محمد بشير ابونمو
[email protected]
بحكم تجبربتنا مع نظام الانقاذ واجهزته الاعلامية المتصلة بجهاز الامن ، وخاصة عندما تقع الحكومة فى مأزق (زنقة ) – وما اكثرها هذه الايام – ، تقوم احدى هذه الاجهزة ، كمركز السودان للخدمات الاعلامية (اس . ام . سى) بفبركة موضوع له علاقة بالمعارضة وخاصة المسلحة ، وذلك لغرض شغل الرأى العام او توجيه اتجاهات الرأى الى موضوع آخر (انصرافى) غير مواضيع الزنقة ، وذلك لتخفيف الضغط الاعلامى الناقد للحكومة . زنقة الحكومة فى هذه الايام لا يخفى على احد ، منها الحرب المستعرة بين اجنحة النظام المتصارعة بكشف فساد بعضهم البعض والتى تبدأ بكشف عمليات فساد ذات احجام صغيرة (مقارنة بحجم الفساد الكلى) ، كحصول الشخص على العديد من قطع الاراضى فى اماكن مميزة بالعاصمة ، الضغوط الهائلة التى يتعرض لها الحكومة الان بسبب اعتقال زعيم وامام الانصار الصادق المهدى
والتى وضعت “وثبة” البشير فى المحك ، فضيحة محاكمة فتاة بريئة حبلى فى شهرها الثامن(الدكتورة مريم) والحكم عليها بالاعدام ب”جريمتى ” الزنى والردة ، وكل ذنبها انها اختارت ما (تعتقدها) من الاديان و من تتزوجه من (الاشخاص) عكس رغبة اهلها ، مستندا بذلك على ابسط حقوقها التى وفرها لها الشرع حتى ولو كانت مسلمة (لا اكراه فى الدين) اضافة الى نصوص الدستور التى يحتكم اليها كل السودانيين فى البلاد الان ، النفوذ المتصاعد لقوات الجنجويد والتى سميت “بقوات الدعم السريع” والجدل الذى اثاره قائدهم المدعو “حميدتى” والذى عقد مؤتمرا صحفيا فى قلب العاصمة الخرطوم قبل ايام ، وذلك لاستعراض القوة واخراص المعارضين امثال الصادق المهدى ، بعد ان احاطت قواته العاصمة المثلثة كاحاطة السوار بالمعصم ، علاوة على الحديث الخطير الذى نُقل عنه عندما كان يخاطب افراد مليشيته والذى اكد فيه انهم – اى المليشيا – هم اصحاب اليد الطولى والصوت العالى فى هذه البلاد الان ، وذلك الى ان تتمكن الحكومة من اعداد جيش يمكن ان تحمى بها نفسها ، ناهيك عن حماية سيادة البلاد ! …… وغيرها من الضغوط المتزايدة على الحكومة .
فى ظل هذه الاجواء ، اشارت مركز السودان للخدمات الصحفية (اس . ام . سى ) لاحد مصادرها من “الدجاج الالكترونى” لاطلاق اشاعة من غير اى تفاصيل بان القائد مناوى قد قُتل ، وكان المطلوب من هذا المصدر ، فقط انزال الخبر فى منبر سودانيز اون لاين من غير ايراد اى تفاصيل مثل ظروف القتل وتوقيتاته الزمانية والمكانية ….ألخ ، فقط ………مناوى قُتل ، ويفهم ايضا من مثل هذه الاخبار المفبركة ان الاجهزة الامنية المعنية ربما تبحث عن مكان وجود مناوى بالضبط فى تلك اللحظة
ويبدو ان مثل هذا الخبر غير كافى فى هذه الايام بالنسبة للحكومة ، ويبدو كذلك ان التوجيهات الامنية تقضى بضرورة التركيز على مناوى فى هذه الايام فى موازاة زنقة الحكومة (لتقديراتهم الخاصة) ، ففبرك المركز الاعلامى المذكور خبرا آخر بعنوان : (خلافات داخل الجبهة الثورية بسبب استيلاء مناوى على “21” مليون دولار) ، وكالعادة الوكالة لا تفرد اى تفاصيل مهمة للموضوع (لانها غير موجودة من الاساس ) ، غير ان (مصدرهم) قد افاد ان الخلافات بين قادة الجبهة الثورية قد اشتدت عندما توفرت لديها معلومات ان مناوى قد استلم دعم مالى من (منظمات اجنبية) مقدم للجبهة الثورية ، الا ان مناوى قد قام بتحويل الدعم لحسابه الخاص ، مع التذكير ان المبلغ المقدم من هذه المنظمات (المجهولة) يبلغ (21) مليون دولار بالتمام والكمال ، حسب وكالة ال (اس . ام . سى ) !
