النقاء الطبقي في الجيش والتنمية غيرالشاملة هما سببان في عدم الاستقرار في افريقيا

النقاء الطبقي في الجيش والتنمية  غيرالشاملة  هما  سببان في عدم الاستقرار في افريقيا
عبدالله ادريس حنظل
باحث بمركز السودان المعاصر للدرسات والانماء

  يحتل الجيش باعتباره مؤسسة اجتماعية مركزا متميزا  بين معظم  المؤسسات الاجتماعية  الاخري في الدولة  , ولا سيما في دول العالم الثالث و ومنها دول افريقيا . وذلك لان الجيش مؤسسة لها سمات  وخصائص

 قد لا تتوفر من حيث طبيعتها  في اية مؤسسة  من مؤسسات الدولة  ومن هذه السمات والخصائص :

 ان الجيش يتميز باحترام النظام  العام  والتقيد بالانضباط العالي, ويشكل النظام والانضباط  سمتين من ابرز سمات المؤسسة العسكرية , ومن اهم عناصر وقوتها ونجاحها يتميز الجيش بالتراتبية الهرمية بشكل صارم , فالتسلسل الهرمي طبقا للمراتب , هوالذي ينظم  العلاقات بين افراد المؤسسة العسكرية , وفي هذا الاطار يكون للرئيس حق مطلق في التوجيه الاوامر والتعليمات   وعلي المرؤوس الطاعة والتنفيذ

يعد الجيش المؤسسة الاولي المعينة  بالدفاع عن الجماعة الوطنية  اي الدولة ضد اي تهديد خارجي , يستهدف وجودها اوهويتها ومن هنا, فانه يعتبر من اهم المؤسسات في المجتمع. وذلك كونه  المؤسسة الحكومية  التي تمتلك  قدرات وتنظيم اكثر من غيرها  من اي   مؤسسة  من حيث الوحدة التنظيمية  والقوة  واالاستمرارية  مما يوفر لها مؤهلات  وخبرات تفتقر اليها كثير  من المؤسسات الاخري اي لم توجد في جميع مؤسسات الدولة  ومن هنا اصبح الجيش , ولاسيما  في العديد من الاقطار الافريقية المنظمة الفعلية الوحيدة  بسلاحها  وتنظيمها  وضوابطها العسكرية والانضباطية  المتواجدة علي الساحة , والقادرة علي الحسم الصراعات دائما 

وتاتي اهمية الجيش كمؤسسة اجتماعية  قياسا بغيرها من المؤسسات  الاخري في افريقيا ,  انها  النخبة  الافضلية  لان تضمن لافرادها المكانة  السياسية   والاقتصادية بفعل الانقلابات العسكرية  والمرتبات العالية التي دفع لهم الدولة  لم تتوفر في المؤسسات الدولة الاخري

 ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌. وذلك لان الجيش مؤسسة لها سمات  وخصائص  محددة , لان تتمتع بالخصائص لم تكون موجودة في اي مؤسسة من مؤسسات الدولة , وذلك    كونها  مؤسسة تقوم  علي اسس ادارية  راقية ومتقدمة , عالية  الكفاءة ,  بسسبب من طبيعة تنظيمها  وتدريبها ومكانتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فحتي في البلدان  الاكثر تخلفا علي الصعيد الاجتماعي  والاقتصادي والسياسي و ينظر الضابط  طبيعة  عملهم  الى التعرف علي التقدم التقني  في البلدان المتقدمة , ويهتمون  باضفاء  الصيغة العصرية علي الجيش , لذلك فان فئة الضباط في هذه تحس  وبصورة  متميزة  , بمدي الهوة  التي تفصل بين احتياجات التنمية الاجتماعية  وبين الوضع القائم  لان الجيش لابد ان تكون  بطبيعة تكوينه وطريقه عمله مواكبة  الي حد ماعلي  الاقل المقايس الحديثة المتبعة  في الجيوش المتقدمة, وان يكون علي بيئة متواصلة  ومتفاعلة  مع العلوم العسكرية  والتقنيات الحربية . الذي تؤهلها  لحسم اي الصراع .

