الصادق المهدي.. زعامتان في عباءة واحدة
يجمع الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي زعامتين في عباءة واحدة، فهو قائد ديني لطائفة أنصار المهدية، وزعيم حزب الأمة القومي السوداني. وأتاحت له مكانته الدينية وحنكته السياسية أن يكون رئيسا للوزراء مرتين خلال عقدين.
لكن تقلبات السياسة في بلد مضطرب أدت به أيضا إلى السجون والهجرة سرا ثم العودة إلى البلاد مجددا ليقود عملية “تأصيل إسلامي مستنير” يواجه بها خصومه الذين انقلبوا عليه عام 1989 تحت راية “الإنقاذ” الإسلامية، وذلك في تزاحم له عنوان واحد عند الخصمين المتناحرين وهو “الصحوة الإسلامية”.
ينحدر الصادق المهدي من عائلة توارثت الزعامة الدينية والسياسية، وهو من مواليد عام 1935 بحي العباسية بمدينة أم درمان العاصمة التاريخية للسودان.
”
خلال دراسته في أكسفورد شارك في عدد من الألعاب الرياضية ووصل في التنس درجة تمثيل كليته في التنافس بين الكليات ولعب كرة القدم والكريكت والقفز العالي
”
تلقى المهدي تعليما حرا في الخلوة بالعباسية وآخر نظاميا في مدارس الخرطوم وكلية فكتوريا في كلية الإسكندرية المصرية، وكان تعليمه المدرسي ذلك متقطعا، فقد نفر منه بدعوى أنه يسلخ الطلاب عن هويتهم العربية الإسلامية، لكن ذلك لم يمنعه من العودة لاحقا إلى استئناف دراسته في الخرطوم ثم في بريطانيا حيث تخرج في جامعة أكسفورد بدرجة الشرف في الاقتصاد والسياسة والفلسفة.
وانخرط الصادق الشاب في الأجواء الطلابية فكان جزءا من أجواء الإسلاميين نظرائه إلى جانب قربه من الاشتراكيين مخالفي رؤاه الفكرية، وأظهر ميلا إلى الاندماج في حياة الطلاب ونضالاتهم السياسية والفكرية، كما أن ذلك لم يمنعه من التبسط في الإقبال على الأنشطة الطالبية، فخلال دراسته في أكسفورد شارك في عدد من الألعاب الرياضية ووصل في التنس درجة تمثيل كليته في التنافس بين الكليات ولعب كرة القدم والكريكت والقفز العالي.
لدى عودته إلى السودان، كان أول ظهور للصادق في الساحة السياسية هو معارضة نظام الفريق إبراهيم عبود الذي قاد أول حكم عسكري في تاريخ البلاد في نوفمبر 1958، وقد انتخب الصادق المهدي رئيسا لحزب الأمة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1964، وقاد جهودا بتنظيم مناصريه إثر انشقاق حزبه على إثر الخلاف مع الإمام الهادي المهدي.
كان من أوائل المنادين بضرورة الحل السلمي لقضية جنوب السودان، حيث أصدر كتابه “مسألة جنوب السودان” في أبريل/نيسان 1964، ونادى فيه بالأفكار التي كانت أساس الإجماع الوطني لاحقا من أن مشكلة الجنوب لا يمكن أن تحل عسكريا.
رئاسته الأولى والثانية للوزراء
إبان ما يعرف بالديمقراطية الثانية في السودان، تقلد الصادق المهدي منصب رئيس الوزراء عن حزب الأمة في حكومة ائتلافية مع الحزب الوطني الاتحادي في 25 يوليو/تموز 1966 خلفا لمحمد أحمد المحجوب الذي قاد جزءا من عضوية حزب الأمة بالبرلمان للمعارضة.
سعى المهدى بحكومته إلى كتابة دستور دائم وحل قضية الجنوب ثم إجراء الانتخابات التكميلية في الجنوب في مارس/آذار 1967.
وقد خاض حزب الأمة انتخابات 1968 منشقا ثم التأم مرة أخرى في 1969، ولكن قوته تقوضت بسبب انقلاب قام به العقيد جعفر النميري في 25 مايو/أيار 1969.
