اتصلت احدى وكالات توظيف العمالة بعاصمة خليجية شهيرة بمندوبها بالسودان ليعمل على تجهيز حوالي ثلاثين محاسباً عبر مكتب العمل بالسودان وذلك ليتم إلحاقهم بالادارة المالية بدائرة النقل في تلك العاصمة الخليجية المندوب قام بدوره كاملاً بالتنسيق مع مكتب العمل بالسودان وظل في انتظار لجنة المعاينة لاختيار أولئك المحاسبين، ولكن تلفون من العاصمة الخليجية للمندوب للسودان اوقف كل شيء.
«دائرة النقل لا ترغب في عمالة من الجنسية السودانية وتفضل عليهم الآسيويين»، هذه خلاصة المكالمة التلفونية التي تلقاها المندوب السوداني وبالفعل توجهت لجنة المعاينة للهند لاحضار اولئك المحاسبين ، والقصة اعلاها حقيقة مائة بالمائة من غير زيادة او نقصان قد يقول قائل ان هذه حادثة فردية لا تنطبق على جموع السودانيين العاملين بالخليج، لكن بملاحظة بسيطة بين اعداد السودانيين بالخليج واعداد بقية الجنسيات يتضح تراجع اعدادهم وسط العاملين في الخليج وذلك ليس زهداً منهم في العمل هنالك، ولكن لتواضع قدراتهم امام نظرائهم من بقية الجنسيات الاخرى وهنالك نغمة مستمرة بان السودانيين كسالى وهي نغمة وان بدت مؤلمة لنا كشعب سوداني إلا ان بها بعض الحقيقة ومرد ذلك لوسائل التربية السودانية ومناهج التعليم الحديث.
وبالتدقيق نكتشف تراجع اعداد السودانيين المهنيين كالاطباء والمحاسبين والمهندسين في كل دول الخليج مع ازدياد في المهن الهامشية كحراس الأمن ورعاية الاغنام.
وحتى على مستوى مهنة حارس أمن فقد اوصى مستشار اوروبي بوزارة الداخلية بدولة خليجية بايقاف الجنسية السودانية لاعتبارات تتعلق بدارفور وبأن السودان بلد به قلاقل امنية «وفاقد الشيء لا يعطيه» التوصية لم تمر ولكنها توضح مستوى النظرة للعامل السوداني.
كثيراً ما يكابر السودانيون في حقيقة تراجع اعدادهم بالخليج ويعتمدون على مقولة تاريخية بانهم من بنوا الخليج ويذكروا اسماء ككمال حمزة مدير بلدية دبي السابق إلاّ ان المقارنة باجيال السودانيين في الخمسينيات والستينيات والتي عملت بالخليج والاجيال الحديثة فيه كثير من الظلم فالاجيال الاوائل هم خريجو المدرسة الانجليزية وهم خريجو التعليم الدائر وقتها اما بقية الاجيال الحديثة فهم خريجو مدرسة محيى الدين صابر التعليمية ومدارس العون الذاتي.
بل ان مقولة ان السودانيين هم بنوا الخليج تعتبر في نفسها وثيقة ادانة ضد السودانيين انفسهم فكيف تكون ممن اسهم في بناء الخليج ويتراجع دورك الآن في المساهمة في بناء الخليج حالياً ألا يعتبر ذلك دليلاً على تراجع الرغبة في السودانيين كعمال ومهنيين، بل ان مشاهدة آلاف العمال الآسيويين بشوارع الخرطوم تطلق رصاصة الرحمة على العامل السوداني فكيف لبلد سكانها شارف على الاربعين مليون مواطن ورغماً عن ذلك يأتي بمئات آلاف العمال من خارج السودان الا تعتبر ذلك اكبر دليل على تراجع اداء العامل السوداني والزهد في قدراته داخلياً ناهيك على خارجياً.
واذا افترضنا ان السوداني غير راغب في ان يحتل وضعه في كيان العمل الخليجي فكيف تسمح الحكومة السودانية بتراجع اعداد العمال بالخارج وهي تعتبر مورداً من موارد العملة الصعبة لكثير من الدول ففي مصر القريبة تأتي تحويلات العمال المصريين بالخارج في المرحلة الثانية بعد عائدات قناة السويس.
المطلوب الآن ثورة في مجال التعليم والتدريب والمفاهيم المجتمعية، ثورة تستهدف تطوير النظرة الى العمل كوسيلة لتطوير المجتمع والنهوض به وتستهدف الرقي بقدرات العامل السوداني حتى يصبح مرغوباً فيه داخلياً حتى قبل ان يكون خارجياً.
بقلم: علي إبراهيم
الرأي العام