اريك ريفز ….
تواصل في الشهور الماضية العنف ضد المدنيين في دارفور, وتصاعد إلى مستويات لم يشهدها منذ سنوات. ففي يوم 31 يوليو قامت قوات الأمن لحكومة الخرطوم, مستخدمة الاسلحة الاوتوماتيكية المعبأة بالذخيرة الحية, باطلاق النار على العشرات من المتظاهرين من الطلاب في نيالا, فقتلت اثني عشرة منهم وتركت كثيرين جرحى في حالات حرجة. وفي يوم 4 اغسطس تلقيتُ رسالة الكترونية عاجلة من شمال دارفور تخطرني بما يشبه الدمار الكامل لطاقات الإغاثة في بلدة كتم, التي اجتاحتها المليشيات العربية في يوم 3 اغسطس, وكذلك المعسكر المجاور للنازحين في كساب. وفي يومي 13 – 14 اغسطس قادت أحداث عنف إثني إلى مقتل وجرح العشرات في مليط. وفي يوم 17 اغسطس, وبعد صلاة العشاء هاجمت شرطة الاحتياطي المركزي شبه العسكرية بلدة تبيت. وقد حمل هذا الإعتداء بصمات لمجزرة مدبرة.
هناك تقارير يومية تقريباً من راديو دبنقا عن فتيات ونساء يُغتصبن, غير أنه من الصعوبة بمكان الإحاطة بالأبعاد الكاملة لحجم العنف الجنسي في الإقليم, خاصة وأن قوات اليوناميد والأمم المتحدة لا تجرؤ على إغضاب الخرطوم بالحديث عنه. ما يبعث على الدهشة أن التقريرين الأخيرين للسكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون حول اليوناميد خليا من أي ذكر للإغتصاب. كما أن هذين التقريرين لا يذكران إلا حادثتي قصف جوي للمدنيين منذ بداية العام, وذلك على الرغم من وقوع العشرات من هذه الهجمات. وقد وقعت العديد من هذه الإعتداءات في منطقة جبل مرة, التي مُنعت قوات اليوناميد ومنظمات الغوث الإنساني ووكالات الأمم التحدة جميعاً من الدخول إليها.
ويأتي هذا التصعيد الحاد في العنف وغياب الأمن في الوقت الذي تستعد فيه اليوناميد لخفض قوتها بمقدار 4000 جندي وشرطي. ما هو المبرر؟ لقد تحسن الموقف الأمني بما يكفي لتبرير هذا الخفض في القوات! إذ يجب أن يعكس حجم قوات اليوناميد “الحقائق على الأرض”, وفقاً لما قاله هيرفي لادسوس قائد قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام!
غير أن غياب الامن الذي تعبر عنه الهجمات التي وقعت على كتم ومليط وتبيت والعديد من المواقع الأخرى هو “الحقيقة الاساسية على الأرض”؛ كما أن غياب الأمن يعني أن المساعدات الإنسانية لن تصل إلى كثيرين في المعسكرات ممن هم أكثر المحتاجين للغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية الأولية. فقد ذكر لي د. محمد احمد عيسى, المدير السابق لمركز الأمل بنيالا أنه إستناداً على إتصالاته بالكوادر الطبية وآخرين في مواقع الأحداث في دارفور فإن الأوضاع الصحية خلال موسم الأمطار لهذا العام أسوأ بكثير عنها في العام الماضي.
على وجه الخصوص تمثل الأمراض التي تحملها المياه مخاطر جسيمة, بالنظر إلى أن الأمطار هطلت بغزارة شديدة أحياناً, تعرضت بسببها الكثير من الأماكن إلى فيضانات خطيرة, بحيث أصبحت الملاريا والإسهلات المرضية والعديد من المخاطر الصحية الحادة تشكل تهديداً صار أكثر إلحاحاً يوماً بعد يوم, وذلك في ظل تجدد عمليات الإنسحاب والطرد وتجميد عمل منظمات الغوث الطبي الرئيسية مثل: إجبار منظمة أطباء بلا حدود على تعليق أنشطتها في جبل سي بشمال دارفور, وطرد الخرطوم في عام 2011 لمنظمة أطباء العالم التي كانت تنشط في جبل مرة؛ كما انسحبت منظمتا المساعدة الطبية الدولية وميدير من غرب دارفور في وقت مبكر من هذا العام.
كذلك يتواصل النزوح على قدم وساق. في الواقع وقعت, منذ تولي اليوناميد لتفويضها في دارفور في عام 2008, أكثر من مليون حالة نزوح جديدة. ونحن نعلم عبر تسع سنوات من التجارب القاسية في دارفور أن الحالات الساحقة من النزوح هي نتيجة للعنف وليس لـ”عامل الجذب” المتمثل في الغذاء والمأوى الذي تمنحه المعسكرات. وقدر راديو دبنقا أن حوادث العنف التي دارت في كتم أخيراً أدت إلى 70000 حالة نزوح جديدة.
وقد وصف المتحدث باسم اليوناميد كريس سايكمانيك في لقاء مع راديو دبنقا في شهر مايو “الأوضاع الأمنية في دارفور بأنها هادئة نسبياً”, مردداً قولاً مشابهاً لما قاله رئيس اليوناميد ابراهيم قمباري!
ليس مستغرباً بعد كل هذا أن يتساءل الدارفوريون الذين غطت على مأساتهم الحالية الكارثة الكبرى التي بدأت تتكشف أبعادها في المناطق الحدودية بين شمال وجنوب السودان- أن يتساءلوا عن السبب في ان معاناتهم وموتهم تتعرض للتحريف بهذه السرعة في المجتمع الدولي.
(28 اغسطس 2012)