تعرض زعيم حزب الأمة في فترة حكم النميري إلى مصاعب جمة، فقد طورد وسجن ونفي ووضع تحت الإقامة الجبرية، وقد أفرج عنه عام 1974 ليغادر البلاد بسبب مرض ألم به، ثم بدأ جولة عربية وأفريقية وغربية معارضا فيها نظام النميري وداعيا للحل الإسلامي ومبشرا بالصحوة الإسلامية.
وفي هذه الأثناء تكونت جبهة إسلامية في الخارج بقيادة المهدي شملت حزب الأمة والحزب الاتحادي وجماعة الإخوان المسلمين، قادت حركة مسلحة عام 1976 للإطاحة بنظام النميري لكنها فشلت، وعالج النميري آثارها بإعلانه إصلاحات سياسية في إطار ما سمي بالمصالحة الوطنية.
”
جاهر بمعارضته قوانين الشريعة الإسلامية التي أعلنها النميري عام 1983 وقال إنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به
”
إثر ذلك عاد زعيم حزب الأمة في عام 1977 ولكنه سرعان ما تبين خواء هذه المصالحة فابتعد عن الحكم وركن إلى المعارضة السلمية للنظام.
حينما أعلن النميري تطبيق قوانين “الشريعة الإسلامية” في عام 1983 اعتبرها الصادق المهدي أكبر تشويه للشرع الإسلامي، وعقبة في سبيل الصحوة الإسلامية، فجاهر بمعارضة تلك القوانين التي قال عنها إنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، مما أدخله في عنت جديد مع النظام القائم.
ومع قيام الانتفاضة الشعبية الثانية في السودان عام 1985 (الانتفاضة الأولى كانت في أكتوبر 1964)، حدثت انفراجة سياسية في البلاد، وأجريت انتخابات ديمقراطية قادت الصادق المهدي لرئاسة الوزراء عام 1986، لكن ما سمي “الديمقراطية الثالثة” لم تدم طويلا، فقد قاد نظراء المهدي في طرح الحل الإسلامي انقلابا جديدا عام 1989 سمي “ثورة الإنقاذ” جاءت بالعميد عمر حسن البشير وأنصاره من الإخوان المسلمين إلى السلطة.
“تهتدون” ثم “تفلحون”
حقبة الإنقاذ، دفعت المهدي إلى السجن والمعارضة ثم محدودية الحركة والتضييق على النشاط، فغادر البلاد سرا إلى إريتريا عام 1996 ضمن عملية هجرة أسماها “تهتدون”. وانضم إلى صفوف المعارضة إلى أن قامت جهود وساطة بينه وبين نظام البشير فعاد في عام 2000 إلى السودان في عملية أطلق عليها اسم “تفلحون”.
انخرط المهدي بعدها في عملية سياسية تفرغ فيها للتعبئة الشعبية والتنظيم الحزبي والتفاوض مع النظام والاستمرار في الاتصالات الدبلوماسية، إضافة إلى تنظيم صفوف حزبه وأنصاره على السواء فانتخب عام 2002 إماما لأنصاره الدينيين، ثم بعدها بعام أعيد انتخابه قائدا سياسيا لحزب الأمة.
وفي 20 مايو/أيار 2008 وقع حزبه اتفاق التراضي الوطني مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم. ويواصل المهدي عمله سعيا إلى ما يسميه حزبه شمول السلام وتأكيد التحول الديمقراطي في السودان والذي يطرح عبرها مشروع “التأصيل الإسلامي المستنير”.
ومارس المهدي النشاط الفكري والكتابي فكتب عشرات الكتب والدراسات في المواضيع السياسية والدينية والاجتماعية وأصدر كتبا عالجت مواضيع مختلفة منها: التطرف الديني وأثره على الأمن القومي السوداني، الديمقراطية في السودان، الأصولية حاضراً ومستقبلا في الفكر والسياسة، المشروع الحضاري الإسلامي العربي والمسألة الإسرائيلية، المصالح الإستراتيجية والمواقف العاطفية، جهاد في سبيل الديمقراطية، الإصلاح الزراعي، وغيرها.
من هواياته: تربية وركوب الخيول، وممارسة رياضتي التنس والبولو، وكذلك الاطلاع على الأدب العربي والعالمي خاصة الشعر العربي.
المصدر: الجزيرة