 ومن هنا , فان النخبة العسكرية في هذه البلدان  تعتبر من احدث الفئات النخبة الاجتماعية  والاهمية, بعد نخب الادارين والمتعليمن  والتجار وغيرهم من النخبات الافريقية  التي ظهرت وتشكلت بعد الاستقلال, وان كان لها حضور نسبي  ايضا قبل الاستقلال  ومما يعطي لابناء هذه المؤسسة الحكومية التي تمتلك اكثر من غيرهاالوحدة التنظيمية

وتاتي اهمية الجيش كمؤسسة اجتماعية  قياسا بغيرها من المؤسسات النخبة  افضلية علي غيرهم  من النخبات  , تميزاعضاءها  بالتماسك  والقوة  ويضاف الي ذلك  ايضا  درجة التعلم التي يتمتعون بها قياسا  بغيرهم من النخبات  الجماعة الوطنية   التي توفر لهم الدولة باعتبارهم شريحة  مهمة من اي شريحة في المجتمع , وهذا مايجعل منهم, وفي كثير من البلدان  القوة الوحيدة  المنظمة  لكل الطبقة  الوسطي.

وفي ضوء ذلك, يمكن القول ان هذه السمات التي تميز مؤسسة الجيش في كل دول العالم  بشكل  عام , وبلدان العالم  التالث  بشكل خاص  قد اعطيت  لهذه المؤسسة  دورا متميزا في حياة مجتمعاتها, وحظيت  بمكانة بارزة  تفوق مكانة  اي مؤسسة اخري  وياخذ هذا الدور ابعادا  اضافية علي صعيد القارة الاقريقية , لاسيما اذا علمنا, ان الجيش  في كثير من بلدانها  كان  هو  المؤسسة  التي الت اليها امور الحكم  في اعقاب الاستقلال , وهكذا كان العسكريون يتولون مسؤولية الحكم  فضلا عن المسؤولية التحول, واكتمال بناء  هذا الدور دفع بالعسكرين  الي ضرورة تنمية مؤسستهم العسكرية , وذلك  بزيادة الميزانية  اللازمة لتسليح وبناء جيش عصري مغاير للجيش التقليدي

 وهكذا اصبح الجيش المؤسسة المركزية للمجتمع  في كثير من البلدان الافريقية ,لاسيما  بعد ان تم تهميش كثير من شرائح المجتمع , وخاصة القاعدة  الزراعية  اي الفلاحية , رغم انها اكبر شريحة  اجتماعية  في افريقيا, علاوة علي اضعاف او تحجيم دور بقية المؤسسات.

 ومن هنا ,فان الجيش اصبح في وضع من ان يلعب ادوارا عدة في حياة الجماعية الوطنية , وبهذا الصدد,يكشف  لنا عالم الاجتماع بوتومور الدور الذي تلعبه جماعة  ضباط الجيش الصفوة العسكرية في المجتمات النامية , وبين ان دور هذه الجماعة تفوق  تاثير المثقفين  او القادة السياسين  وفي بعض الاقطار  وان المجتمعات المستقلة  حديثا  والتي لا تزال فيها النظم السياسية في دور  التشكيل ,والسلطة السياسية  غير مستقرة , يكون  لاولئك  الذين يسيطرون  علي قوي القهرالعليا , فرصة القيام  بدور هام في تحديد  مستقبل الامة .

