الطفل الصغير كوكو والحلم بعالم سعيد

حسن اسحق
[email protected]
اطل علينا العيد بوجه يشوبه الحذر من المجهول،فرحتنا لم تكتمل بعد،لان الجرح الوطني مازال ينزف القيح القبيح.انها مؤام الوطن الكبير علي ابناءه وبناته الا يعيشوا فرح العيد في اجواء من السلام والاستقرار المناطقي،انهم الفئة الاكثر حزنا في تاريخ البلاد،تمر الاعياد
بمسمياتها العديدة،وتظل الحرب هي العنوان الرئيسي لمحاربي انسان السودان في معسكرات شتاته الداخلية والخارجية.ولذا مازلنا نحلم بالعالم السعيد،ونري كوكو وادم وسلمي وفطومة،واشراقة وككا،يحتضنهم ظل الوطن الكبير،بدلا ان تحتويهم قاذقات السوخوي.
بدأ الهواء يتسلل عبر نوافذ البيت المحطمة خلسة ،ويتسرب دخان الملل لكل فرد فيه ،الجميع متذمرون ،صامتون قلوبهم تعتصرها مطبات الامل اليومية ،الاخ يخرج مسرعا ،شخص ما يطرق علي باب المنزل المهشم ،باب خشبي يبدو عليه القدم ،فتح الباب متلهفا ،شخص غريب  الملامح اعطاه خطابا مرسوم عليه وردة شوكية ،حمله الي الداخل حيث الضجة والصخب والازعاج المنزلي .
الام منهمكة في اعداد شئ الي النفوس المنتظرة شيئا يطرق سواحل البطون التي لم تصلها منذ ايام خلت سفن الاطعمة الشهية .
ملل ملل ملل ،الوالد طريح الفراش ،والابنة مسجونة في احدي السجون الولائية ،لارتكابها جريمة اجتماعية ،وجدت مع شخص يدعي انه يطبق القانون ،جرمت المسكينة ،لان ظهرها مكشوف اصلا،وبرأ هو لانه مطبق القانون ،اه، اه ، اه ياقانون ،كيف تسجن البرئ وتطلق سراح الجاني الحقيقي .تطرح اسئلة عديدة علي نفسها ،هل هذا هو القانون رددتها الام في المطبخ الخالي من كل شئ عدا انبوبة الغاز والكبريت ،اما البقية غيابهم رسمي ،البنت كفيلة الاسرة في غياهب التخشيبة .
امي امي ،الطفل الصغير كوكو ،انا رأيت في حلمي ان ككا جاءتنا بطعام مذاقه لذيذ ،اكلت ،وماتبقي ادخرته ليوم الغد ،لكن عند الاستيقاظ ،وجدته كابوسا غذائيا مزعجا .بكي بكي ،تذكرها طوال  اليوم ،وتمني ان تخرج من ذلك المكان القذر ،سمعته سيئة ،وتعاملهم مهين ،مشين ،الطفل الصغير يزعج والدته ،بأسئلة تزيد من الامها المحبوسة في دواخلها المشتعلة ،لا اعرف ،ياامي ،لماذا يعاملوننا بهذا الشكل المهين ،اختي همها الاول ان توفر لنا الخبز والطعام ،هل من يسعي لتوفير الطعام لاسرته يذهب بعيدا عن الاسرة ،وتبقي البقية بلا سند ،ولا خبز .
دموع الام تمطر ،وساحل الدمعات يغطي خديها ،ويضيء طريق الامل ،رغم قساوة القدر والمصير المتأرجح بين الامل والفشل ،ودواخلها تغلي مرارة الحاضر ،تطحنها طحنا .
الام تقول لابنتها البكاء لا يفيد ،ترد البنت ،ما المفيد يا اماه ،ان ننتظرها حتي تخرج ،سنموت جميعا جميعا جميعا ،والدي مريض ،واخي يحلم بالطعام ،سأترك الكتاب المدرسي ،والغذاء والصحة،ومسكننا ،العالم المعاصر ،سأدخل السوق ،اقوم باي عمل لاوفر ما فقدناه .البنت في حديث مع نفسها ندرس الغذاء والصحة ،والدي مريض ،واخي حلمه الصغير ان يأكل ،اي غذاء هذا ،ندرسه نظريا ،ونفتقده واقعيا ،اليس هذا هو الهراء بعينه ،هل نحن سذج ،في حديث مع نفسها ،اخرج من الفصل اثناء الفسحة الفطورية ،انظر لبقية الاطفال ،منهم من يلتهم السندوتشات البرغرية ،والاخرون يشاهدون المنظر الطعامي،مباراة فطورية  ضحاياها الاطفال الجوعي ،لا حكم يفصل فيها ،الزمن الاضافي مستحيل .
الوالد يتألم من حديث البنت الصغري ،ويستمع لحديث الام مع ابنتها ،يريد الحراك ،لكنه معاق ،تستحيل الحركة في هذا الزمن المشؤوم الكريه ،كروت حمراء تنهال علي الاسرة ،من ضحت ،الان ،في نفق الحبس ،ابتزاز من شخص  يدعي ،انه رجل قانون ،وتريد ان تلحق بها الاخري ،هل سيكون مصيرها كسابقاتها ،ويفقد كوكو الصغير اخر الضوء .
رمال من الاهات تسد النوافذ ،وفتحات القلوب المنكسرة ،وطأة القساوة ،والبداوة المدنية ،صغير يتلمس الابواب ،ودقات سريعة ،الكل داخل المنزل يعتبره ،نبأ سار ،يفتح اخر طرق اليأس اليومية التي كبلت الوالد الاعرج المريض بالسكر ،ويدخل الليل ،يكره ،ان يأتي قاسيا عليه يذكره بالماضي سنوات الشباب ،العمل ،توفير القليل ،والذهاب الي السوق ،رغم قلة الدخل ،كانت الاسرة في فترة استقرار شبه مرغوب فيها ،تسارعت الازمنة ،وحملت معها ما كان غير متوقعا ،يديرها البؤس والالم ،والحريق ،زمن يحرق اضواء المستقبل ،سوق قذر ضحيته البنات ،ومن يقع عليهن عبأ ثقيل .
من داخل السجن تنظر عبر ثقب صغير ،من خلاله يلج ضوء القمر ،وينثر في الداخل بصيص من الفرحة ،وجرعة حياة من يتجرع سمها ،لا يموت ،بل يتعذب ،يتعذب ،يتعذب ،هي تقول انها متحالفة مع العذاب والشقاء ،مع جارتها في نفس غرفة الحبس ،طردت من المدرسة بسبب الرسوم ،ولم امتحن منذ تلك الفترة ،وانا في السوق مرة اغسل اواني الطعام في مطعم الخالة حليمة ،وفي المساء ،اساعد كلتوم ست الشاي ،لاجني قليل من المال لاسرتي ،لكنه مصيري ،لا استطيع الفكاك منه،وذات امسية شبه ظلماء ،نجومها تتوسط السماء ،عقب الانتهاء من العمل ،ترتيب الكراسي ،وجمع فناجين القهوة ،واكواب الشاي ،وصحاني الزلابية ،متجهة الي اسرتي التي تتشوق الي قدومي ،والدي المريض في انتظار الدواء ،واسمع حراك يتجه نحوي بخطوات سريعة ،ويقول توقفي يابنت ،اسرعت ،ويلاحقني،سيطر علي الذعر ،من شكله يبدو انه يداوم علي الشراب ،ويحميه زيه المارينزي الذي يرتديه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *