السودان: قضية الانفصال تخلط أوراق الجنوبيين وتبين انقساماتهم حوله
بعضهم يريد التخلص من سلطة الشماليين.. وآخرون يعتبرونه «جهنم» قادمة
الخرطوم: «الشرق الأوسط»
خلط تصاعد خيار انفصال الجنوب عن الشمال من خلال الاستفتاء المقرر له مطلع عام 2011، أوراق الجنوبيين، على كل المستويات، بشدة، وهناك جرد حساب لاحتمالات الربح والخسارة من خلال الخطوة المحتملة، كما شكل هذا الخيار المحتمل موضوعا رئيسيا لمجالسهم، وصار العنوان البارز للقضايا التي تطرح في منابرهم، في الجنوب وفي الشمال.
وكشفت لقاءات أجرتها «الشرق الأوسط» وسط الجنوبيين وجود تباين في رغباتهم حيال الخطوة، فهناك من يقول إن الحديث عن الانفصال يعني السياسيين فقط، وأنه كمواطن يعتبر نفسه «سودانيا يقيم في كل مكان في السودان»، بينما قال آخرون إن الانفصال لا بد منه «مثل الدواء المر». وعبر قيادي في الحركة الشعبية عن مخاوف الانفصال بقوله «إذا ما حكم الجنوب والشمال حكومتان ديكتاتوريتان.. فستتحول الدولتان في حال الانفصال إلى (جهنم)»، وأضاف «وسيسأل الناس عند ذلك إلى أين نذهب»، فيما عدد محاسن الانفصال. واللافت تباين الآراء حول الانفصال حتى على مستوى الأسرة الواحدة، وتحدث شقيقان لـ«الشرق الأوسط» بآراء متباينة، حيث قال «كير مكويج»، وهو من أبناء «قبيلة «دينكا نقوك» ويعمل في وظيفة ساع في إحدى الشركات في الخرطوم، إن الانفصال خيار مهم لأنه يحقق له الحرية، وقال «الانفصال فرصة لنا لنبني بلادنا بعيدا عن سلطة الجلابة (الشماليين)». ولكن شقيقه «كولي» يعمل في وظيفة «ساع»، شدد أنه «لن يبارح الخرطوم لو حدث الانفصال»، وقال «أبنائي يدرسون في المدارس في الخرطوم، وأصبحت جزءا من الخرطوم فلن أغادرها»، وأضاف بضجر «قل للسياسيين اذهبوا أنتم واتركونا هنا».
وأقر البرلمان السوداني، بعد خلافات شديدة بين شريكي الحكم في البلاد (حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) قانونا ينظم استفتاء لتقرير المصير يجرى في العاشر من يناير (كانون الثاني) عام 2011، أي في نهاية الفترة الانتقالية للحكم، التي حددها اتفاق السلام الموقع بين الطرفين في الضاحية الكينية «نيفاشا» في عام 2005، وسط حضور كبير إقليمي ودولي.
واعتبر الدكتور «زكريا أوياي»، أستاذ الفيزياء في الجامعات السودانية وهو من جنوب السودان، الانفصال بمثابة خيار دفع به المثقفون الجنوبيون، «أما المواطن العادي فلا يعرف عنه أي شيء من حيث محاسنه أو عيوبه»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الصفوة الجنوبية هم الذين يريدون الانفصال»، ومضى «عدت قبل أيام فقط من جولة شملت أغلب جنوب السودان، وقصدت من خلالها تلمس رأي المواطنين حول الانفصال، فوجدتهم لا يعرفون عنه شيئا، ولكن يتحدثون بأنهم يريدون التنمية»، وتوقع «أوياي» في حال حدوث الانفصال اندلاع حروب قبلية بين القبائل الجنوبية، «كما أن الاضطرابات السياسية والقبلية في دول الجوار الأفريقي ستؤثر على الدولة الوليدة في الجنوب وسينتقل إليها العدوى».
