بسم الله الرحمن الرحيم
المفوضية القومية لحقوق الإنسان
علي أبو زيد علي
إزداد الاهتمام العالمي بقضايا حقوق الإنسان فقد شهد مطلع هذه الألفية تطورات متلاحقة في تشريع القوانين وتفعيل محاور القانون الدولي الإنساني على المستوى الدولي والقطري في عدد من دول العالم .
إن الاهتمام المتزايد بقضايا حقوق الإنسان والحماية والحريات على مستوى المجتمع الدولي تمثل في ترفيع اللجنة الدولية لحقوق الإنسان التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة ترفيع هذه اللجنة إلى مجلس مختص بحقوق الإنسان يقوم بعقد اجتماعات دورية بلغ عددها في العام ثلاثة دورات وتحظى باهتمام الدول الأعضاء لحساسية الموضوعات التي تتناولها دورات المجلس والتي تصل إلى التأثير المباشر على أوضاع وعلاقات عدد من الدول مع المجتمع الدولي وربما تتعرض للعقوبات الدولية كما حدث في بعض من دول آسيا وأفريقيا.
دأب المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على العمل في اتجاهين من خلال الرصد والرقابة والابتعاث للمقررين إلى الدول المأزومة وهو مجال رحب ناتج عن الأوضاع الإنسانية التي أفرزتها الصراعات الأهلية والحروب الإقليمية في عدد من الدول وأقاليم العالم ومن جانب آخر فإن المجلس من خلال الآليات الوطنية في الدول الأعضاء والآليات الأممية ظل يرصد ويراقب قضايا الحماية الحريات والحكم الراشد وحقوق الفئات المستضعفة في المجتمع على مستوى العالم ودأب المقررين في الاجتماعات الخاصة بالمجلس من خلال رصد الآليات الوطنية والأممية إلى تقديم كشف عن حالة وتطور حقوق الإنسان في عدد من دول العالم ومدى التقدم الذي أحرزته الدول في مجالات الحماية والحقوق من خلال التشريعات والقوانين والدساتير التي تحمي الحريات والحقوق.
إزاء الاهتمام العالمي ونتيجة لتوجهات السودان نحو تحقيق السلام السياسي والاجتماعي عقب حروب أهلية في جنوب السودان امتدت لحوالي خمسين عام واضطرابات أهلية في غرب وشرق السودان فقد نشأت عدد من المؤسسات الوطنية والشعبية ممثلة في المنظمات الطوعية الإنسانية المعنية بالحماية والعون المدني والقانوني تعمل في مضمار حقوق الإنسان في السودان ، أيضاً فإن الحكومات في الفترة الأخيرة نتيجة للأحداث التي ذكرناها سابقاً قامت بتطوير آليات الحماية والحقوق من اختصاصي تابع لديوان النائب العام بوزارة العدل إلى تكوين مجلس استشاري لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ولها مهام واسعة من بينها نشر الوعي بالقوانين التي تكفل الحماية للمواطنين والتي تتوافق والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان .
عقب اتفاقية نيفاشا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان التي تمثل الجنوب جاءت بين استحقاقات اتفاقية السلام الشامل تكوين مفوضية قومية لحقوق الإنسان ومن بين المحاور التي حاصصتها الحكومة ممثلة في المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان فإن مفوضية حقوق الإنسان شكلت إحدى أكبر الإنجازات لمنظمات المجتمع المدني الحقوقية لتأثير المفوضية بالحكم الراشد وسيادة القانون وحماية الدستور وكفالة الحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال مفوضية مستقلة وفعالة وقوانين متفق عليها من كل القوى السياسية والاجتماعية وتتوافق مع المواثيق الدولية المعنية بالحريات والحماية وحقوق الإنسان.
إن أهمية قيام هذه المفوضية ترتبط ارتباطاً قوياً بالتحول الديمقراطي فإن تعزيز المشاركة السياسية ووجود نظام قانوني يضمن صيانة الحريات وسيادة القانون واستقلال القضاء والمواطنة المتساوية والتعبير عن الآراء ورفع كفاءة الخدمة المدنية والحركة الاقتصادية فإن موضوعات حقوق الإنسان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنمية في محاورها الإنسانية والاجتماعية والبشرية .
إن التوجه نحو قيام المفوضية القومية لحقوق الإنسان وجعلها واقعاً معاشاً بعد أن تمت إجازة القانون الخاص بها وتمت مصادقة السيد رئيس الجمهورية على القانون في 31 مايو 2005م فإن إكمال إنشاء المفوضية سيساهم بفعالية في وضع حد لكثير من الظواهر السالبة والعلاقة بين الحكومات والمحكومين وتعزيز القيم والمعرفة على الصعيدين الرسمي والشعبي كما أن الالتزام بحماية واحترام حقوق الإنسان سيؤدي إلى إزالة كثير من أشكال الاحتقان السياسي الجهوي السائدة في السودان ودعم السلام الاجتماعي في مناطق الأزمات .
إن فعالية المفوضية القومية لحقوق الإنسان ومدى استجابتها لتطلعات منظمات المجتمع المدني وتحقيق رغبة الشريكين الموقعين على اتفاقية السلام الشامل في تحقيق استقرار سياسي واجتماعي والأخذ بأسباب التنمية والتقدم وطي صفحات النزاعات الأهلية والتخلص من وطأة التدخلات الأجنبية والإدانات الأممية يتوقف ليس على البناء الهيكلي للمفوضية ولكن على علاقة عضوية المفوضية من الكوادر القانونية والإنسانية المتمرسة وحيادها وشفافيتها في أداء المهام الخاصة بالمفوضية وهذا يتطلب دقة اختيار القائمين على أمرها .
ونواصل الأسبوع القادم بمشيئة الله
ولله الحمد
[email protected]