النظام السوداني يتملص من الحوار الوطني قبل انطلاقته
حكومة البشير تصر على توزيع القضايا المصيرية على أكثر من منبر ووسيط، وقطر متمسكة بملف دارفور.
العرب [العدد: 9685، ص(4)]
الخرطوم- تتوالى التصريحات من طرف مسؤولي وقيادات النظام السوداني، لتكشف عن عدم جدية النظام في التعاطي مع الحوار الوطني المتوقع انطلاقته في أديس أبابا خلال شهرين على أقصى تقدير.
أعلن مساعد الرئيس السوداني ونائب رئيس المؤتمر الوطني الحاكم، إبراهيم غندور، رفض الحكومة القاطع لإجراء مشاورات مع قادة المعارضة خارج السودان، في التفاف جديد على التوافقات التي تمت خلال الأسابيع القليلة الماضية برعاية الوسيط الأممي ثابو إمبيكي.
وجاء هذا الموقف المتصلب من الطرف الحكومي في وقت رحبت فيه المجموعة الدولية بالخطوات التي تم إحرازها للوصول إلى توافق بشأن لم شمل المعارضة بشقيها العسكري والسياسي على طاولة حوار واحدة مع النظام.
وقال غندور”لا تفاوض ولا حوار خارج الخرطوم”، واصفا خطوة الحوار خارج حدود السودان بـ”المعيبة” وتنتقص من مساعي الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس عمر البشير في يناير الماضي.
وتساءل مساعد الرئيس السوداني “كيف لنا أن نحترم أنفسنا ونحن نخرج لنحاور بالخارج ورئيسنا هو من أطلق النداء للحوار؟”.
وتشدد المعارضة السودانية وتحديدا الجبهة الثورية المسلحة وحزب الأمة على ضرورة إقامة اللقاءات التمهيدية للحوار خارج البلاد، برعاية أفريقية وأممية، خشية مناورات النظام، بالنظر إلى تجاربهما السابقة معه.
وجدد نائب رئيس المؤتمر الوطني الحاكم، في خطابه الذي ألقاه بولاية نهر النيل، التأكيد على رفض الحكومة كذلك الوقف المؤقت للعدائيات، مشيرا إلى أن حزبه قدم الأفضل لوقف الاقتتال من خلال دعوته إلى وقف فوري لإطلاق نار دائم.
وكان رئيس الجبهة الثورية مالك عقار أعلن عقب توقيعه إعلان باريس مع زعيم حزب الأمة الصادق المهدي الاستعداد لوقف الاقتتال من طرف واحد لشهرين، وعزا عقار رفض الجبهة القبول بوقف دائم لإطلاق النار إلى عدم وجود ضمانات لتحقيق ذلك.
كما وجه غندور خلال اجتماعه انتقادات شديدة اللهجة إلى المعارضة قائلا “إن مطالبة بعض المعارضين بتشكيل حكومة قومية وتفكيك حزب المؤتمر الوطني من خلال الحوار تعود إلى أن البعض استمرأ الفترات الانتقالية ويريد للوطن الانتقال المستمر”.
وتطالب المعارضة بضرورة التوافق في الحوار الوطني المزمع إجراؤه الشهر المقبل في العاصمة الإثوبية أديس أبابا على إرساء حكومة قومية تقود المرحلة الانتقالية إلى حين إجراء انتخابات عامة، وأن من دون ذلك “تنتفي أهداف الحوار ويصبح لا معنى له”.
وفي سياق تهرب النظام من التزام كامل بالحوار، أكد مسؤولون آخرون في الحزب الحاكم رفض الحكومة المطلق الاعتراف بالجبهة الثورية التي تضم في صفوفها تشكيلات مسلحة تقاتل القوات النظامية في كل من دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.
وتعد الجبهة الثورية أحد الأطراف الرئيسة المنتظر أن تشارك في الحوار، وذلك بعد حصول الوسيط الأفريقي ثابو امبيكي على موافقة كتابية من قيادتها حول مشاركتها، شريطة انعقاد الحوار خارج الخرطوم، وهو ما رحب به النظام مبدئيا، ليتراجع عن ذلك عبر تصريحات غندور.
