العدل والمساواة شمس لا تحجبها سحائب اليائسين… /يقلم حسن إبراهيم فضل
قال أسطورة الثورة تشي جيفارا : (لن يكون لدينا ما نحيا من أجله , إلا إذا كنا على استعداد للموت من أجله )
هكذا ينظر كل ثوري حميم بالقضية إلى قضيته التي يعتبرها هما وشاغلا له في حركاته وسكناته , وبالتالي يجدر بي هنا في هذه السانحة أن أبصم بالعشرة وأقول ليس لنا ما نحيا من أجله أن فرطنا في قيم العدل والمساواة التي أقسمنا جميعا على تحقيقها , قيمة تسعى بين الناس برجلين وأربع , وان نطبقه دستورا لا شعارا , مهما كانت العثرات والهنات التي تعتري مسيرة الثورة من حين لآخر .
لست قلقا على ما جرى في أروقة حركة العدل والمساواة السودانية خلال الأسابيع الماضية وما تواترت من أخبار حول ترجل ورحيل نفر من بعض رفاقنا عن صحوة هذه العملاقة التي ما ذكرت في موقع حتى ارتجف لها الراقصون والمطلوبون , ووقف لها الشرفاء تحية وإكبارا , وما ذكرت في أي من وسائط الإعلام إلا واتبعت بعبارة (الأكثر تنظيما وتسليحا) , لم انزعج مما جرى ! ببساطة لأنني أؤمن بحقيقة مهمة مفادها ان القضية ستنتصر مهما حدث ,لأننا ببساطة تشربنا قيمها فأصبحت دمنا ونفسنا العدل والمساواة نسير بها وتسير بنا , إنها جادة الحق التي حملناها على عاتقنا ولن نحيد عنها حتى تتحقق في الأرض أو ان نهلك دونها. والفرد فينا يؤمن بالقضية إيمانا راسخا , وأجزم وحسب معرفتي بأشاوس هذه العملاقة أن الراية لن تسقط مهما حدث , ولعل تاريخ حركة العدل والمساواة السودانية شهدت الكثير من المحطات المهمة في مسيرتها النضالية , وأفشلت الكثير من الرهانات التي كانت تحلم بنهاية هذه الحركة التي وجدت لتبقى ولتنصر ,ومن الضرورة بمكان أن نعي أن التباين في الرؤى وفي وسائل الأداء بين أعضاء منظمة ما يجب ألا تؤثر فيه الأهواء الشخصية ,لان الانتظام في مؤسسة ما أو تبني أي شخص لفكرة ما , والمرور على محطة من محطات حياة المرء التي بلا شك ستؤثر بشكل ما في مسيرته و تعتبر جزء أصيل من تكوينه الفكري والسياسي والاجتماعي والثقافي , وتعتبر فصل من فصول مهمة في حياة الفرد منا , بغض النظر عن نجاح أو فشل هذه التجارب التي مررنا بها , وبالتالي الرسالة المهمة التي نرسلها لمن ترجلوا عن مؤسسة العدل والمساواة :
إن كان سبب التباين في الرأي هو خلاف في وسائل الأداء وليس شيء آخر علينا أن نجعل المعركة بيننا جميعا ضد نظام الإبادة الجماعية في الخرطوم وان القضية التي تواثقنا عليها هدفنا الأسمى وألا تجعلوا المعركة بينكم والعدل والمساواة كما فعل ويفعل الذين رحلوا من قبل , لأن القضية هي القضية والهدف هو الهدف على الأقل على المستوى المرئي من الأمر, وما يجب ان نؤكده جميعا ان لا قدسية لاحد مهما علا او نزل فلا مجال لسجالات شخصية وعراك في غير معترك , الرفيق الفريق الدكتور جبريل إبراهيم وجميع الرفاق الذين تولوا مهام وتكاليف انتخبوا لها مؤسسيا ودستوريا فمن له مسائل شخصية مع احدهم عليه تصفيتها خارج مؤسسة العدل والمساواة ومن اراد ان يحتكم الى مؤسسة الحركة فله قنواته , لن نقدح في أحد لأننا جميعا لدينا شرف الانتماء لهذه المؤسسة أضفنا وأضافت لنا , ولكن تبقى الحقيقة الواضحة أن العدل والمساواة شمس لا تحجبها سحائب اليائسين ولا أحلام الحاقدين , لأنهم جربوها وامتحنوها في محطات عديدة وخرجت منها جميعا أكثر منعة وقوة.
