خضرعطا المنان
[email protected]
أدخل المؤتمر الوطني الحاكم في السودان البلاد في ملهاة سياسية ووضع عبثي مرتبك وفوضى بلا حدود من أبرز ملامحها انسداد الافق السياسي وانعدام الحريات وتوالي الازمات على كافة الاصعدة ومكابرة النظام واصراره على انه الممثل الشرعي والوحيد لارادة الشعب السوداني على اختلاف مشاربه وتأكيده – لا بل اصراره الدائم – على ضرورة تطبيق الشريعة الاسلامية رغم ما جلبه على نفسه وعلى العباد والبلاد مثل هذا التوجه من ويلات كشفت عن عوار واضح في التطبيق والممارسة في بلد متعدد الاعراق والثقافات والديانات وأن غالبية شعبه هم مسلمون بالفطرة مع وجود اقليات لاتدين بالاسلام أصلا ولكنها شريكة في الوطن .
كما أن النظام ما انفك يردد صباح مساء بأنه يتمتع بشعبية واسعة تؤهله لأن يقود البلاد الى بر الامان المفقود منذ سنوات طوال خاصة وانه قد نجح في تمييع قضية دارفور التي تعتبر ام القضايا في هذا البلد المنكوب وهي الازمة التي قادت رأس النظام الى الانضمام لأكثر من خمسين من قادته الاخرين مطلوبين للعدالة الدولية لانتهاكات فاضحة في الاقليم ترقى لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وحتى الابادة الجماعية وهي تهم يظن اهل النظام انها ربما تسقط بالتقادم أو تأتى معجزة تؤدي بالمجتمع الدولي لنسيانها أو التغاضي عنها وفي وقت لا تزال فيه النيران مشتعلة والحروب دائرة في عدة مناطق بكل من النيل الازرق وكردفان وجبال النوبة فضلا عن تململ في الوسط والشرق والشمال وبركان لم يخمد بعد بالمناطق المتاخمة لجنوب السودان رغم الانفصال الذي جاء نتيجة طبيعية لسياسات خرقاء مارسها المؤتمر الوطني بحق الاخوة الجنوبيين .
وهناك ( اكليشيهات ) اضحت عنوانا يوميا ثابتا لتصريحات قادة النظام على اختلاف مستوياتهم الوظيفية وصحفهم ولقاءتهم وهي دعوة الاحزاب السياسية جميعا للمشاركة في وضع دستور دائم ومطالبة الحركات المسلحة الدارفورية وخلافها الى وضع السلاح جانبا والانخراط في السلام دون ان يؤسس او يهيئ لمثل هذا التوجه مما جعل تلك الحركات ترفض مبدأ الحوار مع نظام لا عهد له ولا ميثاق .. كما أن النظام ظل يصدع رؤوس المتابعين من أنه يقود حكومة وطنية عريضة تضم عددا معتبرا من الاحزاب وتحظى بتأييد لا حدود له في الشارع وهذا محض افتراء لا يصدقه الواقع وانما هي اكذوبة بلغاء يعيش النظام عليها دافنا رأسه في الرمال ظنا منه ان الآخرين لا يرون ولا يسمعون ولا يتابعون .. فالنظام يعيش عزلة داخلية الا من افراد ينتمون لبقايا احزاب صدئة وجيش جرار من النفعيين وأصحاب المصالح الخاصة وذلك ما عكسته التحركات الشعبية الغاضبة التي انطلقت في 16 يونيو من العام المنصرم حينما انبرت شريحة واسعة من الشباب والطلاب لتشكل رأس الرمح في تحركات اقضت مضاجع النظام وأقلقت منامه بصورة ادخلته في هستيريا دفعت به لاستخدام كل وسائل البطش والاعتقالات التعسفية بحق هؤلاء الشباب الذين وجدوا تجاوبا كبيرا من قبل عدد مقدر من كافة افراد الشعب في ظاهرة كشفت عن مدى الاحتقان والتذمر من سياسات حمقاء ظل يتبعها النظام على مدى نحو ربع قرن من الزمان دون أن تلوح في الافق بوادر انفراج حقيقي لازمات متلاحقة عصفت بوحدة السودان وامنه واستقراره . وكانت تلك الجموع التي خرجت للتعبير عن استيائها المتزايد وضيقها بمآلات الاوضاع في ظل حكم الاسلامويين تبحث عن وطن مختطف يقوم على حكم القانون وتسوده العدالة ويحكمه دستور دائم يرتضيه الجميع دون فرض وصاية من أحد .
أما عن المعارضة السودانية فحدث ولا حرج .. معارضة هي اليوم أحوج ما تكون لتوحيد صفها ورؤاها وتصحيح أوضاعها التي لا تسر بعد ان نجح النظام في تفتيت عضدها وبعثرت أوراقها وجعل منها موضع سخرية واستهزاء من قبل جلاوزته ( نافع مثالا ) الذين ما فتئؤوا يراهنون على وضعها الذي لن ينصلح أبدا .
وما بين نظام اخطبوطي متشبث بالكرسي ومتدثر بالاسلام زورا وبهتانا ومعارضة متخبطة يظل السودان يتآكل يوما بعد يوم ويسير نحو هاوية عميقة القرار ربما تبتلعه للابد وشعب ألهته سبل العيش عن مجرد التفكير في مثل هذا المصير الأسود وأعمته الملهاة السائدة وعبثية المشهد عن وقف التدهور المريع التي يلف كافة مناحي الحياة بعد أن داست ممارسات النظام على كل القيم المتوارثة اجتماعيا واخلاقيا ومثل طالما تغنى بها الشعب السوداني وكانت عنوانه التي سهل عليه الدخول لقلوب وأفئدة الملايين من شعوب الارض التي توزع على رقاعها المختلفة أفراد وجماعات فاق عددهم الثمانية مليون نسمة ( أي ربع سكان ما تبقى من السودان ) .
وسط كل هذا الكم المتراكم من الازمات المتلاحقة وسريالية المشهد الذي يصعب التي التهكن بما يمكن أن بفضي اليه في مقبل الايام جاء ميثاق كمبالا أو مابات يعرف بـ ( ميثاق الفجر الجديد ) الذي وقعته فصائل معارضة بالعاصمة اليوغندية يوم الرابع من يناير المنصرم .. وهو ما سيكون موضوعنا في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى يعقبه حديث عن الضرورة الملحة والعاجلة لقيام فضائية سودانية معارضة لفضح نظام طالما جعل من الكذب منهجا.