المؤتمر الوطني : شكراً إخوتنا في العدل لسنا في حاجةٍ إليكم
لم تكن دوافع التفاوض لدي ما يُعرف بحزب المؤتمر الوطني مع حركة العدل والمساواة بشأن تسوية أزمة دارفور هادفة نحو الحل إن لم نقل ليست صادقة منذ انطلاقها في فبراير شباط الماضي ، فالأمر ليس متعلقاً بحسن النوايا أو سوءها ببساطة لأنه ليس متعلق بأشخاص أو أفراد يمكن ملاحقة وعودهم , بل هو أمر سياسة حزب مدروسة بعناية ولها خططها المتكاملة وإن كانت ماكرةٌ خبيثة , كل الأشياء بالنسبة للمؤتمر الوطني تحددها الظروف السياسية المحيطة بهذه الحادثة أو تلك فإذا رأى أن من مصلحته التحالف مع الشيطان في لحظة معينة لما توانى في ذلك بل سعى لاستصدار الفتاوى اللازمة لتبيح له ما يفعل , فحينما أقدم على ما يعرف بملتقى أهل السودان وامتداداته اللاحقة : كنانة وغيرها كانت الخطة واضحة بأن تكتمل الصورة في الدوحة ـ المبادرة العربية ـ لتتحد من بعد ذلك جهود الجميع في جبهةٍ واحدة ضد شبح الجنائية , وكانت في ذلك الوقت الحاجة ماسة وماسة جداً لخطب ود فصائل دارفور المقاتلة وعلى رأسها بالطبع حركة العدل والمساواة , ولست أدري إن كان من سوء حظ أهل دارفور أم من حُسن حظ الحركة المقاتلة أن تتزامن المفاوضات مع صدور القرار القاضي بالقبض على الرئيس في نفس الفترة لينكشف لها ـ فيما بعد ـ القناع الزيف الذي تتستر خلفه أكاذيب المؤتمر الوطني , حيث إن الغاية التي كان يسعى إليها في الأساس هي إفشال القرار وإبطال مفعوله في مهده , ولكن حينما أصبح واقعاً التجأ الحزب إلي ابتداع آلية جديدة للتعامل مع ذلك الواقع , فكانت الفكرة : أولاً هي تماسك الجبهة الداخلية والسيطرة عليها , سواء أكان ذلك على مستوى صفوف الحزب أو المعارضة أو الشارع بشكلٍ عام , وسعى حزب المؤتمر الوطني إلى تنفيذ هذه المهمة بشتى السبل فلجأ أولاً إلى مخاطبة عاطفة الشعب السوداني وعلى رأس هؤلاء أهل دارفور فأستطاع أن ينفذ إليهم إلى درجة أدت بالبعض أن غامر بحياته , ثم إلى المعارضة الداخلية فأستمالها بكل السبل ثم أحتاط إليها بعد كل ذلك بأساليب القمع والتخويف تلويحاً وتعريضاً وتصريحاً ثم بالبيان بالعمل اعتقالاً وتعذيباً , ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل سعى إلى أن يجعل الإعلام يركب موجة الدفاع عن الرئيس باسم المصلحة الوطنية والدفاع عن السيادة والتغني بالمنجزات ” مؤتمر الإعلاميين ” , وما كل ذلك إلا ميكافيلية بغيضة الهدف منها التكريس للبقاء في السلطة , ثم ثانياً : جس نبض صدى القرار دولياً وانعكاساته على سياسة الحزب الخارجية ثم أثر ذلك على تقييد حركة الرئيس من عدمه بوصفه ممثلاً لسيادة الدولة ورمز وحدتها , وحينما تكشف لهم أن بالإمكان ممارسة هامش من حرية الحركة بحكم مرونة القانون وافتقار المحكمة الجنائية للملاحقة البوليسية , أتاح لهم ذلك مزيداً من الفرص للتنفس واستجماع القوى , كل هذه العوامل وإن كان بعضها يبدو نفسياً إلا إنها شكلت حافزاً مهماً للحزب لإعادة ترتيب سلم أولويات تحركه , وفي هذا الإطار أصبح واضحاً للجميع أن أمر ترسيخ سلطة المؤتمر في الحكم هي الأولوية التي تسبق جميع المهام المطروحة أمامه , وهنا علينا أن نسأل أنفسنا لماذا لم تعلن نتائج التعداد الذي تم تنفيذه إلا بعد عام كامل من تاريخ إجرائه ؟ لا شك إن تأخير إعلان نتيجة التعداد مناورة سياسية كبرى إن لم نقل جريمة حيكت مع سبق الإصرار والترصد , خطط لها حزب المؤتمر الوطني ليقرأ ما تتكشف عنه تطورات المحكمة الجنائية , وعندما استحكم الأمر بالصورة التي أشرنا إليها آنفاً بدأ اللعب الآن على هذه الورقة الرابحة التي خبأها طوال هذه الفترة , وهي حينما نُشرت قد فاحت بروائحها النتنة لتزكم الجميع , ولعل أول هذه التبعات هي ما يجري تداركه الآن في واشنطن ” اختزال حصة الجنوب السكانية ” , وثانيها هو تفصيل دوائر الشمال ” قميص عامر ” على حجم “جتة ” المؤتمر المسمى بالوطني , وثالثها هو التلاعب على المجتمع الدولي بأكمله ” عرب و عجمان ” بأكذوبة الرغبة الأكيدة نحو إحقاق السلام في ربوع السودان كله وفي دارفور بوجه أخص , وكل هذا وغيره ما هو إلا لعبة كبرى على الشعب السوداني وخديعة للبقاء في السلطة تنفذ عملياتها بجهده وعرقه وحُر ماله , والطامة الأكبر من ذلك أن الأحزاب السياسية قد هيضت أجنحتها وأصبحت مشلولة عن الحركة بعد أن أُفقرت خزائنها من كل فلس وغُيبت عن جماهيرها طوال عشرين عام , ثم قيل لها من بعد ذلك أنَّ هنالك معركة أسمها الانتخابات !؟ , فكيف تحارب وأنت لا تملك السلاح بل وكيف تقاتل وأنت لا تملك قوت يومك ؟ واقع الأمر أن أكبر حفل كومبارس ستلعبه الأحزاب هو الانتخابات القادمة , وفي هذا الجو لم تعد هنالك حاجة للمؤتمر الوطني بأن يستضيف مكوِّناً جديداً في القصر ليزيده عبئاً على أعبائه الذي هو في الأصل يسعى إلى اختزالها , وعلى هذا النهج يتم التعامل مع حركة العدل والمساواة , فهو من جهة يغازلها بصورة من صور الضغط بورقة الأسرى ومن جهة أخرى يبسط لها يد السلام ويتم كل ذلك بأسلوب شعرة معاوية لكن بصيغةٍ لئيمة , وفي ختام هذه البانوراما بما أن قيادة الحركة قد أدركت خداع حزب المؤتمر والدور الذي يريد أن يلعبه بها ففي تقديرنا عليها أن تنتظر ـ تحاور أو تناور ـ لسبعة أشهر أخرى لأنها حينذاك سوف لن تقاتل وحيدة ….
حاج علي ـ Tuesday, June 23, 2009
[email protected]