بسم الله الرحمن الرحيم
السيد المشير عمر حسن أحمد البشير، رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة
نصيحة مجردة
أكتب إليك أخي، وأنا من أبناء رحم القوات المسلحة السابقين، ويحدوني عظيم أمل أن تفصح كلماتي عما أرمي إليه، وأنا لا أنشد سوي الخير لوطني الحبيب، علماً بأني لم أك يوماً من المنغمسين في العمل السياسي، بل خدمت ما يقارب ربع قرن من الزمان في صفوف القوات المسلحة خدمة احتراف غير منحازة لحزب أو فئة أو جماعة أو قبيلة أو جهة خلاف كامل وطني الحبيب.
أكتب إليك والسودان يعيش متغيرات جغرافية وسياسية مهولة نتيجة لما آل إليه استفتاء تقرير مصير جنوب السودان، كما تعيش منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط تغييرات غير مسبوقة في الحراك السياسي بتلك الدول، ومكابر من يدعي أن تأثيرها سيقتصر علي تلك الدول فقط، فلم يعد العالم تلك الرقعة الواسعة التي يمكن عزل أصقاعها بل أصبح قرية صغيرة ينتشر فيها الخبر والحدث، وإن كان همساً.
أكتب إليك وأنا أتابع بترقب وقلق ما يجري علي الساحة من سجال خطابي سياسي، ربما يكون استفزازياً في بعض الأحيان، وهو أمر غير محمود في الظروف الحالية. خطاب يعمل أحيانا بشكل صارخ وأحياناً أخري بشكل مبطن علي الاستخفاف بالآراء المخالفة الأخرى، وذلك بزعم أنها مخذلة أو عميلة أو خارجة عن الإجماع وما إلي ذلك من أشكال التوصيف التي لا تؤدي سوي لسكب المزيد من الزيت علي النار.
تأسيساً علي ما ذكرت، ومن منطلق حب الوطن الذي يجري في عروقي وعروق الآلاف من الحادبين من بني وطني، أناشدكم أن تعيدوا النظر في التعاطي مع قضية الوفاق الوطني وتفعيل التشاور الحقيقي (وأضع ألف خط تحت كلمة الحقيقي) مع كافة الأحزاب والفئات ومؤسسات المجتمع المدني خلاف التابعة للحزب الحاكم، وذلك من أجل الوصول بسفينة السودان إلي بر الأمان.
لندع جانباً الحديث عن الشرعية الدستورية المكتسبة من الانتخابات الأخيرة، فلسنا هنا بصدد الحديث عن أرقام قد يطول حولها جدل قطاعات الأمة السودانية بأنها لا تمثل واقعاً حقيقياً لإرادة أهل السودان، وإن كانت تعتبر نظرياً نتيجة تتيح للحزب الحاكم أغلبية ما يسمي الشرعية الدستورية. لا ينبغي علينا دفن الرؤوس في الرمال، وينبغي علينا مواجهة الحقائق المجردة الواقعية وليس الاحتكام للغة الأرقام، ذلك إن أردنا أن يكون وطننا مستقراً آمناً في ظل تلك الظروف الاستثنائية الصعبة. يجب علينا اليوم قبل الغد الدخول في حوار وطني شامل، لا يستثني أحداً ولا يقصي فكراً ولا يرفض الرأي الآخر متى كان في مصلحة السودان، حتى وإن خالف رأي السلطة. لا ينبغي إقصاء الآخرين ولا الاستخفاف بآرائهم ولا وصمهم بنعوت مثل العمالة والعجز إلي آخر ذلك المسرد من كلمات السب السياسي التي لا تؤدي سوي لمزيد من تراكمات الغبن والشعور بالاستفزاز، وجميعها أمور لا تساعد علي التوصل إلي ما نبتغيه من استقرار.
أخي الرئيس
ولد الجميع أحراراً، ويستلزم ذلك عدم حرمانهم من تلك الحرية مهما كانت الأسباب، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، ولن تكفي كل مشاريع التنمية لإحداث الاستقرار في ظل مناخ عدم الحرية. أفتحوا الأبواب علي مصارعها للجميع، لا تجعلوا الآخرين يشعرون بالحجر علي رؤاهم، وأنكم تخاطبونهم كما لو كانوا من غير أهل السودان أو من غير أهل الملة. يتطلب الحفاظ علي ما تبقي من النسيج الاجتماعي درجة عالية من التجرد ونكران الذات واحترام الآخر وعدم الانحياز للرأي الواحد. السودان ملك لجميع أهله، شاوروهم جميعاً في شأنه، هنالك قطاعات عديدة صامتة لم يسألها أحد رأيها فيما يجري. ربما يكون حل الحكومة عريضة القاعدة (أو سمها أي إسم شئت، فأنا لست ممن يعرفون المراوغة بالألفاظ والمسميات السياسية) مدخلاً لحل ذلك المشكل، لكن يجب بالضرورة أن تكون حكومة عريضة حقيقة وواقعاً. يجب تجنب فرض رؤى الحزب الحاكم، أو محاولة تهميش الآخرين. إن إضعاف الأحزاب الأخرى أو اللعب علي تناقضاتها لن يؤدي إلي التقوية الفعلية للحزب الحاكم، بل سيؤدي إلي تراكمات ستنتج عنها تبعات تعصف بالاستقرار وتشكل مخاطر جمة علي الوطن. لا تحجروا علي آراء الآخرين، ولنحذف من قاموس خطابنا السياسي عبارات العملاء والمرجفين في المدينة ….. الخ، وهي المصطلحات الاستفزازية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. لنحترم بعضنا البعض نضع الوطن فوق الجميع، مهام كانوا، لضمان التعايش السلمي والاستقرار. لقد ارتضيتم بالحوار مع الحرة الشعبية التضحية بثلث مساحة السودان عن طيب خاطر، فلم لا نصل لكلمة سواء فيما تبقي من الوطن. أقترح أخي الرئيس أن تشرعوا عاجلاً في تشكيل حكومة عريضة القاعدة بمعني الكلمة، دون مراوغات وحيل سياسية، للخروج بسرعة من نفق المجهول الذي يكتنف مستقبل الوطن. لا تجبروا الوطن علي الدخول في مواجهات داخلية عنيفة، واستحلفكم بالله أن لا تقولوا إن ما حدث ويحدث في أوساط الأمة العربية لا ينطبق علي السودان، فهذا منطق يخالف الواقع.
أخي الرئيس
ينبغي علي من ينادي بمجتمع الشريعة والإسلام الاستماع إلي كل فئات الأمة، وليس الموالين لسلطانها فقط. إن كان الرائد لا يكذب أهله، فالأمة لا تكذبه. هنالك من حولك ما يسيئون إلي شعبك، استفزازاً في الخطاب، وإقصاءً للغير، وظلماً وجوراً، وفساداً وخراباً واستغلالاً للسلطة والجاه، وأقسم أن الكثيرين منهم يرددون مقولة (هي لله هي لله) وهم أبعد ما يكونون عن فحواها. لا يحتاج تفشي الفساد إلي دليل وشاهد أخي الرئيس، الأمثلة بعشرات المئات، لم نسمع عنها من الصحف أو مواقع الانترنت المحجوبة في السودان، بل عايشناها في الأحياء في العواصم والأرياف. كثر هم من نزل عليهم الثراء فجأة، والمعلوم إن أحداً منا لم يري الله سبحانه وتعالي جهرة، لكننا نؤمن به يقيناً. لا تسألوا الناس إبراز براهين وأدلة علي الفساد، بل حققوا فيه بنفسكم، ولكي نقطع الشك باليقين أقترح أن تبدأ أخي الرئيس بأسماء تلاك علي ألسن العديدين، أسماء يتحدث عنها غالب الشعب السوداني وأعتقد أن الهمس الجهور حولها ربما يكون قد بلغ مسامعكم. حقق في مصادر ثرواتهم فإن كانت مبررة ونظيفة فلا غبار عليهم، أما إن كانت من أكتاف هذا الشعب الطيب فيجب أن تعود إليه حالاً، ويجب القصاص من أولئك الذين استباحوا ثروات هذا الشعب الطيب. أليس الأفضل القيام بذلك وتبرئة الذمم، إن كانت بريئة، بدلاً من الوقوع في احتمالات حماية الباطل والفساد والدفاع عنه؟؟
أخي الرئيس
لا تعتمد علي التقارير المكتبية، واستمع للمخلصين الناصحين الزاهدين في السلطة والحادبين علي سلامة الوطن، لأني علي يقين أن من حولك سيحاولون إقناعك بأن كل شئ علي ما يرام، وإن أدي ذلك إلي ما يكلف الوطن الكثير. لقد شاهدنا نتائج الركون إلي تقارير الجهات الرسمية في الأزمة المصرية، تقارير تحمل معلومات مضللة أدت إلي إدارة الأزمة بشكل فاشل تماماً، بل سبب كارثة اتضحت معالمها فيما بعد.
أخي الرئيس
يؤسفني أن أذيل المقال بإسم حركي، لكن ذلك يجسد إحدي إفرازات مناخ عدم القبول بالرأي الآخر، وعدم الشفافية، وانفلات سلطات الأجهزة الأمنية العديدة التي لا ترعي قانوناً ولا خلقاً ولا عرفاً ولا تقاليد سودانية في تعاملها مع من كان قدرهم الوقوع بين براثنها. ذلك جانب ينبغي عليك أخي الرئيس التحقق منه، وأن تأخذ بالشدة والعدالة أولئك الذين يسيؤن إلي مواطنيك، رجالاً ونساءً، وإلي تلك الأجهزة. لقد حز في نفسي كثيراً مشاهدة صور الشاب علي محمد عثمان نائب رئيس تجمع شباب الحركة الشعبية لتحرير السودان، المنشورة علي أحد مواقع الانترنت، والتي توضح بجلاء التعذيب الذي تعرض له أثناء التحقيق. أتمني أن نواجه الواقع بتجرد وأن نكبح جماح من يفترون علي عباد الله، وأن نحاسب من يشذ منهم عن الطوق. لا ينبغي أن تكون عناصر أمننا بهذا المستوي الأخلاقي المتدني. كيف تسمح نخوتنا السودانية بمعاملة أبناء جلدتنا بهذه الأساليب، والله إنني أستحي من الكلمات والألفاظ التي يستخدمونها أثناء التحقيق، خصوصاً أمام حرائرنا وفتياتنا. مالكم كيف تحكمون!!!
أخي الرئيس
إن كان الدين يأمرنا بإسداء النصح فقد فعلت علي قدر ما أستطيع، وأتوقع أن تولوا الأمر اهتمامكم في المقابل. أنت رئيس لكل أهل السودان، فمن حقهم عليك أن تستمع لمن ليسوا من البطانة المحيطة بالحكم، الذين ربما تختلف رؤيتهم للأمور كما تختلف تقاريرهم التي ترفع إليك.
وفقنا الله جميعاً لما فيه خير أهل السودان، وأسأل المولي أن لا تنطبق علينا مقولة:
نصحت لقومي بمنعرج اللوي فلم يستبينوا النصح إلا ضحي الغد
أبو أيمن
ضابط قوات مسلحة متقاعد