من تجمعه الأقدار يوما بشخص غريب من بلدان الغرب الأروبي أو الأمريكي و يتبادل معه أطراف الحديث يندهش المرء القادم من أفريقيا لضحالة معرفة الغرب بهذه القارة.
كم من مرافق لك في السفر يتوجه اليك بالسؤال عن البلد الذي أتيت منه وعندما تخبره بكل أريحية باسم بلدك يجيبك صائحآ:
” أنا أعرف بلدك جيدآ….فلي “صديق” من بلدك “
و عندما تسأل رفيقك في السفر عن المدينة أو القطر الذي يأتي منه هذا “الصديق” تحصل علي اجابة أكثر غرابة:
” لا أذكر بالتحديد بلد صديقي….. اسماء بلادكم صعبة النطق و يصعب تذكرها و لكنه متفحم البشرة و مديد القامة مثلك. ”
و إرضاءآ لهوسنا في السودان في تحديد ظلال لون البشرة الغامقة أود أن أعلن بأني أنتمي إلي “القبيلة ” التي يوصف أفرادها بأن لونهم لون “زينب” …. يعني الخواجة ظلمني.
البعض من الغربيين و عندما تخبره بأنك مثلآ قادم من السودان يجيبك بحماس طفل تعلم لتوه السير علي رجليه :
” أعطني مهلة للتأمل…. السودان …. …. السودان… …. السودان نعم وجدت الإجابة: السودان يقع في أفريقيا أليس كذلك ؟”
العديد من الغربيين يعتقدون أن أفريقيا جنوب الصحراء قطر واحد يقطنه شعب واحد يتميز بسواد البشرة وبياض الأسنان.
و لكن العرب كان لهم السبق و حق البراعة في هذا الأمر عندما إختاروا إسم بلاد السودان لكل المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الكبري.
يبدو أن أهل الغرب ما زالت تعشش في أذهانهم الصور النمطية لأفريقيا من تراثهم الواغل في القدم ممثلآ في التعالي العنصري و الأساطير التي نجد لها نموذجآ جيدآ في كتابات الروائي الروسي ـ البولوني ـ الانجليزي جوزف كونراد في كتابه ” من قلب الظلمة ”
أو الكاتب الألماني كال ماي الذي بزغ نجمه في تسطير كتب المغامرات والوصف الخيالي لتقاليد و عادات شعوب لم تكتحل عيناه برؤيتها. الهير ماي كتب عن السودان و وصف “وصفأ دقيقأ” الثورة المهدية من داخل السجن الذي كان يقبع فيه.
الغريب في الأمر أن كتب الأفاك ماي و حتي اليوم هي الأكثر بيعآ في كل بلاد الغرب.
تقل دهشتنا لجهل الغربيين بأفريقيا عندما نعلم أن فيلسوفآ بإسم هيقل أعلن أن الأفارقة لا تاريخ لهم.
أو إيمانويل كانط، فيلسوف مرحلة التنوير الذي شملت دراساته القيم و الأخلاق لم يسعفه فكره من العنصرية الفجة تجاه الأفارقة.
الصور النمطية لأفريقيا لم تتغير كثيرآ حتي اليوم.
وسائل الإعلام الغربية و عندما تفتقد حدثآ مهمآ أو خبرآ يستحق البث أو التعليق أو مباراة في كرة القدم ترجع لإضباراتها القديمة للبحث عن المواضيع الدائمة عن أفريقيا: الفساد، الحروب الأهلية،التخلف،الكوارث الطبيعية، مرض ضعف المناعة المكتسب و الفقر المدقع.
في البرامج التعليمية يكون الحديث عن المثير و الغريب مثل عادة شرب الدم أو أكل لحم القرود عند بعض الإثنيات الأفريقية.
عندما يأتي دور الحديث عن الممارسات الثقافية في القارة فالحديث الدائم هو عن الخفاض و كي ثديات القاصرات و تعدد الزوجات.
ما يستحق النقد ليس وصف الواقع الأفريقي الحالي و إنما إنعدام التحليل العلمي الرصين لهذه الظواهر و إدراجها في إطارها الجدلي و التاريخي.
وسائط إعلام الغرب
صحيح أن وسائل الأعلام الغربية ليس هدفها الأول نشر الحقيقة المجردة و إنما التجارة في المعلومات تقدم ما هو رائج في السوق ولا يهم إذا كانت البضاعة فاسدة أو منعدمة الصلاحية.
و من جانب آخر فوسائل الأعلام نفسها سلعة مثل غيرها من السلع يتنافس علي ملكيتها الاعبون الكبار لفرض مصالحهم التجارية أو السياسية.
و خير مثال لذلك هو إفتتاح أمير قطر قناة تلفزيونية في الولايات المتحدة و جذب المشاهير من الوجوه التلفيزيونية الأنقلوساكسونية المعروفة التي تم شراءها بالمال للعمل فيها.ماذا يريد أمير دويلة – يمكن إسكان كل مواطنيها في هوتيل واحد كما قال قال الرئيس المصري الراحل السادات – بقناة في الولايات المتحدة الأمريكية؟
أو مالك أماذون جيف بيزوس الذي قرر شراء صحيفة الواشنطون بوست العريقة.
في العالم الغربي الذي تسوده الفردية المطلقة و الإغتراب الإجتماعي و الروحي و تضعف فيه العلاقات الأسرية و حتي مع الجيران و تقتصر العلاقات فقط علي بطاقات عيد الميلاد و التهاني بعيد ميلاد السيد المسيح يصبح لوسائل الإعلام أو بوصف أدق وسائل التجهيل دورآ خطيرآ علي هذه المجتمعات.
إمبراطورة الصحافة الألمانية السيدة إشبرنقر التي تمتد إمبراطوريتها إلي شرق أروبا تستطيع تحطيم أي سياسي يخرج عن بيت الطاعة و خير مثال علي ذلك تدميرها للسيد أوسكار لافونتين وزير المالية اليساري آنذاك عندما قدم إقتراحأ بفرض ضريبة علي التحويلات المالية اليومية للشركات عابرة القارات.
ضحية أخري من ضحايا السيدة إشبرنقر هو السيد وولف رئيس الجمهورية الألمانية عندما تجرأ و إنتقد البنوك و طلب إعتبار الإسلام ” دينآ معترفأ به في ألمانيا مثل المسيحية و اليهودية”
زوج السيدة إشبرنقر الراحل أعلن بصراحة يحسد عليها بأن الإديلوجية المحركة لإمبراطوريته الصحفية تتلخص في ثلاث مبادئ:
الصداقة الأبدية مع إسرائيل، مكافحة الشيوعية و العمل من أجل الوحدة الألمانية( كان هذا قبل زوال جمهورية ألمانيا الديموقراطية).
أما الإمبراطور الأكبر لوسائط الإعلام المقروءة و المسموعة و المرئية فهو السيد ربرت ميردوخ الذي تمتد إمبراطوريته عبر أربعة قارات و كلها تعمل علي دعم الوضع الراهن و محاربة كل جديد في السياسة او الإقتصاد و الترويج للأفكار اليمينية المعادية للشعوب و نشر الإسفاف و المبتذل من الأحداث و الأخبار.
لا غرابة في أن نجد أن مانشستات و سائل التعتيم هذه مليئة بقصص ” المشاهير” علي شاكلة :
المغامرات الجنسية للاعب التنس السابق بيكر و وزن دوقة كيمبردج بعد الولادة و التسريحة الجديدة للسيدة أوباما و العشيق الجديد للسيدة مادونا و كل هذا مع صور لفتيات رشيقات عاريات الصدور.
أما أن 870مليون شخصآ ينامون كل ليلة بمعدات جائعة أو أن 400 امرأة أفريقية يمتن كل يوم أثناء الولادة، فهذه ليست أخبار تستحق النشر” فهم “فقط ” أفارقة.
هذا النفوذ الطاغي في التأثير علي الوعي السياسي و الإجتماعي للمواطنين أعطي مالكي وسائل الإعلام هذه قدرآ واسعآ من النفوذ وصل لحد أن رؤساء بعض الأحزاب السياسية و حتي رؤساء الحكومات يلتمسون مقابلة السيد ميردوخ.
يكفي أن نذكر أن السيدة ربكاح برووكس رئيسة تحرير صحيفة نيوز أوف زا ورلد التابعة لميردوخ قبل إغلاقها كانت قائمة الزائرين لها في عيد ميلادها تشمل الكبار و المشاهير و في مقدمتهم رئيس الوزراء البريطاني نفسه.
في وسائل الإعلام هذه لا مكان لتصوير الواقع الموضوعي ناهيك عن تحليله و خاصة عندما يتعلق الأمر بأفريقيا.
لنبدأ بالتعليق علي ” المسلمات ” و المواضيع الأكثر ورودآ عن أفريقيا في وسائل الإعلام الغربية وهي ميادين الإقتصاد و مرض ضعف المناعة المكتسب و الفساد في أفريقيا
النمو الإقتصادي في أفريقيا
“القارة الميؤوس منها”
الصورة المترسخة في الغرب عن أفريقيا و إقتصادها تتمثل في صور الدمار البيئي الذي حل بالقارة و يكون ذلك بعرض صور للأرض المتشققة و عظام الحيوانات النافقة و الأطفا ل “العجائز” بشعرهم الأبيض و بطونهم المنتفخة التي حرمت من الغذاء وسرب من الذباب يغطي عيونهم. .و بجانب تلك الصور نري في كثير من الأحوال السادة بوب قلدوف(Bob Geldof) و بونو (Bono) وغيرهم من أهل الموسيقي و القلوب الحانية يتولسون للضمير الإنساني لنجدة “إخوتنا في الإنسانية”.
وبطبيعة الحال، لا يأت ذكر للأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة البيئية في أفريقيا.
من يريد الحديث عن أسباب هذه الكارثة في أفريقيا فإنه لا مفر من الحديث عن الإشعاعات الغازية وثاني أكسيد الكربون.
البلدان الأفريقية الأربعة و الخمسين تنتج 3.56 في المئة من هذه الغازات(هذا يعادل تقريبا تلك التي تنتجها ألمانيا لوحدها). هذا يعني إن الأفارقة لا يتحملون مسؤولية دمار قارتهم. المسؤولية تقع على عاتق البلدان الصناعية التي سببت هذه الكارثة.
في قمة الأمم المتحدة حول التغير المناخي الذي بدأ الاسبوع الماضي في وارسو، حققت الدول الصناعية الكبرى نجاحآ في التراجع عن الالتزامات التي تعهدت بها في وقت سابق للبلدان الخمسين الأقل ثراء في العالم لتعويضها على خسائرها الناجمة نتيجة لهذه الغازات.منظمات الضغط التابعة لشركات إنتاج البترول و السيارات إستطاعت أن تملي إرادتها و تفشل المؤتمر.
نهضة اقتصادية شاملة
و بالرغم عن الكارثة البيئية فهناك تقدما رائعآ في أفريقيا.
فبعيدا من الصور النمطية المعتادة التي تقدمها وسائل الإعلام وحلفائها في صناعة المساعدات التي تدعي أن أفريقيا لن تتجاوز الطغاة والكوارث، فهناك نهضة اقتصادية شاملة تبين أن أفريقيا قد حطمت أغلال الاستعمار والحرب الباردة و بدأت المسير في طريق التنمية.
صندوق النقد الدولي – الذي لا يمكن أن يتهم بمحاباة أفريقيا – أعلن أن 48 بلدا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى و منذ عام 2003 قد ازداد الناتج المحلي الإجمالي (GDP) فيها بمعدل 5٪ إلى 7٪ سنويا . و في العقد الماضي، كانت ستة من أسرع 10 دول نموا في العالم دولآ أفريقية و في هذا العام ، سوف تتجاوز خمسة بلدان أفريقية الصين، وسوف تتجاوز 21 دولة الهند. و فقط، السودان وغامبيا، وسوازيلاند – التي يحكمها الطغاة – ستبقي خارج السرب.
وقال مايكل كليمنز، وهو خبير اقتصادي في مركز التنمية العالمية:
“ستكون هذه الأخبار مذهلة لمن لا يزال يعتقد بان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في فقر لا ينتهي. أن أفريقيا قد خرجت من هذه الحفرة و لكن للأسف هذه الرسالة لم تصل إلي الغرب ، حيث لا يزال الكثير من الناس حبيس الروايات التي لا معنى لها عن أفريقيا وكأنها أرض من المعاناة في حاجة للخلاص من الغرب. في الحقيقة فإن الملايين في أفريقيا سيخرجوا من براثن الفقر مثلما
خرج مئات الملايين من الآسيويين في العقود القليلة الماضية.”
و يقول بوب قلدون منظم المعونة الحية في الثمانينات :
“هناك نهضة عظمى في أفريقيا لكن الكثير من الناس في الغرب يتجاهل هذه الثورة العملاقة “
على سبيل المثال: اثيوبيا التي قتلت المجاعة فيها قبل جيل واحد فقط مليون شخصآ ، والتي كان إسمها مرادفا للجوع أصبحت الآن الدولة العاشرة في العالم في إنتاج الثروة الحيوانية وتصدير الماشية، والبن والزهور، وقد إزدادت الصادرات هذه أربعة أضعاف في أقل من عقد من الزمان. وهذا كله دون قطرة من النفط للتصدير.
و في أديس أبابا توجد البورصة الأولي للمنتجات الزراعية في القارة الأفريقية.
ويقدر نمو الناتج المحلي الإجمالي في غانا لعام 2012 بنسبة 7.1٪، مدفوعا بعائدات النفط، وقطاع الخدمات والأداء القوي للصادرات مثل الكاكاو والذهب. و لا تزال آفاق النمو على المدى المتوسط في غانا إيجابية، وذلك بفضل الاستثمارات الضخمة في الصناعات الاستخراجية، والبنية التحتية العامة والزراعة التجارية.
إذا حزم المرء جميع البلدان الأفريقية معا، فأنها قد نمت في العقد الماضي بشكل أسرع بكثير من بلدان شرق آسيا.
أسباب النهضة
مجموعة متنوعة من العوامل التي حدثت في السنوات العشر الأخيرة ساهمت قي إحداث هذه النهضة :
1- اهمها المليارات من الدولارات التي أرسلت من قبل الأفارقة الذين يعيشون خارج القارة و تقدر بحوالي (120 مليارد دولار) سنويآ .
2- عشرات المليارات من الدولارات من الديون الخارجية الملغية .
3- الإهتمام المتزايد بموارد أفريقيا الطبيعية و الإستثمارات فيها.
4- الانتشار السريع للهواتف النقالة، من بضعة ملايين في 2000 لما يقرب من 780 مليونآ اليوم. 5-التجارة و الإستثمار تهيمن على نحو متزايد علي العلاقات بين افريقيا و العالم الخارجي.
6- العدد المتزايد من المبادرات من قبل رجال الأعمال أو رجال العمل الخيري مثل بيل غيتس التي تركز بدرجة أقل على المساعدة البسيطة، مثل إرسال الشحنات الغذائية، و التركيز على التنمية الاقتصادية، مثل برامج لرفع الإنتاج الزراعي.
7- وأيضا الشباب الأفارقة ذوي التعليم الرفيع الذين يملكون مهارات مقدرة في إستخدام التقنيات النقالة في حل المشاكل.
8- نعمة السلام في معظم بلدان القارة و تطور أنظمة الحكم من أنظمة بوليسية إلي أنظمة تشارك فيها الشعوب.
التفاوت في الدخل لا يزال موجودآ في القارة، وهناك الملايين الذين ما زالوا يعيشون في فقر مدقع، ولكن وفقا لبنك ستاندرد، الذي يعمل في جميع أنحاء أفريقيا، هناك 60 مليون أسرة أفريقية
تكسب 3000 دولارآ في السنة ومن المتوقع بحلول عام 2015 أن يصل عددهم إلى مائة مليون نسمة، كما هو عليه الحال في الهند الآن.
هذه المرتبات قد تستدعي الضحك عندما تقاس بالمعايير الغربية، ولكن في الواقع هذا المبلغ يكفي في أفريقيا لتغطية تكاليف الغذاء، والهاتف، وحتى بعض الرسوم المدرسية.
أما بالنسبة للأفارقة الذين يعيشون تحت خط الفقر فالجوع لا يزال يمثل مشكلة كبيرة.
من كل ألف طفل ولدوا هذا العام، سوف يموت 118 قبل بلوغهم سن الخامسة. قبل عقدين من الزمن كان الرقم 165 .
لا تزال هناك عقبات ضخمة تتمثل في المراقبة المتصلبة علي الحدود بين البلدان الأفريقية، البيروقراطية الخانقة، و المحاكم التي تعمل ببطء شديد وضعف البنية التحتية رغم تحسن بطيئ فيها في السنوات الأخيرة.
وهذه هي الأسباب التي أدت إلي هذه الطفرة في الهواتف النقالة و إستخدامها في كل شيء من الزراعة إلى الرعاية الصحية.
الأرستقراطية المالية الإفريقية
ومثل غيرها من المجتمعات الطبقية فهناك عدد كبير من الأفارقة الذين يمتلكون مليارات الدولارات التي كسبوها من خلال قربهم وسيطرتهم المطلقة علي أجهزة الدولة التي تسن القوانين لمصلحتهم و التي تقوم بحمايتهم من الملاحقة الجنائية وإذا لزم الأمر تستخدم دولتهم أجهزتها القمعية لإسكات أي احتجاج أو معارضة.
الصحيفة الألمانية Bildzeitung الصحيفة الأكبر و الأكثر توزيعآ في أروبا، نشرت على الصفحة الأولى من عدد 11 أكتوبر من هذا العام هذا الخبر:
“من كان يصدق أن القارة الأفريقية التي كنا نعتقد خطآ بأنها قارة الفقراء بها هذا العدد الهائل من مالكي الملياردات من الدولارات؟ هنالك 55 منهم يبلغ إجمالي أصول اموالهم 143.88 مليارآ من الدولارات”
و تخبرنا صحيفة الإثارة – بإمتياز – أن الحاج أليكو دانقوتي النيجيري هو الذي يجلس علي هذا العرش بثروة تبلغ 29.2 ملياردآ.
من يدري ربما سيسبغ الأروبيون علي الحاح أليكو دانقوتي لقب “اونربل هوايت” أي أبيض بالتشريف كما كان عليه الحال مع اليابانيين في نظام الأبرتايد في جنوب أفريقيا سابقآ.
تاريخ البشرية يعلمنا أن مثل هذه الثروات الخرافية ليست نتيجة “عمل ضراع” وإنما نتيجة للأنشطة
الإجرامية التي يقوم بها أمثال هذا الحاج و سابقيه مثل الإخوة باركليز الذين جمعوا ثروتهم عبر التجارة في البشر و من تلك الثروة إستطاعوا إنشاء البنك الذي لا يزال يحمل اسمهم، وهو السابع في الثروة عالميآ.
الفساد
هنالك نغمة يكثر ترديدها في وسائل الإعلام الغربية عن أفريقيا و هي أسطوانة الفساد المالي. وحسب هذه التقارير فأفريقيا تسبح في بحر من الفساد الذي يبدأ من رأس الدولة و ينتهي بأصغر موظف في دواوين الدولة.
الأفريقي لا يعمل شيئآ لوجه الله و كل عمل يؤديه- حتي إن كان ذلك العمل جزءآ من واجبه الوظيفي – يريد مقابله أجرآ.
نشرت كارلا هيلز وآخرون دراسة في عام 2007 حول الفساد في العالم كله، وذكرت :
“يحدث الفساد في جميع أنحاء العالم. وتدفع أكثر من 1 تريليون دولار أمريكي في الرشاوى سنويا، وفقا لتقديرات البنك الدولي”
أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماريلاند إرك أسلاندر والذي درس ظاهرة الفساد في الكثير من البلدان و من ضمنها السودان منذ عام 1878 ـ 2010 توصل إلي أن هنالك علاقة ثابته بين هذه الظاهرة و مستوي التعليم و قدر الدخل السنوي للفرد و نوع الدولة : ديموقراطية تحكمها المؤسسات أو الدولة الإستبدادية.
هذا يعني ان الفساد ظاهرة لها جزورها في المجتمع -أي مجتمع – و ليست جينات يرثها الأفريقي – أو غيره – عند الولادة.
ربما تكون هنالك أيضآ عوامل نفسية تقود الفرد إلي الفساد مثلما كان عليه الحال مع رئيس غينيا السابق كونتي و الرئيس التونسي بن علي اللذان كانا يشترطان مشاركتهما في جميع الأعمال والمعاملات التجارية و بدون ذلك لا يتم الحصول على الموافقة بتأسيس شركة أو أي عمل تجاري.
و في الحقيقة فإن التطورات السياسية و الإجتماعية و إزدياد الوعي و التعليم في السنوات الأخيرة أدت إلي تقلص واضح في نسبة الفساد في أفريقيا.
و قد شهد بذلك مراسل جريدة الإكونومست البريطانية الذي تخفي في شخص رجل أعمال يريد الإستثمار في القارة و قام بزيارة 23 دولة و قد أكد المراسل :
“لم يطلب مني أحدآ رشوة، الأمر الذي لا يمكن تصوره قبل عشر سنوات فقط.”
الغربيون الذين نصبوا أنفسهم قضاة علي حالة الفساد في أفريقيا يحتاجون لمن يذكرهم بأن ستراتهم ليست أكثر بياضآ.
فلو تركنا جماعات الضغط (اللوبي)العاملة في ميادين البيئة و حقوق الإنسان و حقوق المستهلك و غيرها من اللوبيات الصغيرة و ركزنا علي اللوبي الأكبر بإمتياز و هو ذلك الذي يخدم مصالح الشركات متعددة الجنسيات و البنوك الكبري لوجدنا أخطبوطآ تمتد أطرافه إلي كل مراكز التأثير في المجتمع من مراكز بحوث‘ جامعات‘ دور طباعة‘ محاكم‘ كنائس‘ الخبراء الإقتصاديين‘
وسائل الإعلام إلي آخره.
يتركز عمل اللوبي في جمع معلومات دقيقة عن كل أعضاء فروع الدولة من تشريعية و تنفيذية و تشريعية وتشمل كل مناحي حياة الفرد من الميلاد مرورآ بالوضع المالي ,الهوايات، عادات الأكل و الشرب،الأصدقاء والأعداء،الخيارات في غرفة النوم ،و نقاط الضعف في الشخصية إن وجدت.
بعدها يتولي علماء النفس الإجتماعي مسئولية إيجاد الأسلوب الأنجع للتأثير في ” ممثل الشعب”
بجانب ذلك تقوم هذه اللوبيات بالدعم المالي المباشر لمن يمثلون مصالحها الإقتصادية.
و قد حصل أوباما علي مليار دولار في حملته الإنتخابية الأخيرة جلها من المؤسسات الأمريكية العاملة في مجال الإنتاج غير الحربي و قد وضح أن حامل جائزة نوبل للسلام لا يختلف عن سابقيه من الواغلين في دماء الشعوب .
حزب المستشارة ميركل حصل علي ثلاثة أرباع المليون يرو من أسرة كفانت المالكة لشركة السياراتBMW في الإنتخابات التي أجريت هذا العام.
توجد في الولايات المتحدة 62 ألفأ من اللوبيات و لكن العشرة الاكثر نفوذأ هي لوبي التكنلوجيات ، التعدين،الدفاع،الزراعة،الطاقة،المال،الأدوية، أرباب المعاشات،اللوبي المؤيد لإسرائيل و الجمعية القومية للسلاح.
و في مقر الوحدة الأروبية في بركسل توجد ثلاثين ألفأ من اللوبيات التي تضغط لإمرار مصالحها .
أن النظام الديموقراطي مهدد في الحقيقة من النفوذ الطاغي لهذه المنظمات التي لا تمثل إلا شريحة جد صغيرة من الشعوب.
مرض ضعف المناعة المكتسب(ايدز)
الموضوع الدائم عن إفريقيا في وسائل الإعلام هو مرض ضعف المناعة المكتسب (إيدز).
ظهر الإيدز لأول مرة في الولايات المتحدة في عام 1979 عند عدد من الرجال المثليين في نيويورك و كاليفورنيا وأكتشف الأطباء أن هذا المرض يقود إلي الإصابة بعدد من الأمراض النادرة و السرطانات التي أبدت مقاومة عنيدة لأي علاج . في هذا الوقت لم يكن هنالك إسم لهذا المرض فسمي،(مرض اللواط) .
و قبل إكتشاف فيروس مرض ضعف المناعة المكتسب ساد عصف ذهني حاد وسط الباحثين حول مصدر هذا المرض:هل هذا الجرثوم جرثوم جديد وثب من جنس الحيوان إلي البشر ؟إذا كان ذلك صحيحآ فالإحتمال الاقوي هو أن يكون القرد -أقرب الكائنات للبشر -هو المصدر .
بعض من العلماء طرح رأيآ مغايرآ مفاده أن المرض ربما كان قديمآ يرجع آلاف السنين إلي الوراء و “ربما ” يكون أصله من القارة التي كانت المهد لكل البشر.
فريق آخر رأي أن الفيروس الجديد ربما نتج كنتيجة لحدوث تغير اْحيائي( mutation) عند أحد الفيروسات المعروفه أو عند إكتساب فيروس قطع من جينات فيروس آخر.
كل الطرق تؤدي إلي أفريقيا
وهكذا بدأ زحف جديد تجاه القارة ((scramble for Africa ليس بهدف صيد البشر هذه المرة و إنما لسحب الدم من الأفارقة وقرودهم الخضراء منها أو الحمراء.
و قد وصلت الطائرات العمودية للباحثين ألي أعماق Heart of Darknessفي جمهورية الكنقو
و روع سكان المنطقة من الافراد قصار القامة ممن يسمون(pygmy) من هؤلاء البشر “البيض” طوال القامة الذين يريدون سحب الدم من شرايينهم.
و هكذا وجدت صحافة الإثارة ضالتها في موضوع يحوي كل التابوهات للإنسان الغربي : اللواط، الجنس ،الموت … و “الزنجي ” أو “العبد” كما يسمي الأفريقي في بعض البلاد العربية.
و بدأ الصحفيون – كل حسب مزاجه – في تقدير عدد المرضي الذين سيموتون و المقابر الجماعية لضحايا الايدز.
و قد تنبأ احد الصحفيين بأن نصف الأفارقة سينقرض في العشرية الأولي للقرن الحادي و العشرين.
الحقيقة هي أن العدد زاد ثلاثمئة مليون .
من الضروري هنا ذكر الدور الخبيث الذي لعبه عالم الفيروسات الأمريكي روبرت غالو الذي كان يعمل آنذاك في المركز القومي للسرطان في بثسدا والبروفسور كالنج في السويد اللذان كانا يقدمان
“الحقائق” العلمية” للصجفيين عن مستوي إنتشار المرض في أفريقيا.
و عندما يواجه الأطباء الأفارقة دعاة “الايدز من أفريقيا” بتقديم الدليل العلمي لهذه المزاعم يكون الرد
تهربآ و مراوغة أو إلقاء اللوم علي الصحفيين و إتهامهم بتغيير حديثه(grossly misquoted) و من خلف ظهور الأفارقة يصرح هؤلاء السادة للصحفيين بأن الأفارقة ينكرون الحقائق لأنهم يحسون بالخجل لأنهم جلبوا كارثة الايدز للجنس البشري.
بجانب اللئام من العلماء كان هنالك عددآ من رجال العلم الشرفاء من غير الأفارقة الذين فندوا بصرامة العالم الأمين الأساطير السائدة آنذاك عن هذا المرض.نذكر هنا البروفسور الألماني الراحل ياكوب سيقال عالم الكيمياء الحيوية الثمانيني و قد كتب مقالة سماها “أسطورة الايدز من أفريقيا”.
والأمريكية قيودي فيتنر مؤلفة كتاب “الحقيقة عن الايدز” و قد ذكرت في الصفحة 44 من كتابها
(The Truth about AIDS) “مرض الايدز ظهر أولآ في أمريكا”.
قد يتسائل البعض – بحق – و ماذا إذا كان المرض من أفريقيا؟
الأفارقة الذين عاشوا في الغرب في بداية ثمانينات القرن الماضي يذكرون بكثير من المرارة و الألم الحملة الغوغائية التي سادت بعضآ من المجتمعات الغربية آنذاك و إستغلال العنصريين و النازيين لأكذوبة “الايدز من أفريقيا” لنشر الرعب و الكراهية ضد الأفارقة بطرج شعارات عنصرية علي شاكلة: (أوقفوا الايدز ….. أرجعوا الزنوج إلي أحراشهم )
(ٍ ( Stop Aids… ……… send the Niggers back to their Jungles
و قد فقد الكثيرون من الأفارقة وظائفهم و مساكنهم و حتي أصدقائهم من الغربيين.
هذه الهستريا وصلت حتي لمؤسسات الدولة في بعض البلدان وطبعت النشرات الحكومية التي تحذر المواطنين من “العلاقات الحميمة” مع الأفراد القادمين من بلدان أفريقيا الوسطي.
هل مرض الايدز بهذا القدر الرهيب من الإنتشار في القارة كما تزعم وسائل الإعلام الغربية؟
قبل الإجابة علي هذا السؤال يلزمنا إيراد بعض الملاحظات:
أولآ: لا يوجد مسح شامل لمدي إنتشار هذا المرض في أي بلد أفريقي لأن الأغلبية الساحقة من هذه البلدان لا تسمح إمكانياتها المالية بإجراء دراسات إبدوميلوجية واسعة لهذا المرض لأن متوسط نصيب الفرد من الإنفاق على الرعاية الصحية في أفريقيا لا يزيد علي 119 دولارآ مما يعني أن هذه الإحصائيات المتعلقة بالايدز تقديرية قد تخطي و قد تصيب .
ثانيآ :معظم الدراسات الأولي لهذا المرض في أفريقيا قام بها باحثون من الغرب مثل بيتر بيو البلجيكي الذي قام بفحص 38 مريضآ في جمهورية الكنقو و توصل إلي:
“أن هذا البلد يمثل المركز الزلزالي والبؤرة لمرض الايدز في العالم”
عندما نشرت هذه الدراسة في المجلة الطبية العريقة(the Lanct) في 14يوليو 1984تلقفتها وسائل الإعلام الغربية بكثير من الدعاية و التهليل فاقت تلك التي عقبت إكتشاف الحمض النووي .
الدراسة المتأنية لهذه الورقة تكشف أن هنالك أخطاء قاتله في المنهج غابت عن عين الباحث القدير.
ففي تحديده لأعراض الايدز مثلآ يقول أن هذا المرض يشمل في البداية السمات الآتية:
الحمى، طفح جلدي ،تعرق ليلي، آلام في العضلات، قشعريرة برد ، تعب ،تضخم الغدد الليمفاوية و تقرحات في الفم.
هذه الأعراض ليست مقصورة علي الايدز وهناك كثير من الأمراض المدارية التي تحمل هذه الأعراض مثل الجيارديا و البلهارسيا و غيرها.
كان من اللازم إجراء تشخيص تفريقي دقيق.
هذا هو السبب في أن الكاتب الأساسي لهذه الورقة قد أجبرعلي الإعتراف بالخطأ و الإعتذار.
و لكن الصحافة التي روجت لقصة ( الايدز من أفريقيا ) عزفت عن نشر هذا الخبر و صمتت صمت القبور.
ثالثآ:الحديث عن أفريقيا و كأن القارة بلدآ واحدآ يعيش فيه شعب واحد متناغم في الثقافة و أسلوب الحياة يعكس جهلأ فاضحآ أو خلطآ متعمدآ.
إن أفريقيا هي ثاني أكبر قارة في المساحة و يعيش فيها 1.033ملياردآ من البشر يتوزعون علي 3315 إثنية تعيش في 54 بلدآ تختلف في الطبيعة و المناخ و سبل الإنتاج.
هذا يعني أن وسائل كسب العيش تختلف و تختلف تبعآ لذلك المفاهيم الروحية و الثقافات بين هذه الإثنيات. و يتضح ذلك بصورة واضحة في ميدان العلاقات الجنسية بين المرأة و الرجل.
في إحدي هذه الثقافات يسمح للمرأة المتزوجة بأن يكون لها عشيق يزورها في بيت الزوجية في غياب الزوج و عند أوبة الزوج إلي البيت فالتقاليد تتوقع منه أن يحدث صوتآ واضحآ لينبه الزوجة و عشيقها بعودته إلي البيت… يعني العشيق لا يحتاج لأن “ينط الحوش”.
في ثقافة ثانية تقوم القرية بإرسال البنات الائي وصلن مرحلة البلوغ إلي معسكر بعيد و بعدها يتم
إختيار عدد من الرجال المشهود لهم بالفحولة و إرسالهم إلي معسكر البنات بهدف تعليم البنات كيفية ممارسة الجنس…. يعني ” تعلمجية”.
في ثقافة ثالثة يكون شرف كل العشيرة مربوطآ بعذرية البنت حتي يوم زواجها.
الثقافة الرابعة تقوم برجم الأنثي التي تمارس الجنس مع رجل خارج إطار الزواج.
أما في الأغلبية الساحقة من الثقافات الأفريقية فممارسة الجنس تتم عن طريق التراضي بين شخصين بالغين.
من يريد دراسة الايدز في أفريقيا عليه معرفة الثقافة السائدة و المعالجات المطروحة لتنظيم ممارسة الجنس في ثقافة البلد و إيجاد المنهجية العلمية التي تضع إعتبارآ لهذه الحقائق.
لا يوجد شخص ينكر وجود العدوي في أفريقيا ( أو غيرها من الأصقاع) فالعدوي قد عبرت كل القارات و لكن التقديرات المهولة للعدوي و التعميمات الساحقة عن المرض في كل القارة فشأنان يستحقان التساؤل.
ما هو مدي الإنتشارلعدوي الايدز في أفريقيا؟
ميشيل سيديبي، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك أعلن في الخامس من أغسطس هذا العام أن:
“وفيات الإيدز والعدوى بفيروس نقص المناعة في شرق وجنوب أفريقيا قلت بشكل كبير.”
و إستطرد:
“نحن نرى أن الإصابات الجديدة في بلد مثل إثيوبيا قد انخفضت العام الماضي بنسبة تزيد على 90 في المائة. ملاوي، حيث لم يكن لدينا أي أمل، هناك انخفاض بنسبة 73 في المائة، وهذه قصة نجاح حقيقي”
[email protected]