اليوم أكمل بشري قمر عاما كاملا قيد الاحتجاز التعسفي
د: عز الدين قمر
بمغيب يوم أمس 26 يونيو 2012 يكون بشري قمر قد امضي عاما كاملا محروما من حريته،عاما أمضاه بين حراسات نيابة امن الدولة وزنازين جهاز الأمن، تحت ووطأة التعذيب ووابل السياط والشتائم البذيئة والعنصرية. كما يكون بشري قد اكمل سبعةأيام مضربا عن الطعام احتجاجا علي اعتقاله بلا أساس من القانون. فبعد صدور القرار القضائي بعدم وجود سند قانوني لتجديد حبسةفي 17 يونيو 2012 فقد بشري الأمل في الحصول علي أي قدر من الإنصاف من أجهزة العدالة السودانية. وبذلك يظل اعتقاله نموذجا صارخا لانعدام دولة القانون وفساد الجهاز القضائي والعدلي في السودان ، فقد تورط الجهاز القضائي في تمديد حبس بشري قمر بلا أساس من القانون لمدة عام كامل مخالفا بذلك حتي قواعد قانون الإجراءات الجنائية ناهيك عن دستور السودان الانتقالي لسنة 2005 والتزامات السودان الدولية وفق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب التي تلزم حكومة السودان بمنع الاعتقال التعسفي والتعذيب وإساءة المعاملة.
تم اعتقال بشري قمر في يوم 25 يونيو 2011 من منزل أقاربه في أم درمان . وقد تم تعذيبه في نفس يوم الاعتقال من الساعة التاسعة مساء حتي الساعة الواحدة صباحا ، بان اجبر علي الوقوف علي اخمص قدميه ويديه مرفوعتان الي أعلي ووجهه قبالة الحائط بينما كان يقوم أحد أفراد الأمن بضربه بخطوم مياه علي ظهره وساقيه ، وفي نفس الوقت يستجوبه الضباط عن نشاطه في مجال حقوق الإنسان وتغطيته لانتهاكات حقوق الإنسان في جبال النوبة، أثناء ذلك التعذيب قام أحد رجال الأمن بضربه علي صدره بقبضة يده حتي سقط علي الأرض فاقدا التنفس، كما تعرض بشري الي الإساءة اللفظية حيث قال له احد أفراد جهاز الأمن وهو يضربه بالسوط” انتو العبيد ديل أصلكم ما بتتوبوا، “انت حقك طلقه في راسك” كما تعرض بشري للتحرش الجنسي حيث كان قد افتكر عندما وصل الي مباني الأمن انه لم يقم بقفل سوستة بنطاله وعندما حاول إغلاقها قال له احد أفرادالأمن ” خليها نحن عندنا شغل بيها قدام”.
تحدي جهاز الأمن للقرارات القضائية
في 11 يوليو 2011أحال جهاز الأمن بشري قمر من معتقلاته إلي نيابة امن الدولة، فطلبت النيابة من المحكمة ان تجدد الحبس لبشري لكن في 14 أغسطس وإستادا الي قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 رفض القاضي المختص تجديد الحبس بموجب المادة 79 لعدم وجود بينة تكفي لإبقائه بالحبس فامرت النيابة بإطلاق سراحه بالضمان الشخصي إلا ان رجال الأمن كانوا ينتظرونه باتفاق مع النيابة التي أبقته بعد إكمال إجراءات الضمانة لمدة ثلاث ساعات حتي يأتي رجال الأمن لأخذه الي معتقلات الأمن للمرة الثانية. في تجاوز تام لتقدير القضاء لطبيعة البينات وعدم قانونية حبسه .
وبذلك تم القبض عليه في نفس اليوم 14 أغسطس بواسطة جهاز الأمن وبقي في الاحتجاز حتي تمت إعادته الي نيابة أمن الدولة للمرة الثانية في 21 يناير2012
ومنذ ذلك الحين ظل بشري محتجزا لدي نيابة امن الدولة دون ان توجه له تهمة أو يطلق سراحه بالضمان مما يشكل مخالفة للدستور السوداني وفق نص المادة 29 والتي تنص علي ان “لكل شخص الحق في الحرية والأمان، ولا يجوز إخضاع أحد للقبض أو الحبس، ولا يجوز حرمانه من حريته أو تقييدها إلا لأسباب ووفقاً لإجراءات يحددها القانون”. هذا إضافة الي مخالفة قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 وفق نص المادة 79 والتي لا تجوز تجديد الحبس لأكثر من ثلاث أيام بواسطة النيابة ، مع العلم بان بشري قمر قد اكمل اليوم اكثر من ثلاثة عشر شهرا وثلاث أسابيع دون ان يعرض أمام قاضيه الطبيعي.مؤخرا في 17 يونيو 2012 عرضت النيابة ملف بشري قمرعلي القاضي لتجديد الحبس إلا انه رفض متخذا قراره بان بشري قد استنفذ كل مراحل التجديد ولا مناص من اطلاق سراحه. إلا أن النيابة والأمن رفضا تنفيذ الأمر القضائي وابقيا علي بشري رهن الاعتقال.
