان يعتبر من القيادات البارزة لحزب المؤتمر الوطني في المناقل والجزيرة، إن الأمر ليس «انشقاقا» بالمعني.
 
وعن أسباب تكوين الحزب الجديد المرتقب، قال عبد الباقي علي عوض الكريم إنهم خرجوا عن المؤتمر الوطني لأنه ظل يكذب، ولا يقدم أي شيء سوى الخطب، واتهم الحزب الحاكم بأنه «ليس مع العدالة ورفع الظلم عن شرائح المجتمع السوداني»، وقال: «في الأصل هناك برنامج للعدالة ورفع الظلم يحتاج إلى منهج عملي، سنقوم به من خلال الحزب الجديد». وواصل، يعدد أسباب تكوين الحزب، فقال «نحن نريد الحرية والتنمية، والآن السودان في مرحلة التحول الديمقراطي، وعليه نريد أن نستفيد من هذه الفرصة لتطبيق المنهج وتحقيق الحرية والتنمية»، وأضاف أن الحرية «التي ننشدها تقوم على مبدأ من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ومضى: «لا تمضي أمور البلاد بالكذب»، وتابع أن «من أهداف الحزب المواصلة في برنامج قديم يجري تنفيذه من بينه إحداث إصلاحات في مشروع الجزيرة وغيره من القضايا»، واتهم حزبه السابق المؤتمر الوطني بأنه «جاء بوال غير صالح لولاية الجزيرة»، والتي تعتبر ثالثة كبرى الولايات من حيث السكان في السودان بعد ولاية الخرطوم، وجنوب دارفور، بها نحو أكثر من 3 ملايين نسمة.
 
ونفي عوض الكريم الاتهامات التي تساق بأن الحزب الجديد المنشق هو في الحقيقة يمثل قبيلة الكواهلة، أكبر القبائل في الجزيرة، وقال: «الحزب ليس له علاقة بقبيلة الكواهلة»، وقال إن «أحد قيادات الحزب وهو صلاح الدين الجعلي المرضي رئيس اتحاد مزارعي السودان وأمين مال اتحاد مزارعي الجزيرة من قبيلة الجعليين»، وردا على سؤال، قال إنهم سيخوضون الانتخابات المقبلة. وحول مدى نجاح الحزب، فقال «إن التوفيق من عند الله.. وإذا ما صدقنا فيما نقول فإننا سننجح»، وسار إلى أن حزب «العدالة والتنمية» نجح في «تركيا».
 
وكانت الصراعات احتمدت بين عناصر في حزب المؤتمر الوطني في منقطة المناقل ووصلت إلى مرحلة الضرب بالأيدي وحرف دار الحزب في المدينة، وبدأت الصدامات بكلمة قالها أحد المرشحين في قيادة حزب المؤتمر الوطني، وجهها صوب «عبد الباقي علي المنشق الحالي» حيث كان رئيسا للمجلس التشريعي للمنطقة، وانتهت صراعات المناقل بإقالة عبد الباقي من منصبه، وغادر بعدها إلى القاهرة غاضبا على الحزب ووالي الولاية الزبير بشير طه، لتتسرب أنباء في الخرطوم بأنه قد انضم أثناء وجوده في القاهرة إلى حركة العدل والمساواة المسلحة في دارفور، وأن سفير السودان في القاهرة عبد الرحمن سر الختم، وهو الوالي السابق لبشير طه في ولاية الجزيرة أثناه عن الفكرة.
 
وفي تعليق على الانشقاق الأخير في حزب البشير، قال الدكتور ربيع عبد العاطي القيادي في حزب المؤتمر الوطني ومستشار وزير الإعلام السوداني لـ«الشرق الأوسط» إن «خلافات الحزب في الولايات بدأت تلوح في الأفق وهي ليست حميدة، وعليه يجب أن تؤخذ في الاعتبار»، وأضاف: «يجب تداركها من قبل الحزب حتى لا تتحول إلى ظاهرة كما نراها في الأحزاب الأخرى»، وقال إن حزبه لم يتأثر بالانشقاق السابق، يقصد انشقاق الترابي عنه، وعليه فإن الفرص مواتيه للمؤتمر الوطني الآن «ليلملم أطرافه»، خاصة أن الحزب الآن يحضر نفسه للانتخابات المقبلة، ومضى: «هناك إمكانية وقوة ومناعة لدى الحزب من التأثر بالانشقاق.. ولكن الأمر يستوجب قدرا كبيرا من الاهتمام». ولاحظ عبد العاطي أن حزب المؤتمر الوطني ركز على حل خلافاته مع غيره بصورة جيدة غير أنه يحتاج الآن لحوار الداخل بين المنتمين إليه لتدارك الأمور، حسب قوله. وشدد عبد العاطي على أنه على المؤتمر الوطني أن «يبارح محطات كثيرة وشخصيات كثيرة.. ولا بد من توليد شخصيات جديدة».

الشرق الاوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *