تحول محاكمتها إلى محاكمة للقوانين المهينة للمرأة فى بلادها
لبنى أحمد حسين الصحفية السودانية التى تواجه عقوبة الجلدبسبب إرتدائها بنطلون لـ الاهرام
لن يرهبنى التهديد بمواجهة مصير مروة الشربينى فى المحكمة ولن أقبل عفوا رئاسيا إلا بعد إلغاء القوانين المسيئة
قدمت إستقالتى من الأمم المتحدة لأحاكم كمواطنة سودانية ولست وحيدة فى معركتى من أجل نساء بلدى
الشريعة الإسلامية لاتتحدث عن جلد النساء بسبب ثيابهن وتعاقب من يرميهن بالسوء بثمانين جلدة
أجرت الحوار
أسماء الحسينى
طفت على سطح الأحداث فى السودان مؤخرا قضية الصحفية السودانية الشابة لبنى أحمد حسين التى تواجه عقوبة الجلد بسبب إرتدائها بنطلونا إعتبره قائد الشرطة الذى القى القبض عليها وأخريات أنه يقع تحت بند أفعال فاضحة ،وتصاعدت القضية بمثول لبنى أمام القضاء يوم أمس الأول أمام القضاء ،وبإصرارها بالتخلى عن الحصانة الممنوحة لها بموجب عملها فى بعثة الأمم المتحدة بالخرطوم لتتم محاكمتها كمواطنة سودانية .
وفى حوارها معها عبر الهاتف من الخرطوم بدت لبنى مصرة على المضى قدما من أجل تحويل محاكمتها إلى محاكمة لقوانين وصفتها بأنها مهينة لكرامة المرأة فى السودان ،وقالت صاحبة عمود “كلام رجال “الشهير التى كانت تطرح الكثير من الآراء الشجاعة أنها ستستقيل من عملها لتحاكم كمواطنة سودانية ،وأضافت أنها لاتشعر أنها وحيدة فى معركتها وتشعر أن الشعب السودانى كله معها ضد هذه المواد المخالفة للشريعة والدستور وإتفاق السلام السودانى .
وقالت لبنى وهى أرملة الصحفى الراحل عبد الرحمن مختار مؤسس جريدة الصحافة السودانية وأحد رواد الصحافة بالسودان أنها تلقت تهديدا بالقتل من مجهول حذرها من أنها ستلقى فى المحكمة مصير الشهيدة مروة الشربينى ،ولكنها أكدت أنها لاتخشى شيئا لأن الأعمار بيد الله،وأنها لن تقبل عفوا رئاسيا تردد الحديث عن صدوره إلا إذا تزامن مع إلغاء القوانين المهينة للمرأة ،لأن القضية بالنسبة لها ليست قضية شخصية وإلا كانت قد أستخدمت الحصانة أو أسلوب آخرلمعالجتها ،وإنما القضية بالنسبة لها هى وقف القوانين التى تتحرك بموجبها الحملات الجائرة التى قدتطول فى المستقبل آلاف النساء والفتيات فيجلدن دون ذنب أو جريرة سوى إرتداء ثياب قد لاترضى البعض ،كما حدث ألاف المرات فى السابق دون أن يكون بينهن صحفية لتفجر الموضوع ،وليظل الجلد وصمة عار بعد ذلك على جبينهن فى مجتمع لايعرف معنى للفعل الفاضح إلا ممارسة الفاحشة.
إلى أين وصلت قضيتك أمام القضاء ؟
= بدأ النظر فى القضية بالفعل أمس الأول ،وحضر معى محام من بعثة الأمم المتحدة بالخرطوم ومحامين آخرين تطوعوا للدفاع عنى من مختلف التوجهات السياسية ،وقد طلب محامى الأمم المتحدة من المحكمة تطبيق الإتفاق بين الأمم المتحدة والسودان والذى يقضى بألا يخضع أى موظف يتبع الأمم المتحدة سواء من السودان أوخارجه للمحاكمة إلا وفقا لإجراءات معينة ،وقد احتج مدعى الإتهام على ذلك إحتجاجا شكليا ،أما أنا ومحاميى الآخرين فقد طلبنا من المحكمة أن تمهلنى فترة زمنية لرفع الحصانة أو الإستقالة ،فطلب قاضى المحكمة عشر دقائق للنظر فى الأمر،وبعدها قرر أن يمنحنى حق الإختيار مابين التحصن بالحصانة وبالتالى عدم المثول أمام المحكمة أ و مواصلة المحاكمة ،فاخترت تقديم إستقالتى لمواصلة المحاكمة .
-وهل ستستقيلين بالفعل من وظيفتك الإعلامية بمكتب الناطق الرسمى بإسم الإمم المتحدة فى السودان ؟
=تقدمت بإستقالتى بالفعل إلى السيد أشرف قاضى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالسودان ،ولكنه إقترح على أن يمضى الأمران معا ،رفع الحصاتة والمحاكمة ،وأخبرنى أن أمر رفع الحصانة أمر لايستطيع أن يبت به ،وأنه لابد ان تقره الأمم المتحدة من نيويورك .
-وإلى أى الخيارين تميلين ،إلى الإستمرار فى وظيفتك مع رفع الحصانة للمحاكمة أم إلى الإستقالة ؟
=بعد الموقف المشرف من قطاعات الشعب السودانى لمساندتى فى قضيتى ووقوفهم معى وجدت أنه لزاما على الوقوف معهم فى قضاياهم ،ووجدت أن ذلك لايتم إلا عبر قلمى ،وقد قررت الإستقالة التى لم يبت فيها حتى الآن حتى أعود للصحافة الى إنقطعت عنها منذ حوالى عامين ،بسبب إلتحاقى بالعمل فى الأمم المتحدة منذ مارس عام 2008،وقبلها ببضعة أشهر لعدة أسباب أبرزها رقابة الأجهزة الأمنية على الصحف السودانية.
-وماالذى تغير الآن ؟
=رغم أن الرقابة مستمرة ،فهناك فرص أخرى …فى الصحف العربية وغيرها .
-صرت الآن مشهورة بعد القضية …هل قدمت لك عروضا فعلية للعمل بالصحف العربية ؟
=نعم ،ولكن لم أبت بها بعد .
-هل كان هناك تداعيات أخرى للقضية عليك غير التعاطف الذى أشرت إليه ؟
=تلقيت تهديدا من مجهول حذرنى بأننى سألقى فى المحكمة مصير مروة الشربينى المصرية التى لقت حتفها على يد متطرف ألمانى فى إحدى المحاكم ،وقد تقدمت ببلاغ إلى الشرطة .
-وهل ستواصلين تصعيد القضية رغم ذلك ؟
=نعم سأواصل معركتى أمام القضاء ،ليس فقط من أجل الحصول على البراءة ،وإنما من أجل إلغاء المادة 152 من القانون الجنائى لعام 1991 ،لأنها لاتتوافق مع دستور عام 2005 ،ولاتتناسب مع وثيقة الحقوق والحريات فى إتفاق السلام الشامل ،كما لا تتوافق ايضا مع الشريعة الإسلامية .
-كيف ؟
= لأنها تتحدث عن ملابس ،وإسمها أفعال فاضحة ،ووفى المجتمع السودانى مضمون واحد لمصطلح أفعال فاضحة وهو الرذيلة ،وبالتالى فإن إستمرار وجود مثل هذه المادة من شأنه أن يقود المجتمع بأكمله ،وهو ماحدث بالفعل إلى رمى المحصنات وقذفهن ،وهذه جريمة تستوجب معاقبة مرتكبها وفقا للشريعة الإسلامية بالجلد ثمانين جلدة ،أما جلد البنات كعقاب على مايلبسون فليس من الشريعة فى شىء ،ومن يقول بغير ذلك فعليه أن يقدم لنا الدليل من الشريعة والسنة النبوية ،وانا كمواطنة سودانية ألتزم بدستور السودان وبإتفاقية السلام التى أسفرت عن تطبيق قوانين فى شمال السودان مستمدة من الشريعة الإسلامية ،ايا كان رأيى فى ذلك .
-ماذا أردت أن تقولى بإصرارك على المحاكمة حتى آخر المدى ؟
=أردت أن أقول أن هذه الواقعة التى ألقى القبض على فيها ضمن فتيات أخريات ،عرفت لأن صحفية هى أنا كنت من بينهن ،لكن هناك عشرات الآلاف من الفتيات تم جلدهن من قبل ولم يسمع بهن أحد ،وإستمرار وجود المادة 152 فى القانون من شأنها أن تدفع إلى مزيد من الحملات ،التى ستطول مزيدا من النساء والفتيات ،وربما لاتكون بينهن صحفية .
-هناك حديث عن عفو رئاسى قد يصدر بشأنك ..هل تقبلينه ؟
= أقبله إذا تزامن مع إلغاء أو إتجاه لإلغاء القوانين والمواد المهينة والمحطة لكرامة المرأة .
-وهل ترين ذلك ممكنا فى وقت قريب ؟.
=هناك تصريح جيد لوالى الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر يدعو لتعديل قانون النظام العام ،وهو إتجاه جيد أشيد به ،وعلى منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية والجهات القانونية تقديم مقترحاتها لولاية الخرطوم ،التى يطبق عليها وحدها قانون النظام العام ،أما بالنسبة للقانون الجنائى لعام 1991،والذى صاغه الدكتور حسن الترابى وصحبه ،فإننى أطالب وأتوجه للرئيس بأن يصدر مرسوما أويبتدر مشروع قانون جنائى بديل ،وهذا من حقه ،من أجل ألغاء المواد المهينة للمرأة والمحطة لكرامتها ،والتى تقود كل المجتمع لرمى المحصنات فتشيع الفاحشة ،وهذا ليس من مقاصد الشريعة .
-هناك من يرى أنك تسعين لتصعيد القضية ولاتقبلين الحلول والتسويات التى قدمت؟
=إذا كنت أنظر لها كقضية شخصية ل”فتحت حقيبتى” وقت القبض على وإنتهى الأمر ،لكننى أرى الموضوع أكبر من ذلك بكثير ،هو موضوع حريات وحقوق المرأة والمجتمع بأكمله ،ولذا رفضت أى حل فردى ،وكان يمكن بحصانة الأمم المتحدة التى أتمتع بها أن ينتهى الأمر .
-هل حاول أحد من المسئولين الكبار فى الدولة الإتصال بك والتفاهم معك على طى القضية ؟
=نعم كثيرين بدون ذكر أسماء ،حدث ذلك لأننى صحفية مشهورة ،لكن من للنساء الضعيفات غير القادرات على الشكوى ،واللواتى لايستطعن مواجهة المجتمع بعد جلدهن ،والذىن يصبح بعد ذلك الجلد وصمة عار على جبينهن ،لأن المجتمع لايتخيل انهن جلدن لمجرد إرتدائهن ملابس صنفها البعض تبعا لاهوائهم .
-البعض قال إنك تسعين للشهرة وإلى إحداث فرقعة إعلامية ؟
=لم ألق القبض على نفسى ….كنت فى حفلة ولم أكن فى ندوة أو ورشة عمل ،كنت فى مكان عام يرتاده عدد كبير من الناس العاديين والأسر .
-يقال أنه يقف خلفك ناشطين وأحزاب معارضة دفعتك لتحويل قضية عادية إلى محاولة للتعريض بالمؤتمر الوطنى الحاكم ومشروعه الإسلامى ؟
= كان على من يقول بذلك أن يسأل قائد الحملة الذى قام بإعتقالى هل دفعته جهات للقبض على .
-هل كان أمر القبض عليك عملا عشوائيا أم مقصودا من وجهة نظرك ؟
=لا أستبعد تما أن يكون مقصودا ،ولاأرجحه تماما ،لكن هناك إستهداف لكل النساء .
-كيف مرت عليك لحظات إلقاء القبض عليك ؟
=كل ما كان مايشغلنى وقتها هو تهدئة البنات الأخريات اللاتى قبض عليهن معى ،وبعضهن كن صغيرات السن،وكن فى حالة سيئة ،وقد عقوبن بالجلد،وأنت تعرفين القيود فى المجتمع الشرقى،وأكثر ما أزعجنى فى هذه القضية أن إحدى الفتيات التى تم القبض عليها وهى فتاة صغيرة وقدجاءت لمكان الحفل العام مع أخواتها لكن لأنها الوحيدة التى كانت ترتدى بنطالا ألقوا القبض عليها تركها خطيبها لما علم بالأمر لأنه لم يكن قادرا على فهم حقيقة ماجرى ،لكن ما أسعدنى فى وقت لاحق أنه إتصل بى بعد تصعيد القضية وقال لى أنه فهم الأن ماحدث وأنه يشعر انه أخطأ فى حق خطيبته وعادت المياه لمجاريها بينهما .
-هل كنت ترتدين ذات الزى الذى تظهرين فيه دائما فى المحكمة ووسائل الإعلام ؟
=نعم هو هذا الزى،ولا أراه بالطبع زيا فاضحا،فهو زى محتشم .
-ولماذا وجهت كروت دعوة لحضور محاكمتك وجلدك ؟
=لوكنت فى أوضاع عادية لكتبت مقالا عما حدث ونشرته ،لكن الرقابة القبلية على الصحف تحول دون ذلك ،وخشيت ألا ينشر الموضوع ففكرت فى بديل ،ولم تكن هناك خيارات ،ففكرت فى كروت الدعوة التى وجدتها أسهل وأسرع وسيلة لنقل ماحدث ،وقمت بتوجيهها إلى الصحفيين وعلقتها على مداخل الصحف ،كما وجهتها إلى وسائل الإعلام والمراسلين الاجانب بالخرطوم ومنظمات المجتمع المدنى ،فتلقفت منتديات الإنترنت التى ليس عليها رقابة الدعوة ،وفوجئت بعد يوم بهيئة الإذاعة البريطانية تجرى معى حوارا حول القضية على الهواء مباشرة ،ومن وقتها أصبحت قضية رأى عام عالمى ،ووجدت تضامن كبير جدا من مختلف أنحاء العالم وفى العالم العربى والسودان ،وقد سعدت جدا بهذا التضامن لأنه يجدد الثقة فى الإنسانية .
-وهل تشعرين أنك قادرة على مواجهة السلطات والمضى فى تحديها ؟
=أنا لا أقاوم أى شخصا بعينه أو سلطة بعينها ،وإنما أقاوم موادا جائرة فى القانون،وقناعتى أن الحق سينتصر فى النهاية وليس القوة ،وأنا لاأعتبر اى شىء تقدمه الدولة من أجل التصحيح تنازلا ،وليست القضية من كسب ومن خسر ،وإنما المهم هو المصلحة العامة ،كما لاأشعر اننى وحيدة فى هذا الأمر فأنا اشعر أن كل الشعب السودانى يقف معى .
-لكن ألاترين أن الأمور ليست بمثل هذا السوء بالسودان ،وأن هناك تحولا وإنفتاحا حدث بالسودان ؟
=نعم هناك تحولا كما ذكرت ،لكن هناك إزدواجية فى المعايير وكيل بمكيالين ،وهناك نوعين من الشرطة فى الخرطوم ،شرطة النظام العام الذى يبطش ويضرب السودانيين العاديين ،وفى الوقت نفسه توجد شرطة آخرى تقوم بحماية كبار الناس الذين لايتعرض لهم أحد ولايسأل أحدهم مع من يمشى ،وأن أقول إذا كان مايطبق هو الشريعة فلماذا لاتطبق على الجميع .
-وكيف ترين سيناريوهات المستقبل بالنسبة للقضية ؟
=كل الإحتمالات مفتوحة ،وأستعد لها جميعا ،بما فيها التهديد الذى تلقيته بالقتل ،وأؤمن بالطبع أن الأعمار بيد الله .