الصادق المهدي لـ«الشرق الأوسط»: البشير غير متطرف لكنه قابل للحماسة
رئيس حزب الأمة يحذر من تشكيل ذهنية «القاعدة» في السودان.. واعتبر جلد فتاة الفيديو مخالفا للشريعة * * ضرب ابنتي مريم وسجن رباح من مستحقات حب الوطن
فايز الشيخ
وصف رئيس وزراء السودان السابق رئيس حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، الرئيس عمر البشير بـ«المتحمس» ورفض أن يكون «متطرفا» وقال: «هو يحمل مزاج أبناء البلد في السودان»، لكنه «قابل للحماسة»، في حين حذر المهدي في حوار مع «الشرق الأوسط» من تمدد تيارات الغلو الديني في السودان وتشكيل ذهنية وقاعدة لتنظيم «القاعدة». وحذر المهدي الولايات المتحدة من سياسات «اللعب بالنار»، لأن تيارات الغلو الحالي باسم الإسلام سوف تقدم المبرر النظري للشباب الذين سيندفعون لتنفيذ تلك الرؤى المغالية في فهم الإسلام، وذلك ردا على سؤال حول وجود تيار في واشنطن يدعو إلى احتواء النظام الإسلامي في الخرطوم وتوظيفه في محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط وأفريقيا. وحول تعرض ابنته مريم للضرب بواسطة الشرطة لمشاركتها في مظاهرة سلمية يوم الجمعة الماضي وسجن شقيقتها الأخرى رباح قال: «أنا لم أستغرب.. وهذه أول كلمة قلتها: لا مستغرب أن تكونا وطنيتين، ولا مستغرب أن يضربهما الجلادون».
* حددتم السادس والعشرين من يناير (كانون الثاني) تاريخا لقبول خياراتكم التي طرحتموها على المؤتمر الوطني بتشكيل حكومة قومية ومطالب أخرى، لماذا هذا التاريخ بالتحديد؟
– وضعت هذا التاريخ لأنه مهلة كافية للتفكير وتيمنا بيوم تحرير الخرطوم في 26 يناير 1885، من الاستعمار التركي، وانتصار الثورة المهدية على الاستعمار، وباعتبار أن هذه المهلة كافية للتفكير، باعتبار أن البلد في خطر شديد، ونحن محتاجون لأجندة وطنية فيها ضرورة التعامل الوطني العقلاني مع الجنوب؛ وهذا يعني أن نتكلم – ولو نظريا – عن الشروط الأفضل الندية للوحدة، حتى إن لم تجد العناية والرعاية والتأييد الآن، لكنها على الأقل تظل مرجعية بالنسبة للمستقبل، وكذلك ضرورة التحدث عن العلاقات بين دولتي السودان اللتين يجب أن تقوما على أساس احترام متبادل في كثير من الملفات، وعلى كل حال تجنب الحرب، وتجنب خلق مشكلات في ما بينهما، ونحن نعتقد أن هذا جزء مهم من الأجندة الوطنية، وأيضا ضرورة حل مشكلة دارفور بالاستجابة لمطالب أهالي دارفور وموضوع الحريات، وموضوع التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية على أساس عقلاني، وليس الكلام السطحي بأنه يمكن إهمالها، وأنها ستحل وتمضي وحدها، وكذلك المسألة الاقتصادية.
هناك وقت كاف للاتفاق على هذه الأجندة الوطنية، وعلى الآلية التي ستنفذها، وهي الحكومة الجامعة، وإذا تم الاتفاق في غضون هذه الفترة على هذه الأجندة فيمكننا إيجاد مخرج للبلد، ونكون قد أخدنا زمنا كافيا من الآن إلى 26 يناير للتفكير في هذه الأمور، وعندما يحين تاريخ 26 يناير أكون قد حددت ما إذا كنا نستطيع بوسائلنا المدنية أن نحدث التغيير المطلوب، وذلك باعتبار أنه أصلا سيبقى هناك نوع من الاستقطاب الوطني حول الأجندة الوطنية، أم يصبح من غير الممكن لأي سبب من الأسباب. وفي هذه الحالة طرحت الخيار الآخر الذي هو التنحي، ولكن ليس التنحي عن السودان والعمل العام، ولكن التنحي عن العمل السياسي، ويمكن أن نعمل في ملفات أخرى. وأعتقد أن وضع الأمر بهذه الصورة يعطي إعلاء لأهمية الحدث، لأنه – للأسف – هناك من يتكلم عن الحدث وكأنه «بلى وانجلى» وليس التفكير في أن هذا بلاء حل بالبلاد، ولذلك أنا أيضا اتخذت الموقف الذي فيه خيارات جذرية من هذا النوع ويساعد على نقل الذهنية الاستخفافية بما يحدث وغير المسؤولة إلى ذهنية جادة في التعامل مع هذه الخطوة الخطيرة.
* لديكم تجارب طويلة مع نظام الإنقاذ منذ عام 1989 ودخلتم معه في حوارات كثيرة واتفاقات، هل أنتم متفائلون بقبولهم حكومة قومية وحل دارفور والحريات وما وضعتموه من خيارات؟
– الدلائل تشير إلى الرفض، وأنا أعتقد أن في داخل المؤتمر الوطني وعلى مستويات مختلفة هناك وطنيين وعقلاء، ولكن الأمور في رأيي في أيدي أشخاص أجهضوا قبل هذا اتفاق التراضي الوطني، وأجهضوا اتفاق نداء الوطن، وما داموا موجودين فسيغلقون الباب أمام هذا التفكير، ولكن على أي حال نحن لا نعتبر أنفسنا في مباراة بيننا وبين المؤتمر الوطني، ولكن بيننا الشعب السوداني، وبيننا الأسرة الدولية، وبيننا العالم، ليحكم، لأننا عندما نقول كلاما معقولا مثل هذا، يرفض أولا، وحتى إذا رفض من قبل الصقور سيكون مقبولا لدى عقلاء في المؤتمر الوطني.
* هل تعتقد أن هناك عقلاء داخل المؤتمر الوطني؟ البعض لا يرى ذلك..
– نعم أعتقد أن هناك عقلاء. وكثير منهم غير راضيين عما يحدث.
* هل تصلكم رسائل من بعضهم مثلا؟
– نلتقي مع كثير من الأطراف اجتماعيا، والمجتمع السوداني طبعا هو مجتمع عجيب، الناس يلتقون في المآتم والأعراس، ويتحدثون، وأنا ليس عندي شك في أن هناك داخل المؤتمر الوطني من هم غير راضيين عن السلوك المتشدد هذا، ولكن نحن – وكما أقول دائما – نأخذ موقفا من هذا النوع، أولا نخاطب هؤلاء، وثانيا نخاطب الرأي العام السوداني الذي، ولمدة طويلة، كان يسوده نوع من عدم الاهتمام الكافي بحسم الأمور، ونحن نخاطبه ليدرك هذه العوامل، ونخاطب دول الجوار والأسرة الدولية لأن الأسرة الدولية، ولزمن قريب، مشغولة بعملية الاتفاق بين الطرفين ومشكلة الاستفتاء، ولا شيء آخر مهما، وغير مهتمين مثلا بماذا سيحدث بعد انفصال الجنوب، مع أن استقرار الأوضاع في الشمال مهم جدا لاستقرار الأوضاع في الجنوب.