ويعيش في الشمال نحو 3 ملايين جنوبي، بعضهم جاء نازحا إلى الشمال بعد الحرب الأهلية الطويلة، والبعض الآخر عاد إلى السودان من دول اللجوء واستقر بهم المقام في الخرطوم والمدن الرئيسية الشمالية الأخرى. وهناك أكثر من 30 مدرسة في أحياء يعتبر أغلب السكان فيها من الجنوبيين، ولديهم نحو 30 كنيسة، موزعة بين الأحياء الفاخرة والشعبية. وللجنوبيين في العاصمة محال تجارية موزعة في الأسواق الرئيسية في العاصمة، ومن بين تلك الأسواق سوق تعرف شعبيا باسم «نيفاشا»، تحتل مكانا كبيرا من «السوق الأفرنجية» وسط الخرطوم، يمتلكها الجنوبيون. ويرى خبير في مجال السكان أنه في حال الانفصال فإن أوضاع هؤلاء الجنوبيين في الشمال ستكون مثل أوضاع السودانيين في مصر بعد انفصال السودان عن مصر إبان الدولة التركية، حيث يوجد الآن في أحياء كثيرة في مصر سودانيون بقوا هناك منذ تلك الفترة، يحصلون على حقوقهم في مصر، ولا يرغبون في العودة إلى السودان، كما أن السلطات في مصر «تعتبرهم مصريين»، ومن هذه الأحياء حي مثل «عين شمس».
ويقر القيادي في الحركة الشعبية ونائب رئيس البرلمان السوداني «اتيم قرنق» بأن من مساوئ الانفصال احتمال وقوع مشكلات قبلية في الجنوب، غير أنه ينوه بالقول «لكن المشكلات القبلية حلها أسهل من المشكلات المرتبطة بالقضايا السياسية، وهذه ستكون أهم مشاكل الشمال في حال حدوث الانفصال». وحسب قرنق، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط في الموضوع» فإن من العقبات التي تواجه الدولة الجديدة أنها ستكون دولة مقفولة «وحينها ستضطر إلى إيجار موانئ مثل بور سودان في الشمال أو اللجوء إلى ميناء ممبسا في تنزانيا، وغيرها من الموانئ، وهذا سيكون خصما على موارد الدولة ودخلها القومي»، وقال إن الجنوب منذ الاستعمار التركي للسودان وحتى الآن يفتقد إلى البنية التحتية، وستكون هذه مشكلة لفترة أمام الدولة الوليدة، قبل أن تقوم مشروعات للبنية التحتية هناك.
ونبه قرنق إلى أن هناك تجارا شماليين يزرعون منذ الأزل في مناطق التماس والحدود بين الشمال والجنوب، داخل الجنوب «مثل مناطق الرنك وكدوك.. ففي حال الانفصال لا بد أن تفكر الدولة الجديدة في الأمر، إما لتأكيد مواصلتهم الزراعة والاستثمار الزراعي في هذه المواقع أو البحث عن مخرج آخر للأمن الغذائي في الجنوب».
وظل موقف حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير يقول إن الأولوية للوحدة، ويرى أن الانفصال «يجب أن يتم تصعيبه» قانونا، فيما ترى الحركة الشعبية أن «هذا حق للجنوبيين يجب تسهيل الحصول عليه إذا ما تعذرت الوحدة وأصبحت غير جاذبة»، وبعد جدل طويل بين الطرفين حول قانون الاستفتاء، جرى الاتفاق على بند في القانون يجوز الحصول على الانفصال بالأغلبية البسيطة «50%+1» من أصوات الناخبين الذين يدلون بأصواتهم حول أحد الخيارين، وهما: إما تأكيد وحدة السودان باستدامة نظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام الشامل أو الانفصال.
ومع أن الطرفين أجلا من خلال القانون بحث «ترتيبات ما بعد الانفصال»، إلا أنهما شاركا أخيرا عبر وفدين في ورشة عقدت في جنوب أفريقيا حول ترتيبات ما بعد انفصال الجنوب، والتي في رأي الكثير من المراقبين «قد تعيد الأمور إلى المربع الأول، وهو الحرب».
وجزم قرنق بأن أوضاع السكان ستتحول إلى «جهنم»، وسيسأل الناس إلى أين نذهب، في حال حدوث الانفصال وحكم الدولتين نظامان ديكتاتوريتان في الشمال وفي الجنوب، لأن «الحكومة الشمالية الديكتاتورية ستتعامل مع حكومة الجنوب الديكتاتورية بنظرية تأديب الابن الأصغر، فتشتعل الأوضاع»، ولكن لو «جاءت الحكومتان بانتخاب ووسائل رشيدة فإنهما لا بد أن تحترما الناس».
ومن محاسن الانفصال حسب قرنق «الحصول على السيادة كاملة بكل معانيها، وتستطيع الدولة الجديدة أن تقيم مشاريع مستقلة مع جهات خارجية وتحصل دولة الجنوب على حصة الجنوب من النفط بنسبة 100%».
وقال «أندرو مايير»، بائع الأحذية في شارع الدكاترة في مدينة أم درمان، لـ«الشرق الأوسط» إن أوصاله ترتعد عندما يسمع كلمة «الانفصال»، وقال إنه يعمل في محله التجاري منذ أعوام ويمتلك منزلا في الخرطوم وكل أبنائه هم أبناء الخرطوم، ولديه جيران علاقته معهم تعدت الجيرة إلى أخوة.. «لذلك فأنا باق في الخرطوم مهما حدث»، وأضاف «إنهم يريدون تعقيد حياتنا.. ما لها الوحدة بين السودانيين؟.. إذا كان الموضوع هو التنمية في الجنوب فعلينا أن نطالب بها بقوة فقط».
ولكن قال أحد الجنوبيين استطلعت رأيه «الشرق الأوسط» في شوارع الخرطوم، ورفض ذكر اسمه باعتبار أنه يعمل «في وظيفة حساسة» إن الانفصال بالنسبة للجنوبيين «مثل الدواء المر الذي يتجرعه الإنسان من أجل التداوي»، وقال «نحن في مجالسنا الخاصة كجنوبيين نقول الكثير الذي يعبر عن مراراتنا طوال عقود.. يستوي في ذلك الابن والجد والمسيحي والمسلم الجنوبي». وحسم الأمر بقوله «سيصوتون للانفصال كمن يشرب الدواء للتداوي غير عابئ بالآثار الجانبية الدواء».
ولفت قيادي وسيط في حزب الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي، المنشق عن الحركة الشعبية، بزعامة وزير الخارجية السابق الدكتور لام أكول، طلب هو الآخر عدم ذكر اسمه، إلى أن «الجنوبيين مكدسون بالضغائن تجاه الشمال.. وشعورهم بأنهم ظلموا.. لذلك سيصوتون للانفصال»، ويرى أن طرح مثل هذه الأمور للاستفتاء الشعبي «غير حكيم من القيادة السياسية لأن النتائج ستكون قائمة على حسابات غاضبة لا تنظر إلى المدى البعيد للأمور». وتوقع القيادي في الحزب المنشق أن «تتحول الحركات والأحزاب الجنوبية، في حال عدم السماح لها بنشاط سياسي حر في الدولة الجديدة، إلى حركات تحرر من قبضة الحركة الشعبية، وقد تحمل السلاح منطقة من أي مكان، ربما من الشمال أو من دول الجوار، وقال «عندها ستتحول مناطق بين الشمال أو الجنوب إلى مناطق محاصرة أشبه بوضع غزة الفلسطينية، وقد تتحول الأمور إلى حرب بين الشمال والجنوب إما مباشرة أو بالوكالة».
الخرطوم: إسماعيل آدم
أعلن رئيس الحركة الشعبية – التغيير الديمقراطي، الدكتور لام أكول، ترشيح نفسه لمنصب رئيس حكومة الجنوب، عن تحالف بعض الأحزاب الجنوبية، في الانتخابات المقبلة، بعد يوم واحد من ترشيح الحركة الشعبية، الشريك الثاني في الحكم، رئيسها سلفا كير لمنصب حكومة جنوب السودان، فيما قالت الحركة الشعبية إنها «ستعلن السبت المقبل أسماء مرشحي الحركة للولاة في الشمال والجنوب وأعضاء المجلس التشريعي». ويعتبر أكول، وهو وزير خارجية سابق، أول منافس لسلفا كير في الجنوب يظهر للعلن. ويضم تحالف أكول نحو 12 حزبا جنوبيا، من بينها: حزب المؤتمر الوطني بزعامة البشير (قطاع الجنوب)، وحزب يوساب 2، و«سانو2»، والمنبر الديمقراطي بزعامة بونا ملوال، وجبهة الإنقاذ المنبر الديمقراطي، والجبهة الديمقراطية المتحدة. وتعتبر الحركة الشعبية هذه الأحزاب «صنيعة» لحزب المؤتمر الوطني. وقال أكول في أول تصريحات صحافية له إن «التحالف مصرّ على ممارسة نشاطه السياسي وفقا للدستور والقانون»، مناشدا المجتمع الدولي بمراقبة أي انتهاكات يمكن أن تحدث في العملية الانتخابية. وكان لام أكول تقدم بشكوى للمحكمة الدستورية شاكيا من منع حكومة الجنوب حزبه من ممارسة نشاطه السياسي في الجنوب. في هذه الأثناء، قال رئيس لجنة السجل بالمفوضية القومية للانتخابات الدكتور مختار الأصم، في تصريحات، إن المفوضية أرسلت خطابا إلى رئيس حكومة الجنوب سلفا كير توضح له منع العسكريين من الترشح في الانتخابات، وأضاف أن «هذا الأمر ملزم لكافة العسكريين»، فيما قلل نائب الأمين العام للحركة الشعبية مرشح الحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية ياسر عرمان من الجدل بشأن منصب سلفا كير العسكري، وكشف في تصريحات إن الحركة الشعبية شكلت لجانا للنظر في كافة الإشكالات القانونية والإجرائية المتعلقة بالانتخابات.
فيما كشف، الأمين العام للحركة الشعبية باقان اموم إن المكتب السياسي للحركة الشعبية يدرس إمكانية التحالف مع بعض الأحزاب الجنوبية والشمالية خلال الانتخابات القادمة. وقال أموم خلال مؤتمر صحافي إن الحركة تسعى لقيادة التحالف للفوز بالانتخابات، وأضاف أن اجتماع المكتب السياسي سيعلن السبت أسماء مرشحي الحركة للولاة في الشمال والجنوب وأعضاء المجلس التشريعي. وفي المؤتمر الصحافي، اعتبر رئيس حزب الجبهة الديمقراطية المتحدة بيتر عبد الرحمن سولي، ترشيح الحركة الشعبية ياسر عرمان لمنصب رئيس الجمهورية بمثابة حرص من الحركة على مفهوم السودان الجديد. ونسب إلى سولي قوله إن ترشيح عرمان دليل على أن البلاد مقبلة على التحول الديمقراطي. إلى ذلك، طالب محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض مفوضية الانتخابات في السودان بتمديد فترة الترشيح للانتخابات إلى شهر بدلا من 11 يوما تنتهي في 22 يناير (كانون الثاني) الحالي، كما طالب بحصر فترة الاقتراع في يوم واحد بدلا من 3 أيام. ويعتبر «الاتحادي» من بين الأحزاب التي لم تتمكن حتى الآن من تحديد مرشحيها للانتخابات في أي من المستويات، كما لم تتخذ الخطوة ذاتها من قبل حزب الأمة المعارض بزعامة الصادق المهدي، والحزب الشيوعي المعارض بزعامة محمد إبراهيم نقد. وقال في بيان حمل توقيع محمد الحسن محمد عثمان عضو الهيئة القيادية في الحزب الاتحادي، إن «تحديد ثلاثة أيام للاقتراع من قبل مفوضية الانتخابات أمر مرهق للناخبين خاصة في المناطق النائية وللعاملين أيضا»، وأضاف «كما أن مدة الثلاثة أيام للاقتراع يمكن أن تفتح مجالا للتزوير، لهذا فإننا نقترح أن تقوم المفوضية بتعديل الجدول الزمني والاقتراع لتصبح مدة الترشيح من 12 يناير (كانون الثاني) إلى 11 فبراير (شباط) المقبل، وأن تكون مدة الاقتراع يوما واحدا مع توسيع مواقع الاقتراع.
واعتبر الميرغني مطالبه «ضرورية لتصبح الانتخابات حرة ونزيهة»، وقال في هذا الخصوص: «صحيح أن هذا الطلب يقود إلى تعديل ما بقي من المواقيت للانتخابات، غير أن هذا لازما وضروريا لتصبح الانتخابات حرة ونزيهة، لا سيما إن قامت المفوضية بعدة تعديلات تتعلق بالمواقيت»، واعتبر البيان أن الانتخابات «لم تكن كسابقاتها، فهي معقدة إلى حد كبير وتحتاج إلى جهد مشترك بين الأحزاب السياسية والمفوضية بغرض تذليل الصعاب». ويرى متابعون لشؤون حزب الميرغني أن الحزب، يسعى إلى توحيد تياراته والأحزاب المنشقة عنه قبل الدخول في مرحلة الترشيحات للانتخابات.