احتجاجا علي هذا الإنكار الصريح للعدالة وتحدي الأمر القضائي للمرة الثانية اضرب بشري عن الطعام منذ يوم 20 يونيو علي الرغم من انه يعاني من أمراض مزمنة منها القلب إضافة إلي إصابته أثناء الاعتقال بالقرحة والغضروف من جراء التعذيب حتي تدهورت حالته الصحية إلي درجة أجبرت نيابة امن الدولة إلي إحالته كحالة مستعجلة إلي مستشفي الشرطة. وضد هذه الإجراءات التعسفية قامت أسرة بشري قمر بتنظيم وقفات احتجاجية أمام نيابة امن الدولة استمرت لثلاث أيام طالبوا فيها السلطات السودانية بإعمال العدالة وإنهاء معاناة بشري قمر ووضع حد لفساد الممارسة القضائية والعدلية.
حرمةالاعتقال التعسفي:
صادق السودان علي العهد الولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب التي أصبحت بموجب المادة 27/3 جزء لا يتجزأ من دستور السودان وبالتالي جزء أصيل من القوانين السودانية التي يجب ان يتمتع بها المواطن السوداني حيث تحرم الاحتجاز التعسفي والحرمان من الحرية بلا أساس من القانون.
وقد بلغ فساد الممارسة القضائية في هذه الإجراءات أن امر القاضي المختص في محكمة الخرطوم بتجديد حبس بشري قمر بعد إعادته من جهاز الأمن في 21 يناير 2012 دون الزام النيابة بإحضاره أمامه حسب القانون وبذلك يكون قد تقاضي عن واجبه القانوني والقضائي في الرقابة علي أجهزة تنفيذ القانون وفقا لقانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 ويكون بذلك قد تقاعس عن حماية مواطن يتعرض للاحتجاز والتعذيب وإساءة المعاملة. ان مجرد معاونة القضاء للنيابة وجهاز الأمن في استدامة اعتقال بشري قمر بإجراءات قضائية غير سليمة تكون الجهات القضائية نفسها قد اشتركت في إنكار العدالة ، وبناء علي ذلك تقدمت أسرة بشري قمر ومنظمات دولية عديدة ضمنها المقرر الخاص للأمم المتحدة بشان التعذيب بمناشدات شديدة اللهجة للحكومة السودانية حتي تقوم بإعمال العدالة بشأنه وضمان حقوقه الدستورية والقانونية بأن يأمر القاضي المختص باستخدام سلطاته أسوة بالموقف القضائي السليم السابق الذي اتخذه القاضي المختص في 14 أغسطس 2011 بالامتناع عن تجديد حبس بشري قمر ، والأمربإخلاء سبيله فورا، ولكن مضت كل هذه النداءات دون أن تجد أذنا صاغية.
فما يحدث لبشري قمر يعبر عن حالة متأخرة من حالات إنكار العدالة وفساد الممارسة العدلية من ادني موظف حتي قمة هرم العدالة، فالمحكمة الدستورية علي سبيل المثال ملزمة بموجب قانون المحكمة الدستورية لسنة 2005 ان تفحص مدي قانونية ودستورية اعتقال أي شخص بل ان تصدر أوامر الإحضار لجهات الاعتقال بإحضار المحتجزين أمامها علي الفور للوقوف علي مدي سلامة الإجراءات المتبعة بشأنهم من قبل أجهزة تنفيذ القانون والوقوف علي حالتهم الصحية وطبيعة الاعتقال لضمان سلامتهم من التعذيب وإساءة المعاملة والحبس بلا أساس من القانون، وقد تمت مناشدتهابإعمال سلطاتها القانونية والدستورية وبموجب العدالة والوجدان السليم ان تنظر في أمر اعتقال بشري قمر وان تنظر في دستورية اعتقاله وفق لسلطاتها وواجبها في حماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين ولا حياة لمن تنادي.
سيظل بشرى قمر يمثل نموذجا حيا وحجة لكل متشكك في ظلم وطغيان النظام وبعده عن كل أخلاقيات الدين والقيم والإنسانية”
إننا ندعو المجتمع الدولي وكل مقرري الأمم المتحدة بشان التعذيب والاحتجاز التعسفي وكل الناشطين والمنظمات الإنسانية والحقوقية ومفوضية حقوق الإنسان والإعلاميين الأحرار والكتاب والناشطين وأصدقاء الإنسانية، نناشدهم جميعا بمواصلة العمل والضغط على النظام العنصري في الخرطوم لأجل إطلاق سراح الناشط بشرى قمر صاحب التاريخ المعروف في الدفاع عن حقوق الإنسان.