* لو توقفنا عند الأسرة الدولية، مثلا الولايات المتحدة بالتحديد قدمت مشروعا من ست أو سبع نقاط حول الاستفتاء ودارفور، ولكن لم تشر إلى الشمال ولم تشر إلى التحول الديمقراطي والحريات ولو بكلمة، إلى ماذا ترجعون الأمر؟
– أنا أعتقد أن في الولايات المتحدة هناك خللا أساسيا، السياسات الخارجية ترسمها «لوبيات»، وما تراه هذه «اللوبيات» يؤثر على سياسة الإدارة، «اللوبيات» الموجودة الآن مهتمة بأن يجرى الاستفتاء وتولد دولة الجنوب دون اهتمام كاف بما يحدث لدولة الشمال، بينما أي تفكير عاقل يرى أنه من الضروري جدا أن تكون دولة الشمال نفسها راشدة حتى لا تكون فيها نزعات لتخريب دولة الجنوب، والآن الكثيرون في الولايات المتحدة ينظرون من زاوية ضيقة جدا، فهم أولا لم يهتموا أبدا بالانتخابات وهذا دليل على عدم الاهتمام بالديمقراطية، لأننا كنا نتكلم عن أن الانتخابات يجب أن تكون حرة ونزيهة، وهم لا يعنيهم هذا ويهتمون بأن تجرى بأي صفة حتى تفسح المجال للاستفتاء في نظرهم، وهذا فيه درجة عالية من الاستخفاف بالديمقراطية والحريات وتناقض مع حديثهم عن الاهتمام بالحريات والديمقراطية، ثانيا الفكرة السائدة الآن أن الولايات المتحدة تعاني من إخفاق سياساتها في المنطقة، فهي فاشلة في أفغانستان وفي العراق، وتريد أن تقدم انفصال الجنوب لدولة مستقلة كإنجاز للسياسة الخارجية من دون نظر في ما يجب أن يحدث لكي تعيش هذه الدولة في سلام مع جيرانها خصوصا السودان الشمالي، هم غير مهتمين بهذا الجانب، لذلك أنا في رأيي هذه سياسة قصيرة النظر، حتى من زاوية عطفها على الجنوب كان ينبغي أن تكون مدركة بأن لا يسمح للاستفتاء أن يكون هو نفسه سببا لحروب جديدة.
* هناك تيار يعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية تفضل في الوقت الراهن نظاما إسلاميا يمكن احتواؤه بحيث يوظف في الحرب على الإرهاب، وهذا النظام هو الأفضل للقيام بهذا الدور؟
– مؤكد هناك تفكير مثل هذا، لكن الجديد في رأيي أن النظام في نفسه ولأنه رفع شعارا إسلاميا، والواقع أجبره لعمل تسويات أطلق الآن تيارات غلو إسلامي، وتيارات الغلو الإسلامي هي في حقيقة أمرها المبرر النظري لحركات العنف السياسي، وليس هناك شك في أن الصوت الذي صار يعلو في الأوساط السودانية الإسلامية يشكل القاعدة النظرية للعنف السياسي باسم الإسلام، وأعتقد أنه من الآن فصاعدا سيكون من الواضح أن اللعب بالنار، واللعب بالنار سيؤدي إلى حرائق، والولايات المتحدة ستجد نفسها أول من يعاقب على هذا الموقف لأن تيارات الغلو الحالي باسم الإسلام سوف تقدم المبرر النظري للشباب الذين سيندفعون لتنفيذ تلك الرؤى المغالية في فهم الإسلام.
* هذه التيارات المتشددة أو تيارات الغلو كما أسميتها، هل تعتقد أن لديها علاقة مع المؤتمر الوطني أم أن نشوءها مرتبط بأجواء التحولات في الشعارات الإسلامية؟
– مؤكد لديها علاقة مع المؤتمر الوطني، والمؤتمر الوطني الآن فيه طيف عريض جدا من الرؤى والأفكار، وهذا الطيف لأن المؤتمر الوطني يفتقر إلى الديمقراطية داخله وليس فيه أي مناظرة بين هذه الأطراف المختلفة، هناك البعض ممن يتبنون نظرة دينية وسطية ويقولون ذلك في منابر مختلفة؛ وهناك مثل الطيب مصطفى (خال الرئيس البشير وصاحب منبر السلام الذي يدعو إلى فصل الجنوب)، والطيب مصطفى ليس عضوا في المؤتمر الوطني ولكن يمثل رأي كثير جدا من كوادر المؤتمر الوطني، وهو رأي عنصري ويريد أن يتخلص من الجنوب للأجندة «الإسلاموية» العنصرية، وهناك آخرون ضد تيار الطيب مصطفى من زاوية أن الجنوب جزء من أرض الإسلام التي فتحتها سيوف المسلمين، وتقرير المصير للجنوب حرام، هؤلاء جميعا يشكلون «مزايكو» وطيفا من الأفكار داخل المؤتمر الوطني، وهناك من يكفر من وقعوا على اتفاقية السلام الشامل، وهناك من يؤيد اتفاقية السلام باعتبارها أفضل ما حدث، وكل هذه الأطياف موجودة في المؤتمر الوطني، ونحن من خلال مقابلاتنا مع شخصيات مختلفة منهم نلمس هذا التباين، ولذلك مثلا عندما حدث الكلام الذي وقع في القضارف عن عدم الاعتراف بالتعددية والتنوع (حديث الرئيس البشير الأسبوع الماضي)، هناك أصوات داخل المؤتمر الوطني تحدثت بشكل مختلف، وهذا يدل على أن المؤتمر الوطني أشبه بـ«صحبة مراكبية» وليس مؤسسة؛ كل راكب يتكلم بلغته هو، وهذا أخطر ما في الأمر، والآن البعض داخله يعتقدون أن الموقف خطير ويحتاج إلى وقفة وطنية، وآخرون يعتقدون أنه قد آن الأوان ما دمنا تخلصنا من الشريك المشاكس أن نبطش بالآخرين، وفي رأيي أن واحدة من مشكلات السودان الآن هي أزمة داخل المؤتمر الوطني، ماذا سيفعل المؤتمر الوطني إزاء التحدي الذي يواجه البلد؟ هناك من يريد أن يحمل القوى السياسية وزر انفصال الجنوب، وهناك من يرى أن انفصال الجنوب إنجاز يحتفل به، فأنا أعتقد، في خلاصة بسيطة، المؤتمر الوطني الآن فيه طيف عريض جدا ويتحدثون كألسنة بابل كل واحد يتحدث بلسان.
* هذا يقودنا إلى خطاب البشير في مدينة القضارف، كل العالم سمع حديث الرئيس البشير عن التعدد.. هل تعتقدون أن الرئيس مع تيار التطرف؟ ولماذا في اعتقادكم الحديث في مثل هذا الوقت عن الشريعة الإسلامية، ومعلوم أن هناك تشريعات منذ عام 1991 في القانون الجنائي وغيره من القوانين؟
– حقيقة الكلام غير مفهوم لأنك لا يمكن أن تتحدث عن تطبيق الشريعة الإسلامية بينما أنت أعلنت أن انقلابك تم لتطبيق الشريعة، فكيف تطبق الشريعة بعد 21 عاما؟ ثانيا هناك أناس خاضوا جهادا، وماتوا باسم تطبيق الشريعة فما هو حكم هؤلاء؟ وفي اعتقادي هذا الكلام غير مفهوم قوله في مثل هذا الوقت وغير معقول ومرفوض أيضا، خصوصا الحديث عن أن السودان لا توجد فيه تعددية، الإسلام فيه تعددية «وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ» و«إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، التباين والتنوع في كل جوانبه الدينية والإثنية والثقافية جزء من نظام الكون «وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ»، وهذه كلها آيات تدل على أن التركيبة البشرية فيها التنوع. ولا يمكن أن نتحدث عن التركيبة البشرية من دون الاعتراف بهذا التنوع، أما الكلام عن ما حدث بالنسبة للسيدة التي جلدت، فهذا كلام مرفوض، الشريعة عندها أحكام ويجب تطبيقها بالضوابط الشرعية، وما حدث لا علاقة له بالشريعة وإنما عملية انتقام ولا شك أنها لا يمكن أن تقدم باعتبارها كتطبيق لحد من حدود الله، ولا أن يقدم هذا كوسيلة لعقاب بشر، لأن هذه السيدة ضربت في وجهها وفي بطنها وفي كل جزء من جسمها.. لا يوجد مثل هذا الضرب في الشريعة، وحتى عندما يكون هناك ضرب يكون على الكفين أو القدمين أو الإلية، وبطريقة منضبطة جدا، والسوط لا يعلو عن الوضع الأفقي، هناك ضوابط لهذه الأمور والطريقة التي تمت بها تذكر بالعذاب غير المرتبط وغير المنضبط بضوابط الدين، وليس هناك من شك أن هذا العمل لا علاقة له بالإسلام، ونحن نبرئ الإسلام تماما منه، وهذا مشهد لا بد من التحقيق فيه وإظهار الحق.
