أعرب المبعوث الأميركي الخاص للسودان وجنوب السودان، دونالد بوث، الخميس، عن استعداده لزيارة الخرطوم لاستئناف المباحثات مع المسؤولين حول العلاقات الثنائية وكيفية دعم واشنطن لجهود السلام والديمقراطية بالسودان، وابدى تشاؤما من نجاح عملية الحوار الوطني، قائلا إن انطلاقه لا زال غير مؤكدا كما أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة تتعارض مع نواياها المعلنة، ولفت إلى أن تعنت الحكومة السودانية دفع بقوى المعارضة لمزيد من الوحدة والاصطفاف.
وزار بوث الخرطوم مرتين خلال شهري سبتمبر وديسمبر من العام 2013 ، منذ تعيينه في اغسطس من ذات العام، لكنه قوبل باستقبال فاتر من المسؤولين السودانيين، ويتردد ان الخرطوم ترفض استقباله منذ ذلك الحين.
ويرى مسؤولون في السودان أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الخرطوم تمليها جماعات الضغط ويشككون في مقدرة الدبلوماسيين الأميركيين على التأثير فيها، خاصة وأن السودان لا زال يعاني من العقوبات الإقتصادية الأميركية برغم تعاونه الوثيق في مكافحة الإرهاب وموافقته على استقلال جنوب السودان.
ومع ذلك، فإن مصادر عديدة في الخرطوم تقول وزارة الخارجية ومسؤولين حكوميين آخرين يسعون لإقناع الرئيس عمر البشير بضرورة التواصل مع المبعوث الأميركي والسماح له بزيارة البلاد بغض النظر عن مقدرته في تغيير مسار الأحداث.
وقال بوث في محاضرة حول سياسية بلاده تجاه السودان وجنوب السودان بالمجلس الأطلسي في واشنطن انه “على الرغم من خيبات الأمل في الماضي، أعتقد أن الفرصة لا تزال قائمة لتحقيق علاقة أفضل”.
واضاف “يجب علينا معا رسم طريق للمضي قدما لبلوغ هذه الغاية، وأكرر استعدادي، واستعداد حكومتي، للدخول مع السودانيين في حوار صريح ومتسارع وزيارة الخرطوم، لمناقشة عدد من القضايا التي تؤطر علاقاتنا الثنائية”.
وأشار الدبلوماسي الأميركي لعدد من المبادئ التي تقوم عليها السياسة الأميركية تجاه السودان مؤكدا أن مصلحة بلاده هي رؤية سودان ديمقراطي يعيش في سلام مع نفسه ومع دول الجوار.
وشدد على ان “قلقنا على السكان المهمشين، واهتمامنا بحل النزاعات الداخلية الدامية، ودعمنا للحكم الديمقراطي ينبع من مبادئ تتجاوز حدود السودان”.
الحوار الوطني .. دعم حذر
وأكد بوث على دعم بلاده الحذر لعملية الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس عمر البشير في يناير الماضي، قائلا “على الرغم من المبادرات السابقة المخيبة للآمال، يظل الأمل هذه المرة في التزام جاد من الحكومة السودانية بهذه المبادرة”.
وقال “إن حالة الاقتصاد، وتكاليف استمرار الحروب، الحراك الداخلي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، والانتخابات المنتظرة كل ذلك قد يهيئ هذه المرة لبعض الانفتاح واقامة حوار هادف”، مضيفا أنه قد يتلخص “مناورة خاوية” أخرى بهدف إجراء “انتخابات غير عادلة ” وتجديد شرعية النظام.
وأشار الدبلوماسي الأميركي الى ترحيب “الترويكا” ممثلة في النرويج، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، منذ يونيو الماضي بمبادرة الحوار الوطني، مشددا على ضرورة التوصل إلى اتفاق إطاري وخلق بيئة تفضي إلى ضمان وجود عملية سياسية داخلية ناجحة.
وأردف “قيام الحوار الوطني، حتى الآن، لا يزال غير مؤكد، كما لا تزال تفاصيله قليلة، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة تتعارض فيما يبدو مع نيتها المعلنة”.
وعلى الرغم من اعلان الرئيس البشير عدد من القرارات بهدف اطلاق الحريات في البلاد فإن أجهزة الأمن السودانية تواصل اعتقال الناشطين والسياسيين والمعارضين وتحظر سفرهم، بينما تعاني الصحافة المحلية من الرقابة اليومية.
ويبرر مسؤولون هذه السياسة القمعية قائلين إنه لا ينبغي أن ينظر إلى الحوار باعتباره علامة على ضعف النظام.
كما ترفض الحكومة أيضا تأجيل الانتخابات العامة المقررة في أبريل عام 2014، معتبرة أن التأخير من شأنه أن يخلق فراغا دستوريا وفوضى سياسية.
ورفض حزب المؤتمر الوطني الحاكم مطالبة المعارضة بتشكيل حكومة وحدة وطنية خلال الفترة الانتقالية، متهما إياها بالسعي لتفكيك النظام.
وقال بوث ان الحكومة برفضها الاستجابة لمطالب المعارضة أرادت تخويفهم والدفع بهم لقبول خططها إلا إن تعنت الخرطوم دفعهم إلى توحيد جهودهم ضدها.
وأشاد بالجهود التي قامت بها آلية الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى بقيادة تابو امبيكي لدفع الحوار إلى الأمام ووصفها بانها “اشارات مشجعة”، واسترسل قائلا “ولكن بالطبع البرهان سيأتي في الوقت المناسب بعد قياس التقدم في عملية الحوار والإصلاحات المتفق عليها”.
وكان الرئيس عمر البشير أدلى في 27 سبتمبر الماضي بتصريحات حادة ضد المتمردين والمعارضة.
وقال إن الحركة الشعبية شمال يمكنها فقط استئناف المفاوضات بشأن تنفيذ اتفاق السلام الشامل لعام 2005، وطالب الجماعات المتمردة في دارفور بالانضمام الى وثيقة الدوحة للسلام في دارفور. وألمح أيضا إلى احتمالات إلقاء القبض على زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي حال عودته للبلاد ما لم يتبرأ من اتفاقه مع الجبهة الثورية، قائلا إن عليه التخلي عن ذات التفاهم قبل ان يحزم حقائب العودة.
ويقول المراقبون في الخرطوم إن وثائق الحكومة وحزب المؤتمر الوطني التى سربت أخيرا تظهر أن المتشددين داخل النظام بشكل رئيسي من العناصر العسكرية والأمنية تقف ضد عملية الحوار الوطني، وتعارض بشدة أي تنازل ينادي به أنصار عملية الحوار داخل النظام.