الشابة لبنى أحمد حسين التى تواجه عقوبة الجلد بسبب إرتدائها بنطلونا

طفت على سطح الأحداث فى السودان مؤخرا قضية الصحفية السودانية الشابة لبنى أحمد حسين التى تواجه عقوبة الجلد بسبب إرتدائها بنطلونا إعتبره قائد الشرطة الذى القى القبض عليها وأخريات أنه يقع تحت بند أفعال فاضحة ،وتصاعدت القضية بمثول لبنى أمام القضاء يوم أمس الأول أمام القضاء ،وبإصرارها بالتخلى عن
الحصانة الممنوحة لها بموجب عملها فى بعثة الأمم المتحدة بالخرطوم لتتم محاكمتها كمواطنة سودانية .

وفى حوارها معها عبر الهاتف من الخرطوم بدت لبنى مصرة على المضى قدما من أجل تحويل محاكمتها إلى محاكمة لقوانين وصفتها بأنها مهينة لكرامة المرأة فى السودان ،وقالت صاحبة عمود “كلام رجال “الشهير التى كانت تطرح الكثير من الآراء الشجاعة أنها ستستقيل من عملها لتحاكم كمواطنة سودانية ،وأضافت أنها لاتشعر أنها وحيدة فى معركتها وتشعر أن الشعب السودانى كله معها ضد هذه المواد المخالفة للشريعة والدستور وإتفاق السلام السودانى .

وقالت لبنى وهى أرملة الصحفى الراحل عبد الرحمن مختار مؤسس جريدة الصحافة السودانية وأحد رواد الصحافة بالسودان أنها تلقت تهديدا بالقتل من مجهول حذرها من أنها ستلقى فى المحكمة مصير الشهيدة مروة الشربينى ،ولكنها أكدت أنها لاتخشى شيئا لأن الأعمار بيدالله،وأنها لن تقبل عفوا رئاسيا تردد الحديث عن صدوره إلا إذا تزامن مع إلغاء القوانين المهينة للمرأة ،لأن القضية بالنسبة لها ليست قضية شخصية وإلا كانت قد أستخدمت الحصانة أو أسلوب آخرلمعالجتها ،وإنما القضية بالنسبة لها هى وقف القوانين التى تتحرك بموجبها الحملات الجائرة التى قدتطول فى المستقبل آلاف النساء والفتيات فيجلدن دون ذنب أو جريرة سوى إرتداء ثياب قد لاترضى البعض ،كما حدث ألاف المرات فى السابق دون أن يكون بينهن صحفية لتفجر الموضوع ،وليظل الجلد وصمة عار بعد ذلك على جبينهن فى مجتمع لايعرف معنى للفعل الفاضح إلا ممارسة الفاحشة.

إلى أين وصلت قضيتك أمام القضاء ؟

= بدأ النظر فى القضية بالفعل أمس الأول ،وحضر معى محام من بعثة الأمم المتحدة بالخرطوم ومحامين آخرين تطوعوا للدفاع عنى من مختلف التوجهات السياسية ،وقد طلب محامى الأمم المتحدة من المحكمة تطبيق الإتفاق بين الأمم المتحدة والسودان والذى يقضى بألا يخضع أى موظف يتبع الأمم المتحدة سواء من السودان أوخارجه للمحاكمة إلا وفقا لإجراءات معينة ،وقد احتج مدعى الإتهام على ذلك إحتجاجا شكليا ،أما أنا ومحاميى الآخرين فقد طلبنا من المحكمة أن تمهلنى فترة زمنية لرفع الحصانة أو الإستقالة ،فطلب قاضى المحكمة عشر دقائق للنظر فى الأمر،وبعدها قرر أن يمنحنى حق الإختيار مابين التحصن بالحصانة وبالتالى عدم المثول أمام المحكمة أ و مواصلة المحاكمة ،فاخترت تقديم إستقالتى لمواصلة المحاكمة .

-وهل ستستقيلين بالفعل من وظيفتك الإعلامية بمكتب الناطق الرسمى بإسم الإمم المتحدة فى السودان ؟

=تقدمت بإستقالتى بالفعل إلى السيد أشرف قاضى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالسودان ،ولكنه إقترح على أن يمضى الأمران معا ،رفع الحصاتة والمحاكمة ،وأخبرنى أن أمر رفع الحصانة أمر لايستطيع أن يبت به ،وأنه لابد ان تقره الأمم المتحدة من نيويورك .

