بقلم: سلمى التجاني
أثارت عودة سودانيات من صفوف تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) بليبيا، في بداية هذا الشهر، علامات إستفهام حول الدور الحقيقي الذي يقوم به النظام الحاكم بالخرطوم فيما يتعلق بالإرهاب، أهو محاربة أم استثمار.
فمن المعلوم أن الحرب على الإرهاب كانت هي مدخل النظام لفك الحصار السياسي والأقتصادي الأمريكي عنه ، والذي فُرِض بقراراتٍ من الكونغرس الأمريكي ومجلس الأمن الدولي. كانت بدايات التعاون منذ العام 2005 م عن طريق مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق صلاح قوش في عهده الأول بالجهاز. وقتها نقلت صحيفة لوس انجلوس عن مسؤول في إدارة المخابرات الأمريكية قوله بأن المعلومات التي وفرتها المخابرات السودانية لنظيرتها الأمريكية كانت مهمة وعملية.
قوش نفسه يعلم أهمية ملف الإرهاب لدى الإدارة الأمريكية لذلك جاءت تصريحاته، في حوارٍ مع صحيفة الإنتباهة، مؤكدة لضرورة الإصطفاف خلف أمريكا لمحاربة الإرهاب، إذ يرى أن التعامل معها يجب أن يكون بمخاطبة هواجسها. ونقلت عنه صحيفة الرياض السعودية بعد إعادة تعيينه قوله ( لن نسمح لأي كائن كان، مهما كانت توجهاته الثقافية والدينية، ليكون أداةً لزعزعة أمن الآخرين) في إشارةٍ للجماعات الإرهابية التي بات السودان يُتهم بأنه معبرها لليبيا.
توارد الحديث وعلى مدى سنوات، في إفادات المعتقلين السياسيين السودانيين، عن وجود أجانب ذوي علاقة بالجماعات الإسلامية المتشددة، في معتقلات جهاز الأمن، وفي العامين 2015 و 2016 طالبت وكالتا التحقيقات البلجيكية والهندية السلطات السودانية، بتسليم مواطنَيها اللذين يُرجح إعتقالهما بالخرطوم في طريقهما للإنضمام لداعش بليبيا، تم ترحيل المواطن الهندي محمد ناصر باكر لموطنه، ولم تتوفر معلومات عن مصير البلجيكي.
بالنسبة للسودانيين في صفوف داعش من الجنسين، والذين يقدَّر عددهم ، وفق إحصاءت غير رسمية ، بمئاتيْ شخص، فإن أخبار قتلهم في ليبيا وسوريا لم توقف إنضمام المزيد من السودانيين الشباب، وبرغم وجود إدارة تسمى مجلس الرعاية والتحصين الفكري، تتبع لجهاز الأمن ، فإن (المستتابين) من أعضاء داعش، وبعد أن يقضوا فترات في معتقلات الجهاز، يخضعون خلالها لمراجعات فكرية، يعود بعضهم للقتال بليبيا.
هل الحكومة السودانية ممثلة في أجهزتها المختصة بالتعامل مع المتشددين السودانيين، جادةً في إثنائهم عن إعتناق هذه الأفكار الهدامة ؟ هل تتعامل معهم بالحزم الذي يتناسب مع جرمهم. هم أعضاء في جماعة تسعى لإقامة دولة خلافة إسلامية، ولا تتورع في سبيل ذلك من القتل والإغتصاب والإسترقاق، وتطبيق قوانين القرون الوسطى في المناطق التي تسيطر عليها، ما يجعلها مهدد للأمن العالمي، ولأمن واستقرار السودان نفسه. فوفقاً لخبراء في مكافحة الإرهاب، فإن داعش اتجهت في خطتها لإقامة دولة الخلافة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، لتضم السودان ومصر وتركياوالمغرب العربي .
إذن لماذا تتساهل الحكومة في التعامل مع المتشددين العائدين، ولا تقدمهم حتى لمحاكمات، ألا يوجد قانون يحاكم هؤلاء، لماذا لم تتم محاكمتهم فور عودتهم، هل يقصد النظام الإستثمار في ملف الإرهاب فيكون العائدون هم بضاعتها لتحقيق ذلك، هل تريد أن تمسك بالمزيد من الخيوط في هذا الصدد فتقايض بها الغرب لتحقيق مصالح للنظام.
ثم لماذا يحرص النظام على إعادة المتشددين المقاتلين في صفوف داعش، المئات من السودانيين يموتون في أصقاع الأرض في سجون دولٍ أخرى، وفي شوارعها، بل يموت السودانيون داخل السودان بالجوع والسرطان والفشل الكلوي وغيرها من الأسباب التي تقود إلى القبر، والنظام لا يبالي .
تعاطي النظام مع ملف الإرهاب يشير إلى مصلحته في الإستثمار به وفيه، فهو قضيةٌ عنده لا تعدو أن تكون سوق عالمي جديد قديم، يدخله ببضاعة أشبه بالمحاصيل، يزرعها ويرعاها ثم يستحلب منها ما أراد، ليظل تاجراً لا يمكن تجاوزه.