أن المؤسسية التي ندعيها يجب أن تكون سلوك ونظام حياة لا شعار نرفعه وقت الحاجة , الكثيرون خرجوا على الحركة بحجة مؤسسية مفنرى عليه وهم قد خرقوا حتى النظام الذي اقروه وارتضوه في فترة ما , والمعروف أصلا ان المرء يرتقي في سلم الشرعية التي ارتضاها لا أن ينكص عنها مدعيا الحفاظ عليه. هذه المؤسسات التي خرج عليها البعض هي ذات المؤسسات التي اقروها هم , فما الذي جعلت هذه المؤسسات شرعية وقت موافقتها لهوا في أنفسنا وعديمة الشرعية حين تكون مخالفة لما يريد هوى أنفسنا ؟؟
الأمر الآخر والقناعة الراسخة أن مسيرة عمرها أكثر من عقد من الزمان جديرة بأن ترسخ في عقول الناس وفي ممارساتهم , وليس من الحصافة أن نظل نقنع شخصا أمضى كل هذه المدة ولم يتشبع بهذه القيم أن نرجو منه قناعة تأتي , وبالتالي المطلوب من مؤسسات حركة العدل والمساواة أن تسعى وبخطوات ثابتة في تثبيت معيار الكفاءة في تولي تكاليف المهام , خاصة وان الحركة الآن أصبحت ضاربة في أعماق الشعب السوداني في بواديه وحاضره , وتخطت كل حواجز التوسع النوعي والكيفي والقومي فلا مكان لعواطف لا تجنى منها إلا كما نال سنمار من صاحب القصر.
بقي أن نحي جماهير أبناء شعبنا العظيم والذي ظل يقف وقفة صلبة خلف حركته وقيادتها ومؤسساتها الشرعية , وان نحي روح البطل الهمام الذي أسس لهذا الشعب ثورة تعيد لها مجدها وان تعيش وبعزة وان تنتصر لقيمها وحقوقها. رحل جسد الشهيد المؤسس وترك فينا روحه الطاهرة نتنسم فيه كل صباح ومساء قيم الثبات على القضية , وبمثل ما تعاهدنا في تظاهرة (الحديات) وبمؤسستيها الفريدة , التي أقسمنا جميعا على انجاز المهمة , علينا أن نقول نعم للشرعية والمؤسسية , ولا للاصطفاف الضيق التي أثبت فشله, وما وزراء الرقشات وصراعاتهم مع القادة الذين أوصلوهم لما هم فيه إلا دليل على صدق ما نقول وندعو إليه ,ان شهيد الأمة المشير الدكتور خليل إبراهيم محمد حمل راية الإصلاح الشامل لا يكترث في ان يستشهد في أي بقعة من بقاع السودان , كان همه ان يرى العدل يمشي بين الناس , وما استشهاده في ود بندة الا تعضيدا وترسيخا لهذا المعنى و واستحق ان يكون جيفارا السودان , ومن الأقدار ان يكون كليهما طبيبا , ما أهم الشهيد ان يموت في كرنوي او كجبار أو كفن دبي أو خليوة أو بورتسودان , همه ان يرى الثورة وهي تنتصر.
مجسدا قول رفيقه اللاتيني الذي قال ((لا يهمنى متى وأين سأموت , بقدر ما يهمنى أن يبقى الثُّوَّار يملئون العالَم ضجيجاً كي لا ينام العالَم بثقله على أجساد الفقراء والبائسين والمظلومين((.
وها هي جحافل العدل والمساواة تملأ الأرض صخبا من عنفوان الثورة التي لم تمت ولم تسقط رايتها مهما بلغ تربص المرجفين وخذلان المخذلين.
حسن إبراهيم فضل
[email protected]