 ونبين الادوار العديدة  التي تقوم  بها الجيش في البلدان الافريقية  ,او غيرها , يكن  ان نشير الي دوره , في حماية السيادة الوطنية , وتيسير فرص الحراك الاجتماعي,وغيرها من الادوار, التي تختلف باختلاف الزمان والمكان  بيد  ان ما يهمنا  , من هذه الادوار , وغيرها , هو ذلك الدور الخاص ببناء الوحدة الوطنية , وتحقيق التلاحم بين اعضاء الجماعة الوطنية , كمقدمة اساسية  لابد منها, علي طريق بناء ا لدولة العصرية في افريقيا  ومن هنا, ان كثير من من علماء الاجتماع  والباحثين  المختصين  ,يشيرون الي ان بمقدور الجيش ان يلعب دور قوة الاندماج  في المجتمع الافريقي ,ذلك  لان الوحدة الوطنية  بنظر البعض منهم  انما بحاجة الي مؤسسة وطنية قادرة , يمكنها ان تكون اداة  هذه الوحدة , ادماج   الافراد ذوي الاصول والانتماءات والقبلية والدينة والعشائرية

  يمكن الانتماءات القبلية والدينية  في بوتقة واحدة  لاسيما في ظل تبني ثقافة سياسية واحدة  ,وذلك بحكم الجيش مؤسسة اجتماعية , تستطيع في حالة قيامها علي اسس وطنية جامعة ,  ان تعيد افراده  الذين يدخلونها بقصد بناء حياتهم  ومستقبلهم  فيها باستمرار  , لهذا فهي , في طليعة  المؤسسات التي تخلق الشعور بالمواطنة  وهي قناة صالحة للحراك الاجتماعي , اذ تتيح لافراده فرص الترقي من اسفل الي اعلي علي اساس العمل والكفاءة وفي ضوء ما تقدم يمكن القول , ان الجيش في حالة قيامه  علي اسس وطنية سليمة   , من جانب , وعلي معيار الكفاءة والاخلاص والنزاهة من جانب اخر, بمعني عدم اقتصاره علي منطقة  دون اخري اوقبيلة اوطائفة  دون اخري ,  فانه سيكون اداة  اجتماعية فعالة لاندماج  مختلف شرائح  المجتمع , ويكون نواة فعالة في تحقيق الوحدة الوطنية ,لاسيما في الدول التي تتسم بالتعددية الاثنية والثقافة . اي انه سوف تقوم علي اسس تتجاوز الولاءات الفرعية, الي صيغة الولاء الرئيسي , اي الولاء للدولة والجماعة الوطنية . بخلاف ما اذا قام علي اسس استبعادية , بمعني  قيامة  علي جماعة اثنية  دون غيرها  , او محاباة  اقلية معينة علي حساب او العكس, فانه سيكون عند ذلك  علي طرفي نقيض مع بناء الوحدة الوطنية السليمة

 وفي هذا الصدد يمكن ان نشير الي بعض الجيوش الافريقية  التي قامت علي اسس اثنية , بمعني تقريب او محاباة قبيلة معينة اوطائفة  معينة  اوابناء منطقة معينة , علي حساب غيرهم من ةاعضاء الجماعة  سكان الدولة الاخرين, التي ادت الي نتائج سلبية , علي صعيد الوحدة الوطنية  ام علي صعيد  الاستقرار السياسي ام غير ذلك  ومن هذه الجيوش  الذي قامت  علي اعتبارات اثنية  مثل  السودان و نيجيريا والكونغو وكثير من الدول الافريقية  في بداية عهد الاستقلال وحتي هذا اليوم موجودة في كثيرمن الدول وهذا  من ضمن اسباب عدم استقرار الدول الافريقية          

 يمكن القول ان تطور مهام  المؤسسة العسكرية في العصر الحديث واتساع قد جعلا من الصعب حصر الجيش في اصول  عرقية وطبقية محددة , واصبح الجيش  مؤسسة تضم في صفوفها  منتسبين ينتمون الي مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية , ومن  ثم يكون النقاء الطبقي داخل الجيش فكرة غيرة واقعية  مثل التنمية غير المتوازنة و النقاء الطبقي في الجيش والتنمية غير الشاملة تؤدي الي عدم استقرار في اي دولة لم تراعي ذلك.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *