بعد مضي أسبوع من الاحتجاجات الطلابية.. اتجاه لإغلاق الجامعات وتمديد عطلة المدارس في الخرطوم
لندن: إمام محمد إمام ومصطفى سري
انضم محامون سودانيون أمس إلى حركة الاحتجاجات المتزايدة ضد ارتفاع الأسعار ورفع الدعم من المحروقات التي أجازها البرلمان رسميا أمس. وحسب وكالة الصحافة الفرنسية فقد خرج المحامون إلى الشوارع القريبة من محكمة العبيد، عاصمة ولاية شمال كردفان، حيث اعتقل بعضهم بحسب الشهود.
ودخلت المظاهرات الاحتجاجية في السودان أسبوعها الثاني، ووصفت مظاهرات أمس بأنها الأعنف في ساحة جامعة الخرطوم التي يتوقع أن يتم إغلاقها في أي وقت. إلى ذلك كشف حزب الأمة المعارض عن طلب قدمه جهاز الأمن والمخابرات السوداني بأن يوقف الحزب الندوات التي يعقدها في مقره بأم درمان. وجاء القرار بعد اندلاع مظاهرات الاحتجاج التي تشهدها الخرطوم ومدن أخرى طيلة الأسبوع الماضي بسبب رفع الحكومة الدعم عن الوقود.
وقال الأمين العام للحزب الدكتور إبراهيم الأمين لـ«الشرق الأوسط» إن مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني في مدينة أم درمان الكبرى قد أبلغه بأن يوقف الحزب الندوات السياسية في دار الحزب، نافيا أن تكون السلطات الأمنية قد طلبت إيقاف النشاط السياسي للحزب، وقال: «لم يطلبوا (جهاز الأمن) منا وقف النشاط السياسي، بل طلبهم كان أن نوقف الندوات وأشهرها ندوة الأربعاء الراتبة»، وتابع: «قلنا لمدير جهاز الأمن: علم»، كاشفا عن «اجتماع للمكتب السياسي سينعقد اليوم لإخضاع هذا القرار ونخرج برأينا»، وحول ما إذا كان قرار السلطات الأمنية دستوريا، قال: «هذا هو السؤال، نحن لدينا مكتب سياسي ومؤسسات والقرار لأجهزة الحزب، وسيكون لدينا رأي ولكن أنشطة الحزب الأخرى مستمرة كما كانت عليه، وسنعقد اجتماعاتنا».
ويقع المركز العام لحزب الأمة في أم درمان المدينة التاريخية التي تعتبر رمزا للحزب، وكانت الحكومة قد صادرت الدار عقب انقلاب الرئيس السوداني عمر البشير في يونيو (حزيران) 1989 مثل بقية الأحزاب السياسية التي تم حظر نشاطها، غير أنه أعيد فتح الدار بعد الاتفاق الذي عقده حزب الأمة مع الحكومة في عام 2000، وأصبح قبلة للأنشطة السياسية حتى للأحزاب الأخرى المتحالفة مع الأمة في المعارضة.
ويقود الطلاب المواجهات مع الشرطة السودانية من خلال تنظيم المظاهرات احتجاجا على إجراءات رفع الدعم عن المحروقات وبقية الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة، يوم الأربعاء الماضي، ولكن ما زالت تواجه المظاهرات والاحتجاجات الطلابية صعوبات تحول دون تمددها وتوسعها في بقية الفصائل المجتمعية، التي يفرض عليها نظام الرئيس السوداني عمر البشير رقابة صارمة. وقد بدأت الحركة الاحتجاجية الناجمة عن الارتفاع الجنوني للأسعار في 16 يونيو (حزيران) بمظاهرة أمام جامعة الخرطوم، ثم امتدت إلى جامعات وكليات أخرى في العاصمة. وأكدت مجموعة «قرفنا» للشبان المعارضين على موقعها على شبكة الإنترنت أن «جامعة الخرطوم هي القلب النابض للثورة السودانية».
وكانت جامعة الخرطوم في 1964 مهد الثورة الأولى التي تلت الاستقلال، وأسفرت عن سقوط الديكتاتورية العسكرية. لكن الطلاب الذين يناضلون من أجل التغيير، يواجهون قوى الأمن التي تتعامل معهم بقسوة، وهي كثيفة الحضور، وتسلل النظام إلى الجامعات، كما قال ناجي موسى، الطالب في كلية الطب والعضو في مجموعة «قرفنا»، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.وأضاف: «من الصعوبة بمكان القيام بنشاط عام. الحكومة تحاول أن تتسلل إلى الجامعات، ظنا منها أنها تشكل خطرا عليها». ولم تبدِ قوات مكافحة الشغب وعملاء أجهزة الاستخبارات أي تساهل منذ أسبوع، فعمدت إلى ضرب المتظاهرين واعتقال أعداد كبيرة منهم. لكن مسؤولا كبيرا في أجهزة الاستخبارات قال لمراسل وكالة الصحافة الفرنسية، الذي تعرض أيضا للاعتقال، لأنه التقط صورا في جامعة الخرطوم، إن الوضع حول الجامعات «بالغ الحساسية». وقد أفرج عن هذا المراسل بعدما أمضى 12 ساعة موقوفا.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»: «إن المظاهرات طوال أسبوع كامل يقودها الطلاب، لم تستطع هذه المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية استقطاب فصائل مجتمعية أخرى تنضم إليها، لتتسع دائرة هذه المظاهرات لتشمل مناطق واسعة في الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان (العاصمة المثلثة)».
وأضافت هذه المصادر أن هناك اتجاها في الحكومة لإغلاق الجامعات، وكذلك تمديد عطلة المدارس في ولاية الخرطوم لوأد هذه المظاهرات، وتفادي المزيد من الاضطرابات والاحتجاجات ضد الإجراءات الحكومية المتعلقة بمواجهة عجز الموازنة العامة، ومحاربة التضخم الذي بدأت تتصاعد نسبته بدرجة كبيرة.
وكانت الحكومة قد أغلقت جامعة الخرطوم أكثر من شهرين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إثر صدامات بين الشرطة وطلاب كانوا يحتجون على ارتفاع الرسوم. وعلى الرغم من المظاهرات الأخيرة، يعتبر بعض الأساتذة الجامعيين أن الحماسة النضالية قد انطفأت في الجامعات، وهذا ما يفسر جزئيا لماذا أخفق الطلاب حتى الآن في إقناع السودانيين بالنزول إلى الشارع بأعداد كثيفة.
وفي إطار أزمة اقتصادية كبيرة، وبعد الإعلان عن تدابير تقشف قاسية، ما زالت المظاهرات في الواقع محدودة بالمقارنة مع المظاهرات الجماهيرية التي شهدها الربيع العربي في المنطقة.
وقال الدكتور محمد التوم الأمين، أستاذ الرياضيات الذي فصل من جامعة الخرطوم في عام 1992، في تصريحات صحافية: «إن عمر البشير الذي يتولى الحكم منذ 23 عاما، أفلح في القضاء على الروح السياسية في الجامعات. فالمؤتمر الوطني يهيمن على النقابات الطالبية، وتعين الحكومة الموظفين الإداريين».
ويواجه الناشطون الشبان أيضا التخوف من الفوضى التي تستشعرها أعداد كبيرة من السودانيين في بلد انفصل عنه جنوب السودان في يوليو (تموز) الماضي، وتعصف به نزاعات لا سيما على طول حدوده الجنوبية الجديدة في دارفور.
من جهة أخرى، أعلن مالك عقار رئيس الحركة الشعبية في شمال السودان في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، عن استعداد حركته للإعلان عن وقف إطلاق نار استراتيجي في كل جبهات القتال بمجرد إسقاط النظام وتهيئة المناخ لانتقال سلمي للسلطة لا يعيد تجربة انتفاضة أبريل (نيسان) عام 1985 التي أدت إلى إسقاط نظام الرئيس الراحل، جعفر محمد نميري. وقال إن الفترة الانتقالية ستكون بمشاركة كل الأطراف، مما يوفر الإجماع الوطني للانتقال من الشمولية للديمقراطية، ومن الحرب إلى السلام العادل، مؤكدا مساندة حركته للاحتجاجات التي اندلعت في مناطق متفرقة في السودان، وكشف عن اجتماعات متواصلة بين قيادات الحركة بمشاركة نائبه عبد العزيز الحلو والأمين العام ياسر عرمان، وقال إن المشاورات خلصت إلى أن انتقال رايات الانتفاضة من الطلاب إلى الأحياء إلى الولايات يشكل نقلة نوعية في مسارها وطابعها الجماهيري، وقال إن هناك اتصالات مع قيادات وأعضاء الحركة الشعبية في مختلف الولايات، إلى جانب مشاورات مع حلفائها في الجبهة الثورية واتصالات مع عدد من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني داخل وخارج السودان.
وأعلن عقار، وهو أيضا رئيس الجبهة الثورية؛ التحالف الذي يضم إلى جانب الحركة الشعبية، حركة العدل والمساواة وحركتي تحرير السودان فصيل مني اركو مناوي وعبد الواحد محمد نور، عن عزمه الدعوة لاجتماع عاجل لقيادة الجبهة الثورية للتفاعل بأقصى الدرجات مع انتفاضة الشعب، مشددا على دعمه لطابعها السلمي الجماهيري، والتشاور مع كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وتجمعات الشباب والطلاب والنساء، لإنجاح الانتفاضة وتوحيد الرؤية وتمكينها من تحقيق أهدافها في الديمقراطية والسلام والطعام.
وأكد عقار، الذي تقاتل حركته النظام في جنوب كردفان والنيل الأزرق دعمها في الجبهة الثورية للطابع السلمي للانتفاضة والاستعداد المستمر لضمان سلميتها وسلامتها وتأمينها، داعيا الإسلاميين وقيادات المؤتمر الوطني الذين يرغب بعضهم في إنهاء من وصفهم بالزمرة الأمنية العسكرية وحكم الفرد، التي تشكل خطرا على الجميع.
وقال: «إن بعضهم في السابق اتصلوا بحركته وآخرين». وأضاف أن «الوقت قد حان للوقوف ضد المعسكر الأمني العسكري، وفتح الطريق ليقول الشعب كلمته، ويستعيد إرادته كاملة غير منقوصة».
ودعا عقار من أسماهم بالوطنيين في القوات المسلحة والشرطة الانحياز إلى الشعب.
من جهته، طالب رئيس حركة العدل والمساواة، الدكتور جبريل إبراهيم، في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه القوات النظامية بعدم حنث قسم الولاء للوطن والدفاع عن أرضه وعرضه. وأضاف: «اربأوا بشرف الجندية من السقوط في مستنقع الدفاع عن نظام مجرم ولغ في دم شعبه وأحالهم إلى نازحين ولاجئين في كل ركن من أركان الوطن والمعمورة». وتابع: «انحازوا إلى صفوف شعبكم وأزيلوا عنكم عار الانتساب إلى شرذمة الإنقاذ؛ فالوطن أرحب من نظام الإنقاذ وحزبه وأنتم أعزّ وأكرم»، متهما الحكومة بأنها وراء ما وصفه بحافة الهاوية، وإلا رجاء منها في إجراء إصلاحات.
وقال الدكتور إبراهيم إن السياسات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة تقصم ظهر الشعب المنهك أصلا. وأضاف: «يستعصي على الشعب تحمّل تبعاتها التضخمية الكارثية»، داعيا الشعب السوداني والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنازحين واللاجئين والمقاومة المسلحة الخروج إلى الشارع لمواجهة النظام وإسقاطه وتنصيب بديل ديمقراطي.
من جانبه، قال مبارك الفاضل المهدي، القيادي في حزب الأمة المعارض، في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه: «إننا ندين بشدة العنف المفرط وغير المبرر الذي تعاملت به أجهزة أمن الإنقاذ القمعية مع المتظاهرين العزل والمحتجين بالعاصمة وسائر ولايات ومدن البلاد على تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، واستشراء الفساد بين محسوبي النظام وفشله في إيجاد مخرج لأزمات البلاد المتراكمة بفعل سياساته العرجاء».