* هناك قصص كثيرة في السياق ذاته مرتبطة بمنظومة قوانين النظام العام والقانون الجنائي، أنت كزعيم إسلامي وإمام لطائفة دينية معروفة من وجهة نظركم ما هي الفلسفة من سن مثل هذه القوانين التي تجلب للإسلام الانتقادات؟
– أنا كتبت كتابا حول هذا الموضوع هو «العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي»، الإسلام يبدأ بإقامة نظام اجتماعي قوي فيه العدالة الاجتماعية وفيه الشورى والمشاركة وفيه العدل، ويجب إقامة النظام الإسلامي الصحيح أولا ثم تطبق العقوبات، العقوبات وسيلة لحماية المجتمع المسلم، لكن، للأسف الشديد، وكما حدث في عهد نميري، وكما حدث في حكم ضياء الحق بباكستان لاستقطاب سند شعبي، يمضون في تطبيق العقوبات الإسلامية قبل أن يكون المجتمع مسلما، والمجتمع الذي نعيش فيه حاليا فيه ظلم اجتماعي، فيه مفارقات كبيرة جدا، فيه عوامل خطيرة جدا في تركيبته، إن المجتمع الإسلامي هو المهمة الأولى وبعد ذلك العقوبات، والعقوبات لحماية النظام الإسلامي، وتطبيق العقوبات الإسلامية كأولوية دون إقامة العدالة الإسلامية خطأ وخطر على الإسلام.
* إذن، في اعتقادكم لماذا يصر أهل الإنقاذ على تطبيق العقوبات وبهذا الشكل المجحف، كما تصفونه؟
– لا أدري، ولكن أعتقد أنهم يجلبون لأنفسهم النقد الإسلامي والنقد السوداني الوطني والرفض، لأن هذا هو السلوك نفسه الذي سلكه جعفر نميري، وهو نفسه أدرك في النهاية الخطأ بعد فوات الأوان، الآن وأنا أخاطب بصورة أساسية كل الأطراف المعنية بالإسلام، أعتقد أننا وكما نحتاج إلى جلسة للمصير الوطني نحتاج إلى جلسة لمصير التأصيل، لنضع ضوابط للتأصيل: ما هو التأصيل؟ لأننا إذا لم نفعل ذلك فستكون هناك برامج تطبق بوسائل تضر بالإسلام وتسيء إليه وتمزق الجسم الإسلامي نفسه.
* بالعودة إلى الحديث نفسه المرتبط بخطاب الرئيس في القضارف، هذا الحديث ربما تكون له تداعياته الخارجية، وخصوصا الإقليمية في مصر وإثيوبيا وإريتريا وبعض دول الجوار، لماذا في هذا الوقت والمؤتمر الوطني يعلم أنه قد يعيد تجربة التسعينات؟
– لا أستطيع أن أفهم لماذا، لأنه – كما أقول – يجب في الوقت الحاضر أن نعي الدرس الذي حدث في الـ21 عاما الماضية، ونرى كيف نعالج المشكلات، لا أن نعيد المشكلات نفسها، عندما نقول ليست هناك تعددية فنحن نقول لكل أهل السودان الذين لهم هويتهم وتعددهم الثقافي والإثني والديني: إنكم إن لم تكونوا مسلمين وأيضا ملتزمين بخط المؤتمر الوطني في الإسلام، وإن لم تكونوا عربا فلا مكان لكم في السودان، وهذا هو الذي أدى بالجنوب إلى حق تقرير المصير، وسيؤدي إلى نفس الفكرة في كل أنحاء السودان، كيف يكون هناك إنسان يصدر منه مثل هذا الحديث في هذه المرحلة؟! أنا شخصيا لا أفهم أبدا، وأعتقد أن هذا الموقف هو موقف الوعي من التجربة وأخطاء الـ21 عاما الماضية لتحسين المسيرة الوطنية ولتطمئن أهل السودان جميعا أننا سنحترم التعددية الدينية والتعددية الثقافية والإثنية، وسنحترم ضرورة الوحدة في ظل التنوع، وهذه هي الرسالة التي يجب أن نرسلها، وأي رسالة غير هذه خطأ وخطر على السودان.
