محجوب حسين٭
■ لم يتعرف السودانيون في مراجعة تاريخهم السياسي الحديث وتاريخ رؤسائهم، دكتاتوريين وديمقراطيين، وفي عوائلهم وزوجاتهم المثنى والثلاث والرباع، وفي «الميسار»عن فساد بين وهو محل للتباهي والإشهار كشأن نظام حكم رئيسهم «البشيري» الذي زعم عند مجيئه بأنه أخلاقي نظيف، بل هو «سماوي» ويريد تحقيق إرادة السماء في الأرض السودانية، ومن ثم نشر تلكم الإرادة السماوية بقدر ما تيسر له في أرض الله الواسعة، وفقا للجـــرعات التي تضخها منظومة «المرسلون الإسلامويون» بلا حدود، الذين تكشف امرهم بأنه عبدة للمال والممتلكات، في غياب أي وثيقة تؤكد ذلك، ولو في إطار حكــــي المشافهــــة بين الجمع السوداني، غير وثيقة بنك ومصارف ومصاريف السلطة التي تم الاستيلاء عليها عام1989.
الغريب كما هو شائع شعبيا أن آخر تقليعات عصابة «النهبولوجيا» أو»السرقتلوجيا»- إن جاز القول- وهو الوجه الحقيقي لفلسفة الرئيس السوداني باعتباره»الزعيم الخالد» والراعي الفعلي لهذا التوجه، وباعتباره إضافة ونقلة نوعية في الأدب السياسي لمجموع الشرعنات التي تنتجها ديكتاتوريات الحالة الخاصة والاستثنائية التي تمكنت مؤخرا من إنتاج «فقه» جديد – وعلى ما يبدو تم تعميمه لكبار عصابتهم التنفيذية المشتركة معهم في فسادهم الجماعي ـ عرف «بصلوات الشكر بعد السباحة»، وهنا على البشر المعرف بالشعب السوداني، الذي تم إلغاؤه واغتياله من دورة الحياة الإنسانية، أن يتخيل في أن احد قيادات حكم النهبولوجيا من «الكلاب الضالة»، كما وصفهم معمر القذافي في حياته، وبعد يوم شاق من العمل المضني لخدمة المجتمع، كما هو معلن، والمكرس أصلا لنهب وسرقة المال كما هو جار العمل به، وعند دخول أحد من هؤلاء – الكلاب الضالة النسخة السودانية، الى أحد قصور الكافورية، او ما شابه الكافوريات- مواقع القوم الذي اختارهم الله واصطفاهم دون عباده من السودانيين، ليسبح في حوضه المائي بدون تسبيح، وهو برمزية لحى التدين او الوقار أو المُثل والأخلاق أو لحسن المظهر أو للسرقة والنهب، وهو ما يرجحه، بل يثبته جمهور فقهاء الشعب السوداني، وبعده يقوم بأدائه لصلوات الشكر على نعم الله أو على نعم الفساد بصحيح القول، إننا أمام اللامتخيل واللامتوقع لفساد حكام السودان، الذين تجاوزا فعل الاتهام إلى كونه صفة اصبحت ضمن المتلازمات الرئيسية والعضوية لتعريف وتصنيف ما يعرف بإسلامويي الخرطوم، الذين يجسدون شكلا من اشكال الطبقة الإستعمارية التي تعاونت وربطت مصالحها مع القوى الاستعمارية في السيطرة على مقدرات الدول في العالم الثالث، بمنهج نفذه حكام الخرطوم بشكل جيد. في هذه الأثناء يستعد الرئيس السوداني وبعد أربعة أسابيع للاحتفاء بسطوته على الدولة والسلطة، وهو يوبيل يفترض ان يشارك جمعه الكريم قيادات وملوك الدول ليعلن للشعب السوداني أن دولته وحكمه وصل إلى غاياته، وحققت مجموعته الأعلى ربحا وتراكما للثروة عبر الفساد المحمي اليوم بالمليشيات ومليشيات الأمن، وكلاهما في خدمتي وفي طاعة أبدية، وأنا نفسي لا أعرف السبب ولكن المؤكد أن حكمي موجود وسوف يحتفل العام القادم بتدشين السنة الأولى للنصف قرن القادم.
في هذه الاثناء كشفت مصادر للمعارضة السودانية أنها توصلت لالتزامات من قيادات سياسية وامنية عليا في عدد من العواصم العربية والآسيوية والغربية بحجز جميع الاموال السائلة والمادية للسودانيين في الخارج، وإعادة التحقيق في مصادرها وشكل تراكمها وإعادتها للشعب السوداني، بعد الإطاحة مباشرة بحكم البشير، على أن تعمل الحكومة الجديدة بالحجز ومصادرة جميع اموال الشعب في الداخل، جاءت في شكل شركات او عقارات…إلخ، كلها واقعة تحت المصادرة في خطة لتجفيف مشروع «السرقتلوجيا» الإسلاموي نهائيا، ولكن السؤال الملازم هو آلية الإطاحة بالحكم القائم في السودان، الذي فتح معه كل الخيارات التي هي جميعها لها من الشرعية والمشروعية، بل هي مبررة بالنظر إلى الحالة الخاصة في السودان. في هذا الإطار يمكن لآلية «الفوضى الخلاقة» بعدما انحصرت الأمور في الخرطوم العاصمة، موقع صناعة ورعاية الفساد، بشكل أكثر تحديدا، من تحقيق نتيجة وطنية، هذه الفوضى الخلاقة قد تسقط نظام الحكم وتؤسس لتسوية عقلانية مقبولة بين كل شركاء الشأن السوداني، ولما لا قد تفتح آفاقا لحل الأزمة السودانية بشكلها البنيوي، في ظل توافر كل عناصر الفوضى الخلاقة في البلاد، واول عناصر الفوضى الخلاقة تتطلب إعادة تأهيل موسى هلال وحميدتي والرفع من طموحاتهما السياسية لموقع صناعة القرار عوض خدمته بأموال يمكن السيطرة عليها وصرفها عوض صرفها لهم، هذه الفوضى الخلاقة ما دامت تشكل حلا للأزمة السودانية، وبما أن الشرعيات كلها قائمة على القوة و»الفهلوة» في السودان، نرى أن الطريق باتت معبدة لتنفيذها بدون خوف أو تخوف، وهي مهمة أسهل من حراسة حكم الديكتاتور، وفيها تتزحزح مراكز قواه وتتفكك في ذهول ومفاجأة لصالح مراكز قوى في الحكم كانت أجيرة في السابق واخرى ثورية في تنسيق وتموقع جيد وتسوية وفقا لمراكز القوى الجديدة، مدنية وعسكرية قد تعجل بتسوية ممكنة ونهائية للسياسي اليومي والإستراتيجي في السودان وتمهد معه في التأسيس لنظام انتقالي يفتح أبواب بناء دولة مؤسسات وبشروط الواقع السوداني وليس بالقفز عليه. أول هذه العتبة تحتاج أن يرسل موسى هلال إشارته بل تلغرافه إلى «حميدتي» في الخرطوم وفورا قبل فوات الآوان، بدون أن يفتح التلغراف أحد، والشرعية الثورية الجديدة هي إسقاط الفساد وحكمه في السودان في مطلب وطني يحقق التفاف الشعب السوداني.
٭كاتب سوداني مقيم في لندن
محجوب حسين٭