نحن لا نلوم هذه الوكالة ال (اس . ام . سى ) لانها تقوم بمهامها التى اُنشأ من اجلها ، وهى فبركة وصناعة احداث غير موجودة على الارض والصاقها للمعارضين لحكم الانقاذ غير عابئة بمنطقيتها او العكس ، واذا صدق الناس هذه الوكالة لاصبح مناوى الان من اغنى اغنياء السودان ، حيث سبق ان نسبت اليه استثمارات بعشرات الملايين من الدولارات فى بنوك عالمية واقليمية فى كل من جنوب السودان وكينيا ويوغندا وجنوب افريقيا ودبى وسويسرا وفرنسا ، وعقارات حتى فى عاصمة الضباب لندن بعشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية ، قيل ان شقيقه الاستاذ حسين مناوى يديرها ، ولم يتمالك كاتب هذه السطور من الضحك حتى السقوط على القفى (وشر البلية ما يضحك) عند سماع هذه الجزئية من “الحكاوى” ، وذلك لمعرفته اللصيقة بالمعاناة التى مر بها الاستاذ حسين مناوى فى سبيل اسكان عائلته الصغيرة فى شقة متواضعة فى احدى مدن المملكة المتحدة البعيدة عن لندن (مركز استثمارات مناوى الوهمية ) ، هذا غير الخبر الذى اوردته هذه الوكالة او احدى زميلاتها قبل سنتين تقريبا باستلام مناوى لمبلغ ثمانية مليار دولار ، واكرر (مليار) دولار من الحكومة الامريكية ، دون ان يسأل هولاء السذج انفسهم كيف تدفع اى حكومة ، وخاصة الامريكية مثل هذا المبلغ لشخص ، واى شخص حتى ولو كان الرئيس اوباما بذات نفسه ؟ والمؤسف ان هذه الفرية (الفضيحة) قد وردت على لسان احد اقرب من تعاملوا مع مناوى عندما كان فى السلطة فى الخرطوم قبل طلاقه لها !
اقول اننا لا نلوم هذه الوكالة (المؤسس لغرض الكذب المباح ) ، ولكن اللوم وكل اللوم على صحافة الخرطوم والتى افردت معظم صحفها ليوم امس (24 مايو 2014) مساحات لهذا الخبر المسيئ الى (الصحافة) نفسها قبل الاساءة الى مناوى . اقول ان الخبر مسيئ الى الصحافة السودانية لانها تكتب نقلا عن هذه الوكالة دون اى مجهود لتحرى صحة الخبر او معقوليتها وبالتالى لا تحترم مثل هذه الصحافة عقول قُراؤها فهذه مصيبة ، واما الكارثة تكمن فى ان هذه الصحافة بسلوكها تلك ، تفضح جهل القائمين على امرها ، بامور تعتبر من البديهيات ، واولها الجهل بالقوانين والاجراءات والقيود المفروضة عالميا على حركة ونقل ودفع الاموال سواء كانت من الدول او المنظمات الاجنبية للمستفيديين ايا كانوا ، افرادا او مؤسسات ، وذلك درءا وتحوطا لجرائم غسيل الاموال وتمويل الارهاب ، فتجد فى معظم دول الغرب ومنظماتها الطوعية (والمفترى عليها دوما من نظام الانقاذ) ، من تمنع قوانينها التعامل مع الحركات الثورية المعروفة ، دع عنك المنظمات المشبوهة ، وتمنع تقديم اى دعم لها بشكل مباشر او غير مباشر . فالسؤال الذى يتبادر الى ذهن اى قارئ حصيف لاى جريدة هو : كيف ومقابل ماذا تدعم هذه (المنظمات الاجنبية ) الجبهة الثورية (مناوى) بهذه المبالغ الطائلة ؟
المؤسف ان معظم الصحف فى ظل نظام الانقاذ ، وحتى تلك التى تتدعى الاستقلالية تنجر وراء الاخبار الخاوية التى تروجها الاجهزية الامنية ضد رموز وقادة المعارضة لغرض اغتيال شخصياتهم فى اطار الحرب الشاملة ضد القوى الثورية
محمد بشير ابونمو
لندن
25 مايو 2014 م