-وإلى أى الخيارين تميلين ،إلى الإستمرار فى وظيفتك مع رفع الحصانة للمحاكمة أم إلى الإستقالة ؟

=بعد الموقف المشرف من قطاعات الشعب السودانى لمساندتى فى قضيتى ووقوفهم معى وجدت أنه لزاما على الوقوف معهم فى قضاياهم ،ووجدت أن ذلك لايتم إلا عبر قلمى ،وقد قررت الإستقالة التى لم يبت فيها حتى الآن حتى أعود للصحافة الى إنقطعت عنها منذ حوالى عامين ،بسبب إلتحاقى بالعمل فى الأمم المتحدة منذ مارس عام 2008،وقبلها ببضعة أشهر لعدة أسباب أبرزها رقابة الأجهزة الأمنية على الصحف السودانية.

-وماالذى تغير الآن ؟

=رغم أن الرقابة مستمرة ،فهناك فرص أخرى …فى الصحف العربية وغيرها .

-صرت الآن مشهورة بعد القضية …هل قدمت لك عروضا فعلية للعمل بالصحف العربية ؟

=نعم ،ولكن لم أبت بها بعد .

-هل كان هناك تداعيات أخرى للقضية عليك غير التعاطف الذى أشرت إليه ؟

=تلقيت تهديدا من مجهول حذرنى بأننى سألقى فى المحكمة مصير مروة الشربينى المصرية التى لقت حتفها على يد متطرف ألمانى فى إحدى المحاكم ،وقد تقدمت ببلاغ إلى الشرطة .

-وهل ستواصلين تصعيد القضية رغم ذلك ؟

=نعم سأواصل معركتى أمام القضاء ،ليس فقط من أجل الحصول على البراءة ،وإنما من أجل إلغاء المادة 152 من القانون الجنائى لعام 1991 ،لأنها لاتتوافق مع دستور عام 2005 ،ولاتتناسب مع وثيقة الحقوق والحريات فى إتفاق السلام الشامل ،كما لا تتوافق ايضا مع الشريعة الإسلامية .

-كيف ؟

= لأنها تتحدث عن ملابس ،وإسمها أفعال فاضحة ،ووفى المجتمع السودانى مضمون واحد لمصطلح أفعال فاضحة وهو الرذيلة ،وبالتالى فإن إستمرار وجود مثل هذه المادة من شأنه أن يقود المجتمع بأكمله ،وهو ماحدث بالفعل إلى رمى المحصنات وقذفهن ،وهذه جريمة تستوجب معاقبة مرتكبها وفقا للشريعة الإسلامية بالجلد ثمانين جلدة ،أما جلد البنات كعقاب على مايلبسون فليس من الشريعة فى شىء ،ومن يقول بغير ذلك فعليه أن يقدم لنا الدليل من الشريعة والسنة النبوية ،وانا كمواطنة سودانية ألتزم بدستور السودان وبإتفاقية السلام التى أسفرت عن تطبيق قوانين فى شمال السودان مستمدة من الشريعة الإسلامية ،ايا كان رأيى فى ذلك .

-ماذا أردت أن تقولى بإصرارك على المحاكمة حتى آخر المدى ؟

=أردت أن أقول أن هذه الواقعة التى ألقى القبض على فيها ضمن فتيات أخريات ،عرفت لأن صحفية هى أنا كنت من بينهن ،لكن هناك عشرات الآلاف من الفتيات تم جلدهن من قبل ولم يسمع بهن أحد ،وإستمرار وجود المادة 152 فى القانون من شأنها أن تدفع إلى مزيد من الحملات ،التى ستطول مزيدا من النساء والفتيات ،وربما لاتكون بينهن صحفية .

-هناك حديث عن عفو رئاسى قد يصدر بشأنك ..هل تقبلينه ؟

= أقبله إذا تزامن مع إلغاء أو إتجاه لإلغاء القوانين والمواد المهينة والمحطة لكرامة المرأة .

-وهل ترين ذلك ممكنا فى وقت قريب ؟.

=هناك تصريح جيد لوالى الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر يدعو لتعديل قانون النظام العام ،وهو إتجاه جيد أشيد به ،وعلى منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية والجهات القانونية تقديم مقترحاتها لولاية الخرطوم ،التى يطبق عليها وحدها قانون النظام العام ،أما بالنسبة للقانون الجنائى لعام 1991،والذى صاغه الدكتور حسن الترابى وصحبه ،فإننى أطالب وأتوجه للرئيس بأن يصدر مرسوما أويبتدر مشروع قانون جنائى بديل ،وهذا من حقه ،من أجل ألغاء المواد المهينة للمرأة والمحطة لكرامتها ،والتى تقود كل المجتمع لرمى المحصنات فتشيع الفاحشة ،وهذا ليس من مقاصد الشريعة ..

-هناك من يرى أنك تسعين لتصعيد القضية ولاتقبلين الحلول والتسويات التى قدمت؟

=إذا كنت أنظر لها كقضية شخصية ل”فتحت حقيبتى” وقت القبض على وإنتهى الأمر ،لكننى أرى الموضوع أكبر من ذلك بكثير ،هو موضوع حريات وحقوق المرأة والمجتمع بأكمله ،ولذا رفضت أى حل فردى ،وكان يمكن بحصانة الأمم المتحدة التى أتمتع بها أن ينتهى الأمر .

-هل حاول أحد من المسئولين الكبار فى الدولة الإتصال بك والتفاهم معك على طى القضية ؟

=نعم كثيرين بدون ذكر أسماء ،حدث ذلك لأننى صحفية مشهورة ،لكن من للنساء الضعيفات غير القادرات على الشكوى ،واللواتى لايستطعن مواجهة المجتمع بعد جلدهن ،والذىن يصبح بعد ذلك الجلد وصمة عار على جبينهن ،لأن المجتمع لايتخيل انهن جلدن لمجرد إرتدائهن ملابس صنفها البعض تبعا لاهوائهم .

-البعض قال إنك تسعين للشهرة وإلى إحداث فرقعة إعلامية ؟

=لم ألق القبض على نفسى ….كنت فى حفلة ولم أكن فى ندوة أو ورشة عمل ،كنت فى مكان عام يرتاده عدد كبير من الناس العاديين والأسر .

-يقال أنه يقف خلفك ناشطين وأحزاب معارضة دفعتك لتحويل قضية عادية إلى محاولة للتعريض بالمؤتمر الوطنى الحاكم ومشروعه الإسلامى ؟

= كان على من يقول بذلك أن يسأل قائد الحملة الذى قام بإعتقالى هل دفعته جهات للقبض على .

-هل كان أمر القبض عليك عملا عشوائيا أم مقصودا من وجهة نظرك ؟
=لا أستبعد تما أن يكون مقصودا ،ولاأرجحه تماما ،لكن هناك إستهداف لكل النساء .

-كيف مرت عليك لحظات إلقاء القبض عليك ؟

=كل ما كان مايشغلنى وقتها هو تهدئة البنات الأخريات اللاتى قبض عليهن معى ،وبعضهن كن صغيرات السن،وكن فى حالة سيئة ،وقد عقوبن بالجلد،وأنت تعرفين القيود فى المجتمع الشرقى،وأكثر ما أزعجنى فى هذه القضية أن إحدى الفتيات التى تم القبض عليها وهى فتاة صغيرة وقدجاءت لمكان الحفل العام مع أخواتها لكن لأنها الوحيدة التى كانت ترتدى بنطالا ألقوا القبض عليها تركها خطيبها لما علم بالأمر لأنه لم يكن قادرا على فهم حقيقة ماجرى ،لكن ما أسعدنى فى وقت لاحق أنه إتصل بى بعد تصعيد القضية وقال لى أنه فهم الأن ماحدث وأنه يشعر انه أخطأ فى حق خطيبته وعادت المياه لمجاريها بينهما .

-هل كنت ترتدين ذات الزى الذى تظهرين فيه دائما فى المحكمة ووسائل الإعلام ؟

=نعم هو هذا الزى،ولا أراه بالطبع زيا فاضحا،فهو زى محتشم .

-ولماذا وجهت كروت دعوة لحضور محاكمتك وجلدك ؟

=لوكنت فى أوضاع عادية لكتبت مقالا عما حدث ونشرته ،لكن الرقابة القبلية على الصحف تحول دون ذلك ،وخشيت ألا ينشر الموضوع ففكرت فى بديل ،ولم تكن هناك خيارات ،ففكرت فى كروت الدعوة التى وجدتها أسهل وأسرع وسيلة لنقل ماحدث ،وقمت بتوجيهها إلى الصحفيين وعلقتها على مداخل الصحف ،كما وجهتها إلى وسائل الإعلام والمراسلين الاجانب بالخرطوم ومنظمات المجتمع المدنى ،فتلقفت منتديات الإنترنت التى ليس عليها رقابة الدعوة ،وفوجئت بعد يوم بهيئة الإذاعة البريطانية تجرى معى حوارا حول القضية على الهواء مباشرة ،ومن وقتها أصبحت قضية رأى عام عالمى ،ووجدت تضامن كبير جدا من مختلف أنحاء العالم وفى العالم العربى والسودان ،وقد سعدت جدا بهذا التضامن لأنه يجدد الثقة فى الإنسانية .

-وهل تشعرين أنك قادرة على مواجهة السلطات والمضى فى تحديها ؟

=أنا لا أقاوم أى شخصا بعينه أو سلطة بعينها ،وإنما أقاوم موادا جائرة فى القانون،وقناعتى أن الحق سينتصر فى النهاية وليس القوة ،وأنا لاأعتبر اى شىء تقدمه الدولة من أجل التصحيح تنازلا ،وليست القضية من كسب ومن خسر ،وإنما المهم هو المصلحة العامة ،كما لاأشعر اننى وحيدة فى هذا الأمر فأنا اشعر أن كل الشعب السودانى يقف معى .

-لكن ألاترين أن الأمور ليست بمثل هذا السوء بالسودان ،وأن هناك تحولا وإنفتاحا حدث بالسودان ؟

=نعم هناك تحولا كما ذكرت ،لكن هناك إزدواجية فى المعايير وكيل بمكيالين ،وهناك نوعين من الشرطة فى الخرطوم ،شرطة النظام العام الذى يبطش ويضرب السودانيين العاديين ،وفى الوقت نفسه توجد شرطة آخرى تقوم بحماية كبار الناس الذين لايتعرض لهم أحد ولايسأل أحدهم مع من يمشى ،وأن أقول إذا كان مايطبق هو الشريعة فلماذا لاتطبق على الجميع .

-وكيف ترين سيناريوهات المستقبل بالنسبة للقضية ؟

=كل الإحتمالات مفتوحة ،وأستعد لها جميعا ،بما فيها التهديد الذى تلقيته بالقتل ،وأؤمن بالطبع أن الأعمار بيد الله .

أسماء الحسينى
الاهرام

——————-

لا أريد عفوا رئاسيا بل تغيير القانون الذي يجلد النساء:

*** – لبنى أحمد حسين صحافية سودانية تعمل في مكتب الاعلام ببعثة الامم المتحدة في الخرطوم ملأت الدنيا وشغلت الناس بعد اعتقالها من قبل شرطة النظام العام السودانية في حفل عام بحجة ان ملابسها تخدش الحياء العام، وتصاعدت قصتها ورفضت كافة التسويات التي عرضت عليها من قبل اتحاد الصحافيين السودانيين، وعندما اتضح لها ان حصانتها التي تتمتع بها بموجب عملها في الامم المتحدة تمنع محاكمتها رفضت وقدمت استقالتها لتواجه قرار جلدها.

*** – لبنى تواجه عقوبة الجلد امام المحكمة وقد اثارت قضيتها اهتمام الكثير من المنظمات العالمية والصحف والقنوات الفضائية والاذاعات العالمية وتحولت ساحة المحكمة في الجلسة الاولى التي خصصت لمحاكمتها الى تجمع كبير ضم عددا من الصحافيين ومراسلي وكالات الانباء العالمية والمحلية وعددا كبيرا من السياسيين. وتقول لبنى في حديثها مع ‘القدس العربي’ انها تريد الغاء المادة التي تحاكم النساء بالجلد، ولكن هذا ليس كل ما يحدد معالم شخصيتها ومواقفها. معها كان لنا هذا الحوار التالي:

