السيد الصادق المهدي فى سرادق عزاء المشير نميري
تراجيديا أم مأساة سودانية؟
بقلم: دهب الخزين مأمون
من الصعب جداً تحليل الشخصية النمطية السودانية فهي طيبة جداً وكريمة جداً وشجاعة جداً ومتسامحة جداً وفى نفس الوقت هي عنيفة جداً ومبذرة جداً ومندفعة جداً ومتهورة جداً. يمارس بعض السودانيين وسط أجواء أفراحهم طقوسا من السادية الغريبة!! إنهم يتجالدون فى مناسبات الأعراس بالسياط (البطان)، وللأسف بشكل جماعي!!! كيف يستقيم الفرح مع آلام التعذيب الفردي والجماعي؟ إنها شجاعة – بل قل تهور – السودانيين. وفى مآتمهم يتواصل السودانيون بحميمية تنسيهم حتى عداواتهم وجراحاتهم وخصوماتهم السابقة عند العزاء والمواساة بعد دفن الميت ولو كان سفاحاً؟ هل ذلك تسامي أخلاقي أم نفاق اجتماعي؟
لم يكن هلاك السفاح والطاغية نميري استثناءاً. لقد تدافعت جموع المعزين من كل فئات المجتمع ومن مختلف ألوان الطيف السياسي إلى المقابر ومن ثم إلي سرادقات العزاء لتعزي آل نميري وعصابة الاتحاد الاشتراكي السوداني فى فقيدهم الذي جرع السودانيين – لما يقارب العقدين من الزمان – أصنافا من العذاب وأذاقهم ألوانا من المرارات لا تحصى ولا تعد وإن حاول الدكتور/منصور خالد فى كتابه المشهور:” السودان والنفق المظلم” استعراض بعض منها.
برقية عزاء
لكن كانت مفاجأة مأتم نميري برقية العزاء التالية التي أرسلها السيد الصادق المهدي إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة للصحف السودانية والعربية:
“31 مايو 2009م: توفي إلى رحمة الله رئيس النظام المايوي المرحوم جعفر محمد نميري لا شي يبرر الاستيلاء على الحكم بالقوة لأن المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون، هي مبادئ الحكم التي يوجبها الشرع وتستجوبها التجربة الإنسانية المستنيرة. ولكن ربما خلقت ظروف التفريط السلطاني داعيا للمغامرات الانقلابية التي يكفر عنها سرعة مراجعتها والرجوع عنها وإقامة الحكم على مبادئه الراشدة وفي كل الأحوال فإن الحكم في هذا الأمر للتاريخ الذي يرجى أن يعطي كل ذي حق حقه. ومهما كان بيني وبين المرحوم من خلاف في حياته فيجمع بيننا إخاء الدين وإخاء المواطنة وهو الآن أمام حكم عدل أسماؤه تسعة وتسعون ولكن أوجب علينا في الصلاة وفي تلاوة القرآن وفي الشروع في كل الأمور أن ندعوه الرحمن الرحيم. إن رحمته وسعت كل شيء. إلا رحم الله آخانا في الديانة والمواطنة جعفر محمد نميري وأحسن عزاء أسرته الخاصة والعامة. اللهم زد في إحسانه وتجاوز عن سيئاته أنك أنت الغفور الرحيم”، انتهت برقية السيد الصادق المهدي.
إخاء فى الدين وإخاء فى المواطنة
إجمالا تعكس برقية السيد الصادق المهدي عفوا وحلماً كبيراً ولكن هل صحيح أن نميري أخ للسيد الصادق المهدي (أو أي سوداني آخر) فى الدين والمواطنة؟ وهل يملك السيد الصادق المهدي (أو أي من كان) حق العفو عن نميري وعصابة مايو فيما يتعلق بفسادهم وجرائمهم السياسية وغير السياسية وأولها تقويض الدستور؟ إذا تنازل إمام الأنصار عن حقه الخاص فأين الحق العام؟ أين المحاسبة والمساءلة والقصاص؟ من يعزي أرامل وأيتام الأنصار اللاتي رملهن والذين يتمهم نميري بقتل عائليهم فى ود نوباوي والجزيرة آبا والحزام الأخضر؟ من يعفو عن قاتل الإمام الهادي المهدي والعميد محمد نور سعد والعميد حسن حسين وغيرهم من المواطنين الذين قاوموا الطاغية والنظام المايوي الفاسد بالسلاح لاستعادة الحريات والحكم الرشيد؟ لماذا تشكلت الجبهة الوطنية بقيادة السيد الصادق المهدي؟ أبسبب طغيان أخيهم فى الدين والمواطنة؟ أم طمعاً فى دراهم العقيد القذافي؟
دين عن دين يفرق وإخاء عن إخاء يفرق!!!
أليس من المستغرب أن يزعم السيد الصادق المهدي أن نميرى أخاه فى الدين والمواطنة!!! وهو الذي طلب فى عام 1975م الأمان من نميري للحضور من لندن لتوقيع اتفاقية بورتسودان الشهيرة؟ فإذا كان نميري أخ للسيد الصادق المهدي فى المواطنة أو الدين هل كان السيد الصادق المهدي يحتاج إلي أمان للدخول لداره ووطنه – السودان؟ وهل كان السودان ضيعة لنميري حتى يمنع دخوله من يكره من السودانيين ويفتحه وكراً لعدنان خاشقجي تاجر السلاح المشهور وسليم عيسي اللبناني وحسناواته الفاتنات وصلاح مطر الصحفي المصري وخزعبلاته الممجوجة؟ لقد كان نميري أكثر أخوة لذلكم السعودي وذاك اللبناني وهذا المصري من إخوته وأبناء جلدته المواطنين السودانيين أمثال السيد الصادق المهدي حفيد الإمام الأكبر محمد أحمد المهدي والشريف حسين الهندي الذي مات مناضلاً ومجاهداً ضد الطغيان والاستبداد حتى آخر نفس في حياته.
هل كان نميري بكل هذا التسامح الديني فى نظر السيد الصادق المهدي وهو الذي لم يتورع مهدداً السودانيين بأنه سوف ينط عليهم من فوق الحيطان حتى يطبق ما أسماه قوانين الشريعة وأسماه السودانيون قوانين سبتمبر التي وصفها السيد الصادق المهدي بأنها لا تساوي الحبر الذي كتب بها؟ هل يقبل السيد الصادق المهدي أن يعتبر أخاً للغلاة والمتطرفين الذين يقيمون ما يسمون ظلماً وعدواناً دولة الخلافة والشريعة فى العراق المحتل والمغرب وأفغانستان وباكستان (إقليم سوات) حيث القتل والسحل والفساد فى الأرض؟ أم يكون أخا للمعتدلين من دعاة الإسلام فى تركيا حيث الاستقرار والحرية والتنمية و إعمار الأرض؟ نود أن نذكر السيد الصادق المهدي بأن هناك فروق فى مستويات التدين والإخاء!!! فالدين الإسلامي والشريعة الإسلامية كلهما رحمة، فهل كان نميري رحيماً تجاه مواطنيه وإخوانه فى الدين والوطن؟ كلا وألف كلا لقد كان مبغوضاً ومكروها من معظم السودانيين. لقد قال معلم البشرية الخير سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير أئمتكم الذين تحبونهم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشر أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنوهم ويلعنوكم”.
أحسن عزاء أسرته الخاصة والعامة
اختتم السيد الصادق المهدي برقيته بالتالي:”وأحسن عزاء أسرته الخاصة والعامة”. وإن كنا نعرف بعض إفراد أسرة المشير نميرى الخاصة (السيدة/بثينة أحمد خليل سيدة السودان الأولي (صبرها الله علي فقد بعلها) ومصطفى نميرى مدير مؤسسة ود نميرى التعاونية والمؤسسة العسكرية) لم نفهم ما يعنى السيد الصادق المهدي بأسرة نميري العامة!!! هل يعني ناس أبو القاسم إبراهيم وبهاء الدين إدريس واللواء عمر محمد الطيب وناس الاتحاد الاشتراكي وناس الترابي؟ الم يكن من الأليق للسيد الإمام الصادق إرسال مندوبيه من هيئة شئون الأنصار وحزب الأمة لتعزية أسرة نميرى الخاصة والعامة بدلاً من هذه البرقية الإنشائية المتهافتة.