احمد قارديا
بكل تأكيد أن أفضل ما يعمله السيد ثابو أمبيكي رئيس جنوب أفريقيا السابق رئيس آلية الافريقية رفيعة المستوي في الاتحاد الافريقي, كمبعوث ووسيط أفريقي للسودان, هو تقديم استقالته, ولا أقولها تشفيا, بل لأن استقالته هذه كان يجب أن تكون منذ فترة طويلة, وليس الآن, وذلك لأنه كان يقوم بما يمكن وصفه بالمهمة المستحيلة.
ولا أقول ذلك طعنا في قدرات أمبيكي, وتاريخه, وإنما لأنه يصدق عمر البشير وزمرته, أو هكذا يوهم نفسه, وعلي الرغم من كل أكاذيب حزب المؤتمر الوطني السوداني, وحيله, فالإشكالية الحقيقية التي وقع فيها السيد أمبيكي أنه أعتقد أن بمقدوره تقديم حلول ناجعة للأزمة السودانية علي غرار الأزمة ابان قضايا العالقة بين دولتي السودان, وما لم يدركه أمبيكي أن الشمال ليس الجنوب, وأن ما في الشمال ليس تنفيذا للاتفاقية أصلا, بل ان الشمال واقعة تحت احتلال حقيقي من قطر وايران ومليشيات اجنبية, أي بفهم آخر واقع تحت وصايا مجاميع الاخوان المسلمين, وبمباركة من النظام السوداني والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية الذين يؤمنون بأن السياسة هي فن الكذب.
إشكالية السيد أمبيكي أنه يعتقد أن الإعلام يظلمه, أو يحرض ضده, لكنه لم يستوعب أن البشير مجرم قاتل لا يمكن الوثوق به, وتصديقه. ما أصعب أن يمثل منظمة الضعف في سباق القوة. واُعطي لمهمته الاتحاد الافريقي معتادة علي الفشل. تُرك له أن يدور بين الرأس الصيني والقطري وايراني ومجاميع الاسلام السياسي العنيد والرأس الافريقي الضائع.
اُعطي فنجان القهوة وقيل له: “أطفيء حريق أفريقيا”. من اليوم الأول حذّر أمبيكي عن صومال آخر, لكنه وجد ما يجري أكثر فظاعة من الصومال وأبعد مضاعفات من ما حصل في جنوب أفريقيا. وجد معارضة يقودها الجنرال مالك عقار اير, من معادن الثورة في افريقيا, في مواجهة خصم يستخدم ال” ميج- انتوف- دبابات- اسلحة فتاكة” ضد شعبه. وجد أحزاب وطنية علي أرض النيلين يتغير رؤياهم بعد كل شهرين, في وجه رئيس مطلوب لدي محكمة دولية في لاهاي.
وأقول ان أفضل ما يعمله أمبيكي هو استقالته لسبب بسيط, فلو أن أمبيكي استقال منذ مدة, وبعد تسلمه المهمة بشهرين, أو ثلاثة, لكان قد وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته, وفوّت علي البشير والقطريين والايرانين, لعبة الحوار الوطني “وثبة البشير” , مما قد تجعل المجتمع الدولي يتحمل مسؤولياته لحقن الدماء السودانية من جديد, لكن أمبيكي استمر, وصدق وعود نظام البشير وقبله الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية, الي أن وصلنا اليوم الي عمل مجهول(اختلط الحابل بالنابل)- لا أديس ابابا, ولا حوارالبشير- بل الأدهي أن أمبيكي لم يثن الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية عن مباركة نظام الخرطوم بكل جرائمه أمام العالم, وعلي الرغم من ذلك, للأسف, انتظر أمبيكي ولم يقدم استقالته حتي قبوله بمهمة جديدة ( رئيس لجنة عليا لدعم الحوار الوطني السوداني), وحتي اعلن حزب المؤتمر الوطني ترشح عمر البشير للانتخابات الرئاسية في ابريل المقبل.
تعرّض أمبيكي, مثل جميع الوسطاء الموضوعيين, لهجوم الفريقين. تحمل تعابير مساعد البشير السابق نافع علي نافع, ومقالات بعض الزملاء الذين اشهروا عليه عصيهم من الألفاظ وخشب التكرار الخالي من أي مفاجأة ولو كلامية. لم يرد شئ, هنا أو هناك, رغم الطبع الأفريقي الفوار. تجربة افريقية مؤلمة, وتجربة دبلوماسية مريرة, وعقدا من المعاناة في متاهة الأبواب المغلقة والقلوب المقفلة.
والحقيقة أن أمبيكي لا يلام وحده بالأزمة السودانية فقبله كُثر كالوسطاء أو المبعوثين, الي لحظة وصول أمبيكي الذي اعتقد أن الأزمة السودانية الحالية كالحرب الأهلية في الجنوب سابقا, ومتناسيا أنه استلم ملف بين دولتي السودان في قضايا العالقة بينهما, واعتقد يمكن أن تنتهي وفق المبدأ الخلاف في بعض بنود اتفاقية السلام الشامل, وهذا أمر غير مقبول, ولا يمكن تحقيقه بعد كل هذه الدماء والخراب بسبب جرائم البشير ومليشياته وحلفاءه. ولذا فحسنا أن يفعل أمبيكي بتقديم الاستقالة, وإن كانت متأخرة, حيث سيذكر التاريخ أنه كان جزءا من الأزمة السودانية لا جزءا من الحل.
[email protected]