*** – من هي لبنى احمد حسين؟

ـ سودانية من مواليد امدرمان. ان كنت مصرا على تاريخ الميلاد فقل في الثلاثينات من عمرها، درست الاقتصاد الزراعي بجامعة الجزيرة والاعلام بجامعة السودان، ودراسات عليا في الاعلام بجامعة الخرطوم، عملت بالصحافة منذ العام 1997، وما كنت اخطط لدراسة الاعلام والعمل فيه لكن اتجهت لذلك بعد فصلي ضمن آخرين من جامعة الجزيرة عام 1994 وانا بالسنة الاولى بسبب احداث طلابية وكانت تهمتي فيها (كتابة مقالات على الصحف الحائطية محرضة ضد الدولة)!! المهم.. بحثت عن بديل بعد فصلي فوقع الاختيار على الاعلام بجامعة السودان وبعد نهاية السنة الاولى تم ارجاعنا الى جامعة الجزيرة بعد تعهدي لجهاز الأمن بمدينة ود مدني بعدم الكتابة على الصحف الحائطية بالجامعة وان فعلت فإنني سأفصل مرة اخرى .. تعهدت .. واصلت الجامعتين معا .. التزمت بهذا التعهد على مضض حتى السنة الاخيرة في الجامعة .. لكن قبل عدة اشهر فقط من تخرجي حدث اغتيال الطالب محمد عبد السلام على يد جهاز الامن وكان من مدينة ود مدني .. لم استطع الصمت والالتزام بتعهدي كتبت مقالات على حائط الجامعة وكانت مدينة ود مدني وجامعة الجزيرة مشتعلتان بمظاهرات طلابية تدين اغتيال هذا الطالب .. لم يتم اعتقالي حينها لكن مسؤولا كبيرا بالجهاز هددني واقسم انني ان لم اغادر الجامعة والمدينة كلها خلال ساعة واحدة فإن مصيري سيكون مثل الطالب القتيل .. غادرت بلا حقيبة وتركت الجامعة وبعد اقل من اسبوعين انتقلت كتاباتي من على حوائط الجامعة الى الصحف المطبوعة ومنذ ذلك الحين وانا اتفاءل بأن المحن التي تواجهني فيها خير .. حيث جئت الى الاستاذ كمال حسن بخيت رئيس تحرير صحيفة ‘الرأي الآخر’ وقتها وكان له الفضل في دخولي عالم الصحافة وللاستاذ عبد الله رزق وكل الزملاء الذين سبقوني في هذا المجال والذين اخذوا بيدي وأنا أخطو أولى عتبات الصحافة.

انتمي الى هذا الوطن وأنا اقرب الى الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني وهو حزب الاستقلال وحزب الوسط.

*** – ما هي قصة اعتقالك من الألف الى الياء؟

ـ كنت في مكان عام، صالة ومطعم به حوالي 300 – 400 شخص نساء ورجال واطفال وشابات وشبان من مختلف قطاعات المجتمع .. كان هناك حفل فني يقيمه فنان مصري يغني لفنانين مصريين وعرب وسودانيين ايضا .. كذلك يغني من التراث العربي وتحديدا كانت الاغنية (دبكة) من التراث الشامي .. لحظتها دخل رجال شرطة وأوقفوا الحفل، انتشروا بالمكان واخذوا يبحثون عن الفتيات اللائي يرتدين البناطيل (السراويل) في المكان. كان هناك العشرات من النسوة يرتدين الثياب السودانية لم يتعرضوا لهن لكن من ترتدي تنورة يأمرها الشرطي بالوقوف اذا تشكك .. كنت ارتدي بنطالا واسعا ولعل الشرطي لم يعرف هل هو بنطال أم تنورة طويلة امرني بالوقوف فوقفت .. امرني ان اتحرك خطوتين، فعلت .. عرف انني البس بنطالا فأمرني بالذهاب معه .. كانت حصيلته حوالي 15 فتاة يرتدين بناطين ..

في قسم الشرطة جرت عملية فرز أخرى حيث تمت عملية استعراض أزيائنا حسب الاوامر.. بعدها تم اطلاق سراح ست من الفتيات، ودونت بلاغات ضد 9 انا منهن بتهمة (ملابس تسبب مضايقة للشعور العام) حسب المادة 152 من القانون الجنائي لسنة 1991 .. كانت هنالك واحدة ترتدي بنطالا وبلوزة طويلة جدا تم فرزها مع من سيطلق سراحهن لكن شرطيا قال ان تهمتها ليست الملابس انما تدخين الشيشة (النارجيلة)، هذه الفتاة قالت لي ان امها وجدتها وعمتها وخالتها يدخن الشيشة وهي عندهم في البيت كالقهوة، هي من قبيلة سودانية عندها الشيشة امر عادي، ودستور السودان لعام 2005 يجعل العاصمة القومية الخرطوم متعددة الثقافات والاعراق والأديان، بل ويشترط تدريب شرطة العاصمة لفهم هذا التعدد الثقافي. نحن التسعة وجدنا اربع فتيات اخريات مسيحيات من جنوب السودان ثلاث منهن تحت عمر الثمانية عشر عاما فاصبح عددنا الكلي ثلاث عشرة، نواجه تهمة واحدة هي الزي الفاضح الذي يضايق الشعور العام.

*** – هل انت مستهدفة من قبل الحكومة؟

ـ لا استبعد ان اكون مستهدفة .. لكن لا ارجح .. انا متوقفة عن الكتابة بسبب رقابة جهاز الامن على الصحف .. لم اكتب الا بعض الموضوعات على الانترنت … آخرها ذكرت ان الحكومة وشركاتها الحكومية تصنع الكحول وتصدره.. هذه حقيقة .. اذا كان كلامي خطأ لماذا لم يستدعوني للتحقيق؟

لقد خيرني القاضي ما بين التمسك بالحصانة وشطب الدعوى أم المحاكمة فقررت الاستقالة والمحاكمة .. حاولت البعثة الدفاع عني مشكورة وحمايتي بالحصانة .. وحتى بعد تقديمي لاستقالتي قالوا لي انه من الممكن الاستمرار في المحاكمة والاستمرار في القضية بطلب رفع الحصانة من نيويورك غير انني خشيت ان تتأخر هذه الاجراءات ومن جانب آخر لشعبي الذي وقف بجانبي في قضيتي دين علي .. كيف ارده اذا لم ارجع للكتابة وأقف بجانب الشعب في قضاياه التي هي قضاياي ايضا؟

*** – ما صحة الانباء حول صدور عفو رئاسي عنك والمجموعة التي معك؟

ـ قرات في الصحف المحلية عن ذلك .. كما ان احد اقرباء الرئيس ابلغني بذلك بطريقة غير رسمية .. غير انني لم ارحب .. اذا كان الرئيس يعفو عن مجموعة لان بها صحافية صرخت وأسمعت كل العالم فهناك عشرات الآلاف جلدن ولم يعف عنهن لانه لم يسمع بهن .. ومن الممكن ان تجلد أيضا عشرات الآلاف طالما نص هذا القانون موجود…

اعلم ان من سلطات الرئيس العفو في غير الحدود الشرعية .. الدستور يخول له ذلك .. لكن انا لا اريد حل قضيتي الشخصية .. والا لتمسكت بالحصانة دون الحاجة لعفو الرئيس.. ولقبلت تسوية دكتور تيتاوي رئيس اتحاد الصحافيين السودانيين .. نريد قانونا يطبق على الجميع ولا يستثني احدا الا بقانون حيث قلت لرئيس الاتحاد انني لست فوق القانون.

*** – الى ماذا تهدفين باصرارك على المحاكمة؟

ـ بمحاكمتي الآن امام محكمة جنائية عادية وليس محكمة نظام عام ايجازية ‘محكمة تفتيش ‘استطيع ان اقول انني كسبت نصف المعركة .. سواء انتهى الحكم بالإدانة او البراءة .. ذلك لان الذي يتم في السابق ان العسكري الذي القى القبض على الفتاة هو هيئة الاتهام وهو الشاكي وهو الشهود .. اما المتهمة ‘الضحية’ فلا دفاع لها .. وينطق القاضي بالحكم وينفذ الجلد على الفور .. انا اقدم لمحاكمة عادية ايا كان رأيي فيها فهي محكمة عادية وهذا هو الوضع الطبيعي .. لكن للأسف لا اظنه حدث خلال العشرين سنة الماضية .. لهذا اسأل هل ستقدم النساء الاخريات لاحقا لمحاكم تفتيش ام محكمة عادية؟

الجزء الثاني من هدفي هو الغاء هذه المادة 152 من القانون الجنائي التي لا تتناسب مع الدستور ولا مع الشريعة ولا مع حقوق الانسان .. لا تتناسب مع الدستور لان السودان متعدد الثقافات والاعراق وبعض النساء في السودان يرتدين النقاب على وجوههن وفي نفس اللحظة يكشفن عن صدورهن .. بمعنى ان المرأة ترى من العيب الكشف عن وجهها وفي ذات الوقت صدرها عار .. كما ان الثوب السوداني نفسه قد يكون حجابا وقد يكون كاسيات عاريات هذا جانب .. الجانب الآخر اسم المادة التي تتحدث عن الملابس ‘افعال فاضحة’ ولهذه العبارة مدلول واحد في المجتمع السوداني هو الدعارة، فالبنت التي تعاقب بتهمة بنطلون لها سابقة بأفعال فاضحة .. فيقع المجتمع كله في رمي المحصنات وقذفهن بالباطل .. لا اخاف .. سينتصر الحق وليس القوة .. ان لم يكن اليوم ففي نهاية الطريق ..
*** – ما هي توقعاتك لقرار المحكمة؟

ـ كل التوقعات مفتوحة قد اجد مصير مروة الشربيني كما هددوني ..وقد يقسم الشهود زورا .. وقد يشطب الاتهام .. وربما تؤجل المحكمة .. على اي حال سأواصل القضية قانونيا حتى المحكمة الدستورية اذا تمت ادانتي حتى لو كان الحكم غرامة .. واذا تمت تبرئتي فسوف أواصل القضية اعلاميا لتغيير هذا القانون .. فقط اخشى ان ينفض الاعلام العالمي والعربي من حول القضية ومعركة تغيير القوانين اذا حصلت البراءة .. اما الاعلام السوداني فتكبله الرقابة.

خلاصة الامر هدفي هو تغيير القوانين الظالمة ووضع قوانين عادلة تطبق على الجميع ومثول جميع المتهمين امام محاكم عادية وليس استلاب حق المتهم الضعيف في الدفاع بمحاكم التفتيش .

*** – من يقف معك من القوى السياسية؟ وهل هيئة الدفاع متطوعة؟

ـ اذا سألتني من ‘لا’ يقف معي ساقول لك بعض أهل المؤتمر الوطني ‘الحزب الحاكم’ وبعض الاجهزة الامنية والشرطية واغلب السلفيين .. هؤلاء هم استثنائي الذي لا يقف معي.

نعم هيئة الدفاع متطوعة وتمثل مختلف الاتجاهات الفكرية في السودان على رأسها الاستاذ نبيل اديب لانه هادئ جدا جدا، انا شرسة .. وحتى يحدث التوازن .. ولا يسقط سقف المحكمة على رؤوسنا.

*** – لماذا توقفت عن الكتابة الصحافية؟

ـ .. رقابة جهاز الامن على الصحف كانت تمنع أغلب الاقلام الموضوعية والمتعاطفة معي في الصحافة المحلية .. فيما تسمح للاكاذيب والتضليل ..

اقول لمن قالوا ان المكان الذي قبضت به محل شيشة انه يقدمها كما يقدم العصائر والسندوتشات والقهوة والعشاء .. لكن اذا كانت الشيشة محرمة عليهم ان ينصحوا حكومتهم ان لا تتقاضى رسوما مقابل التصديق بمحل شيشة .. واذا كانت الحفلات حرام عليهم نصح حكومة الشريعة ان تكف عن تحصيل رسوم الحفلات التي تقام حتى الفجر في رمضان بعد أخذ السلطات لعمولتها رسميا واستخراج الإذن .. ثم ان حادثة القاء القبض عليّ تمت وكان مسؤول الاعلام الخارجي الحكومي موجودا ويرتاد نفس المكان .. وأنا حضرت ربما لنفس مهمة المسؤول الحكومي لأننا صحافيان .. اما الحفل الفني الذي قبضت فيه فإنه مستمر حتى الآن بعد دفع الرسم الحكومية لماذا لم تلغ اذا كان مخالفا للشريعة ولماذا قبضوا على البنات المرتديات للبناطين فقط .. هل البنطلون حلال قبل الحادية عشرة مساء وحرام بعد ذلك؟!

*** – ما هو الجديد .. أي هل هناك تداعيات جديدة؟

ـ انا بصدد فتح بلاغ ضد احد ائمة المساجد بالخرطوم الذي اتهمني بالفجور في خطبة صلاة الجمعة والمصلين شهود .. سأرى اذا كان هناك شريعة حقا فإن عقوبة مثل هذا الامام هي الجلد بحد القذف .. ولكن ليس هناك في الشريعة الاسلامية جلد للنساء بسبب الملابس.

‘القدس العربي’

***************
أكدت استعدادها لتحدي المحكمة بـ 40 ألف جلدة للدفاع عن موقفها
«صحافية البنطال» تنتظر مصير جلدها اليوم في الخرطوم

الخرطوم ـ الفرنسية:

تؤكد الصحافية السودانية لبنى أحمد الحسين، التي تواجه عقوبة الجلد في حال إدانتها بارتداء «زي فاضح» لأنها ترتدي البنطلون أنها لن تتراجع عن موقفها حتى ولو تلقت «أربعين ألف جلدة».

وقالت في مقابلة أجرتها معها فرانس برس عبر الهاتف «أنا مستعدة لكل الاحتمالات. لست خائفة من الحكم».

وأرجأت محكمة في الخرطوم في نهاية تموز (يوليو) الماضي النظر إلى اليوم الثلاثاء في قضية الصحافية التي تعمل مع جريدة «الصحافة» اليسارية السودانية التي أوقفت في الثالث من تموز (يوليو) في مطعم في الخرطوم مع 12 امرأة أخرى بتهمة ارتداء «زي فاضح»، رغم أنها كانت ترتدي بنطلونا واسعا وقميصا طويلا وتضع على رأسها «طرحة» تغطي رأسها وكتفيها.

وكان يمكن للبنى أن تستفيد من الحصانة التي تتمتع بها كونها موظفة في قسم الإعلام لدى الأمم المتحدة في الخرطوم. لكنها بدلا من ذلك اختارت تقديم استقالتها لكي تستمر المحاكمة.

وتحاكم الصحافية بموجب المادة 152 من القانون الجنائي السوداني والتي تنص على أن «من يأتي في مكان عام فعلا أو سلوكا فاضحا أو مخلا بالآداب العامة أو يتزيا بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام، يعاقب بالجلد بما لا يتجاوز 40 جلدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا».

وقالت لبنى الحسين «هدفي الرئيس هو إلغاء المادة 152 لأنها مخالفة للدستور والشريعة» المطبقة في شمال السودان منذ 1983.

وتضيف لبنى وهي أرملة في الثلاثينيات من عمرها «إن كان البعض يتخذ من الشريعة مبررا لجلد النساء بسبب ملابسهن، فليبينوا ذلك في القرآن والحديث. لقد بحثت ولم أجد شيئا من هذا».

وأضافت « تعرضت عشرات الآلاف من النساء والفتيات للجلد خلال السنوات العشرين الماضية. ليس الأمر نادرا في السودان ولكن أيا منهن لم تجرؤ أن تشتكي، فمن سيصدق أنهن تعرضن للجلد لمجرد أنهن يرتدين البنطلون؟ أنهن يخشين الفضيحة والتشكيك في أخلاقهن».

وقالت لبنى إن عشرا من النساء اللواتي أوقفن معها استدعين إلى مقر الشرطة بعدها بيومين حيث تم جلدهن عشر جلدات. ومن بينهن سودانيات جنوبيات ومعظمهن من المسيحيات أو ممن يتبعن طقوسا تقليدية.

وقالت «أريد أن يعرف الناس الحقيقة. أريد أن أجعل صوت هؤلاء النساء مسموعا».

وأضافت «إن حكم علي بالجلد أو بأي عقوبة أخرى، سأستأنف الحكم. سأمضي حتى النهاية، سأرفع شكواي إلى المحكمة الدستورية إذا لزم الأمر، وإن اعتبرت المحكمة الدستورية المادة 152 متماشية مع الدستور، فأنا مستعدة لأن أتلقى ليس 40 وإنما 40 ألف جلدة».

وتؤكد أنها ربحت «نصف المعركة» لأنها كشفت عن هذه الممارسات.

ورغم رسائل التأييد التي تتلقاها، لم تكن الصحافية بمنأى عن التهديد بالقتل.

وتروي أنها ذات صباح وهي تهم بالصعود إلى سيارتها، اقترب منها رجل على دراجة نارية وصاح بها دون أن ينزع خوذته أنها ستلقى مصير مروة الشربيني، الشابة المصرية التي قتلت في محكمة ألمانية.

وتعتزم لبنى الحسين أن ترتدي اليوم الملابس نفسها التي كانت السبب في مثولها أمام القضاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *