السودان وطن الساسة والسياسة
بقلم بحرالدين ادم كرامة
يعرف السياسة بانها الإجراأت و الطرق التي تؤدي إلى اتخاذ قرارات من أجل المجموعات و المجتمعات البشرية . و مع أن هذه الكلمة ترتبط بسياسات الحكومات فإن كلمة سياسة يمكن أن تستخدم أيضا للدلالة على تسيير أمور أي جماعة و قيادتها و معرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية المختلفة و التفاعلات بين أفراد المجتمع الواحدأما العلوم السياسية فهي دراسة السلوك السياسي و تفحص نواحي و تطبيقات هذه الساسة و استخدام النفوذ ، أي القدرة على فرض رغبات شخص ما على الآخرين
واكبنا الحياة السياسية في بلدنا على مدى سنين طويلة شهدت تقلبات حادة في الداخل وفي المنطقة, تارة من شرفة الاعلام المطلة على السياسة وتارة من داخل المطبخ السياسي, وشهدنا تقلبات الاحوال والحكومات والسياسات والرجال, كما شهدنا مواكب الصاعدين الى المسرح السياسي تارة صعوداً من ادنى سلم الكفاح واكثرها مشقة, وتارة بالقفز الحر من مظلات الحظ التي تحمل الناس فجأة الى المواقع السياسية.
الا أن قلة من الصاعدين الى الساحة السياسية صمدوا طويلاً على القمة وأكثرهم بدأ انزلاقه من لحظة وصوله, وبعض القادمين للساحة السياسية قد تأتي به الضرورة في ظرف ما, وبعضهم تأتي به الجغرافيا والصفوة منهم من يشق طريقه بأدوات الفكر والاجتهاد والخبرة, وهؤلاء يكون صعودهم اصعب وأكثر مشقة من غيرهم, لأنهم لا يصلون الا اذا ما اثبتوا أنفسهم في مجالات عملهم ومجتمعهم.
السياسية في بلدنا كانت دائماً ثمرة شهية تستقطب الكثيرين فما ان يصل الى سدتها محظوظ أو مجتهد, مهما كانت قدراته حتى يبدأ سحرها بتغيير رؤيته للاشياء فيلبس فجأة ثوب الحكمة والمعرفة والخبرة التي تنزل عليه بمجرد حلف اليمين, فترى من يأتي لمؤسسة أو وزارة لم يسبق له ان اطلع على طبيعة عملها, يبدأ بالتنظير من اليوم الأول ومنهم من يسلك في الروتين ويستكين للوكلاء والمساعدين ويمضي فترته في الورق ويخرج منها وحضوره لم يتعدى الورق الذي يعرض عليه.
هناك نفر قليل من السياسيين اكتسبوا مع الزمن خبرة في ألاعيب السياسة ودهاليزها, صقلوها بالدهاء والذكاء والتقلّب في المسؤوليات, بعد أن تعلموا من اخطاءهم واخطاء غيرهم, وهؤلاء يوصفون في علم السياسة بمحترفي السياسة وهم قلة من الدهاة.
إلا أن السياسة بيئة غير مستقرة, ومن يأتي به ظرف لا يأتي به آخر, وما يجوز في ظروف قد لا يجوز في ظرف آخر, بعض الساسة تأتي بهم طبيعة المرحلة, وهؤلاء رجال مرحلة أو رجال موقف, وبعضهم رجال صدفة, فقد يتوفى وزير ويخلفه وكيل وزارة, وقد يأتي شخص لأنه الحل الوسط أو الانسب في ظرف ما, وبعض الساسة قد يرافقه ظرف طارئ سيء يحول دون استكمال ما يطمح الى تحقيقه.
وبعض الساسة قد يُسقطُ على المرحلة الصعبة تحت وهم أنه المخلص في اللحظة الحرجة, وقد مررنا بمثل هذه التجربة ايضا من هذا النوع خيّل لأصحاب القرار والناس أن القادم عندها فرس الرهان, وما هي الا فترة قصيرة حتى تبين أن فرس الرهان لا علاقة له بالسباق وأنه بخياراته وما تبناه من قناعات وأدوات سياسية اضاف تعقيداً آخر لتعقيدات المرحلة.
والساسة يُقيّمون عادة بالاداء وبالادوات التي يتبنونها وبطريقة التصرف في المواقف الصعبة وبالرهانات التي يعقدون عليها الآمال فالسياسي الذي يخلق لنفسه خصومات مجانية او يركن لتكتيكات واوهام الصغار من حوله او يركز اهتمامه على اهتمامات دائرته الخاصة يخلع عمليا ثوب القائد السياسي ويرتدي جبة مختار الحي، فالوطن عند هؤلاء شلة او قرية او عشيرة تحجب عنهم اتساع الوطن وشموله.
مع هؤلاء يبدو الوطن كالمركب التائه في لجة الموج لا يعرف لاي وجهة سيأخذه المسار خاصة اذا كانت بوصلته السياسية خارج مدار بلاده ورهاناته تتركز على قوى اخرى يتوهم انها قد تعظم حظوظه السياسية في المستقبل.
في ساحتنا السياسية شهدنا العديد من حالات التسلل من خارج ساحتنا السياسية الى داخلها، ومن داخل ساحتنا السياسية الى خارجها وخاصة ممن خابت آمالهم السياسية في مرحلة ما لاسباب تتعلق بهم او بتقلبات الاوضاع في زمانهم فلم يكن غريبا ان نرى من ينقل بندقيته السياسية من كتف الى كتف اخر وفق أهواء الرجال.
واللعبة السياسية اشبه بالمسرح الدوار يدلف اليه اللاعبون او يخرجون منه ويتحركون فيه وفق دوران المسرح بين الاضواء والظلال ومع الزمن يصيب بعضهم الوهم بأن حركته هي التي تدفع المسرح الدوار وتصنع الفارق في السياسة.
كثيرون تسحرهم الاضواء المسلطة عليهم فتكبر النرجسية فيهم وهم يرون تضاعف حجم ظلهم تحت الاضواء فيعتقدون انه ظلهم السياسي هو حجمهم الحقيقي، فاذا ما انحسر الضوء عنهم تلاشت الظلال وتلاشوا في زحمة الخارجين من مسرح السياسة.
جذابة ومحيرة الساحة السياسية كالنار التي يغري نورها الفراش الهائم حولها، وهي قمة زلقة لا يصمد فوقها احد والمتساقطون من فوقها اضعاف اضعاف الصامدين عليها، وكأنها صهوة الجواد الجامح الذي يمتطيه الكاوبوي عادة في رياضة الرودو الخطرة ما ان يعتلي صهوة الجواد الجامح أحدهم لعدة دقائق حتى يطرحه ارضا من شدة الرفس لكنه يعيد الكرة الى ان يتلقى الركلة التي تبقيه بعيدا عن حلبة السباق وقلائل هم السياسيون الذين لم يركلوا في مرحلة ما من مراحل السباق السياسيهكذا حال الساسة والسياسة في السودان حظوظ واقدار ولكن مع هذا وذاك وجب على الجميع الاعتذار للشعب والوطن لانهم جميعا ادمنوا الفشل طالما اعتبروا من السياسة مصدر للاسترزاق والتباهي فاعتذروا لان الخيبة تصلح للاهتداء .
بحرالدين ادم كرامة