* في ضوء حديثك عن التطرف والتيارات الموجودة داخل المؤتمر الوطني، كثيرون يتحدثون عن أن الرئيس البشير غير متطرف وأنه إنسان سوداني عادي، وأنت أيضا قابلته كثيرا، فهل تعتقد أنه متطرف من وجهة نظرك أم أن هناك أوراقا سياسية؟
– لا.. أنا لا أعتقد أنه متطرف، وأنا دائما أقول هذا الكلام، ولكنه قابل للحماس. ووارد جدا جدا هناك جماعات ضغطت في هذا الاتجاه، وهو تجاوب معها، ولكن مزاجه الشخصي في اعتقادي مزاج ابن البلد السوداني العادي، وليست فيه هذه النزعة، وفي هذه الموضوع لا شك أنه تحدث بلسان تيار متطرف، وليس من الضروري أن يكون هذا التيار داخل المؤتمر الوطني.
* بعض هذه التيارات حرمت نشاط قوى سياسية مثل الحركة الشعبية.. هل تعتقدون أن هناك دوافع سياسية لهذا الموقف، أم أن لـ«القاعدة» وجودا داخل السودان يدفع مثل هذه الآراء؟
– الكثير من الناس يعتقدون أن «القاعدة» تنظيم، ولكن أنا في رأيي «القاعدة» ذهنية، وبموجب هذه الذهنية يتصرف أناس بطريقة لا مركزية وليس من الضروري أن تأتي تعليمات من قيادة «القاعدة»، هناك ذهنية تقوم على اجتهاد إسلامي يقوم على ضرورة تطبيق هذه الأحكام، ومن لا يوافق على ذلك فهو كافر، سواء كان مسلما أو غير مسلم، كما أن الكافر مستباح الدم ودمه هدر، وفي رأيي، نحن لدينا أسباب كثيرة جدا تؤدي إلى هذا الموقف، أولا: وجود الاحتلال الأجنبي الذي يعطي المبرر للعنف، ثانيا: وجود الاغتصاب الأجنبي كما هو موجود في فلسطين، ثالثا: وجود الظلم الاجتماعي، وهؤلاء الناس يبدو أن موقفهم هو أن وجود هذه المظالم يجب أن يزال بالقوة، ونحن كدعاة لما نسميه الوسطية الإسلامية نرى ضرورة التحرر من الاستعمار ومن الظلم الداخلي وحل مشكلة فلسطين، ولكن ليس بأسلوب العنف الفردي المباشر الذي تتبناه «القاعدة»، لكن ذهنية «القاعدة» موجودة في كل مكان، وواضح أنها موجودة في السودان، وما حدث مثلا بالنسبة لاغتيال الدبلوماسي الأميركي غرانفيل في الخرطوم قبل عامين، هو جزء من هذا الكلام ويجب أن ننتبه إلى أن هذه الذهنية موجودة، وإذا لم تعالج المشكلات، فإن هذه الذهنية ستقود السودان إلى الفتنة.
* السيد الصادق أسألك سؤالا شخصيا جدا، أنت كأب ما هو موقفك الشخصي وأنت ترى ابنتك د. مريم تضرب بواسطة الشرطة، ورباح تؤخذ إلى السجن؟
ـ هذا ليس بجديد عليهما؛ فأمهما كانت كذلك وأبوهما كذلك، هذا طريق مسلوك، أنا سجنت وأمهما سجنت، والمرض الذي ماتت به جاءها من السجن، وهذه ضريبة الوطن، نحن مستعدون لها، وأنا لم أحرض أحدا ولم أقل له اذهب ولا تذهب، لكن أعتقد أن وطنيتهما دفعتهما للتعبير عن مصلحة وطنهما ودفعتا ثمن ذلك، وهذا ثمن الوطنية في السودان ما دام هناك نظام قمع وقهر.
* ما شعورك عندما وصل إليك نبأ أن رباح سجنت وأن مريم ضربت ضربا شديدا؟
ـ «الشيء من معدنه لا يستغرب».. أنا لم أستغرب.. وهذه أول كلمة قلتها: لا مستغرب أن تكونا وطنيتين، ولا مستغرب أن يضربهما الجلادون.
* عادة الآباء في مثل هذه المواقف يحاولون منع أبنائهم من الخروج في مواجهة عنف ومسيرات ربما تقمع..
ـ لا.. أبنائي أنا دائما أقول لهم أريد منكم أمرين أساسيين: تقوى الله وحب الوطن، وهذا يكلفهم ثمنا، أعلم ذلك، ويجب أن يدفعوا مستحقاته.