ويتساءل البعض عن كيفية قبول النظام بإجراء حوار سيحدد مصير البلاد ونظام حكمها المستقبلي مع طرف يرفض أساسا الاعتراف به؟.
نقطة أخرى والتي يراها المتابعون الأكثر أهمية والتي تكشف نوايا النظام الحقيقية هي رفضه دمج منبر الدوحة المخصص للمفاوضات بين الحكومة ومسلحي دارفور بمنبر أديس أبابا المخصص للنظر في حل لمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
وفي هذا السياق قال المتحدث باسم المؤتمر الوطني ياسر يوسف في وقت سابق إن الحكومة متمسكة بمفاوضة مسلحي دارفور في منبر الدوحة على نحو منفصل عن منبر أديس أبابا المخصص للتفاوض مع الحركة الشعبية على وضعية المنطقتين.
يذكر أن الممثل الخاص المشترك لبعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بدارفور (يوناميد)، محمد بن شمباس، أوصى، خلال اجتماعه الأسبوع الماضي بمجلس السلم والأمن التابع للاِتحاد الأفريقي بإدماج جهود الوساطة الخاصة بدارفور والسودان في آلية واحدة تحت قيادة ثابو امبيكي، الذي يرأس فريق الاتحاد الأفريقي رفيع المستوى للوساطة في الملف السوداني الخاص بالنزاع على منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.وأن تكون أديس أبابا هي المظلة المستقبلية لجهود عملية السلام في السودان.
ويعزو المحللون رفض الحكومة المستجد لدمج منبر أديس أبابا بمنبر الدوحة إلى رفض قطر لذلك وإعرابها عن استيائها من هذه الخطوة خاصة وأنها تسعى لأن تكون لها اليد الطولى في الوساطة بين النظام ومناوئيه.
وكانت قطر أبلغت، مؤخرا، السلطة الإقليمية لدارفور تحفظها على محاولات نقل “منبر الدوحة” للسلام في دارفور، إلى أديس أبابا، موضحة أن ما أثير على لسان المتحدث باسم بعثة “اليوناميد” بشأن موافقة قطر على نقل ملف التفاوض مع الحركات المسلحة من الدوحة إلى أديس أبابا غير صحيح.
كما استنكرت الدوحة تحديد أمبيكي، دون العودة إليها، لموعد استئناف المفاوضات بين الحكومة ومتمردي الحركة الشعبية، والذي سيكون في 12 أكتوبر على أن يلي ذلك بدء التفاوض مع الحركات المسلحة بدارفور في 15 أكتوبر للتوصل إلى وقف للاقتتال يمهد الطريق لحوار شامل.
ويرى المحللون أن اللاءات التي رفعها غندور ومسؤولون في الحزب الحاكم، تعكس عدم جدية النظام في السير في الحوار الذي كان هو الداعي له منذ البداية، ذلك أن انقلابه على إجراء الحوار في الخارج ورفضه الاعتراف بالجبهة الثورية، فضلا عن تمسكه بتجزئة القضايا السودانية على منابر متعددة، كل ذلك يؤشر على أن النظام عازم على السير في طريق إلهاء المعارضة إلى حين بلوغ موعد الانتخابات العامة المحددة في مارس المقبل.
ويعتبر المتابعون أن مناورات النظام هذه ستكون لها ارتدادات سلبية على الصعيد المحلي والدولي، ذلك أن اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي، الجمعة الماضي، شدد على ضرورة بدء الحوار في أقرب وقت في العاصمة أديس أبابا، وليس بالداخل كما يصر النظام.
من جهة ثانية أكدت الترويكا الدولية (الولايات المتحدة الأميركية والنرويج وبريطانيا) دعمها لوجود وساطة تسهل حل الصراع وعملية الحوار الوطني «معا»، تحت رعاية ثامبو أمبيكي، وهو ما يتنافى ورغبة الحكومة في الإبقاء على تعدد الوسطاء.